أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بقلم رعد الكعبي - الرهبنة هي القلب الأبيض















المزيد.....

الرهبنة هي القلب الأبيض


بقلم رعد الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 3745 - 2012 / 6 / 1 - 23:47
المحور: الادب والفن
    


الرهبنة هي القلب الأبيض
الرهبنة ليست هي الجلابية السوداء. الرهبنة هي: القلب الأبيض، القلب النقي الذي لا يوجد فيه سوى الله وحده. لذلك، قال القديسون: إذا أردت أن تحيا في هذه الحياة الرهبانية ينبغي أن تُغلق باب القلاية وباب الحواس. وما معنى ”باب الحواس“؟ الحواس هي أبواب الفكر، ما تراه تُفكِّر فيه، ما تسمعه تُفكِّر فيه، ما تشمُّه تُفكِّر فيه، ما تذوقه تُفكِّر فيه. حينما تغلق الحواس يصبح الفكر ليس فيه شيء جديد. تقول: أنا أعمل هذا، ولكن في آخر النهار. أقول لك: وماهي علاقتك بالله طوال النهار؟
ونفس الوضع نقوله عن الليل والنهار. أي أن الذي يقضي الليل مع الله، الذي له صداقة الليل يستطيع أن يكون صديقاً لله في النهار، لأن قلبه طول الليل كان مع الله. وهكذا يصير الصباح بنفس الطريقة.
2. الرهبنة هي حياة التواضع الحقيقي:
الرهبنة هي حياة الاتضاع. من أحسن الأمثلة عن الاتضاع ما ورد في نبوَّة إشعياء - أصحاح 2، قال:
+ «فإن للرب يوماً على كل متعظِّم وعالٍ، وعلى كل مرتفع فيُوضع، وعلى كل أرز لبنان العالي المرتفع، وعلى كل بلوط باشان، وعلى كل الجبال العالية، وعلى كل التلال العالية... فيُخفض تشامُخ الإنسان، وتوضع رفعة الناس، ويسمو الرب وحده في ذلك اليوم» (إش 2: 12-17).
التواضع هو أن لا تشعر أنك أفضل من أي أحد. أن لا تشعر أنك أكبر من أحد. ولا نقول في الدير هؤلاء الكبار، وهؤلاء الصغار. لكن في الرهبنة، القديس ميصائيل وصل إلى درجة السياحة وهو في حوالي العشرين من عمره. وظل يجري في حياة الرهبنة من فضيلة إلى فضيلة حتى أصبح سائحاً وهو في عمر العشرين أو السبعة عشر أو الثماني عشر.
الرهبنة، كما قال أبو مقار الكبير، وأنتم أولاد أنبا مقار، لما كان الإخوة يخرجون من الكنيسة، كان يقول لهم: ”فرُّوا، يا إخوة، فرُّوا“. فيسألونه: ”إلى أين نفرُّ يا أبانا ونحن قد تركنا العالم“؟ فكان يضع يده على فمه ويقول: ”مِن هذا فرُّوا“. هل تطيعون هذا وأنتم أولاد أنبا مقار الكبير؟
على كل واحد أن يسأل نفسه كم كلمة يقولها في اليوم لغيره، وكم كلمة يقولها لله؟ 1000 % كلامك مع الناس أكثر، وكلامك مع الناس أعمق. كل كلمة تقولها للناس تعنيها، لكن مع الله قد تتكلَّم ولا تعني الكلام إطلاقاً. مثلاً تقف وتُصلِّي: ”أبانا الذي في السموات“. مَن يُخطئ في هذا؟ تقول: ”واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً لمن أخطأ إلينا“، وتكذب على الله في الصلاة، فأنت لا تغفر لغيرك.
