أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - الحايل عبد الفتاح - الفساد الإداري وتمرد الموظف















المزيد.....


الفساد الإداري وتمرد الموظف


الحايل عبد الفتاح

الحوار المتمدن-العدد: 3735 - 2012 / 5 / 22 - 00:53
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


خلال هذه الثورات العربية المستمرة، راينا وسمعنا متظاهرين بالآلاف والملايين يهتفون بملئ حناجرهم : " يسقط الفساد"لا للفساد"، أو يرفعون شعارات كتب عليها "لا للفساد "، وكلمة الفساد هذه تكررت في عدة تظاهرات ومظاهرات في عدة مناسبات وفي عدة دول عربية، سواء تلك التي مستها الثورة العربية من بعيد او قريب.
فهي عبارة هتف بها كل من يحس بهضم حق من حقوقه أو كان ضحية الفقر أو الظلم او التسلط. بل الغريب في الأمر ان حتى العديد من المؤيدين للأنظمة القائمة يجرؤون على التصريح بان هناك فسادا...وفي نظرنا، الفساد المقصود من طرف هؤلاء وأولئك هو الفساد الإداري.
باختصار فالعديد من الناس يلاحظون ويعيشون ويتعايشون مع الفساد الإداري يوميا. لكن القليل منهم من يتسائل : ما هو سبب الفساد الإداري ؟ وما هو الفساد الإداري؟ وكيف يمكن ان يعالج الفساد الإداري ؟
في البداية يجب أن نحدد الإطار الذي يجب أن نناقش فيه ظاهرة الفساد الإداري.
فالفساد الإداري مكون من كلمتين : "فساد" و"إداري".
فهو عامة نعث قدحي لما قد يحدث من تصرف أو فعل مشين ومضر داخل إدارة عمومية او شبه عمومية
فالفساد الإداري الذي نقصد مناقشته هو ذلك الفساد الذي يعم الإدارة العمومية والشبه العمومية. لأنه فساد يمس ليس فقط كيان الدولة وشرعيتها، بل ينال من حقوق المواطنين وحرياتهم. ومن ثم فمن حق اي مواطن أن يندد بالفساد الإداري لأن مصلحة الوطن أو المصلحة العامة تقتضي وتفرض ذلك.
نقاش الفساد الإداري يبرره الحق الوطني في منع المفسدين من تخريب الوطن وهدر طاقاته. فالغيرة على الوطن هي أساس كل فكر وطني سديد. فمن لا يغار على وطنه فهو لا يستحق أن يكون مواطنا حقا بل لا يمكن ان يكون حتى إنسانيا.
الحديث عن الفساد الإداري يبرره أيضا ما نراه من هدر لأموال الخزينة العامة أو اغتصاب للمال العام. وتبعا لذلك فمن الضروري والواجب ان يتجند المواطنون بكل ما لديهم من وسائل للقضاء عليه أو على الأقل الحد منه.
أما كلمة "فساد" فهي كلمة واسعة المعنى. وبصراحة لا يمكننا إعطاء تعريف شامل وجامع ومانع لكلمة "الفساد ". كما أنه من المستحيل أن نقيم لائحة نجرد فيها كل مظاهر الفساد. لأن الفساد له وجوه لا تعد ولا تحصى. بل كل ما نستطيع القيام به هو إعطاء نمادج للفساد لنقرب الأفهام ولنتفق على ما سياتي بعده من تفصيلات.
فالفساد من فعل فسد( بفتح السين) وفسد (برفع السين). ضد صلح.
وحسب منجد الطلاب فكلمة "الفساد" هي مصدر؛ وتعني اللهو واللعب، وتعني أخذ المال ظلما.
وفي القرءان الكريم، في سورة البقرة، الآية 11: " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض، قالوا إنما نحن مصلحون". ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون". كما جاء في نفس السورة، الآية 60 " كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين".
وقد ترجم الدكتور صلاح الدين كشريد في ترجمته للقرآن كلمة "المفسدون" في الآية الأولى ب الكلمة الفرنسية « corrupteurs » وترجم كلمة مفسدين في الآية الثانية بالكلمة الفرنسية : " « propagateurs acharnés de la corruption »
وفي نفس السورة، الآية 205 : " والله لا يحب الفساد". وقد ترجمها بالكلمة الفرنسية
« Dieu n’aime pas la corruption ».
