أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح بن عياد - سرديّة ل-ناس الديكامرون- السرديّين














المزيد.....

سرديّة ل-ناس الديكامرون- السرديّين


صلاح بن عياد

الحوار المتمدن-العدد: 3730 - 2012 / 5 / 17 - 16:18
المحور: الادب والفن
    



"ناس الديكامرون" ناس تونسيّون بحثوا لاختلافهم عن التيّار على جذور تاريخيّة فوجدوها عند "جيوفاني بوكاشيو" (1313 ـ 1375) مع فارق التوقيت والأهداف. فإذا كان ديكامرون إيطاليا هو فرار إلى حديقة الملذّات والإيروتيكا فإن ديكامرون تونس هو هروب إلى ملذات القراءة والسرد والفنون. وإذا كان الديكامرنيون القدامى فرّوا من وباء اجتاح "فلورنسيا" فديكامرنيو تونس فرّوا من وباء أيضا إلا أنه من تلك الأوبئة الأخطبوطيّة ذات الأرجل: فبعضه سياسيّ والآخر معرفيّ واجتماعي فعاطفيّ إلخ...
كان الوقت بشير إلى تمام موضة الثورة. لا شيء عدا الثورة. تصدر الكتب كما تصدر الإشاعة. واجهات المكتبات معمّرة بالشتيمة السياسيّة. بتداخل بين صورة هتلر وبن علي، بينه وبين مصّاصي الدماء اللون الأحمر يصيب أغلفة الكتب في القلب. الكلمات مباشرتية وخرقاء. شارع الحبيب بورقيبة كواليس لجمع الخبز الحزبيّ والدينيّ. نقاشات حول "الكرة السياسية" بينما يسجّلها اللاعبون في كلّ شدق. في هذا الخضمّ ظهر من لم يكفّ عن الثورة يوما والذي يحملها كإرث في صدره الصغير. برز من يعلم تماما أن الثورة ليست ما يقال ولا ينشر بتسرّع وتورّع مصطنع. وغير بعيد عن واجهات المكتبات ولا عن شارع الحبيب بورقيبة، بكهف أزرق صمات اندسّ "الديكامرنيون". فرّ ناس فلورنسيا إلى المرتفعات وفرّ ناس تونس إلى كهف بدار الثقافة ابن رشيق تحلّقوا مبتسمين: كمال الرّياحي (الروائي)، أيمن الدبوسي (النفساني والروائي)، عدنان الجدي (الفيلسوف)، شوقي برنوصي (الشاعر)، حافظ مساهلي (التشكيلي) عبد الجليل العربي (عينهم في البرتغال) والقائمة تطول وتنقص ولا يبقى في سيل الماء إلا ما ثقل من الحجر.
حول أيّ فكرة تجمّع هؤلاء الناس، ناس الديكامرون؟ فإذا كان ديكامرون فلورنسيا تجمعوا حول الحكي، يجمعون الحكايات المفخخة بالحياة لمدة مائة يوم للهروب من الموت، فإن ديكامرون تونس فرّوا من كلّ ما وصفنا أعلاه تمام ساعة "الثورج" إلى أعمق التجارب الروائيّة والسرديّة. في تلك الرّوايات مآربهم: الرّواية بما هي تجارب حياتيّة وجماليّة عميقة.
قد يحدّثك الديكامرنيون وهم يتمّون سنتهم الأولى الآن عن طرائف حدثت لهم مع ما يسمّى الصحافة المكتوبة أو المرئيّة. فتلفزة وطنيّة فاجأتهم بالحضور لا لشيء إلا لأن الديكامرنيين استضافوا تجربة "أنطونيو سكارميتا" الروائي، بينما التلفزة هبّت من أجل سكارميتا سفير التشيلي في ألمانيا. وصحفيّة قضت الحصّة فاغرة الفم لتسأل في آخرها "ماذا كنتم تفعلون" إلخ...
هم حيرة من اعتاد حضور اللقاءات التي يغلب عليها النعاس وقلّة الجمهور أو تشويشه. لا يعترفون بالبرد. الابتسامة وإتيان الجمال ببساطة. الدارجة، العربية، الفرنسية الإشارة الضحك كلها وسائل لتبليغ العمق الإنساني. استطاع هؤلاء من جلب انتباه النّاس في مدة وجيزة. كما الثورة تماما استعملوا صفحات التواصل الاجتماعي حتى يصلوا المتعطش إلى العمق. يصلون في النهاية إلى قناعة مفادها: القارئ في تونس موجود لكنه غريب غرابة الكاتب الحقيقي. القارئ الحقيقي يقرأ في ركنه، الكاتب الحقيقي يتقلّب في ركنه، والسرّ البسيط متمثّل في "الإلتقاء حول تجربة سرديّة مثّلت أنس الناس. لذلك سمّى الديكامرنيون أنفسهم "ناس" لا ميتافيزيقي في الأمر، لا "بخوخو"، قد نلتقي على بساط الناسوت وقد نحلق به فوق الناسوت وتحت اللاهوت، لا أبسط من ذلك!
لم يكونوا بمعزل عمّا يحدث في البلد، لكنهم كانوا بمعزل عن أشكال ردود الفعل المباشرة والمسطّحة، ذهبوا إلى تجربة علي الدوعاجي عندما هوجم الدوعاجي وأخرجوها إلى السطح في كهف ابن رشيق. ذهبوا إلى شارل بوكفسكي حين مدّ التعصّب أصابعه الخمسة كغيمة سوداء فوق البلاد. ذهبوا إلى رواية "البصيرة" لخوسيه ساراماغو في الانتخابات التونسية للمجلس التأسيسي في اكتوبر الماضي. "البصيرة" أين تكاثرت الأوراق البيضاء في صناديق الإقتراع. نوّعوا شكل اللقاءات، فلقاء ليلي على البحر قبالة مسكن محمود درويش بسيدي بوسعيد، لقاء بأحد النزل بنابل لطرح أسئلة جدية وضد أكاديميّة حول محمود المسعدي، إذ لا أحد فوق النقد، لا أحد تحته، لا أحد فوق القانون ولو بلغت لحيته مهما تنوّعت أميالا ولقاء بأحد المقاهي مقدمين أحد الروائيين التونسيين المغمورين أ لا وهو الهادي ثابت.
أطلقوا تظاهرة "تونس تقرأ تونس ترتقي" ووزّعوا صحبة الكاتب والمترجم وليد سليمان كتبا بالمجّان. لم يكونوا لاهثين، المهم رؤيتهم للكتاب وقد كفّ عن غربته في الفضاء التونسيّ العام. كانوا يتقافزون وهم يرون التظاهرة تعمّ البلاد. وكانوا يتمنّون لو يكتشف التونسيّ أدغال القراءة الضاجّة والمريحة.
حلموا بلقاءات من نوع: لقاء عن الرواية البوليسيّة في مركز للشرطة، لم لا؟ لماذا يظل الكائن البوليسي لا إنسانيّ، لقاء في الكنيسة عن باولو كويلو لقاء روائي في المسجد عن أحدهم، لقاء في البار عن روايات البارات، لقاء في ماخور، لقاء فوق السطوح لقاء في الجحيم...لقاء في اللقاء
عشقهم للقراءة يمتدّ إلى ما ينجزون من لقاءات، ففيها يقرؤون على ما يسمّى الطريقة الإيطاليّة. كم كان الجمهور يلمع من عينيه إلى ابتسامته إلى روحه.
ابن رشيق وقد غزتها السياسة في قشورها المنفعيّة لم تعد بالمكان الآمن، لذلك انتقلوا إلى دار الثقافة ابن خلدون كواحد من تلك الفضاءات العريقة والتي تمتلك خبرة وفساحة. هم في هذه الدار يراوحون بين كشف التجربة الروائيّة وبين الورشة الكتابيّة، يبتسمون للسطر العميق، يتصدون للسطر الأخرق.
هم "ناس الديكامرون"، فشدوا أحزمتكم.



