أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - غالب محسن - زيوه ، لم تُطفئ الشموع















المزيد.....

زيوه ، لم تُطفئ الشموع


غالب محسن

الحوار المتمدن-العدد: 3748 - 2012 / 6 / 4 - 23:45
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 40

من وحي الأمسية التي أقامها فرع رابطة الأنصار في مدينة يوتبوري السويدية ، بتأريخ 03-06-2012 بمناسبة الذكرى 25 لهجوم نظام صدام الدكتاتوري المقبور بالسلاح الكيمياوي على مقرات الأنصار الشيوعيين في قرية زيوه الواقعة بالقرب من نهر الزاب الأعلى (الكبير) في 5 حزيران عام 1987. في الأمسية تم عرض فلم وثائقي عن تلك الجريمة البشعة ، تحدث بعدها شهود عيان من بين الرفاق الحاضرين ممن عاش تلك الأحداث .

هذه تأملات أعدت فيها كتابة ما ألتقطته ذاكرتي :

شمسٌ ، قمرٌ ، وسحاب
نجومٌ تملأُ السماءَ ضياءاً ،
ووفاء .
خِلسةً ،
يزحفُ ضباب ،
بين الضلوعِ ،
مثل لصوصِ الليلِ
يُريدُ البريقَ
في عيونِ الصغار
وأوراق الشجر
وزرقة مياه الزاب
فكانت قبضة الراقد في الخيمة *
سِحرٌ ، دمعةٌ
وأنشودةٌ الأصحاب


كانت الريحُ ما زالت نائمةً ، تُداعب ، برقةٍ ، أوراقَ الشجرِ المُندى ، عندما توجه الرفيق الأداري بخطى الفجر الثقيلة نحو المكان المخصص لتعليق لائحة الواجبات التي على الرفاق القيام بها في ذلك اليوم . حاول أن يشعل سيجارة بيد مازالت " رخوة " عندما هفهفت رياحٌ أطفأت آخرَ عود كبريت لديه " اللعنة " . تلفت من حوله ليس سوى السكون ، بينما كان رأسه يعج بالأفكار ، ليس كما في الأيام " الأعتيادية " من معاتبات وملاحقات وشكوى " الخدمة الرفاقية " ، وقطعاً ليست غراميات رفيقة دربه ما كان يشغله في تلك اللحظات الصباحية . وإن شئتم فقد كانت ، تلك التي تعصف في رأسه ، هي للهموم أقرب منها للأفكار . كيف لا وقد كانت مسؤوليته ، كأداري المقر ، " إعاشة " وتدبير الطعام لخمسين رفيقاً بمن فيهم الضيوف ، واليوم الجمعة ، 5 حزيران 1987 وصل عددهم ما يقرب المائتين .

شَعَرَ بضخامة المسؤولية الملقاة على عاتقه ، في تجمع هؤلاء " الكبار " في مقر زيوه بالذات ، فأنتابه نوعاً من الفخر . ألتفت تجاه الصوت عندما سأل رفيق ، آخر ، وهو ينفض بقايا النوم العالق في ثيابه ، عن كلمة السر في ذلك اليوم ، يوم النكسة في الإعلام العربي الرسمي ، فكان جوابه سريعاً وقاطعاً ، كأنه أمراً مفروغاً منه " عدوان غاشم " قالها ليس من غير تعجب وكأن لسان حاله يقول " هسة هاي هم يرادلها روحه للقاضي " ، لكنه سرعان ما أدرك تسرعه عندما أطرق ذلك الرفيق برأسه موافقاً وهو يلحظ تفهماً في عينيه شبه المغمضة .

تُرى ، هل كان في بال من أختار كلمة السر ، تلك ، أنها ستكون فأل شؤوم ؟

زيوه ، القرية الجبلية ، الوادعة ، المطلة على نهر الزاب الأعلى (الكبير) ، الجالسة مثل إبنة آلهة في أحضان التلال الواقعة خلف جبل " متين " ، العملاق ، يحميها ، كأنه الأله الأعلى . زيوه كانت فَرِحة ، مثل إمرأة شابة إلتقت حبيبها بعد غياب طويل ، آه بينلوبي كم صبرت حتى لقيت حبيبك أوديسيوس **.

شعاعات الشمس عكست إلتماعات في عيون النبع ، وعيون النهر والطير والشجر ، عيون الصغار والنسوة والكبار . كادت العيون تنطق من شدة الألق ، و تحلم ، وتحلم ، كانت غارقة في الحلم . عيونٌ وعيون ، زاهية ، من كل الألوان ، متلألئة في كلِّ مكان مثل عيون آرغوس *** في ذيل الطاووس .

حامت في السماء طيورٌ غريبةٌ ، من حجرٍ ورصاص ، تنفثُ حِمَمَاً من دخانٍ ، وغباراً من الموت ، لا يُرى ، ألقته وهربت مثل الفئران ... توجست الأرض ، وأرتعشت أعشابها ، كأنها عرفت المكيدة . لكن العيون المنتشرة في الفضاءات أستمرت في اللمعان ، من غير خوفٍ بل كبرياء . صرخ صوتٌ ، محذراً ، لعله " كيمياوي " إلا إن تلك الصرخة ضاعت بين قهقات الكبار، وكركرات الصغار ، وأبتعدت شيئاً فشيئاً مع رقرقات المياه الزرقاء نحو أعماق دجلة .
والبريق في العيون كان من الشدة ، والنشوة ، أنه حجب الضباب القاتل ، المختبئ مثل شبحٍ ، والزاحف بين المآقي .

