أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نضال عبد الكريم - ذكريات مسيرة















المزيد.....

ذكريات مسيرة


نضال عبد الكريم

الحوار المتمدن-العدد: 3733 - 2012 / 5 / 20 - 02:20
المحور: سيرة ذاتية
    


احاول ان احافظ على ذكرياتي في فترة وجودي في كردستان ، نصيرة ضمن عدد من النصيرات جنبا الى جنب مع اعداد كبيرة من الانصار الشيوعيين ، حملنا السلاح ، لنحارب الدكتاتورية ، منذ ان بدأت حملتها ضد الحزب الشيوعي العراقي في عام 1978 . اريد ان اسجل هنا ذكرياتي عن مسيرة الانسحاب من مقراتنا ، بعد خسارتنا معركة بشت ئاشان اثر هجوم من قبل قوات الاتحاد الوطني الكردستاني في آيار 1983 .

ولمن لايعرف بشت ئاشان ، فهي قرية مهجورة في اسفل جبل قنديل الشامخ ، والذي يشكل نقطة حدود مع ايران ، تغطي الثلوج قمته وسفوحه اشهرا عديدة من السنة . اختار الحزب الشيوعي العراقي هذه القرية والوادي ليكونا مقرا خلفيا لقيادة الحزب واعلامه ، ولكن التطورات السياسية والعسكرية بين الحزبين الكرديين الرئيسيين وضعتنا كطرف في الصراع بينهما ، وآلت تلك التطورات الى هجوم عسكري من قوات الاتحاد الوطني ضد مقرات الحزب في بشت ئاشان ، الأمر الذي اضطرنا الى الانسحاب نحو سفح جبل قنديل والانتقال الى الجانب الآخر الذي كان برعاية الحزب الديمقراطي الكردستاني .

للأسف الشديد لم يكن انسحابنا منظما كما ينبغي ، ولم نكن نعرف خط انسحاب واضح ، ولم نكن مستعدين الى الانسحاب اصلا ، لأن قيادة الحزب لم تتوقع ان يهاجمنا الانحاد الوطني في مقر المكتب السياسي في يشت ئاشان ، كما صرح الفقيد فاتح رسول عضو اللجنة المركزية آنذاك . وهكذا كانت مسيرة الانسحاب التي ابتدأت منذ عصر يوم 2 آيار 1983 طويلة وموحشة وقاسية .

قبل مسيرة الانسحاب بأيام ، وعندما كان التوتر سيد الموقف ، كان النصير عبد الحسين شعبان ( ابو ياسر ) يجمع بعض الأوراق ويضعها في كيس نايلون ويذهب بها الى اعلى الجبل لدفنها هناك ووضع شاهدة عليها للتدلل على المكان عند العودة اليه ، ومثله فعل النصير صباح المندلاوي ( ابو النور ) الذي كانت لديه كتابات ادبية ومسرحيات لايريد لها ان تحرق ، فوضعها في علبة حليب نيدو فارغة وذهب بها الى اعلى الجبل لدفنها هناك .

ابلغوني بالانسحاب ،اعلموني ان آخذ وثائقي واتجه نحو نهاية الوادي ، والصعود اعلى السفح ، مع الآخرين ، مررت بالحانوت الذي كان يبيعنا بعض المستلزمات ، رأيته مفتوح الباب ، اخذت منه بعض التمر والسكر ، ومجانا للمرة الاولى والاخيرة ، وبدأت صعودي سفح جبل قنديل مع الآخرين مثلي الذين لايعرفون الى اين نتجه ، وماينتظرنا ، وماذا بشأن الآخرين الذين تركناهم ورائنا ، اسئلة كثيرة تمر امامنا ولايستطيع احدنا الإجابة عنها .

في المسيرة ، كان الرفيق جاسم المخرج الاذاعي الذي كان احد العاملين في اذاعة الحزب ، التي كانت تبث من بشت ئاشان ، يجلس القرفصاء على صخرة عالية نسبيا وينظر من اعلى الى مبنى الاذاعة الذي يحترق بعد ان قرر الرفاق نسفها وحرقها ، كان ثابتا في قرفصائه رغم اصوات الانفجارات ، يحدق بالنيران وعيناه تشبه جمرتين تقدحان شررا ، لم يكن ليسمع مناداتنا له . بعد ان خفت لهيب النيران نزل من الصخرة العالية ، وقال لي : امشي ، ابو جواد ورائنا.