#صلاح_بن_عياد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع د. طلال الربيعي حول الطب النفسي واسباب الامراض النفسية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وتحليلها، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة الفلسطينية د. عدوية السوالمة حول دور الاعلام والسوشيال ميديا وتأثيره على وضع المرأة، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطاهر من جلون ومأدبة الربيع العربي


المزيد.....




- في غزة.. عرض مخلفات الحرب الأخيرة مع إسرائيل وجداريات رسمها ...
- استطلاع رأي: بوشكين وبولغاكوف ودوستويفسكي يتصدرون قائمة المف ...
- رحيل المفكر المصري محمد الجوادي
- ابتلعت حشرة أسكتتها عن الغناء.. شاهد رد فعل تايلور سويفت أما ...
- -أردت دائما العيش في بلد مسلم وتعلم اللغة العربية-.. بنزيمة ...
- -هذا الدور حطمني-.. توم هولاند يُعلن اعتزال التمثيل لمدة عام ...
- بارزاني لفناني كردستان: ادعم مطالبكم ومتضامن معكم
- تحت شعار -حق مستحق-.. انطلاق مهرجان كرامة اليمن لأفلام حقوق ...
- شاهد: نجمة على رصيف المشاهير لمغني الراب توباك بعد 27 عاماً ...
- وفد موسكو يفتح فصول اللغة الروسية في سوريا (صور)


المزيد.....

- -تذكرتان إلى صفورية- النكبة، التشتت والهوية / رياض كامل
- لعبة الصبر / قصص قصيرة / محمد عبد حسن
- مسرحية -لسانها- / رياض ممدوح جمال
- الموت لا يزال أرواحًا في أعمال (لورانس دوريل -رباعيات الاسكن ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الخطاب التاريخي المضمر في رواية "حتى يطمئن قلبي" للكاتب ال ... / حبيبة عرسلان – أسماء بن التومي
- رواية للفتيان الفتاة الغزالة طلال ... / طلال حسن عبد الرحمن
- كتاب حكايات وذكريات الكاتب السيد حافظ كيف تصبح كاتبًا مشهور ... / السيد حافظ
- نقد الخطاب المفارق، السرد النسوي بين النظرية والتطبيق / هويدا صالح
- رواية للفتيان قمر من سماء عالية ... / طلال حسن عبد الرحمن
- التاريخ السياسي للحركة السريالية (1919-1969) بقلم:كارول رينو ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح بن عياد - سرديّة ل-ناس الديكامرون- السرديّين