كان المساء ، وجاء الظلام ، يسرقُ الضوءَ .

زيوه نامت ، تحلم مثل فتاة ، كما نامت طروادة في نشوة وهم المجد والإنتصار ، قبل أن يُطفئ الأغريق ، بالحيلة ، النورَ في عيون الطرواديين . زيوه نامت كما نام الفتى شكيم في حضن فتاته دينة **** ، يحلم ، لم يفق إلا وسيوف أبناء يعقوب ، بالغدر ، قد ذبحت كل من كان يحلم في أرض حمور الحوّيّ .
زيوه أفاقت مذعورةً مثل هيلين الجميلة في طروادة المستباحة ، مثل شكيم في أرض كنعان ، ولكن بعد فوات الأوان .

ظنَّ بعض الرفاق أن التعب والنعاس هو ما يثقل الجفون . غير ان ناراً ، من غير دخان ، كأنها أوقدت في المحاجر ، فكان الألم ، شرراً يتطاير كالجنون ، وتحول البريق الى لهيب ، وتشوهت الوجوه وأحلى ما فيها ، العيون .
أ
صاب العمى ، الإنسان والأغصان ، وأنتحرت أقدم شجرة في المكان ، وتهاوت مثل إمرأةٍ غدر بها الزمان . ترك غاز الخردل بصماته الحارقة في كل الأرجاء ، فكان شللاً تاماً بسط جناحيه يريد ان يطفئ النور في العيون .

وكان الصباح ، فلم يكن صباحاً عند الكثير من الرفاق الممددين والمبعثرين بين الصخور وتحت الأشجار ، بل كان ظلاماً في ظلام . والشمس ، مانحة الدفئ والحياة ، صارت بعد حين ، سبباً للعذاب ، فكان المصابون يختبؤون منها كما لو كانت شعاعاتها سكاكين تُغمد في البصر .

لا يضاهي رهبة الظلمة سوى الغرق !

كان الدمارُ شاملاً ، في نفس الإنسان ، " يا إلهي عليَّ أن أعيش بقية عمري في العتمة " هكذا خاطب رفيقٌ ذاته المعذبة ، الخائفة من الظلمةِ . بينما حاول آخر أن يغلب الخوف بمزحةٍ وهو يصف الخراب " يعني كسر بجمع ، تخردلنه " . قاد رفيقٌ آخراً مصاباً خلف الصخور ، لقضاء حاجته ، فكان هذا يهمس بخجل " هل يراني أحد " ، فيجيبه الثاني " لا تخف ، لا أحد يراك ، فالكل عميان " .

لكن الرفيق الراقد في فراشه رغم شدة إصابته * ، لم يكن يعلم أنه سينام ولن يستفيق ، عبّرَ عن حبه وإرادته في الحياة ، وهو لم يزل يحلم ، عندما أخرج قبضته من وراء الخيمة ، وهو يهزها في وجه السماء .


د . غالب محسن

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
* المقصود هو الرفيق ابو رزكار الذي أستشهد هو والرفيق أبو فؤاد في هذه الغارة الوحشية .
** من ملحمة " الأوديسة " لهوميروس .
*** في الأسطورة اليونانية كانت لآرغوس مائة عين فكان يرى كل شئ ، وعندما قتله هرمز بأمر من سيد الأرباب زيوس ، قامت الآلهة هيرا ونثرت عيونه في ذيل الطاووس لتبقى متلألئة الى الأبد .
**** أنظر الكتاب المقدس ، التوراة ، تكوين ، الأصحاح 34 .



#غالب_محسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يكون الحضور أكبر من الحدث
- أنصار و مهاجرين / جزء 4
- أنصار و مهاجرين / خروج 3
- مهاجرين وأنصار / خروج 2
- أنصار و مهاجرين / جزء 1
- تأملات في بيان الحزب الشيوعي حول الذكرى 78 لتأسيسه
- في ذكرى رحيل المناضلة نعمي أيوب رمو
- مرة أخرى مع أطيب التحيات للمؤتمر التاسع
- محنة العقل في التوحيد / جزء 2
- محنة العقل في التوحيد / جزء 1
- الدين ملجئ السياسة والثقاقة قبرها / جزء 3
- الدين ملجئ السياسة والثقاقة قبرها / جزء 2
- الدين ملجئ السياسة والثقاقة قبرها / جزء 1
- صوتُ هناء ، جلجلَ في السماء / تأملات 25
- مقدمة في نقد تأويل التأويل / جزء 4
- مقدمة في نقد تأويل التأويل // جزء 3
- مقدمة في نقد تأويل التأويل / جزء 2
- مقدمة في نقد تأويل التأويل / جزء 1
- الى المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي مع أطيب التحيات
- عندما يكون العنف طريقاً للحق / جزء 2


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - غالب محسن - زيوه ، لم تُطفئ الشموع