أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الواحد ايت الزين - محاولة نظر في وضع المسلم بين إسلام النص وإسلام الثقافة















المزيد.....



محاولة نظر في وضع المسلم بين إسلام النص وإسلام الثقافة


عبد الواحد ايت الزين

الحوار المتمدن-العدد: 3807 - 2012 / 8 / 2 - 23:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



"لقد أوضح نيتشه، ومن بعده ميشيل فوكو
و في أكثر من موقع، بأن معنى الأشياء - كانت
ما كانت- لا يُعرَف بغير معرفة القوة التي تتملك
الشيء، وتعبر عن نفسها فيه".

*** *** ***
" ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون...أ تامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون"،(القرآن الكريم، سورة البقرة، الآيتان، 41 و43).
" ... الدين الحق لم يوجد للفخفخة المظهرية، ولا لسيطرة الإكليروس، ولا للعنف، بل وجد لتنظيم حياة الناس وفقا للفضيلة والتقوى. " ( جون لوك، "رسالة في التسامح"، ترجمة عبد الرحمان بدوي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1988، ص 65).
" هذا هو بلد الملل والنحل، ويذهب الإنكليزي، كرجل حر إلى السماء من الطريق الذي يروقه".( فولتير، "الرسائل الفلسفية"، ترجمة عادل زعيتر، دار المعارف بمصر، 1959، ص31).
"اخرج إلى الطرقات والدروب وألزم الناس بالدخول حتى يمتلئ بيتي"( إنجيل لوقا، الإصحاح 14، العبارة 23).

*** *** ***

غالبا ما يكثر النقاش حول سؤال التدين مع حلول كل مناسبة دينية، فتطالعنا بعض الكتابات ، التي تحاول جاهدة مقاربة المسألة الدينية الإسلامية، كتابات قد تتوزع على جهتين، الأولى تحاول الظهور بمظهر السيف المدافع عن دين الله الحق، والثانية تتلبس بلبوس المنتقد لذلك.لابد أن نسجل أن الطائفتين معا، تنقسمان بدورهما إلى عدة فرق، محاولتنا هذه، محاولة لإبداء النظر في المتطرف من الفرقتين، الفرقة التي تغالي في دفاعها عن الإسلام، لدرجة التكفير وإعلان الارتداد، والإفتاء بالقتل، وغيرها من الممارسات والأقوال التي تحسب على التشدد العقدي، ثم الفرقة التي ترى بأن استقامة المواجهة، تقتضي من ضمن ما تقتضيه، نقدا متطرفا لآخرها، ولعل العودة إلى بعض فايسبوكييها (المقصود، ما صار مثابة موضة على الفايسبوك، من استهزاء وسب للمقدسات الدينية، كيفما كانت صيغها وألوانها، ونحيل إلى بعض الصفحات الخاصة بذلك من قبل صفحة الملحدين العرب، لا إله إلا العقل وغيرها ....) مما جعل مكتوبهم، يبدو وكأنه " قصيدة هجاء وشتائم"، مبذولة في حق أغيارهم من المتدينين، و المتتبع لمثل هذه المواقف، سيجد أن حرارتها ترتفع مع حلول بعض "المواسم" الدينية، كما هو حال رمضان خلال هذه الأيام.
إن العقيدة شأنها في هذا الصدد شأن كل النزعات الكليانية، ترى الوجود وحدة مطلقة يؤثثها الانسجام والتطابق التام والمطلق، ولعل العقيدة الإسلامية ليست بمنأى عن هذا النزوع، طالما اعتقد أصحابها في كونها مرسلة للناس كافة، بل و لربما حتى إلى باقي الموجودات الأخرى من حيوان، ونبات، وجماد، وجن، وملائكة ، فكان أن حمل المسلمون – بمختلف تفرعاتهم- على عاتقهم مهمة نشرها، واختلفت الأساليب المنتهجة في ذلك بحسب الشروط التاريخية ،وبحسب موازين القوى.
في البداية كانت دعوة سلمية ركزت أساسا على إبراز اختلالات القبائل العربية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كذلك، مع محاولة إيجاد طرق "غريبة" على العرب لحلها ومعالجتها، بتسخير الذكاء البشري و كل الملكات العقلية التي اختص بها نبي الإسلام ،( حل مشكل الحجر الأسود من طرفه (ص) نموذج لهذا الذكاء، بالنظر إلى عصره،أما اليوم فأغبى كائن بشري سيقترح ما اقترحه النبي في تلك الفترة !) ، الأمر الذي جعل القرشيين يتهمون الرسول بالكذب والبهتان والسحر، لأن الغالب الأعم على روح عصرهم كان ثقافة أساطير، ووجدان ،وشعر، ولغة شفوية ،وعشق، وجواري، وغلمان،وخليع، ولا علاقة له بثقافة العقل والمنطق والبرهان... ثقافة تذكرنا على الأرجح بالجوقة الديونيزية(نسبة إلى الإله ديونيزوس)، التي ختمت(بمعناها القرآني الذي يعني"طبعت" في قوله"ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم...إلى آخر الآية السادسة من سورة البقرة )، الحضارة الإغريقية، قبل أن يهوي بها المشروع السقراطي الأفلاطوني إلى منحدر المنطق و العقل والفلسفة، وأجدني هنا مشدودا إلى إغراء فكرة "فاتنة" لنيتشه، تتحدث عن "إنتاج الشعوب للشعر والأسطورة في أيام شبابها وفتوتها، والفلسفة والمنطق في أيام شيخوختها وكهولتها"( أوردها ول ديورانت في كتابه "قصة الفلسفة من أفلاطون إلى جون ديوي"، ترجمة فتح الله محمد المشعشع،بيروت: منشورات مكتبة المعارف،الطبعة الثالثة، 1975)، فألا يصح لنا أن ننزل نبي الإسلام منزلة سقراط نفسه، مادامت هناك العديد من التقاطعات بين الاثنين، مما يعني النزول بالحضارة العربية منزلة الحضارة الإغريقية؟( على غرار العمل الذي قام به الفيلسوف والروائي السويدي جوستاين غاردر عندما خلص من مقارنته بين المسيح عيسى وسقراط إلى تشابههما في العمل الذي قاما به، مما يطرح إمكانية أن يكون سقراط نفسه أحد الأنبياء وعرف بلغة، في حالة مصادرتنا على حقيقة النبوة).
