أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - بن ورقلة نادية - تجربتي مع مرضى السرطان















المزيد.....

تجربتي مع مرضى السرطان


بن ورقلة نادية

الحوار المتمدن-العدد: 3808 - 2012 / 8 / 3 - 08:47
المحور: المجتمع المدني
    


إن تجربتي الخاصة مع مرضى جمعية السرطان تجربة من نوع آخر كنت في البداية أرغب في التعرف على مشاكل التنقل وكيف يقضي المريض وقته في رحلته لتلقي العلاج للتعرف على صعوبات الرحلة و ظروف الاستقبال ولكنني ما إن بدأت رحلتي الأولى معهم حتى تنبهت لأمر هام و هو أن الرحلات تكون بمعدل أربعة أيام في الأسبوع موعد الرحلة ينطلق على الساعة الثانية صباحاً و سائق السيارة هو من يتنقل لبيوت المرضى لنجد معظمهم ينتظرون من أمام منازلهم و أغلبهم يقطنون بأحياء قلما نسمع عنها كما أن وضعهم المعيشي صعب فهناك من يقطنون بمنازل غير مهيأة و تفتقر إلى أدنى شروط العيش المريح . عندما نراجع عدد المرضى لتأكيد الحضور تنطلق الرحلة إلى مركز المعالجة ,الملاحظ أن هناك حالات كثيرة من الغثيان فالمرضى لا يتحملون مشاق السفر خاصة ممن بدأوا علاجهم الكيماوي و ما ينجم عنها من إرجاع و آلام، لذا عادة ما نتوقف لأخذ قسط من الراحة و الصلاة، نصل في غالب الأحيان على الساعة السابعة و النصف، و فور وصولنا يتوجه المرضى إلى الأجنحة المخصصة ( قسم الجراحة لإجراء عملية ، قسم العلاج الكيماوي) . و هنا أعمد إلى مرافقة المرضى للاطمئنان عليهم و متابعة أحوالهم عن كثب، رفقة مرافقة اجتماعية تتقاضى راتبها الشهري من الجمعية تكون دائما في انتظارهم لتسهيل تنقلهم داخل المستشفى .ذهبت في إحدى المرات لزيارة مريضة بقسم سرطان الدم و لم يكن من اليسير الحصول على إذن للزيارة و دخول الجناح لأن المريض يكون غالبا في حالة مستعصية خائر القوى ،لا يقوى على الحديث و لا على الحركة .و لكني استطعت الوصول إليها و عندما دخلت غرفتها رفقة زوجها وجدتها مستلقية غائبة عن الوعي و لم تكن بالأمس في هذه الحال فقد تحدثت قبل ساعات إلى أطفالها عبر الهاتف ثم تغير وضعها فجأة و دخلت في حالة من الغيبوبة، لم تدم طويلا بعد أن أسلمت روحها إلى بارئها في ذات المساء الذي زرتها فيه، توفيت بعد أن ترددت على مستشفى معالجة الأورام خمس سنوات، فلم تشفع لها أمومتها و لا جمالها .هناك مريضة أخرى أصيبت بالسرطان و لم يتقبل زوجها فكرة مرضها فحرمها طفلها و تزوج بامرأة أخرى و من فرط الصدمة أصيبت بشلل فعجزت عن الحركة و بقيت طويلا على هذه الحال، و عندما التقيتها آخر مرة كانوا قد أجروا لها عملية معقدة و بدأت في المشي بصعوبة و لكنها بدأت تتعافى و تبتسم، مريضة أخرى أصيبت بداء سرطان الدم فنفر منها زوجها و كانت قد وضعت مولودها حديثا عندما اكتشفت حقيقة مرضها فطلقها عندما اطلع على حالها و سلب منها ابنها الرضيع فتربى و ترعرع في كنف أهل أبيه و بعد أن كبر الطفل بقليل أصبح ينفر من أمه ظنا منه أنها أخته و أنها مصابة بمرض معد و لا يتعين عليه الاقتراب منها حتى لا تصله العدوى بعد أن أخفوا عنه فكرة أنها أمه الحقيقية .