الرهبنة هي حياة التواضع، أي أن يشعر الإنسان أنه لا شيء. حينما دخلتُ الرهبنة، كان من ضمن الكتب التي قرأتها كتاب: ”سُلَّم الفضائل“ للقديس يوحنا الدرجي (المُسمَّى كليماكوس أي السُّلَّمي)، الغُربة عن العالم، والموت عن العالم، وباقي الدرجات. وكانت النتيجة أني كتبتُ على الطبلية التي أجلس عليها وأقرأ (حيث لم يكن عندنا مكاتب)، كتبت عليها ورقة: ”لسَّه بدري عليك“. وهكذا كلما أدخل قلايتي وأقرأ كتاباً، أقول: ”لسَّه بدري عليك“. هل استطاع واحد فيكم أن يُنفِّذ درجة واحدة من درجات الدرجي التي عددها 30 درجة؟ وعلى المائدة نقرأ بستان الرهبان، أو كتب الرهبنة الأصيلة، مثل: كتب القديس برصنوفيوس، والقديس يوحنا الأسيوطي، والقديس مار أوغريس، ومار إسحق، وإن كان مار إسحق يحوي درجات عالية وليس كل واحد يحتملها، لكن كل كلامه لطيف. فحينما تكلَّم عن التواضع، قال: ”أريد أن أتكلَّم عن التواضع، ولكني خائف كمَن يتكلَّم عن الله، لأن التواضع هو الحُلَّة التي لَبـِسها اللاهوت حينما ظهر بيننا“. حياتنا الرهبانية ليس معناها أن نلبس الملابس السوداء.
3. حياة الرهبنة هي أيضاً نقاوة القلب:
وهي حياة التوبة. وما معنى التوبة؟ التوبة في معناها البسيط التي يعرفها العلماني، هي ترك الخطية. من الجائز أن يترك الإنسان الخطية، ولكن ما زالت الخطية في قلبه، أي لم يترك شهوة الخطية، إلى أن قال الآباء عن كمال التوبة إنه هو الموت، ليس فقط عن العالم، بل والكراهية للخطية. وهو لا يقصد الخطايا التي يقع فيها أهل العالم، مثل خطية الغضب، ولكن خطية حب الرئاسة. ماذا قال القديسون عن حب الرئاسة؟ ذلك الراهب العظيم قال: إذا حوربتَ بالرئاسة، فقُل هذه أفكاري وحواسي ومشاعري التي أقامني الرب عليها رئيساً لكي أُدبِّر أهل بيتي حسناً، أهل بيتي هم من الداخل، داخل نفسي. إذا تنافسنا على الرئاسات نشبه أهل العالم. تلاميذ المسيح وقعوا في هذا الأمر، فقال لهم الرب يسوع له المجد: ”لا يكن فيكم هذا الفكر، بل مَن أراد أن يكون فيكم الأول فليكن آخر الكل. ومَن أراد أن يكون فيكم سيداً فليكن عبداً أو خادماً للكل“ (مت 20: 27،26).
الرهبان كل يوم في نهاية صلاة باكر وصلاة الغروب، يقولون كل واحد للآخر: أخطأت حاللني... أخطأت سامحني. فهل كل واحد يقصد فعلاً أنه أخطأ؟ وهل فعلاً يطلب السماح؟ حينما يحزن أحد مني، أُقدِّم له ميطانية وأقول: أخطأت. ولا تُقبَل منه الميطانية، لماذا؟ لأن الميطانية الحقيقية هي انحناء النفس وليس انحناء الجسد. لذلك يقول المزمور: «لصقتْ بالتراب نفسي»، ولم يَقُل: ”لصقتْ بالتراب رأسي أو جسدي“. مفروضٌ في الرهبنة أن نعني كل كلمة نقولها في الصلاة، سواء لله أو للناس، وأن نبتعد عن محبة الرئاسات، وعن محبة المتكآت الأولى، وعن إصدار الأمر للآخرين. مرة قدَّموا لقديس كبير أخاً لكي يُعلِّمه طُرق الرهبنة، فقضي شهرين أو ثلاثة ولم يَقُلْ له ولا كلمة واحدة. فقالوا له: ”يا أبانا، قدَّمنا هذا الأخ لك، ولك شهران أو ثلاثة ولم تَقُل له كلمة واحدة“. فردَّ عليهم: ”انظروا، أنا لستُ معلِّماً لآخرين، يكفي أن يراني كيف أعمل، ويعمل هو كما أعمل أنا“.
4. الرهبنة هي عدم الخوف:
الذي يخاف لا يصير راهباً. واحدٌ فقط هو الذي يخافه، وهو الله. حتى القديس أنطونيوس قال: ”يا أولادي، أنا لا أخاف الله“. فقالوا له: ”هذا الكلام صعب يا أبانا“. فقال: ”لأني أُحبُّه، والمحبة تطرح الخوف إلى خارج“. الذي يخاف لا يتبع الله، ولكنه يتبع مَن يُخيفه، فتكون القيادة ليست في يد الله، ولكن في يد مَن يُخيفه.