قد يصح الأمر، لكن ليس بمعنى التطابق التام، لأن هناك اختلافات جوهرية بينهما، من قبيل اختلاف الشرط التاريخي والجغرافي لكل منهما بالنسبة لتاريخهما وامتداداته كذلك، فإذا ما وجد الإغريق امتدادا لهم في الحضارة الغربية، فإن الإسلام قد نحا منحى آخر بفضل ذكاء الرسول (ص )، وقدرته على حل تناقضات المجتمع العربي آنذاك، و لربما كذلك بفضل الوحي القرآني، وبخاصة أنه شكل قوة تأثيرية في قلوب العرب ووجدانهم، وهم الأمة التي عرف عنها تقديرها لحسن الكلام وبديعه، مما يسر العديد من العقبات أمام الإسلام، وكان مدعاة لانتشاره بالشرق المعروف بغلبة الطابع الخيالي الأسطوري على نمط عيشه، دون الغرب الذي اختلطت الأساطير لديه دوما بانبثاق محاولات عقلانية، ولو أنها طبعت في الغالب بطابع شخصي، هذا ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن الامتداد الإغريقي كان في معظمه امتدادا فكريا و بالفكر فقط، أما الإسلام فقد كان له السلاح والترهيب أحيانا وسيلة من وسائل التوسع !!!
لنعد إلى ما سبق وعزمنا مباشرة تحليله، قبل أن ننزاح عما عزمنا عليه، بسبب مقتضى الكلام ، فبالإضافة إلى القدرات العقلية التي أجاد رسول الإسلام تشغيلها، فقد وظف كذلك بلاغته الكلامية الفصيحة ، وعقله العملي الأخلاقي( مفهوم كانطي)،ومن المعروف الأهمية القصوى التي حظي بها هذا الجانب لدى العرب، فقد عرف عنه تمتعه بمكارم الشيم و الأخلاق والزهد في المصالح الشخصية الضيقة، ( الأمانة التي عرف بها الرسول الكريم، وبخاصة عند تكلفه بتجارة من ستصير زوجة له بعد ذلك خديجة بنت خويلد)، كل ذلك ساهم في رسم معالم الشخصية المسلمة قبل نزول الوحي، فالمبادئ المعاملاتية التي جاء بها القرآن كانت في جزء منها تجليا من تجليات سلوك محمد(ص) - مما يدل على الذكاء الخارق الذي تمتع به النبي، ويجعل الحديث عن أميته وعدم إجادته للقراءة والكتابة محط مساءلة وتشكيك، ونحيل بهذا الصدد إلى كتاب "مدخل إلى القرآن الكريم لمحمد عابد الجابري، دار النشر المغربية، الطبعة الأولى،سبتمبر 2006،الجزء الأول، الفصل الثالث من القسم الأول وبخاصة الصفحات 82و83و84 - قبل أن يصير داعية للدين الجديد، مما شكل جاذبية لسكان القرى والقبائل العربية، ولعب دورا مهما في شهرة الرسول، وخاصة لدى الكداح منهم والعبيد، والسبب لم يكن فقط الجاذبية العقدية، بل نظرا للمنافع التي يتيحها الإسلام كدين لمعتنقيه من تحرر وعدالة في الحقوق ومساواة وترغيب في الفوز الأعظم في الآخرة والترهيب من عذابها... أما فيما يخص الأغنياء الذين دخلوا الإسلام، فكبار قريش لم يسلموا إلا بعد أن تقوى الإسلام, فخافوا سطوته و بطشه بهم وانتقامه، وفيما يخص أغيار قريش من القبائل الأخرى فتدينهم بالدين الإسلامي واستضافتهم لمحمد كان رغبة في المجد الشخصي وسحب البساط من تحت أقدام قوة القرشيين بنصرة "عدوهم".