وفي سورة آل عمران، الآية 33 : " ويسعون في الأرض فسادا"، ترجم كلمة " فسادا" بالكمة الفرنسية la corruption » « .
وفي سورة يونس الآية 81 : " فلما ألقوا، قال موسى : ما جئتم به السحر. إن الله سيبطله. إن الله لا يصلح عمل المفسدين". قد ترجمها الدكتور صلاح الدين كشريد بالكلمة الفرنسية " des corrupteurs".
وجاء في آية أخرى : " ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدتا".

وجاء في الفصل 490 من القانون الجنائي المغربي " كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد. ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة". والفساد هنا كجنحة معاقب عليها جنائيا، له هنا معنى خاص.
وقد شرح هذا الفصل في سياقه معنى الفساد. إذ اعتبر أن الفساد هو وقوع علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية.
يستخلص مما سبق أن كلمة "فساد" لها معنيين : معنى خاص ومعنى عام.
ففي المعنى الخاص تفيد القيام بتصرف إرادي محضور قانونا ومجرم جنائيا في المجتمع، كما هو مستخلص من فهم المشرع المغربي. ومثاله : الخيانة الزوجية أو الزنى، وسرقة المال العام والخاص، والخروج بدون ملابس إلى الشارع العام...
وفي المعنى العام تفيد إتيان تصرف إرادي ينتج عنه ضرر، كما هو مقصود في الآيات القرآنية السالفة الذكر كما هو واضح من الآيات القرآنية السالفة الذكر.
والملاحظ أن الفساد في المعنى الخاص معاقب عليه جنائيا وفي جميع الحالات؛ كما هو الحال في مثال الخيانة الزوجية أو الزنى، والسرقة، والنصب، والرشوة، وتكسير وتعطيب التجهيزات العمومية والخصوصية ظلما وعدوانا...
أما في المعنى العام فالفساد لا يعاقب عليه المشرع في بعض الحالات؛ كما لو تأخر الموظف في القدوم لعمله، أو تغيب الموظف وادعى أنه مريض لكنه في الحقيقة غير مريض، وذهاب الموظف إلى مقهى ليحتسي قهوى خلال فترة العمل عوض قيامه بعمله...
- وفي المعنى الخاص تكون رقابة السلطة العامة هي الرادع والمانع للقيام بالفساد
- أما في المعنى العام لا توجد رقابة على الفرد حين إتيان الفساد. فالرقيب الوحيد في المعنى العام هو الضمير والوعي الفردي الشخصي او الإعتقاد بوجود إلاه يمنع الفساد . فالفرد وحده هو الذي يقدر إن كان يقوم بفساد أو لا. فإحساسه وضميره هو المقياس في معرفة هل يقوم بالفساد أم لا.
فمن ثم فالفساد الأكثر خطورة على المجتمع هو الفساد العام؛ لأنه فساد يطرأ في غيبة الرقابة من أي سلطة، سواء السلطة العامة أو سلطة المجتمع. فالمفسد بالمعنى العام يأتي تصرفات غير ممنوعة قانونا لكنها تنتج مفسدة وضررا بالناس والطبيعة. كأن يرمي شخص زبلا في الشارع أو دخن سجارة في مكان عمومي. فرمي الزبل بالشارع غير ممنوع قانونا لدى العديد من الدول، لكنه تصرف مضر بالناس وبالطبيعة، والتدخين في مكان عمومي غير ممنوع لكنه مضر بالآخرين.
والملاحظ أن في الدول المتخلفة لا توجد تشريعات دقيقة تردع المواطن حين يقوم بفساد عام. كما لو تغيط الكلب في الشارع أو اجتياز المارة للشارع رغم أن الضوء الأحمر مشتعل. فصاحب الكلب لا يعاقب من طرف المشرع المغربي رغم تغيط كلبه أمام المنازل. أما في التشريع الغربي فهذا التصرف يجرم صاحب الكلب، لأن الكلب قام بتصرف معاقب عليه جنائيا. والغيط مضر بصحة الناس؛ فقد يتسبب في مرض ويكلف ميزانية من المال العام حين جمعه ...
