أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مازن مريزة - خواطر عن الدولة المدنية















المزيد.....

خواطر عن الدولة المدنية


مازن مريزة

الحوار المتمدن-العدد: 3727 - 2012 / 5 / 14 - 10:15
المحور: المجتمع المدني
    


مازال الكثير من المفكرين يتعاطون مع مصطلح الدولة المدنية ، بكثير من التحفظ و الحذر كمفهوم جدلي ذات مفردات إشكالية، وتناقضات ذات مرونة عالية للتأويل والتفسير ، ومفاهيم تتأرجح بين العلمانية واشتغالات الأديان السماوية ، فالتناقضات تتجلى في رؤية العلمانيين في عدم تبني الدولة لدين رسمي معيّن ، وأن من أهم نتاجات الفكر العلماني فصل العقل السياسي عن العقل الديني بما يضمن خلو القرارات السياسية من أي اجتهادات ذات بصمة دينية بتشعباتها المذهبية واختلافاتها الطائفية ، وأن روح الدستور يجب أن ترتكز بصورة حقيقية في معاملة جميع أفراد المجتمع على أساس المواطنة الحرة بغض النظر عن العرق والدين والطائفة والمذهب والفكر ، وأن جميع الحريات مكفولة على أساس الحقوق والواجبات المدنية لا الشرعية منها ، أما أصحاب الدولة الدينية فيرون أن الإسلام هو مصدر التشريع الوحيد ، وأن العقيدة الإسلامية يجب أن تكون المحور الرئيس الوحيد للمجتمع الإسلامي ، وأن جميع الحقوق والواجبات والأمور القانونية والدستورية يجب أن تؤسس على نظرية القيادة المطلقة للعقل الديني ، والحاكمية العليا للفكر العقائدي ، والامتياز الخاص للدين الغالب ، ليمارس على الدوام اشتراطاته المطلوبة في تفضيل الضرورات الدينية على جميع الأنشطة البشرية دونما استثناء .
وبما أن المفهومين يرتبطان بصورة مباشرة بطريقة حياة الإنسان بصورة شاملة ، في جميع مراحله العمرية بدءا من ولادته وانتهاءاً بفنائه وانقضاء أجله ، فليس من الإنصاف الحديث عن هذين المفهومين ، من دون التطرق للتركيبة الفعلية للإنسان ، ببعديها المادي والروحي ، مرورا باحتياجاته الفعلية كمّا ونوعا ، فالنظام العلماني حقق ومازال يحقق الكثير من الإنجازات المادية والعلمية ، وله نتاجات فكرية وأدبية وبشرية ضخمة ، بدليل استئثار الدول الغربية والأوربية بصدارة العالم ، وتسيّده سياسيا وتقنيا واقتصاديا وعلميا ، بعيدا عن (الدوغماتية) والاستبداد والجمود الفكري ، ومن الحجج المؤيدة للعَلمانية ، أنها تتخلص من قيود الأديان نحو الحداثة والعصرنة والتقدم ، مستشهدين بالعصور المظلمة والدول المتخلفة التي سادت أوربا في القرون الوسطى ؛ أيام تسيّد الكنيسة ووقوفها بوجهة النهضة العلمية ، وفلسفات التحرر، ومحاولات التجديد ، ونعتها بالسحر والشعوذة ، بغرض ترهيبهم وثنيهم عن أي محاولة للخروج من عباءة الكنيسة ، ومن حججهم الأخرى أن العَلمانية تحمي الدين من تدخلات وتأثيرات الحكومة ، وتتركه بهيا صافيا بعيدا عن التعصبات القومية والسياسية ، ونقيا من آثار المصالح الفردية ، وأن جميع القرارات الدينية يجب أن تكون بيد المختصين من رجال الدين ، وأن النشاطات و القرارات السياسية يجب أن تكون مبنية على الحقائق المجردة ، والعلوم الساندة ، لا على وجهات نظر مبنية على مسائل عقائدية ، يعدّها العلمانيون وجها من وجوه السياسات التقليدية الراكدة ، التي لن تقود إلا إلى المزيد من التخلف والوهم ، وترسيخ مبدأ الشمولية والحاكمية المطلقة للفرد على حساب الحريات الشخصية و السياسية والمدنية ، وحرية الاعتقاد و العبادة و العلاقات الاجتماعية وغيرها من أنواع السلوكيات الإنسانية ، وهي حجج منطقية في صورتها الظاهرة ، لكن الواقع يشير إلى تداخل نسبي بين العلمانية المعتدلة والليبرالية الواقعية ، التي تستند إلى ممارسة الحرية الفردية بشتى أشكالها ما لم تضر الآخرين ، أو تكسر القوانين ، فالليبرالية لا تأبه كثيرا لسلوك الفرد الأخلاقي طالما أنه ما يزال واقفا في دائرة القوانين الوضعية ، ولطالما أنه لا يكسره أو يتجاوزه ، وما عدا ذلك فليفعل الفرد ما يشاء ، كما فعلت