وجبت الإشارة إلى أن حديثنا السالف، ليس معناه نفي المصدر الإلهي للإسلام، ولا التشكيك في أهمية الدعوة المحمدية في إصلاح المجتمعات العربية- نوردها بصيغة الجمع تجاوزا لا غير - آنذاك، وإنما غرضنا إثارة انتباه الأذهان المتنورة المتيقظة إلى الأهمية التاريخية كذلك لمحمد الشخص التاريخي وليس الموحى إليه فقط، أي بغض النظر عن عونه الإلهي، و كذلك التنبيه إلى القيمة التي أضافها الإسلام إلى الموروث البشري، كلحظة انتقال مهمة في تاريخ الإنسانية، وجدته فيما يخص رؤيته للفضيلة و تأطيرها على أساس السماحة والشيم الأخلاقية العالية التي جاء بها منذ بداياته الأولى، الأمر الذي سيعيننا على تتبع، كيف سيصير الإسلام بعد ذلك مرتعا للإيديولوجيا، التي تتقوم عليه، وتتغذى على مائدته، بفتح النص القرآني على بعض الإمكانات التأويلية التي تجعل منه دينا متعصبا لا متسامحا، وهو أبعد ما يكون عن الدين الإسلامي في نصه المؤسس، الذي شرَع لقيم التسامح، والحرية ،والمساواة ،ورفض التعصب ،والقتل بغير حق، فلا أظن أن الإسلام قد حكم بجواز مداهمات البيوت لتطبيق شرع الله (إرغام الناس على الصوم بتخييرهم بين ذلك، وبين قضاء الليالي الرمضانية وراء القضبان حماية لثوابت الأمة الروحية، أو إرغامهم على الصلاة خمس مرات في اليوم، وغيرها من المظاهر التي تذكرنا بأساليب الكنيسة/محاكم التفتيش في العصور الوسيطية)، ولا التعدي على حرية الآخرين، كما يحاول الإسلام السياسي أن يبين لنا. وإنه لمن بالغ أسفنا أن نجد بعض الكتاب المحسوبين على الاتجاه العلماني الأنواري واليساري التحرري ، تنساق وراء قراءات الإسلام السياسي وربما عن غير وعي، فتقع في مغبة الحكم على الإسلام انطلاقا من هذه القراءات المتعسفة، دون تحميل نفسها عناء العودة إلى النص، حتى تتبين الروح الأخلاقية المعتدلة للإسلام بالنسبة لعصرنا و ربما التقدمية بالنظر إلى عصره، و إن تلك لمضرة للعلمانية العقلانية المنفتحة، أكثر مما يمكن أن تكون خدمة لها، فشواهد سماحة الإسلام بالنص عديدة، منها قوله تعالى:" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"(الآية 189 من سورة البقرة ) ، فنجد هنا أن جواز القتال مرهون بالدفاع عن النفس، دون أن يتجاوز الأمر إلى التعدي على الآخر، كما يقول كذلك "...وإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين"(الآية 192من السورة عينها)، بمعنى أن طلب السلام من الطائفة التي بغت وحاربت المسلمين، يجب تلبيته مهما كانت مغانم الفوز في الحرب لهم، وكذلك قوله "كتب لكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرا لكم"(الآية 214 من نفس السورة). فالحرب مكروهة في دين الإسلام مما يدل على سماحته ونبل قيمه، إلا أن القراءات السياسية والجهادية لنصه القرآني، جعلت منه دين عنف،ودماء،وترهيب،وتعصب ... إلخ باسم "وجوب الجهاد في سبيل نصرة الإسلام"، وهم يعلمون أن الجهاد الأكبر حسب القرآن وما نسب من أحاديث إلى رسول الله هو :"جهاد ومجاهدة النفس والذات، بالاشتغال اليومي عليها، ليس فقط بالتعبد والزهد، ولكن بالعمل والانخراط في المعيش اليومي"، ونذكر هنا - عسى الذكرى تنفع بعض الجماعات الزهدية في الإسلام - بقصة ذلك الشخص الذي كان لا يفارق المسجد مصرفا كل وقته في الابتهال والتعبد فاستفسره النبي عن معيله، فأجابه بأنه أخاه، فبادره قائلا،" والله لأخاك أعبد منك". إن ما يحتاجه مسلمو الحقبة المعاصرة، هو الرجوع إلى الوراء، ومحاولة فهم وجودهم الأول كما تشكل مع التجربة المحمدية، من خلال الاشتغال اللغوي على النص المؤسس، ليس بغرض استعادته في أصليته، وإنما لإزالة ما علق به من دنس التأويلات المتطرفة، التي صارت تتوسط المسلم وقرآنه، هذه العودة يجب أن تأخذ بعين اعتبارها متطلبات العصر وما يقتضيه من تأويل عقلي برغماتي للنص بتحيينه إن أمكن ذلك، أو على الأقل بقطع الطريق على تأويلات الإسلام الراديكالي المتطرف، فالأمر يتعلق إذن بصراع للتأويلات( عنوان كتاب لبول ريكور) حول معنى القرآن، ولقد أوضح نيتشه، ومن بعده ميشيل فوكو، وفي أكثر من موقع ، بأن معنى الأشياء كانت ما كانت، لا تعرف بغير معرفة القوة التي تتملك الشيء، وتعبر عن نفسها فيه ". فالظاهرة (الظاهرة القرآنية بالنسبة لنا ) ...هي علامة، هي عرض يجد معناه في قوة حالية،.. وتاريخ شيء ما هو عموما، تعاقب القوى التي تستولي عليه...والظاهرة يتبدل معناها وفقا للقوة التي تستولي عليه. والتاريخ هو تغير المعاني..."