وفي حالة اجتياز المارة للشارع والضوء أحمر، فهذا التصرف غير معاقب عليه في القانون المغربي. أما في القانون الغربي فمعاقب عليه لأنه يشكل خطرا على السائقين والراجلين ويكلف ميزانية من المال العام حين تقع حادثة سير...
فالملاحظ أنه كلما خشي المواطن من الجزاء أو على الأقل من رقابة السلطة العامة إلا وكف أكثر عن القيام بالفساد.
ومن هنا تتضح أهمية التشريع ونجاعته في الحد من الفساد بكل أنواعه الخاص والعام.
بعد هذا يمكننا أن تميز بين نوعين من الفساد الإداري :
- فساد إداري قانوني : وهو مجموعة من التصرفات الخارجة على القانون والمجرمة بنص قانوني ومعاقب عليها بمواد القانون الجنائي.
- وفساد إداري أخلاقي : هو مجموعة من التصرفات التي يبقى فيها الإداري حرا طليقا ياتيها إن طاب له ذلك أو عدم إتيانها إن شاء. فهي ترجع بالدرجة الأولى لضميره المهني واخلاقه المكتسبة داخل الإدارة وخارجها.
تجليات هذا الفساد الإداري بنوعيه لا تحد ولا تحصى فهو فساد في مختلف الميادين والمصالح والإدارات على اختلاف تنوعها واختصاصاتها.
فمن نمادج الفساد الإداري القانوني نذكر على سبيل المثال :
- من الفساد الإداري أن يعطي مجلس جماعي لمقاولة تجارية أرضا شاسعة في ملك الجماعة باثمنة زهيدة وتحت تستر المنفعة العامة مقابل توزيع شقق على اعضاء المجلس المعني بالتفويت.
- من الفساد افداري أن تعطى سفقة عمومية لرجل أعمال لأن أباه وزيرا أو أخوه برلماني دون احترام للشروط المتطلبة قانونا
- من الفساد الإداري أن يتلقى رئيس مؤسسة تعليمية عمومية مكالمة من صديق صديق يدعوه غلى إنجاح إبنه أو بنته.
- من الفساد الإداري ان يطلب منك أحد الإداريين بطريقة او اخرى أن تمده رشوة مقابل عمل لإداري هو ملزم بالقيام به. كأن تطلب منه شهادة السكنى أو شهادة العزوبة ويطلب منك 50 درهم
- من الفساد الإداري أن تجد عمارة تتكون من أربع طوابق لا وجود لها في المحافظة العقارية. وأن المسجل في المحافظة هو انها منزل كبير المساحة.
- من الفساد افداري ان تسرقة الأدوية التي تشتريها الدولة وتباع في السوق الوطنية أو الدولية.
- من الفساد الإداري أن يبيع لك إداري أدوية كانت مخصصة لعلاج المواطنين بالمجان
- من الفساد الإداري سرقة اللوازم افدارية وبيعها بالسوق.
- من الفساد الإداري أن يطلب منك إداري 000 80 درهم ليقوم بتشغيل إبنك في الجندية
- من الفساد افداري ان يتغيب الموظف بدون عدر أو سبب قانوني.
- من الفساد الإداري أن يعين مديرا في إدارة عمومية إبن فلان الذي لا خبرة ولا تجربة له في نفس الإدارة
- من الفساد الإداري أن يغمض الجمركي عينيه على تمرير سلع عبر الحدود المغربية رغم أن هذه السلع محضورة.
- من الفساد الإداري أن يحكم قاض بما أملاه عليه أحد المؤولين الكبار بوزارة العدل.
- من الفساد الإداري أن يباع بنزين سيارات الإدارة العمومية للخواص بأثمنة أقل مما هي عليه في محطات البنزين.
كلها بطبيعة الحال أعمال وتصرفات مجرمة ومعاقب عليها قانونا وهي من ثم مدرجة في الفساد الإداري الخاص القانوني.