من أين يأتي الخوف؟ القديس أُغسطينوس العظيم التي ملأت تأملاته كنوزاً للبشرية كلها، قال عبارة جميلة ذُكِرَت في كتاب ”حياة الصلاة“، الطبعة الأولى ذات الحجم الصغير والذي كتبتُ له مقدمة سنة 1954، ماذا يقول القديس أُغسطينوس، يقول: ”جلستُ على قمة العالم حينما أحسستُ في نفسي أني لا أخاف شيئاً، ولا أشتهي شيئاً“. لا أخاف ولا أشتهي. حينما تشتهي شيئاً، تخاف لئلا هذه الشهوة لا تتحقق؛ وإن تحقَّقت تخاف لئلا تؤخذ منك، فتظل خائفاً. أما الشخص الذي لا يشتهي شيئاً، فما الذي يخاف منه؟
القديس باسيليوس الكبير الذي كان أب رهبنة، وكان رئيس أساقفة قيصرية كبادوكية، وكان على أيامه إمبراطور أريوسي، وجاءوا يهدِّدونه وقالوا له: ”سوف يسجنك الإمبراطور“، فردَّ عليهم: ”يمكنه أن يسجن جسدي، ولكنه لا يستطيع أن يسجن فكري“. قالوا: ”يمكنه أن يُصادر أموالك“، فردَّ: ”أنا راهب لا أملك شيئاً يُصادره“. قالوا له: ”يمكنه أن ينفيك خارج البلاد“، قال لهم: ”لا يستطيع أن ينفيني إلى أرض لا يوجد بها الله“. فما الذي يخافه؟ داود النبي يقول: «ماذا يفعل بي الإنسان»؟ لذلك الذي يحيا في حياة الرهبنة، أمامه الطريق الروحي واضح يسير فيه: حياة الوحدة، حياة الاتضاع، الانشغال بالله وحده، وأيضاً: القلب فيه الله وحده، غلق باب القلاية، غلق باب الحواس، هذا هو الطريق السليم.
لما ابتدأنا الرهبنة، خرجنا أولاً في مغائر قريبة من الدير على بعد 3 كيلومترات، عشنا فيها فترة، كان زميلي في هذه الفترة أبونا مينا، الراهب الذي معكم. ثم جاء عليَّ وقت ووجدت أن هذا غير نافع، حفرتُ لنفسي مغارة في منطقة اسمها ”البحر الفارغ“ على بُعد حوالي 12 كيلومتراً من الدير، وكانت تمرُّ عليَّ أسابيع لا أرى وجه إنسان. ليس فقط لا أتكلَّم مع إنسان، ولكن لا أرى وجه إنسان، فكانت أحلى أيامي في الرهبنة.
وفاكر إن مبدئي في الرهبنة كان هو هذا من زمان، منذ أن كنتُ علمانياً.







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- زاخاروفا: قادة كييف يحرمون مواطنيهم من اللغة الروسية ويتحدثو ...
- شاركت في -باب الحارة- و-عودة غوّار-.. وفاة الفنانة السورية ف ...
- نجمة عالمية تتألق بفستان استثنائي منذ عام 1951 في مهرجان كان ...
- عند الفجر وقت مثاليّ جدا للكتابة.. نيكول كيدمان محبطة من ند ...
- -ظل والدي-.. أول فيلم نيجيري يعرض في مهرجان كان السينمائي
- -النمر- يحضر على السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي بأج ...
- تضارب الروايات حول دخول مساعدات إلى غزة لأول مرة منذ مارس
- قطاع غزة.. 55 قتيلا بينهم فنانة في غارات استهدفت نازحين ومنا ...
- ‏انعطافات في المشهد التشكيلي السوري.. الفن النخبوي هل يلامس ...
- رواية -حارة الصوفي-.. التأريخ بين قبعة الاستعمار وطربوش الهُ ...


المزيد.....

- اقنعة / خيرالله قاسم المالكي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بقلم رعد الكعبي - الرهبنة هي القلب الأبيض