( جيل دولوز،"نيتشه والفلسفة"، ترجمة أسامة الحاج، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثانية،2001،ص:7 و ص8)،وبالتالي فالقرآن في صيغته الحالية، هو مجرد تجل من تجليات القوى المتصارعة حوله، ولو تملكت قوة ما، في زمن ما، السلطة – السياسية أساسا - لكان أمامنا قرآن غير هذا الذي نتصارع حول معناه، ألم يطغى على عملية جمع القرآن الارتجال والفوضى؟ ألم يتصارع الخلفاء وبخاصة عثمان وعلي مع بعض القوى القرشية والأنصارية حول معاني بعض آياته التي تخص السياسة والاقتصاد؟ ألم يحرق بن عفان – المبشر بالجنة – عدة نسخ من القرآن، وما أدرانا فقد يكون الأصل منها قد حرق؟ إن معظم هذه الأسئلة لا أساس لها، لأن ما يهم الآن هو هذا النص الذي بين أيدينا طالما صار الحديث عن نص أصلي فاقدا لجدواه. لكن من اللازم النظر إليه كنتاج قوة والتساؤل بصدد القوة التأويلية التي أنتجته، حتى تستقيم عملية إعادة تأويله وتفسيره وتقويمه، ألم يعتقد نيتشه بعدم وجود معنى واحد للدين، لخدمته على التوالي قوى متعددة، والواجب معرفته هو القوة التي لا نعود نعرف معها ما الذي يسيطر: هي على الدين أو الدين عليها؟ (أورده دولوز في المرجع السابق،ص 9)، وهو ما يتوافق مع جماعات الإسلام السياسي التي صارت كأنها هي والدين شيئا واحدا، كل ذلك يفرض ضرورة تضافر الجهود بتوحيدها من طرف العقلانيين بكل أصنافهم :الليبراليين واليساريين والإسلاميين المعتدلين، لمجابهة التيار الإسلامي التأويلي المتطرف، وانتشاله من مستنقع الجماعات الجهادية، لكن بشرط عدم التطرف في ذلك، بمحاولة اجتثاث الدين كلية، نظرا لفوائده الكثيرة على الحياة الإنسانية والمعاملات البشرية، والصحة النفسية بالنسبة لمعتنقيه، ولعل هذا هو المأمول من الخطاب الحداثي العلماني المنفتح –كما ظهر في أوربا نفسها -، إذ أنه لم يأت ضد الدين للقضاء عليه، وإنما هو ضمان لممارسته بكل حرية وبكافة أشكاله المتعددة، ( نحيل بهذا الخصوص إلى الافتتاحية القيمة التي خص بها الأستاذ مصطفى لعريصة: المجلة المغاربية للكتاب:مقدمات، عدد 31 (روح الحداثة) ، الدار البيضاء، خريف 2004). من اجل التأسيس لفضاء التعددية الدينية بل وحتى اللا-دينية كذلك، فلا وجود لصيغة واحدة للتعبد والتدين، ولعل تلك هي أهم ميزة للدين المسيحي على غيره من يهودية وإسلام . و لنعتبر في هذا الصدد من حديث فولتير عن ابريطانيا العظمى بهذا الشأن، حين يقول: " ولو وجدت في إنكلترة ديانة واحدة فقط لاعترى النفوس خوف من الاستبداد، ولو وجدت فيها ديانتان، فقط لتذابحتا، ولكن يوجد فيها ثلاثون ديانة وهي تعيش سعيدة متسالمة". ( الرسائل الفلسفية، ترجمة عادل زعيتر، دار المعارف بمصر، 1959.ص 37).

لا جدال أن الإسلام بعد وفاة الرسول (ص)، سيشهد أزمات على جميع الأصعدة، وبخاصة منها العلاقة بين الجانب الدعوي العقائدي والجانب التوسعي السياسي، فلعل الخلافات التي نشبت بعد ذلك طيلة مراحل التاريخ الإسلامي، كانت عبارة عن خلافات سياسية أساسا، وكان فيها الدين سلاحا فعالا من أسلحة الصراع السياسي بين الفرق السياسية-الكلامية، مما أنتج تأويلا متعددا للعديد من الآيات القرآنية الخاصة بخلق القرآن، و الجبر، والاختيار،و مرتكب الكبيرة، و صفات الله...وغيرها كثير، بل لقد أدى الأمر في غالب الأحيان إلى التدخل "البلطجي" للسلطة السياسية لتغليب طرف تأويلي على آخر، فقد تم الإعلاء من شأن المعتزلة زمن المأمون، والمعتصم،والواثق، قبل أن ينقلب آل العباس "السفاح" على مذهب الاعتزال مقابل الانتصار للأشعرية زمن "المتوكل"، كما تم سجن ابن تيمية ومحاكمة ابن حنبل وذلك قليل من كثير، وهذه الخلافات ليست حكرا على هذه الفترة المتقدمة من تاريخ الإسلام، بل إن بوادرها تعود إلى زمن خلفاء الرسول، فقد نشبت صراعات سياسية بينهم على السلطة، ومذ ذاك سيبدأ التاريخ – ليس الرسمي و المعالمي منه طبعا - بكتابة "وادي الدماء" في تاريخ الإسلام السياسي، والحوادث التاريخية في هذا الصدد أشهر من أن يحال إليها، وتكفي الإشارة للإضاءة، الإشارة إلى" القتلة الشنيعة والبشعة التي قتل بها عثمان بن عفان- ونذكر بأنه مبشر بالجنة- ودخول عائشة على خط الصراع السياسي بين علي،وطلحة والزبير خلال موقعة الجمل، موقعة عرفت قتل 13 ألف مسلم ، وتكفير الخوارج لعلي بن أبي طالب وقتل أتباعه، والاغتيال الذي تعرض له الحسن والحسين بكربلاء"، وهي كلها تذكار على التحول الذي عرفه الإسلام آنئذ من دين القيم السمحة الموحى بها إلى الواقع السياسي، الذي لا يعترف بوحي أو بقرب من رسول الله أو غيره. بقدر اعترافه بالتخطيط،و الدهاء، والقدرة على المناورة.