في المسيرة كانت الرفيقة لينا ، زوجة الرفيق خالد قد وضعت طفلهما الأول قبل يومين ، ولم يسعفهما الوقت حتى لتسمية المولود الجديد . كانت لينا تسير امامي وكان طفلها عبارة عن فم يصرخ كل لحظة طالبا للحياة . لينا لاتملك الحليب واصابها نوع من الانهيار ، تناوبنا على حمل الطفل ، ولينا تصرخ أين خالد ؟ هل استشهد ؟ كل ساعة تمر تصبح الحياة اكثر صعوبة ، فالبرد قارس والمجهول امامنا .
فجأة ظهر امامنا الرفيق الشهيد الطبيب ابو ظفر ، حمل الطفل وذهب الى لينا ، قال لها : اهدأي ، ضعي الحلمة في فمه حتى لو كانت خالية . لينا كانت تهذي وبالكاد تمشي ، وبدأ لون الطفل يميل الى الزرقة ، وضعه الدكتور ابو ظفر على سترته واخذ بعض من السكر ، وخلطه بالثلج الذي تحت اقدامنا ، فرك الثلج بالسكر ، ووضعه في فم الطفل ، ولأول مرة بدأ الطفل يستعمل لسانه في التذوق ، وبدأ يهدأ ، كان يصرخ للحظات ويسكت ، وكان الرفاق يساعدون لينا في صعود جبل قنديل ، كنا نصعد الجبل دون معرفة للوقت ، كانت غريزة البقاء تدفعنا الى ذلك ، والبعض منا قد انهار من التعب .

في المسيرة كان يظهر بشكل مفاجئ ، رفاق جدد ، لحى خشنة ، وجوه جائعة ، تسأل عن بقايا تمر أو سكر أو كسرة خبز ، كان الرفاق يبحثون تحت الصخور عن سكر وشاي ، وكانت هذه عادة الرعاة ، يضعون في كل مكان يمرون به ، السكر والشاي والملح ، ولكن احلامهم كانت عبارة عن سراب في صحراء قاحلة ، فأي راع يصعد بقطيع الغنم الى جبل قنديل حيث الثلوج تغطي قمته على مدار السنة ولايوجد تحت الصخور سوى الافاعي في سبات .

في المسيرة ، وحين اشرقت الشمس في 3 آيار 1983 ، فجأة ظهر طفلان ، الاول كان من العمر ثلاث سنوات والثاني سنة واحدة ، كانوا مع امهم قادمين من منطقة نبي يونس في الموصل لزيارة والدهم الذي كان رفيقا معنا في بشت ئاشان . طلب الدكتور ابو ظفر مساعدة للطفلين اللذان كانا يرتعشان من البرد وامهم التي تندب حظها بالخروج من نبي يونس ، طلب من الرفاق حمل الطفلين ، كل رفيق يحمل الطفل لمدة ساعة ثم يسلمه الى رفيق وهكذا . ولم يكن الامر بالهين ، فلم يستطع احد تكملة ساعة ولكن في نفس الوقت لايمكن رمي الاطفال على سفح الجبل ، حين يحمل الرفيق الطفل البالغ من العمر ثلاث سنوات وهو نائم وملفوف في بطانية لايستطيع حمل بندقيته معه ، ولاأحد يستطيع بسبب من التعب والجوع ان يحمل بندقيتين ، وهكذا تخلى الرفاق عن بنادقهم ، الا ماندر ، امام بقاء الاطفال على قيد الحياة . كان الدكتور ابو ظفر يقدم المساعدة وتهدئة من فقد اعصابه ، لم يكن احدنا يكلم احد ، الجميع اما صامتين أو في حالة هستيريا .

ظهرت ام خولة امامي ، سألتها عن ابو خولة أجابتني انه خرج مع رفاق آخرين منذ الصباح الباكر ، وكنت قد خرجت معهم ، لكنهم اعادوني الى المقر مع الدليل الذي رفض ايصالهم الى الجانب الاخر بسبب الثلج الذي يغطي قنديل . عند النزول الى سفح قنديل من الجهة الاخرة ، كان على ام خولة ان تهبط تزلجا ، جلست ام خولة على الثلج مباشرة ، اغمضت عيناها ، وغطت وجهها بيديها ، واندفعت الى الاسفل

وفي الاسفل كانت هناك مجموعة من الرفاق تستقبل الرفاق المتزلجين ، مشينا لساعات ثم جائتنا سيارات نقلتنا الى الداخل الايراني ، حيث استقبلتنا قوات حدك ، اخذوا الرفيقات الى بيوت اعضاء حدك ، والرفاق وضعوهم في المدارس .