لكن الفساد الإداري لا يتجلى فقط في وجود ما هو مجرم داخل الإدارة العمومية أو الشبه العمومية ومعاقب عليه جنائيا، بل يتعداه إلى ما هو غير اخلاقي، وهو ما اصطلحنا على تسميته بالفساد الإداري العام الأخلاقي. وامثلته كثيرة ومتنوعة ومتشعبة. نذكر منه :
- كما لو لم يحضر للجلسة بالمحكمة قاض في الساعة المحددة مسبقا، فيضيع على سائر الموظفين والمحامين والمواطنين وقتهم وجهدهم ومالهم.
ولكي نقرب أكثر مفهوم الفساد الإداري الأخلاقي إلى أدهان العديد من الناس فإننا سناخد مثالا من الإدارة العمومية المغربية.
وسنلاحظ من خلال المثال الذي سنسوقه بتفصيل ان الفساد الإداري القانوني يكون في الغالب مقرونا ومرافقا للفساد الإداري الأخلاقي.
فحل مشكل الدخل الشهري للموظف العمومي يعتبر حجرة الزاوية لمحاربة الفساد الإداري والأخلاقي. ورغم ذلك فالدولة لا توليه العناية الكافية..
فالموظف المغربي الذي يتقاضى راتبا شهريا لا يتعد 3000 درهم لا يستطيع أن يحس بأنه مواطن أو عامل لدى الدولة. بل أنه يحس بان كرامته مهانة في المجتمع وبأنه يعمل مع شخص لا يفهمه. بل يحس بغبن وخدلان واللامبالات لوضعه المادي المعيشي من طرف الدولة ومسؤولوها. ومن ثم فالعديد من الموظفين يتمرود على العمل الموكول لهم داخل وخارج الإدارة التي يشتغلون بها.
فرفض الدولة رفع سقف الحد الأدنى للأجر يعطي للموظف ظروف مواتية وتبريرية للتعاطي لمثل هذه التصرفات السابقة الذكر. بل تعطي لموظفيها الضوء الأخضر لتفشي الرشوة والمحسوبية والزبونية... فهي من هذا المنطلق تكرس الفساد الإداري بنوعيه القانوني والأخلاقي.
ففي المغرب، فالدولة لم تحرك ساكنا خلال الإضراب الذي دام أكثر من سنة وشل ويشل حركة العمل في قطاع العدالة و الصحة والجماعات المحلية. والموظفون المضربون في هذه القطاعات لهم مطالب مشروعة خاصة المتعلقة بموضوع الأجور ووسائل العمل.
فالمشاكل التي يتخبط فيها موظفوا قطاع العدل والصحة والجماعات المحلية، مثلا، تنعكس سلبا وبوضوح على المصالح التي تشرف عليها وزارة العدل ووزارة الصحة وإدارات الجماعات المحلية.
فالدولة خلال هذه الإضرابات التي دامت وتدوم أزيد من سنة، خسرت اللايير من الدراهم من ميزانيتها وخزينتها. وهذا الهدر والخسارة للمال العام لا يقدره لا المسؤولون ولا الموظفون.
فالمسؤولون عن تسيير الإدارة المغربية بقوا مكتوفي اليدي امام تصعيد الإضرابات مع توصلهم بؤجورهم الراقية، والموظفون استمروا في الحصول على رواتبهم الزهيدة كما هي بدون اقتطاع.
أما المواطن المغربي السادج المخدوع و"المحكور" فبقي ضحية هذا العنف الناشب بين الدولة وموظفيها. هذا مع العلم أنه هو الملزم ضريبيا وهو الذي يؤدي اجور الموظفين والقائمين على تسيير الإدارات. وهو المؤدي لفاتورة علاقة القوة بين الإدارة وموظفيها أي فاتورة الإضراب.
فالدولة من هذا المنظور تخلق أعداءا لها ومن عقر دارها من موظفيها ومن خارجهم. وفإذا غضضنا الطرف عن المواطنين الغاضبين على المسؤولين الإداريين واقتصرنا على فقط على شريحة الموظفين نلاحظ أن العداوة تظهر أيضا من خلال الكمية والكيفية الإنتاجية افدارية. ومن ثم فالدولة تساهم من بعيد أو من قريب في خلق ظروف الفساد الإداري الأخلاقي والقانوني.