إن الملاحظ هو أن الديانات التوحيدية الثلاث، تأتي في البداية على خطى الحمائم – أتذكر هنا القولة الخالدة لنيتشه: "إن الكلمات الأكثر هدوءا هي التي تستدرج قدوم الإعصار، وإن كلمات تتقدم على أرجل الحمائم لهي التي توجه العالم" (أوردها في كتابه:هو ذا الإنسان، ترجمه عن الألمانية علي مصباح، منشورات الجمل ص 10.) - تأتي متساهلة ومتعايشة و متسامحة، لكن بمجرد ما أن ينقضي أجل رسلها، ويتقوى أتباعها، حتى تتحول إلى ديانات قمعية وحشية غير متسامحة، وهو ما أوضحه بشكل جلي دافيد هيوم في قراءاته لتاريخ الدين الطبيعي- دين هيوم نفسه- كنتيجة لمقارنته بين الأديان التوحيدية الثلاثة والديانة الوثنية والدين الطبيعي، إذ خلص إلى اشتراك الوثنية والدين الطبيعي في صفة التسامح، مقابل تعصب الدين التوحيدي بعقائده الثلاث ( أورده جاكلين لاغريه في كتابه "الدين الطبيعي": ترجمة منصور القاضي،منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1993، انظر الجدول بالصفحة 82 )، ولعل الضحية الأوفر تضررا هي "الديانة الوثنية"، ونعتقد أنه لابد من إعادة تقييم النظر التاريخي لهذه الديانة على أساس تقدير دورها في الإنتاجات الحضارية والثقافية الغزيرة، كفن النحت والشعر، على سبيل المثال لا الحصر ، والإسلام نفسه يدين لهذه الديانة بالعديد من الطقوس التي يدعي إبداعها من الصفر، فنعتقد أنه لا توجد درجة صفر في الثقافة والحضارة وفي الإنتاج الإنساني بعامة، وقد كانت الوثنية متسامحة نوعا ما مع الديانات التوحيدية الثلاث لدى ظهورها ,فلم تعرها اهتماما كبيرا، فكان أن رد التوحيديون على تسامح الوثنيين بإشاعة ثقافة العنف والتقتيل ضدهم، فعملوا جاهدين على اجتثاثهم، والتاريخ الإنساني يثبت ذلك، ولنأخذ نموذج "الدين الإسلامي"، فقد أفضنا في الحديث عن بدايته السلمية وتوقفنا ونحن بصدد حكي حكايته الدموية، التي يجهد البعض نفسه في سبيل مواراتها، وجعلها طي النسيان، حكاية تبدو غريبة عن روح الإسلام، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك آنفا. فلعله من الو هم الاعتقاد بأن السياسة التوسعية – وقد نقول الاستعمارية - التي انتهجها خلفاء الرسول (ص) بعد مماته، كانت بهدف نشر الدين فقط، بل لقد تجاوزتها إلى الرغبة في بسط السيطرة السياسية على المعمور، ولا أدل على ذلك خيرا من سماح الخلفاء بحرية الاعتقاد واحترام الطقوس، والشعائر الدينية، وأماكن التعبد بالنسبة لسكان الأراضي "المستعمرة"، مقابل تكريس بعض الأعراف التي تدل على التبعية السياسية، كفرض الإتاوات، وتعيين ولاة للسلطان على الأراضي المفتوحة، كدلالة على الحدود السياسية اللامحدودة للإمبراطورية الإسلامية، ولم يكن هذا مقتصرا فقط على الخلفاء، بل حتى على الدولة الأموية في فترتها الأولى مع معاوية وابنه، وفي الفترة الثانية مع عبد الملك بن مروان، وأخوه سليمان، وقائد جيوشهم موسى بن نصير، وهنا تتجلى القوة التأثيرية لرجالات الإسلام في مراحل بنائه الأولى، إذ رغم غزوه لأراضي الآخرين،فإنه يترك لهم حرية المعتقد والتعبد، ويفرض عليهم النظر اليومي إلى ما يتيحه من امتيازات من قبيل التعددية في الزواج، ومشاركة المسلمين للوافد الجديد إلى الإسلام في الغنائم،والسبايا، وعائدات الغزوات، و أنفالها - طالما أن المسلمين شكلوا قوة حربية آنذاك سمع بها القاصي قبل الداني -، بل وحتى مشاطرتهم في أموالهم وأهلهم – المقصود أزواجهم – إذا كان هذا الوافد معدما. فأي متهور هذا الذي يخير بين هذا وبين ذاك، بين أن يكون سيدا رفقة المسلمين الأقوياء مالا وجاها، وبين أن يكون مجرد مواطن من الدرجة الثانية في بلده فلا يحظى بهذه الخيرات؟ ولا حاجة إلى التذكير أن نفس النهج تنتهجه كل القوى الاستعمارية عند احتلالها لبلد ما من حيث استقطاب موالين لها من البلد المستعمَر ،الذين يصيروا خونة في نظر المستعمَرين (بفتح الميم).