رئيسة الوزراء الأيسلندية (يوهانا سيغور) قبل سنتين ، حينما أعلنت زواجها بصديقتها المثلية ، عن طريق الهيئة الرسمية للإذاعة والتلفاز الأيسلندي ، وتحويل الارتباط المدني إلى زواج كامل في نفس اليوم الذي أقر فيه البرلمان الأيسلندي قانون زواج المثليين ، فهي عندهم لم تخالف أي قانون ، ولم تخدش أي دستور ، طالما أن الأمر يحصل بالتوافق والتراضي بين الأطراف المعنية .
هذه القصة وغيرها من مئات القصص والأحداث، تشي بقوة ووضوح عن استحالة تطبيق العلمانية الغربية في المجتمع العربي عموما ، والمجتمع العراقي الباحث بكل ثقله عن حل يخرجه من أزمته السياسية والأمنية والاجتماعية التي تضرب بأمواجها واجهات خلاصه المفترضة منذ سنين في بحر الصراعات والخصومات المزمنة ، ويقيه من النتائج غير المرجوة في ظل احتدام الخلافات بين الأطياف السياسية بكل تشابكاتها وتعقيداتها وامتداداتها المحلية والإقليمية والعالمية ، ليس فقط لتفكيك الأزمة الراهنة وحسب ، بل في اختيار الطريقة المناسبة في إدارة البلاد على المدى الطويل ، والتي ستتيح لكل فرد يحمل الجنسية العراقية أن يتمتع بروح المواطنة الحقيقية ، وأن يشعر بحريته ويمارسها بكل تفرعاتها ومعانيها ، وأن يطوي وإلى الأبد تلك الصفحة الكالحة التي كُتبت فيها الآلاف الممنوعات واللاءات ، والتهم ( المسلفنة ) التي تفوح رائحتها النتنة من مطابخ المتخندقين خلف أيدلوجيات : ( التبعية المطلقة أو القطيعة المطلقة ) ، وأن يستشعر الحل الأمثل ، ويدرك أن مفهوم الدولة المدنية بمعناها الصحيح – وإن كانت تشترك ببعض الأطر العامة مع العلمانية – يجب أن يرتكز على نظام مدني ، وحزمة واسعة من العلاقات التبادلية القائمة على المساواة والقيم الإنسانية الرفيعة ،والتعاون مع الآخر وتفهمه بغرض الاتفاق والتساند من أجل العيش المشترك ، وترسيخ ثقافة التسامح والتآزر والتعايش السلمي ، وفض الخلافات والصراعات عن طريق الحوار واحترام تباين وجهات النظر ، والتخلي عن مشاعر القوة والغضب والسيطرة .
إن تأسيس الدولة المدنية بمعناها الحقيقي تحت إطار نقي من القيم الأخلاقية الرفيعة ، سيساعد بلا شك جميع المنضوين تحت لوائها ، أن يتفهموا أدوارهم الحقيقية ، دون تجاوزات أو تداخلات في التوصيفات والصلاحيات والواجبات ، وسينتشل مؤسساتها من تأثيرات القوى السياسية والخصومات الفردية والنزاعات المناطقية و المذهبية ، وبالمقابل ستتمكن هذه المؤسسات من تنظيم الحياة العامة ، والحفاظ على ملكية الفرد وكرامته وحريته في حدود الأعراف والقيم والدين ، من منطلق المواطنة المتساوية ، في الحقوق والواجبات ، التي يفرضها القانون على جميع الناس بصرف النظر عن فكرهم وطائفتهم ومكانتهم وانتماءاتهم ، دون المساس بالقيم العليا للمجتمع .
لسنا بحاجة إلى التفكير مطولا في حاجة البلد الملحة لرؤية واضحة لما سيكون عليه لاحقا ، ولسنا بحاجة إلى قوالب جاهزة مستوردة من الخارج ، ولا إلى فلسفات سياسية جديدة ، أو مذاهب فكرية مستحدثة ، نحن بحاجة فقط إلى التفكير بجدية وإخلاص ، في كيفية بناء الدولة المدنية الحديثة ، في إطار نظرة عقلانية للدين المعتدل ، دون المساس بجوهره وعقائده وقواعده وأحكامه الأصيلة، وعدم تحجيم ثقافة التمسك بالقيم والأعراف المجتمعية السائدة ، بعيدا عن الفكر الراديكالي المتطرف ، وضغوطات التيارات السلفية والتكفيرية المتشددة ، فنحن يجب أن ندرك أن الإسلام الحقيقي ، هو مَن يدعو بحق للسلام والتسامح والتعايش داخل وخارج إطاره الفكري والعقائدي ، وهو من يصرّ على تجاوز فُرقة المذاهب والطوائف والأعراق ، وهو من جاهر ومازال منغمسا في مجاهرته الصريحة في تأكيد قدرته الخارقة على استيعاب كل الأجناس والألوان والطبقات واللغات ، وتأسيس دولة مدنية تتسع للجميع سواء كانوا مسلمين أو من أديان أخرى ، فدولة الإسلام في عصرها الذهبي لم تكن دولة دينية قط – قبل أن يتم تشويه معناها بتعمد - بل كانت دولة مدنية ذات ركائز أخلاقية