مااذا يفعل بعض الموظفين لكي ينتقموا لأنفسهم وليعبروا عن سخطهم وتمردهم على الدولة والوطن؟ كيف يرد هؤلاء الموظفين الكيل بالكيل للدولة لتصبح الإدارة بوعي أو بدونه فاسدة ؟
الجواب هو أنهم يأتون تصرفات غير مسؤولة بل ضارة بمصلحة الدولة والمواطنين، وذلك بما يلي :
- التأخر في الحضور للعمل بربع ساعة على الأقل.
- الإنتهاء من العمل قبل الوقت المحدد قانونا بربع ساعة على الأقل
- الدهاب لتأدية الصلات قبل وقتها والرجوع متى شاء. والتبرير هنا قانوني أجازه القائمون على العمل... وهذه الظاهرة تكثر خاصة في شهر رمضان المبارك.
- الذهاب لأخد وجبة الغداء قبل ابتداءا من ساعة معية والرجوع متى شاء مادام التبرير قانونيا.
- تحضير الغداء داخل الإدارة من طرف أحد الموظفين لمجموعة اخرى من الموظفين
- طلب إجازة لسبب صحي كاذب
- العمل بطريقة بطيئة وبوتيرة غير عادية
- التغيب للذهاب للحج أو العمرة متى شاء وبترخيص من المصلة التي يعمل بها.
- رفض الموظف القيام بعمل ما دام رئيس المصلحة أو الرئيس يتحاشى ويخشى الدخول في صراع مباشر أو غير مباشر مع الموظف وباقي مؤيديه من الموظفين. اللوبي الصغير لمجموعة من الموظفين في الغالب يدجن رئيس المصلحة أو رئيسها.
- الإضراب حين تعلن عنه نقابة معينة، حتى ولو أن الموظف لا ينتمي لنقابة معينة
- التجول في الممرات لسبب أو لآخر
- استقبال الأقارب أوالمعارف الدردشة معهم مباشرة أو عبر الهاتف
- إحضار أطفالهم أو أطفالهن لسبب من الأسباب وعدم افهتمام التام بالعمل
- التنقل للقيام بزيارة لزميل في نفس المصلحة وهي زيارة خارج إطار العمل
- استقبال زميل من المصلحة للتحدث والدردشة معه خارج إطار العمل
- بل أن بعض الموظفين يوهمون الغير بانهم يعملون لكنهم في الحقيقة يملؤون الكلمات المتقاطعة أو يسبحون في الكمبيوتر أو البرقيات الإلكترونية أو قرائة مجلة أو صحيفة.
- آخرون يقفلون باب المكتب ليخلدوا إلى النوم بعض الوقت
- آخرون يوهمون الغير بأنهم موجودون داخل المصلحة وذلك بترك بدلة أو معطف أو ما شابه ذلك...كدليل على وجودهم في العمل. ويتكفل موظف آخر من نفس المصلحة بالتستر عليه وبتغطية الفراغ الحاصل في المصلحة.
- بعض الموظفين يوهمون غيرهم بأنهم يعملون خارج الإدارة؛ لكنهم في الحقيقة يوجد بمقهى او بمنازلهم. وهذا النوع من التصرف يقبل عليه من هم مكلفون بالإشتغال خارج الإدارة، كالمفوض القضائي، والباحث الإجتماعي التابع للإدارة، وسائق سيارة العمل، والموزع للملفات بين مختلف الإدارات...
- حين لا تجد الموظف الذي سيقوم بالإجراء ينصحك زميل له بالعودة في ساعة أخرى أو في يوم آخر. فتتعطل مصلحة المواطنين، ويتأخر وصول المصلحة المرتجات من الإدارة المعنية. خسارة للوقت والمال.
هذا الفساد الإداري الأخلاقي يعيشه المواطن ويتعايش معه بدون أن يستطيع أن يغيره، هذا التسيب الأخلاقي الإداري يطرأ أمام انظار ومسمع المسؤولين عن القطاع المعني.