إن تاريخ الإسلام – السياسي أساسا – قد داخلته عوامل شتى, وبالإضافة إلى ما سبق وأن قيل بصدد الهاجس التوسعي للمسلمين (عبر التزيي بزي نشر العقيدة الإسلامية، نشير كذلك إلى اعتبار آخر وثيق الصلة بسابقه، ويتجلى في أن العديد من القياد المسلمين كانوا يتغيون "مجدا شخصيا"، لذلك عرفوا بشجاعتهم الناذرة وقدرتهم على غزو أعتى الحصون وأشدها تحصنا، بل وأقدسها أحيانا – الحجاج بن يوسف الثقفي مثالا، فقد غزا العديد من البلدان باسم نصرة الإسلام، وأجرم بحقه بالعديد من المواقف، كقصف مكة بالمجانق – وبالتالي فلا يجب قياس تحول الإسلام إلى إيديولوجيا للنهب،والسلب، والقمع، والتسلط، وقطع الرقاب على ممارسات من يدينون به، فما نظن بأن هكذا متحدث، محق في اعتبار حديثه في محله بهذا النحو، طالما حاولنا تبيان الفرق بين الإسلام كدين، وبين إمكانات تأويله السياسية، وبينه وبين هذا التقليد اليومي الموروث، الذي دأب المسلمون على توارثه، ولعل رمضان أهم شعيرة يمكن الاستناد إليها لتوضيح الأمر أكثر، توضح الفرق بين الإسلام كنص والإسلام كثقافة إنسانية لا علاقة لها بهذا النص، فما الذي يجعل فريضة الصوم تحظى بهذه الهالة، يتمسك بها الجميع من أعمار وطبقات مختلفة، رغم ثانويتها في تراتبية الفرائض الخمس بعد الصلاة عماد الدين ؟
لنبدأ من هذه البداية نفسها، رمضان شهر المغفرة، والعبادة، والتدين، والصيام ...إلخ، بمجرد زف خبر حلوله، يتسارع المسلمون إلى التهاني والدعاء بأن يكون غفرانا، بالأحرى تطهيرا من الذنوب جمعاء، فتجد فقهاؤنا وأئمة جوامعنا، يستبقون هذا الشهر بالدعاية إليه، مؤكدين أن الإلمام بجوهر الإسلام يبين القصد الصحي والاجتماعي، والاقتصادي له ، من خلال حديث النص القرآني والسنة المحمدية، عن هذا الشهر كشهر للعودة إلى الذات والتأمل فيها بشكل وجداني، والانفتاح على الآخرين من خلال تشجيع ثقافة التضامن والتكافل الاجتماعي، وتدبير الإستهلاك، لكن معاينة الواقع العياني، يؤدي إلى تكذيب كل هذه المقاصد، فقد صار رمضان شهرا للخصومات واقتراف الجرائم، والإكثار من الاستهلاك، ليتكلل ب"انسحاب اجتماعي" (للأمانة فهذا العبارة هي للسوسيولوجي المغربي عبد الرحيم العطري) من الحياة ككل، والمشجب الذي تعلق عليه كل هذه المظاهر كان دوما هو"أنني صائم"، هنا تكمن مفارقة الإسلام بين تنظيراته وسلوك أصحابه، فأأن يصير حال أهل الإسلام على عكس مقاصده، لدليل على كساد بضاعة دين كهذا... !، قد يكون الجواب بالإيجاب، لأن ذلك دليل على عدم استطاعة الروح الدينية أن تنعكس، على سلوك أفرادها، أن تتغلغل في نفوس الناس، أو ليس الدين المحمدي هو القائل بأن الدين سلوك ومعاملات، لكن رغم ذلك فما أظن أن فساد حال أهل الإسلام بدليل على فساد الإسلام حتى وإن كسدت بضاعته، فقد وجب التمييز بين الإسلام، كدين يعود بجذوره إلى النبي إبراهيم، لقول القرآن "إن الدين عند الله الإسلام، وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم بغيا منهم..."(الآية 19 من سورة آل عمران) ، وقوله كذلك على لسان ملكة سبأ ، أثناء تصويره لصراعها مع سليمان في سورة النمل "قالت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين"(الآية 46 )، وبين الإسلام كممارسة يومية، صارت أبعد مما تكون عن جوهره كما جاء في نصوصه، لأن الإسلام الذي نحياه ليس هو إسلام"القرآن" على أية حال، وإنما هو مجرد طقوس وشعائر موروثة عن الآباء والأجداد، مجرد "ثقافة يومية متوارثة"، ونظرا لتقادمها صارت تشكل مقدسا بلبوس عقائدي صرف، ولا أدل على ذلك خيرا، من المظاهر التي يعرفها رمضان نفسه، والتي يسرف منتقدوا الإسلام في سردها حتى الثمالة، من أمراض اجتماعية واقتصادية تصيب الأسر والمجتمعات المسلمة، مع ما يصاحبها من ارتباك وخلل على مستوى الزمان،والمكان، والاقتصاد، واللغة وبنية المجتمع ككل، والحال أن الإسلام ما تحدث عن كل هذا في تشريعه لرمضان، وهو ما يتضح جليا في قول القرآن "شهر الصيام الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى والفرقان..."