رفيعة المستوى ، تستند بقوة على أسس ومبادئ القانون الرباني والدستور الإلهي ، الذي لم يترك شاردة أو واردة إلاّ وأحاطت بها مرجعيته الإسلامية الصافية ، ونظمّتها برتيب وسلاسة منقطعة النظير ، دون أن تعنوّن نفسها يوما كخطر تكتيكي او استراتيجي محتمل يهدد قيام الدولة المدنية ، وربما تتطابق وجهتي نظر الدولة المدنية ذات الإطار الإسلامي ، والدولة المدنية الحديثة ، من حيث إعتبار أن الرعية ومصالحها العامة تُعد مصدرا وحيدا للسلطات ( الديمقراطية ) ، والشورى ( حرية إبداء الرأي ) ، وأن القانون لا يفرق بين حاكم ومحكوم ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت ، لقطعتُ يدها ) ، وغيرها مما لا تسمح بهذه هذه العجالة بالدخول في تفاصيله الدقيقة .
ليصبح من الضروري ، تجنب وصف الدولة الإسلامية بالدولة الدينية ، أو الدولة الثيوقراطية ( دولة الإستبداد بأسم الدين ) ، أو الدولة العسكرية ، أو الدولة الدكتاتورية ( دولة الحاكم الأوحد ) ، وأصبح من البديهي المناداة بضرورة التفكير في بناء دولة مدنية غير علمانية ولا ليبرالية ولا اناركية ، بل دولة مؤسسات المجتمع المدني ، ودولة تعتمد التشريع الواضح في تنظيم العلاقات المرّكبة بين الأفراد والسلطات الحاكمة ، التي لا تصل الحكم إلاّ عن طريق رضا الأغلبية ورغبتها الشائعة ، لترسم ذات الصورة – ربما بالوان أكثر إشراقا – للدولة المدنية التي رسمها " جون لوك " نفسه .
وستبقى فكرة تغيير أسم اول عاصمة للإسلام من ( يثرب ) إلى ( المدينة ) ، خير شاهد على إن الأسم المشتّق من المدنية بكل دلالاته ومعانيه ، ليس غريبا ولا شاذّا عن اعتبارات الدولة المدنية الحديثة التي نادى بها الإسلام وما يزال ، دون أن تفرض شيئا من فكرها أو عقائدها على الباقين ممن كانوا يسكنون ( المدينة ) ، من مسلمين وغير مسلمين ، والتأكيد على ضمان حرية عقيدتهم ، بقوله تعالى في سورة البقرة : ((لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)) ، وغيرها من الآيات الكثيرة التي تؤكد على أن الدولة المدنية بكل معانيها واعتباراتها ومبادئها ، ما هي سوى نفس الدولة المدنية التي طالب بها الإسلام وأصرّ عليها ، وأرسى مبادئها وآلياتها وأسسها وأنظمتها الرئيسة والفرعية ، التي تحارب الظلم والظالمين ، والفساد والمفسدين ، والفردية المطلقة ، وتدعم الخير والعدل والديمقراطية وفصل السلطات ، وتولي ذوي الخبرة والمقدرة والنزاهة والحكمة حصرا لمقدّرات الأمة ، مع التأكيد على مراقبتهم وملاحظتهم ومحاسبتهم عند الضرورة ، دون أن يكون لهم أدنى شرعية معتبرة عندما تكون الأمة هي خصمهم ، والتأكيد على سيادة مفاهيم الحريات العامة والخاصة ، وتحجيم دور الجماعات الفرعية والأحزاب الاستثنائية والولاءات الشخصية ، وتبني نصوص دستورية تحرر المواطن من أي مصالح فردية أو هيمنة حزبية ، بما يضمن له الاستقرار والعيش الكريم ، وصدق رسول الله ( ص) حينما قال : لا خير في الوطن إلا مع الأمن والسرور .



#مازن_مريزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضية وطن - حايط نصيص
- قضية وطن - لا للتباكي الكويتي
- نسور الشمال


المزيد.....




- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن
- اعتقال رجل هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإيرانية بباريس
- طهران تدين الفيتو الأمريکي ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للم ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس في الشرق الأوسط
- سويسرا تمتنع في تصويت لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم ا ...
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين من حرم جامعة كولو ...
- بمنتهى الوحشية.. فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي لاعتقال شاب ب ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مازن مريزة - خواطر عن الدولة المدنية