النتيجة هي ان العديد من الموظفين أصبحوا متسيبين وطليقي الحرية، لا رقابة عليهم. يعملون متى شاؤوا يتعطلون متى شاؤوا. وفي النهاية أصبح الموظف غير منتج بل مجرد مستهلك لوقت الإدارة ومهدر لطاقة وميزانية الدولة.
وأمام تعنت الدولة وعدم اكتراثها بموظفيها فالتسيب يصير ابعد من ذلك. فتتفشى ظاهرة الرشوة لدى العديد من الموظفين. وحين تسال الموظف عن سبب اخده للرشوة يجيب ببساطة وسداجة : "الدولة هي السبب في مسكي للرشوة. فلو كانت الدولة تعطيني مرتبا محترما يكفي احتياجاتي الشهرية لما قبلت على اخذ الرشوة".
باختصار شديد، فالموظف يكون في نفس الوقت عنصرا من عناصر الفساد وضحية للفساد الإداري بنوعيه. فلا الدولة نعطيه حقه ولا هو يؤدي واجبه.
أضف إلى ذلك فحسب العديد من الموظفين فالمشاكل التي يعيشونها هي فقط مشاكل متعلقة بالدخل الشهري. كما أن العديد من المواطنين يعتقدون أن الفساد الإداري يرجع للموظفين العموميين فقط. وهذا الإعتقاد وما قبله ليسا بالتفسيرين الوحيدين لوجود الفساد. بل هناك عدة اسباب لا يمكن تفصيلها في ضيق هذا المقام. ولتبيان ذلك يمكننا أن نعتبر أن بعض القرارات والبرامج الإدارية ( المختلفة الإلزامية) تكرس الفساد وتدعم أسسه.
كما أن رفض الدولة تفعيل مبدئ الحد الأدنى للخدمة العمومية، كما هو متعارف عليه دوليا، يشجع الموظفين على الإضراب ويعطل الخدمات العمومية...
وكمثال على البرامج والقرارات الإدارية المكرسة والمدعمة للفساد الإداري، نسوق المثال الثالي :
فعوض أن تعالج الدولة هذه الظواهر السابقة الذكر بحلول واقعية فهي زادت في الطين بلة حين فرضت من قبل تغيير ساعات العمل وذلك بفرض " التوقيت المستمر".
فهذا الإختيار لم يكن موفقا ومناسبا، لا من الناحية النفسية ولا من الناحية المادية للموظفين؛ وفوق ذلك ليس في مصلحة المواطنين والصالح العام.
فالدولة لم تأخذ بعين الإعتبار الحالة المادية للموظف حين فرضت هذا التوقيت. كما أنها لم تكن تتوفر على تجهيزات تتناسب وهذا التنظيم الجديد في سير اوقات العمل. فالموظف اصبح من جهة مضطر لشراء غدائه زيادة على غداء أسرته بالمنزل وغداء أبنائه بالمدرسة. فهذا التوقيت خلق حاجيات مادية لم يكن الموظفون مستعديد لسدها وتكفيتها. بل هي حاجيات زادتهم تقليصا لدخلهم المتواضع.
والدولة لم تجهز مصالحها بمطاعم خاصة بالموظفين وباتمنة مناسبة. فأغلب الموظفين يرون أن جزءا من راتبهم يذهب في اقتناء وجبة الغداء.
فالدولة المغربية قلدت التوقيت الإداري الفرنسي في الأخذ بالتوقيت المستمر لكنها لم تقلد البنية التجهيزية التي تتوفر عليها الإدارة الفرنسية. ففي فرنسا نجد في كل مصلحة مطعما ومقهى خاصين بموظفيها مع ثمن بخس لاقتناء وجبة الغداء.
بل أن الدولة استغني عنها أحيانا فيما يخص تصريف مثل هذه المطاعم الخاصة بالموظفين تحت رقابة نقابات الموظفين.
فالتوقيت المستمر لم يكن داخلا في تخطيط بنيوي الغاية منه الزيادة في الإنتاجية. فهو قرار غير عقلاني وغير واقعي. فهو بنتائجه الوخيمة على المجتمع وعلى الموظف، خلق بلبلة وفوضى عارمة في الإدارة المغربية. فهو مجرد تقليد اعمى يخدم مصلحة فئة محدودة من المواطنين والموظفين.