(الآية 184 من سورة البقرة)، وبذلك يمكن استخلاص أولى خلاصات "حوار الصم " الذي يدور بين الفرقتين، إذا ما حاولنا علاج صم آذانهم، فهما في الأساس متفقان من حيث المبدأ، إذ أن كلتيهما ينتقد هذا التقليد اليومي والسنوي، فتجد المدافعين عن الدين أنفسهم جاهدون، لتقديم النصيحة تلو النصيحة للمسلمين من أجل الإعراض عن "الخبائث" التي صارت تقترن مع أعظم شهر في الإسلام، منها ما سبق أن أشرنا إليه في معرض هذه المحاولة. مادامت تتعارض مع مقاصد الإسلام كما بلورها النص القرآني، مثلنا في ذلك مثل المتحدث عن الماركسية كما جاءت في النصوص المؤسسة لها كهيغل – وأشدد على هذا الاسم عن وعي ! – وماركس وإنجلز... وغيره، وأن نتحدث عن ممارسات "الماركساويين التصفويين" الفاشستية ومجازرهم الرهيبة فيما بعد – ستالين نموذجا – والتي هي أبعد عن روح الماركسية كنص مؤسس ذي ثوابت وذي متغيرات، رامت تحقيق العدالة الاجتماعية للإنسان. فهل نحاكمها بممارسات أبناء دارها؟ نقول بصدد ذلك ما سبق وأن قلناه بصدد الإسلام، ما يقاس فساد الماركسية بفساد معتنقيها ومعتقديها، كما لا يقاس فساد الابن والحفيد على فساد الأب والجد !!!
بذلك نكون قد توصلنا إلى انزياح المقصد الأصلي للدين الإسلامي في تشريعه لرمضان، فلم تؤخذ الحكمة من ذلك، بعد أن أضافت إليه الثقافة ما استطاعت إليه سبيلا من توابل، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإذا ما أردنا وضع الصيام في سياقه التاريخي، فسنجد أنه من إملاءات الضرورة التاريخية لعصره، إذ شكل وسيلة ناجعة لمساعدة العرب على الإقلاع عن الكحول، والامتناع عن النساء والجواري، من أجل تثبيت أركان الدين الإسلامي بعد بداياته الصعبة، وكذا ملأ فراغ"الفقراء" الذين التحقوا بالإسلام، وشد أزرهم بالصيام، ثم إنزال الأغنياء منزلة الفقراء، وجعلهم سواسية أمام الجوع- بكافة أنواعه-، أما اليوم فقد صار رمضان هذا بمثابة عقاب للكداح وأبنائهم، ومفخرة لاستعراض ولائم طبقة المحظوظين، فهل لنا بعد هذه المقارنة التاريخية، أن نشهد بأن رمضان يشكل فرصة لإرساء أركان الدين الإسلامي، بعد هذه التشوهات التي لحقت غاياته النبيلة، وارتباطه بالثقافة السائدة أكثر من ارتباطه بالقرآن أو سنة النبي محمد(ص)؟ ثم ما الداعي إلى إضفاء هذه الهالة كلها عليه، رغم انه مجرد ركن من أركان الإسلام، فتجد المسلم يمتنع عن أدائها كلها إلا رمضان فإنه يقبل عليه بكل تخشع؟
أظن- وما أظن أن ظني بمنأى عن الصواب – أن السبب في ذلك هو تعمق وتجذر هذه الممارسة السنوية في وجدان المسلمين، بسبب زمانها الذي يختلف مثلا عن زمن الصلاة اليومي والمتكرر والنمطي، وكذلك نظرا للرقابة الاجتماعية الكبيرة التي ترافق فريضة الصيام، وقد كان يجب أن تكون أقل شأنا مادامت فريضة مثلها مثل باقي الفرائض – وبخاصة مثلها مثل الصلاة – يقوم بها من شاء ويتركها من شاء، لكن الواقع يبين جليا أن لا حرج – على الأقل اجتماعيا –بالنسبة لتارك الصلاة، بينما مفطر رمضان تقوم عليه قائمة الضمير الجمعي عامة، فلم؟ إن الأمر لا علاقة له بأي اعتبار ديني، وإنما لاعتبارات اجتماعية وثقافية أساسا، لأنه كسر المألوف الثقافي والشعبي، فتجد أفضع خلق الله – حسب معايير النص الديني – يُجَرم هذا العمل الشنيع ويتحدث عن فضاعته... ! وقد يتسامح النسيج المجتمعي المسلم مع تارك الصلاة والسارق بل وحتى القاتل، لكن مفطر رمضان يصير أخطر مجرم لهم. لذلك نجد – في اعتقادنا - أن المغرب كبلد إسلامي مازال في حاجة تامة إلى تدخل الدولة، للسهر على روحانيات البلد حتى لا تصير لعبة في يد"الإسلام السياسي المتطرف"، الساعي إلى إقامة حدود الله، وحتى لا نصير ضحايا حروب دينية، علمتنا دروس أوربا طيلة قرون أنها إن قامت فتكت بالجميع،- حرب الثلاثين سنة اللاهوتية مثلا ، التي بدأت في 1618 وانتهت في 1648 بتوقيع معاهدة "مونستر" و أدت إلى مقتل الملايين فانتقص خلالها سكان ألمانيا من 20 مليون إلى 13 مليون، ومن طرائفها أنه لما كانت غالبية المقتولين من الرجال، فقد أجاز صانعو القرار الديني المسيحي في تلك الحقبة، الزواج بأكثر من واحدة، وأجازوا كذلك زواج القديسين والرهبان - وحتى يصير في مكنة مسلمي المغرب العودة إلى النص القرآني دون وسائط سواء فقهاء الدولة أو فقهاء الأمير الموعود، وقراءته قراءة عقلانية دون تطرف "فالإسلام وكما ظهر في تشكلاته الأولى هو دين وسطية واعتدال، دين يسر لاعسر".