الرفيقة الطبيبة اشواق ، العروس التي لم يمر على زواجها شهر ، تبحث عن زوجها الرفيق رعد بين الوجوه . الرفيق سالم يبحث عن زوجته الشهيدة عميدة بين الرفيقات ، يسأل عنها ولايدري ان خاتم زواجهما كان اغلى من حياتها . كان سالم لاينام الليل ، يحوم حول اماكن الرفاق ينتظر القادمين الجد ، ربما كانت عميدة معهم ، كان يجلس في مدخل القرية ، ربما يراها قبل غيره ، وقطع الأمل بشاهد عيان ، سقط سالم منهارا لمدة يومين ، كنا ننظر اليه خلسة من الشباك ، كان طعم الدم والغدر بين اسناننا ، كانت المشاعر متضاربة ، ساخطة على الحزب والحلفاء وعلى وعلى ، كنا دائما نحاول ان نسأل ونسأل ونسأل شاهد العيان عن نفس الشيئ لعدة مرات . كانت اوامر اوك لمقاتليه تقول ، من مسدس وأقل فهي غنيمة لك ، ومن بندقية وفوق فهي للحزب ، ولذلك قُطع اصبع عميدة لسرقة خاتم الزواج .

سألت كثيرا عن زوجي ابو جواد الذي بقى في المقر لانجاز شيئ ما مع رفاق آخرين ولم احصل على جواب الا في اليوم التالي عندما اخبرني الرفيق باسم ، بأن ابو جواد في الخلف ينتظر القادمين ليدلهم على اتجاه الطريق الذي يتوجب سلوكه ، التقيته في اليوم الرابع .

سألني النصير مكي حسين ( ابو وسيم ) بعد ابو يحي هل سمعت عن شهيد آخر ؟ قلت نعم كان سعد ، سعد وماجد اخوة شباب مراهقين لم يصلوا الى سن الثامنة عشر آنذاك وهم كل ماتبقى من العائلة التي تمت ابادتها من قبل المخابرات العراقية . لم يبقى غير ماجد هل تعرفين اين هو ؟ لم اكن اعرف اين هو ، ، ونحن نصعد الى اين ؟ لااحد يدري وينضم الينا رفاق كانوا تائهين او الصدفة قادتهم الينا .

الجميع كان في حالة ذهول ، والجميع يسأل الدكتور ابو ظفر عن علاج لوجع المعدة التي كانت جائعة لايام وامتلأت فاصوليا يابسة فجأة ، كان بعض الرفاق حفاة ، فقدوا احذيتهم في الطريق ، والبعض كانت ملابسه ممزقة ، بقع دم ، بقايا قيئ من معدات خالية ، البعض يحمل جروحا في اماكن مختلفة .

بعد اسبوع بدأ الرفاق يلملمون بعضهم البعض ، ويسألون عن المتأخرين في الوصول وعن شهود عيان لمجازر البرابرة . ، احدهم حدثنا عن الشهيد عبير وكيف سقط من اعلى الجبل وملأت صرخته الجبل ، ام بهاء بدأت تفقد توازنها بعد استشهاد رعد وعميدة ، كانت تنتظر ابو ظفار اخيها ، تأخر شاهد العيان والأمل بالأسر أفضل بكثير ، كانت كاللبوة الجريحة تهاجم كل من يبتسم ، اما اشواق فكنا نصحو ليلا ، نحن الرفيقات على نشيج بكائها ، لم تكن تكتمه لاالبطانية ولا المخدة ، وبعد يوم انضمت ام بهاء الى اشواق ، كانت عايدة تذهب خلسة الى مكان منعزل بعيد نوعا ما ، قررت ان اذهب خلفها ، كانت تجلس متربعة على الارض متكأة على بندقيتها وتبكي بحرقة ، كانت تبكي الجميع .

وفي يوم ، جاء رفيق يحمل بيده اوراقا ويجمع الرفاق ويسألهم فردا فردا ، عن احتياجاتهم ، من ملابس واحذية ، وماهي مقاساتهم ، حتى يشتروا لنا مانحتاج اليه ، وحينما سأل الرفيق عبوسي عن حاجاته اجاب عباس : انه بحاجة الى امرأة ، في هذا اليوم ضحك الجميع .







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- إغماء مساعد طيار يترك طائرة في الجو من دون ربّان لـ10 دقائق ...
- نتانياهو يؤكد أن إسرائيل ستسيطر على قطاع غزة بالكامل
- السودان يترقب تعيين رئيس وزراء جديد من خلفية علمية واجتماعية ...
- مقتل شخصين وفقدان آخر إثر اصطدام قطار بعدد من المشاة شمال ول ...
- 5 أتراك من طاقم -أسطول الحرية- يعودون إلى بلادهم
- سرقة غير مسبوقة في مصر.. رئيسة جامعة تفقد ملايين الجنيهات وا ...
- سنوات إضافية في السجن لـ-أصحاب نفق الـ30 مترا- في ليبيتسك ال ...
- روسيا تستعيد طفلا آخر من أوكرانيا بوساطة قطرية
- الخارجية الإيرانية تكشف عن صعوبة المسار التفاوضي مع واشنطن
- نتنياهو: سنسيطر على كافة مناطق قطاع غزة


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نضال عبد الكريم - ذكريات مسيرة