فعلا فهذا التوقيت يجد له بدون شك أنصارا ومؤيدين لكن هؤلاء الأنصار والمؤيدين هم قليلو العدد وإنتاجيتهم محدودة بالنسبة لإنتاجية غالبية الموظفين الموزعين على مختلف المصالح الإدارية.
فهو تنظيم اتخذ بدون أن يكون مدمجا في بنية اجتماعية واقتصادية مخطط لها مسبقا. فالقرار جاء من الفوق دون أن يراعي في محتواه الحالة النفسية والمادية والعائلية للموظفين.
نعتقد أن من فرض هذا التوقيت لم تكن له نظرة شمولية للوضع الإجتماعي والإقتصادي بالمغرب. بل أن ليس له دراية بالواقع الفكري والأخلاقي للمغاربة.
ولن نبالغ إن اعتقدنا أن أن هناك ارتباطا وثيقا بين توقيت العمل المستمر وهذه الإضرابات المستمرة في مختلف القطاعات الإدارية حاليا.
كان على الدولة ان تجهز أبنية تخصصها كمطاعم للموظفين. وحتى تسيير هذه المطاعم كان من الممكن ان تكلف به الخواص تحت رقابة الدولة ونقابات الموظفين لكي لا يطغى المسير للمطعم ويفرض اثمنة لا تتناسب ودخل الموظف البسيط.
كان على الدولة ان تفكر ايضا في مصير ابناء هؤلاء الموظفين. فالتوقيت المستمر إن كان يناسب شريحة أو مجموعة من الموظفين فهي لا تتناسب مع التنظيم العائلي لعدد كبير من الموظفين. فالمدارس الحكومية لها توقيت مخالف لتوقيت الإدارة ومصالحها.
كان على الدولة أن تخصص ميزانية لبناء مطاعم مناسبة للتلاميذ هم الآخرون كما هو الحال في فرنسا.
ومن ثم يمكن لأي ملاحظ تربوي أو اجتماعي أن يجزم بان تشتت العائلة وشقائها والخلافات والتوثرات القائمة داخلها كان سببه منذ مدة هو فرض هذا التوقيت المستمر. فآباء التلاميذ والتلميدات يعرفون نوعية هذه المشاكل وحدتها.
إذن فغلاء المعيشة و"الحكرة" - بالمفهوم الدارجي المغربي- الذين يحس بهما الموظفون في حياتهم اليومية والمهنية، لحد الآن، لم تعرها الدولة اهتماما كافيا. بل زادت في حدتها حين فرضت التوقيت المستمر. ومن ثم فالفساد الإداري مستمر وسيستمر.
ماذا فعلت الدولة بعد سنة من الخراب الإداري والفوضى العارمة ؟
قررت الزيادة في أجور الموظفين وذلك في مبلغ 600 درهم. وأسكتت أفواه بعض الموظفين المتطرفين نقابيا بتعويضات دورية غير متكافئة.
ومع ذلك فالدولة بهذه الزيادة الجزافية وهذه الهبات التمييزية لم تحل بعد العديد من مشاكل الموظفين بطريقة شمولية، فهي لم تفهم بعد أن 600 درهم ليست سوى ثمن سندويتش عن كل يوم عمل. ولم تفهم ايضا أن الإدارة المغربية لا تحتاج فقط إلى الزيادة في الأجور، بل إلى الإصلاح الشامل من الفساد بمختلف معانيه، وإلى التكوين المستمر للموظفين، وتبسيط المساطر...
خلاصة القول المختصر جدا، أن فساد الإدارة له أسباب متعددة ومتنوعة وبنيوية. وأن تمرد الموظف المغربي يعد سببا و نتيجة للفساد الإداري، وأن الدولة والعديد من الموظفين يساهمون بوعي أو بدونه في استمرار الفساد الإداري.
الحايل عبد الفتاح من هيئة الرباط



#الحايل_عبد_الفتاح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعارفي الدساتور عامة وفي الدستور المغربي خاصة


المزيد.....




- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...
- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...
- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - الحايل عبد الفتاح - الفساد الإداري وتمرد الموظف