أما ما يثيره دعاة الحرية نقطة، من وجوب التأكيد على حرية ممارسة الشعائر والطقوس الدينية من عدمه – الرمضانية منها على الأخص، ومن ثمة الإشارة إلى مفطري رمضان- مادمنا في بلد صار أكثر حديثا عن الديمقراطية وشعاراتها، وما تستوجبه من احترام للحريات، وبالتالي يتحدثون عن عدم رضاهم على المستجدات الرمضانية ,كالتغيير الذي يحصل على مستوى الزمن وتغيير مواعد العمل،ماداموا هم غير معنيين بالصوم فتغيير الزمن يؤثر على أدائهم الاجتماعي ووظيفتهم داخل المجتمع، فلا أظن أن مرام دعوتهم هو الديمقراطية المسؤولة- وعليه نتحدث كذلك عن الحرية المسؤولة مقابل دعاة الحرية نقطة- ، فالديمقراطية كما هو متعارف عليها في الأدبيات السياسية الليبرالية نفسها، هو الالتزام برأي الأغلبية، وفي اعتقادي أن الأغلبية ترى في رمضان شهرا للصيام، وبالتالي فلا ضير في مواءمة مواقيت العمل مع خصوصيات هذا الشهر، احتراما للأعراف الديمقراطية الملزمة بتبعية الأقلية للأغلبية – الجماهير بلغة حفدة وأتباع لينين –.طبعا هذا لا يمنع الحديث عن حق الأقلية في التواجد والحرية في ممارسة طقوسها الخاصة كذلك، مهما كانت متعارضة مع الجماهير، لأن الاختلاف وتقبل الآخر المختلف عني صار ضرورة حياتية، لذلك لشد ما ساءتني نبرة كتابات المتطرف من الفرقتين المشار إليهما في مقدمة كلامنا في حق بعضهما البعض، فقد أتى حديثهما كأنه بذل للمسبات والشتائم في حق غيرهما. فأن تختلف مع الغير ليس معناه الاستهزاء بأفكاره ومعتقداته، بل نعتقد أنَََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََ معناه أنْ تدخل معه في حوار بناء، ونقاش هادف في إطار الاحترام المتبادل، والاقتناع أن لا أحد يحوز" أوراق ملكية الحقيقة"، وتغليب طرف على طرف يكون بمدى قوة الحجج التي يرتكن إليها الطرفان، فأفضل رأي يعود لأفضل حجة، كما أكدت على ذلك أخلاقيات التواصل لدى يورغن هابرماس. والحقيقة مثلها مثل فتاة غجرية فاتنة الجمال، يحاول الجميع بلوغها، عسى أن يجدها أول بالغيها عذراء لم يمسسها أحد من قبل، فيستمتع بها، ولعلنا قد لا نحظى حتى بفرصة معانقتها، أمام هذا الزخم من الإدعاءات حول أحقية تملكها وامتلاكها، من طرف كل طالبي ودها بمختلف تلاوينهم المذهبية و الإيديولوجية: الدينية منها والسياسية و الفكرية، فالكل في الكل سواء.



#عبد_الواحد_ايت_الزين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دجل في دجل


المزيد.....




- القناة 12 الإسرائيلية: مقتل رجل أعمال يهودي في مصر على خلفية ...
- وزيرة الداخلية الألمانية تعتزم التصدي للتصريحات الإسلاموية
- مراجعات الخطاب الإسلامي حول اليهود والصهاينة
- مدرس جامعي أميركي يعتدي على فتاة مسلمة ويثير غضب المغردين
- بعد إعادة انتخابه.. زعيم المعارضة الألمانية يحذر من الإسلام ...
- فلاديمير بوتين يحضر قداسا في كاتدرائية البشارة عقب تنصيبه
- اسلامي: نواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة وفق 3 أطر
- اسلامي: قمنا بتسوية بعض القضايا مع الوكالة وبقيت قضايا أخرى ...
- اسلامي: سيتم كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العلقة بين اير ...
- اسلامي: نعمل على كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العالقة بي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الواحد ايت الزين - محاولة نظر في وضع المسلم بين إسلام النص وإسلام الثقافة