عزيز بوكا
الحوار المتمدن-العدد: 3815 - 2012 / 8 / 10 - 23:04
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تتكون الحلقة الصفية من عدد غير محدد من الأفراد , يتموضوعون على شكل دائرة , تكون كبيرة أو صغيرة على حسب حجم الحضور المشارك في النشاط الصوفي , و قد قمنا بمعاينات لهذه الحلقات منطلقين من افتراض أن التعبير الصوفي يحبل هو الأخر بمجموعة من التفاعلات الديناميكية و التي تتجاوز الستاتيك الذي ترسمه الخطاطة الصوفية .
بمجرد الدخول إلى "تمزكيدا ن زوزظ "تلوح لك هتافات مهللة "الله أ سيدي" , إذا تأملنا العبارة نجد فيها تمايز ولكن هذا التمايز لا يكون طبقي و نلاحظ أن هذه العبارة بسماتها الترحيبية "مرحبا أ سيدي" تخص كل الحضور كيف ما كان موقعهم الاجتماعي داخل القبيلة ,أمام باب "المصلى" نجد أعداد كبير من الأحذية لا يتبين هل هي أحدية أم ركام هائل من التراب , ندخل على صالة مستطيلة الشكل و ليست مسقفة بل هي في اتصال مباشر ب "السماء" , مفروشة بحصير ليس بالرث و لا بالجديد , بل هو حالة تالتة بينهما ,نجد مجموعة من الحضور الصوفي الواقف ؟؟ هذا الحضور هو من الدرجة الثالثة أو الرابعة , كيف ذلك ؟ شكل "الحلقة الصوفية نجده كما قلنا في البداية على شكل دائري , عند الإمامة يقف أربعة أشخاص مختلفي الأشكال و الأعمار , فالأول (ش أ) ذو لحية بيضاء , ووجه أبيض يميل إلى الحمرة , يضع عمامة فوق الرأس و قد لفها بعناية , تتدلى مسبحة كبيرة على ذقنه إلى حدود البطن , تميز المسبحة بحباتها الكبيرة و سواد لونها , يلبس جلباب أبيض اللون يشير مظهره ونوع المعاملة التي يعامل بها إلى المكانة التي يلقاها عند الحضور , الشخص الثاني ( ش ب ) هو أيضا ذو وجه ناصع البياض ,و لحية كثيفة تنزل حتى الصدر يضع قطعة ثوب على رأسه تغطي الرأس و الكثيفين و تظهر جانبا واحد من الوجه , على جبينه علامة سوداء اللون يشير مظهره على الزهد المفرط و كثرة العبادة , هو أيضا له مسبحة بذلك الشكل الذي وصفناه عند الشخص الأول و لكن الاختلاف في لون الحبات الأحمر اللون , ألشخص الثالث و الرابع هما شابين يقفان إلى جوار الشيخين شكلهما غاية في الحقارة لباسهما لا يتعدى " فوقية " بيضاء و مسبحات تشابه مسبحات الشيخين , يقف الأربعة خارج الحلقة , ويرددون أذكار بطريقة غنائية تجعل الحاضرين في الحلقة يرقصون على إيقاعها و هم يرددون كلمات لا أفهمها , وما أسمعه فقط هو" لحهي" , فيما بعد تبين لي أنها اشتقاق و محاولة تكييف كلمة " الله حي " , ولكن السرعة في قولها جعلها تخرج على ذلك الشكل , طبيعة الرقص, هو القفز من أسفل إلى أعلى , ومن أعلى إلى أسفل , و لا يشترط دخول الحلقة أي شرط هي للجميع , و الجميع لها , تكبر الحلقة و تصغر بإرادة مسير الحلقة الذي يدخل إلى الوسط , وأن تكون مسير الحلقة الصوفية , يتطلب شروط , أن تتقن لعبة الرقص , وان تسير بشكل جيد , أما الذي لا حضته داخل الحلقة , شاب تبدوا عليه تيماث الفقر , فشكل جلباب رث يصعب تمييز لونه , يضع " طربوشا" على رأسه , و مسبحة كبيرة مثله مثل شيخه و لكنه لم يضعها على طريقة الشيخ فهي تضايقه من شدة الرقص و ظعها تحت اليد ليسرى , لتكون رابط بين العنق و الإبط الأيسر , مخالفا طريقة الشيخ , يقف في المركز , يرقص كالآخرين , يشير بيديه من أعلى إلى أسفل , بين الفينة و الأخرى يخرج من المركز و يدور على الدائرة في حدودها , وكأن شيأ يطارده , يتوقف و يتحول إلى المركز بعد دورتين أو ثلاث وهو يقول تلك الكلمة العجيبة "لهحي" , يعاود تكرار نفس العملية , ولكنه يتعب و يقوم بتقبيل أحدهم على كتفيه , ويسلمه المسبحة و يدخل , يبدوا أنهم يعرفون بعظهم جيدا , لآن الذي دخل حتى هو يتقن اللعبة جيدا , و لكن له طريقته الخاصة في التسيير فهو يوسع الحلقة بدفع الناس و