فأصيبت بإحباط نفسي و استعصى على الأطباء أمر علاجها و أصيبت بهزال شديد جراء وضعها النفسي المتأزم و هي اليوم معاقة عاجزة عن الحركة . امرأة أخرى أصيبت بورم على مستوى رجلها و أجريت لها العملية بنجاح و تعافت تدريجيا و في إحدى المرات سقطت فتورمت رجلها و بعد أن أجرت التحاليل تبين أن المرض قد زارها مرة أخرى و استوطن في رجلها المتورمة و كونها امرأة مطلقة و لها ابنة عزباء كانت مرافقتها الدائمة تعرضت للكثير من المضايقات عندما كانت تسافر ليلا إلى أن اتصلت بالجمعية و لكن نفاذ الدواء و انقطاعه لفترة بالمستشفى أدى إلى تأخير العلاج فلم يشفع لها المرض ثم عادت لتعالج لتنقطع لفترة و لم نعد نراها، و بعد بحث طويل استطعنا الوصول إليها بعد أن أطلعتنا ابنتها عن وجودها بالمستشفى فكانت في وضع صحي صعب و لم يكن أخوها الميسور الحال ليواسيها أو يعبأ لأمرها بل زاد في إشعال فتيل الحقد و الكراهية عندما بدأ يتحدث إلى أولادها الصغار عن حقهم في الميراث ووصلني نبأ وفاتها أيام قليلة بعد ذلك، مهندسة دولة و امرأة مثقفة بإمتياز و جميلة فوق ذلك تزوجت و لم يمر على زواجها فترة طويلة لتكتشف أنها مصابة بداء سرطان الدم و بعد أن انهارت لهول الخبر تمسكت بالله و بزوجها الذي أسند لها ظهره و بقي الى جانبها يواسيها و يرافقها في رحلة العلاج، العلاج لم يكن هينا فلم تكن تقوى على النهوض و التحدث فكانت أمها تسندها و تطعمها كالطفل الرضيع و كانت تنام أيام متتالية و لا تقوى على رؤية الضوء أو سماع ضجيج أو حركة جراء الجرعات الدواء القوية ، تحدثت لي عن الإبر و بعض الآلات الحادة التي تنخر عظمها وتحفره و عن الساعات الطوال التي تقضيها عندما تحقن بالدواء الكيماوي لتشعر بإنفصال روحها عن جسدها من شدة الألم فتدمع عيناها و تكتم الصراخ و عندما تعود رفقة سيارة الجمعية في المساء التي يتأخر موعد انطلاقها عادة في رحلة العودة أين يتعين على المرضى انتظار بعضهم البعض ترافق المرضى بالرغم من حالها لتكتشف بعد أن بدأت تعاطي العلاج الكيميائي حملها فنصحها الأطباء بالعدول عن فكرة الحمل ففكرت طويلا و توصلت إلى فكرة إنجابه بالرغم من إدراكها للمضاعفات الصحية و تعقد حالها إن توقفت عن تعاطي العلاج في أهم مرحلة من مراحل علاجها الدقيقة فدحضت فكرة الإجهاض فحملت و أنجبت طفلا سليما كاملا و بعد الولادة بدأت العلاج من بدايته و ها هي اليوم تواصل رحلتها علها تشفى لأجل ابنها الذي سمته محمد و لكنها لا تقوى على حمله لعجزها و ضعفها من فرط العلاج القوي و لكنها لا ترضى أن يعطف عليها أحد فبالرغم من آثار العلاج إلا أنها تخفي ألمها و تتحدث لك عن كل المواضيع إلا المرض، الملاحظ كما جاء في إشارة سابقة مني أنه إذا تأخر واحد منهم تعين على الجميع الإنتظار و لو لأخر النهار فلا بد أن يعود الجميع إلا في حالات استثنائية كالجراحة و تلقى بعض الإسعافات المستعجلة إذا ما تراجعت حال المريض و تضاعفت نسبة الخطورة هنا يتم إخضاعه للعلاج المكثف و يبقيه الطبيب المعالج تحت المراقبة لمتابعة الحالة عن قرب، هنا فقط يتم استبقاءه و العودة من دونه، الموضوع الأساسي الذي يتحدث فيه المرضى هو عن المرض و الجميع يكتم أوجاعه و مخاوفه و ان لم يتحدثوا يؤثرون الصمت و السماع إلى الموسيقى نعود دائماً ليلاً على الساعة العاشرة و النصف و