أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أولفقيه يونس - لعنة القدر














المزيد.....

لعنة القدر


أولفقيه يونس

الحوار المتمدن-العدد: 3810 - 2012 / 8 / 5 - 18:42
المحور: الادب والفن
    


نحن في الأيام الملتهبة من فصل الصيف،وإذا كنا،حتى ذلك الوقت،قد فقدنا أي إحساس بالزمن،فإن سبب ذلك راجع لأننا نجتر أيامنا في رتابة قاهرة.المكان ضيق ومحدود،يشبه علبة الكبريت البالية.جو الغرفة خانق تحس بالجفاف في فمك وأنت تتنشقه،لكأن حنجرتك ملأت بالرماد والتبن.رائحة الأجساد المغسولة بالعرق والمتراصة بمحاذاة الجدران ُتزكم الأنوف.الشمعة،الوحيدة في هذه الغرفة البئيسة،ترسل هالة من النور الخافت لا تكاد تميز معها الأشياء المتهالكة على بعضها البعض في فوضى عبثية..حزن محسوس يجتاح العروق والعظام،يكسره صوت الراديو وهو يصدح بأغنية أمازيغية تحكي عن أهوال الزمن وما تتركه في النفس من أعطاب غائرة لا سبيل لرتقها..
أجيل نظري حولي فلا أرى إلا الشقاء وقد زرع أنيابه تحت جلدنا..إنه في كل مكان.في الركن القصي من الغرفة يجلس أبي على حصير ممزق ومتسخ لدرجة أنه إلتحم مع الأرضية الترابية فأصبح جزءا منها. أبي لا يفعل شيئا غير النوم والتدخين والمكوث في مكانه لا يحرك ساكنا ليلا ونهارا،حتى أن جسده حفر في الأرض تضاريسا تحاكيه.على محياه أرى المرارة والنقص.على مقربة من الباب الخشبي تنتصب أمي بجسدها الهزيل،وذلك لأنها تفني أيامها في العمل خادمة ببيوت الناس وهي تحاول أن تظفر بما يسد رمق العائلة المعطوبة.أشيح عنها فإذا بي أرى إخوتي الصغار،بنتان وولد،وهم في غمرة لعبهم بدمية بلاستيكية،لا يكترثون بشيء آخر من حولهم،براءة ملائكية كانت تحيط بهم.نوع من الفرح الداخلي إجتاحني وأنا أتفرس فيهم..ألصقت رأسي بالحائط ومددت جسدي فإذا بي أستعيد كل شيء في ذاكرتي دفعة واحدة..
كان ذلك اليوم من تلك الأيام المشؤومة التي لا يحب أحد أن يتحدث عنها بذكرى لشدة ما تخلفه من مصائب مفجعة،ذلك أن الأحزان تعني جميع الناس،وتمتد فترة طويلة.أتذكر أن المطر لم ينقطع لأسبوع كامل،لكنه في ذلك اليوم كان كالسيل الشاهق ينهمر بغزارة وتدفق.استبشر الناس خيرا أول الأمر خصوصا أن تلك السنة كانت قاسية وطويلة،لكنهم ما لبثوا يبتهلون بالأدعية بعد أن استمرالهطول المخيف للمطر مصحوبا بعاصفة مدوية من البرَد المتحجر طوال فترة الظهيرة.وفي غضون ساعات قليلة صارت الأزقة والشوارع وديانا مندفعة لا تعرف التوقف.حوصر من كان داخل بيته أما من كان بالخارج فقد عرف تمرد الطبيعة كيف يكون.ولأن مجارير بلدتنا تقليدية ومسدودة بالنفايات،ظل الحال على ما هو عليه لأيام طويلة.ولإِن توقف المطر أخيرا،فالمأساة بدأت ولن تهدأ..
بدأت اذن الأيام الصعبة القاسية.وإذا كانت الأحزان تفرق عادة بين الناس،وتجعل كل انسان يبحث لنفسه عن طريقة يؤمن بها راحته،فإن الأحزان تقرب بين الناس عندنا،وتجعلهم أسرة واحدة وجسدا واحد.ذلك أن البشر اذا واجهوا المصاعب بروح من التعاون والمشاركة،تبدو هذه المصاعب أقل قسوة،ويمكن التغلب عليها.وبهذه الطريقة الفذة المليئة بالبطولة الصامتة،لم يترك أحد دون أن تقدم اليه أقصى المعونات اللازمة..
لكن ما ظل يؤرقني لليال طويلة هو مشهد ذلك الطفل الذي انتشلوه من تحت ركام منزله الترابي الذي سقط فوق رؤوسهم وهم متحلقون على مائدة الطعام يتقاسمون وجبة الغذاء.حملوه جريا وهم يحسبون أن الروح لم تفارقه بعد مع أن جسده كان شاحبا وقاتما.لم تصل سيارة الإسعاف فاقتادوه بسيارة عادية إلى المستشفى لكن روحه كانت قد رجعت لخالقها.اهتاج الناس لذلك المشهد وطفحت قلوبهم بالحزن والغضب المكبوت.ولأن رجال الإنقاد لم يأتوا هم كذلك إلا بعد فوات الأوان،فقد تجمهر الناس في مظاهرة جماعية احتجاجا على الأوضاع المزرية للمعيشة،لكن سرعان ما تفرق كل شيء بتدخل من قائد المنطقة ومخزنه.وبقيت المرارة في القلوب..في وقت ما حمل الطفل على نعش ملفوفا بقماش أسود.في بداية المقبرة،كانت جموع كثيرة تنتظر.لا يدري أحد كيف تجمعت،ولا من أي صوب أتت.كان شعور قوي بالتلاحم يغلف الأرواح المتكسرة جميعا..
كانت النفوس تعرف أوقاتا عصيبة..إذ أن الأمر لم يتوقف عند فساد المحصولات الزراعية والتي تشكل النصيب الأوفر من إقتصاد المنطقة المعيشي،بل تعداه إلى إنهيارالعديد من المنازل بطرق فجائية.وهكذا وجدنا عائلتنا نفسَها في عدادِ المشردين على غرار غيرها من العائلات.وعدتنا السلطات المحلية بتقديم إعانات وملاجئ للسكن على سبيل التعويض..وهاهوذا..غرفة حقيرة،بئيسة،نتنتة،لا تصلح حتى مأوى للكلاب الضالة..



#أولفقيه_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمنُ الخطِيئة


المزيد.....




- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أولفقيه يونس - لعنة القدر