بعد توسيعها يتحول إلى المركز و يقف وهو يردد تلك الكلمة , ويزيد في الإيقاع و الأشخاص الأربعة مازالوا يرددون تلك الأذكار المختلطة بالنبرة الغنائية و التي تضفي على الحلقة بعدا غنائيا , يجعل المتصوف في نشوة روحية , ولكن فجأة يقوم بتضيق الحلقة و يقصي بعض الأطفال و ذلك لتخلفهم في إيقاع الرقص , و يظلون على ذلك الحال حتى يعلن الأشخاص الأربعة عن انتهاء الحلقة تم يجلسون مرة آخرة , ولكن هذه المرة لم يبقوا طويلا بل عاودوا الوقوف بسرعة , و بتدافع شديدين , فالشخص ( أ) دائما ما يشير بيده و يرمز إشارات للتموظوع , هذه الإشارات تتراوح بين الوقوف للرقص و الارتفاع في الإيقاع , والتنبيه للتوسيع الحلقة وتضيقها فهو الذي يملك السلطة لهذا , انه يزاوج بين الروحاني و الدنيوي فهو لا يبقى في اللادونية طويلا , ويحاول الرجوع مرة أخرى إلى الدنيوي و يحاول تدبير الحلقة , ولكن كل ما يتواجد داخل الحلقة في هجرة روحية لا يعود حتى يعلنون الانتها ( ش (أ) و ش ( ب) ) , ولكن امتداد سلطته لا يتوقف عند الحلقة الصوفية بل يمتد إلى خارجها , أولئك الذين أسمينهم الحظر ون من الدرجتين الثالثة و الرابعة حتى هؤلاء يشملهم الامتداد الصوفي و لو في درجة أقل و يضم هذا الحيز من المجال , أشخاص مسنون , و أشخاص لديهم موقف من الصوفية , وأغلبيتهم شباب تأثروا بالامتداد الوهابي , هنا يبدأ التعارض و لكنه يذوب في نفس الوقت , و ذوابنه هو عملية هدنة بين الانتماءين الدينين , ولكن في إطار جدلية التأثير و التأثر , في ملاحظاتي عاينت أحد الأشخاص المتأتيرين بالوهابية , وهو يدخل إلى الحلقة الصوفية من خلال حديتي معه أجاب أنه فقط دخل من أجل "النشاط ذ الثقشيب" ,ولكن هذا الجواب يخفي وراءه تأثر فمجرد دخوله الحلقة الصوفية يستسلم و يعلن الرضوخ و التأثير الروحي الذي يمارسه الطقس , هناك إذن جدلية مخفية جدلية التأثير , والتي تمارس من خلال الإيقاع , و النبرة الصوتية , و الأذكار, و طبيعة الأذكار . إنها السلطوية في امتداداتها العميقة وفي أشكالها المتعددة , فكل التعامل الذي يلقاه ( ش أ) يشير إلى هذا البعد , أنا لا أتحدت عن الخطاطة السلطوية التي تكلم عنها عبذالله حموذي ( 1), و لكن هناك مؤشرات على وجودها , فمسار السلطة الرمزية يبدوا من خلال اللباس و شكل الوجه و اللحية و المسبحة , كل هذا ينتج رموز تجعل منه يرتقي على الآخرين , نبرته الصوتية في الأذكار , تنتج فيضان من الأحاسيس , يستسلم لها الصوفي , ارتماء على كتفه و تقبيلها هو اعتراف مضمر لسلطته , انفراده في الأكل مع الأشخاص الأربعة , تسيره للحلقة الصوفية و هي في أشد عنفوانها , فهو الذي يعلن عن بدايتها كما يعلن عن نهايتها , فطبيعته تخول له رأسمال رمزي , في أعين الحضور , كما أن قيم البركة و الشرفة بتداولها الحضور في قليل من الحذر.
إن و لوج الحلقة الصوفية لا يمر على أي شرط , ولكن الولوج إلى التسيير يتطلب إتقان "لعبة الرقص" , فالتضحية التي يبذلها المضحي ترقى به في مراتب التواجد الصوفي في المجموعة , فالتفاعلات داخل الحلقة الصوفية يبسمها نوع من التسامح , و الرغبة في تحقيق الخلاص , و الهجرة لروحية , فالحلقة يتواجد فيها , الأسود و الأبيض , كما يتواجد فيها الصغير و الكبير . إذن هذا هو التفاعل الذيناميكي الذي ترسمه الحلقة الصوفية , وهذا التفاعل يحاول التجدد , فيختفي هنا ليظهر في مكان أخر بشكل لا يستبعد أن يكون خفيا .
1ـ وهي الخطاطة الصوفية التي انطلق منها حموذي من خلال نموذج "الحاج علي الدرقاوي" , لينطلق حموذي ليعمم هذه الخطاطة على مستويات عدة منها الأسرة و السياسة ...
عزيز بوكا , معاينة للحلقة الصوفية في أحد المساجد في قبيلة " أيت براييم" , 08/08/2012
#عزيز_بوكا (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