أحيانا نصل في الساعات الأولى من الصباح، نعود و الجميع منهك و نقوم بإيصال كل مريض إلى منزله، عقبة هو الآخر شاب في مقتبل العمر جامعي أصيب بداء السرطان و تعذر عليه إكمال دراسته فتمرد على ذويه و لم يقبل فكرة التنقل اليومي التي يستدعيها وضعه، فرفض فكرة العلاج و آثر البقاء و لكن بجهد جهيد تقبل فكرة العلاج و تعافى و عاد لمزاولة حياته بعد أن أنهكه السفر فكان يعود لينام ساعتين ليعود في اليوم التالي و لم تكن حصص العلاج تطول و لكنه كان مجبرا على انتظار البقية فتكبد عناء الانتظار الطويل و هو جالس في الحديقة ينتظر موعد الرحيل .عقبة الذي تهرب من أسئلتي و لم يستحسن فكرة وقوفي بجانبه تحدث إلي بعد أن اعتاد حضوري و أصبح هو من يبادرني بالسؤال على الفايس بوك و إن انشغلت عليه قليلا انصرف فهو لا يطيق الانتظار " عنفوان الشباب " .
هناك فئة من المرضى تتعلق بهم و تجدهم مقبلين لا معرضين عن الحديث فهناك من يتحدث معك بتحفظ و استحياء و هناك من يتحدث إليك بصعوبة و غبن و هناك من يشكو لك وضعه الاجتماعي خاصة و أن أغلب الرجال الذين تحدثت إليهم لا يملكون دخلا فحالتهم الصحية لا تسمح لهم ببذل أي جهد و إن توقفوا لن يجدوا المعيل فيستدين المريض و يتضور جوعا و هو من يحتاج إلى وجبات صحية كاملة و راحة. هذا الأخير هو الأكثر تضررا فهو يعاني من سوء التغذية و يفتقر لأدنى سبل العيش المريح. فكيف له أن يقاوم المرض .و هو لا يجد ما يسد رمقه .أغلب المرضى يعرضون عن الأكل لأن العلاج صعب و لكنهم بعد فترة يشتهون الأكل و عندما ينزل إلى السوق يجد كل ما يبحث عنه و لكنه لا يملك المال فيكتفي بالنظر فقط.
الملاحظ أيضا عندما نتوقف في رحلة العودة لأخذ وجبات خفيفة أو اقتناء بعض المشروبات و قطع من الحلوى لا ينزل أغلب المرضى. لماذا ؟ سألت السائق في إحدى المرات فأجابني بأن أغلب المرضى لا يملك شيئا أي أنه يسافر دون أن يحمل دينارا لقصر اليد .فعندما تقترب من النسوة يحبذن شرب الشاي لا أكثر و يطلبن هذا في استحياء و إذا عرضت على الرجال و دعوتهن فيطلبن في استحياء أيضا و عنفوان . فيتساوى المرضى الرجال منهم و النساء في الخجل و المرض و الفاقة .



#بن_ورقلة_نادية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تبعات العولمة الهجينة على مجتمعاتنا العربية
- على دفة الحنين


المزيد.....




- مساعد وزير الخارجية الأسبق: عرقلة منح فلسطين عضوية بالأمم ال ...
- اعتقال أكثر من 100 شخص خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين في جامعة كو ...
- السعودية تأسف لفشل مجلس الأمن في اعتماد مشروع عضوية فلسطين ا ...
- فيتو أمريكي يمنع عضوية فلسطين في الأمم المتحدة وتنديد فلسطين ...
- الرياض -تأسف- لعدم قبول عضوية فلسطينية كاملة في الأمم المتحد ...
- السعودية تعلق على تداعيات الفيتو الأمريكي بشأن عضوية فلسطين ...
- فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي ...
- حماس تحذّر من مساع -خبيثة- لاستبدال الأونروا
- الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المت ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - بن ورقلة نادية - تجربتي مع مرضى السرطان