أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لمياء العماري - النخب الحزبية المغربية وهم أم حقيقة















المزيد.....


النخب الحزبية المغربية وهم أم حقيقة


لمياء العماري

الحوار المتمدن-العدد: 3726 - 2012 / 5 / 13 - 18:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


النخب الحزبية المغربية
وهم أم حقيقة.
لقد احتلت النخب دورا مهما في الهرم السياسي فهي دائما تلعب دور المقرر في مجالات مهمة عدة، إنها تصنع التاريخ وتصنع الحاضر كما أنها تخطط للمستقبل.وترجع الجهود العلمية الرامية إلى تناول وتحليل مفهوم النخبة إلى عهد بعيد وذلك منذ القرن التاسع عشر. و قد عرف أول استعمال معروف لكلمة "النخبة" في اللغة الانجليزية، حيث ورد هذا المصطلح في قاموس أكسفورد للغة الانجليزية. لكن يرجع الفضل في انتشار وتداول مفهوم النخبة لمجموعة من الباحثين من خلال كتابتهم حول نظرية النخبة الذي حاولوا من خلالها التشديد على عدم تكافؤ القدرات الفردية في كل مجال من مجالات الحياة الاجتماعية، وقاموا بتمييز منهجي بين النخبة والجماهير.
لقد كانت أهدافهم العلمية هي دراسة "النخبة" وطريقة تشكيلها خاصة في المجتمعات الديمقراطية العصرية، وكذلك إعادة إنتاجها أو ما يعرف بدوران النخب، أي استبدال النخبة الحاكمة كليا بنخبة مضادة كما يحدث في الثورات.
إن دراسة النخبات بصفة عامة في المجتمع هي عملية ذات فائدة من جوانب مختلفة، فحجم النخبات وعددها وعلاقة كل منها بالأخرى وبالفئات التي تمسك السلطة السياسية، هي من بين أكثر الحقائق أهمية والتي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند التمييز بين مختلف مكونات المجتمع وفي مجال تحليل تغييرات البنية الاجتماعية.
ولنظرية النخبة مزية تبدو في كثير من النظريات الاجتماعية الحديثة الموجهة ضد الاشتراكية هي أن هذه النظريات بينما تنتقد "الحتمية " التي نجدها في الماركسية بصورة خاصة، تنحو هي نفسها إلى إنشاء "حتمية" خاصة بها مماثلة لتلك في الشدة والصرامة.
وتشمل نظرية النخبة بدورها على نظرية دورة النخبات أو الحراك الاجتماعي أو كما يقول عنها باريتو "التاريخ مقبرة الأرستقراطيات" في تعبير تصوري لدورة النخبات، في إشارة واضحة إلى أن المجتمع يعرف حراكا وهي انتقاد مباشر للنظرية الماركسية فيما يتعلق بالمفهوم الطبقي.
صحيح أن منظري نظرية النخبة حاولوا دراستها في المجتمعات الصناعية والمجتمعات الديمقراطية حيث اقروا أنه بدون ديمقراطية لا يمكن أن تكون هناك نخب ونخب مضادة، لكن هذا لا يعني أن المجتمعات النامية والعربية بالخصوص لا تعرف ذلك الحراك الاجتماعي الذي تعرفه الدول المتقدمة، " كذلك فنحن قد لا نجد فروقا مهمة حول مفهوم النخبة في الفكرين العربي والغربي من حيث دلالته على فئة أو طبقة تتعدد بتعدد المجالات التي ترتبط بها والأنشطة التي تزاولها، لكن يوجد الاختلاف دون شك في مناهج وطرق مزاولة هذه النخب لأعمالها وفي انتماءاتها وولاءاتها وفي رؤاها ومنطلقاتها. وهذه المبادئ التصورية أو حتى بعض مناهج العمل المتفرعة عنها التي تحاول بعض النخب العربية استعارتها وتوظيفها تصطدم في الغالب بالقناعات المحلية فترفض وتقاوم وتنحى إلى الظل مما يساهم هذا في عزل النخبة، أو على الأصح تساهم النخبة بهذا في عزل ذاتها وإبعاد نفسها عن تلك القناعات المحلية المعبرة عن هوية وانتماء حضاري.
تصر النخبة على مواقفها وتعمد إلى تبريرها فنجدها تنحو باللائمة دائما على الوعي الشعبي التقليدي والمتخلف."
إن المجتمع المغربي مجتمع مركب كما يقول" باسكون" ، وبالتالي فكل دراسة لمكون من مكوناته تكتسي نفس الطابع وربما تتبعنا لصيرورة النخبة وآليات إنتاجها وإعادة إنتاجها قد يجيب على مجموعة من الأسئلة العالقة في أدهان الكثيرين.
وسوف نحاول دراسة هذه الاشكالية من خلال تقسيم الموضوع الى مبحث ثم تقسيمه إلى فرعين:
المبحث الأول: التحديد النظري لمفهوم النخبة تحديد وضبط.
استعمل مفهوم النخبة استعمالات عديدة، تتراوح بين الخصوص والعموم والقوة والضغط من حيث النخب بتعدد مجالات المعرفة، أو خصوصيتها ببعض المجالات ومن حيث هيمنة وسيادتها أو قيادتها وتأثيرها. وفي كثير من الأحيان لا نجد فروقا مهمة حول مفهوم النخبة في الفكرين العربي والغربي. فلكل مجتمع نخبته ففي الدولة الإسلامية نجد مصطلحي الخاصة والعامة في تمييز واضح لذلك التمايز الموجود في المجتمع لكن بدون شك يوجد اختلاف في مناهج وطرق مزاولة هذه النخب لأعمالها وفي انتماءاتها ولواءاتها وفـي رؤاها ومنطلقاتـها ( الفرع الأول).
إن النخبة في الغرب ابنة تجربته وحضارته، وهي وإن نزلت لفئاته الشعبية من خارجها إلا انه نزول من فئات أعلى تنتسب إلى المجتمع نفسه وإلى الحضارة نفسها، أما النخبة المتغربة قسمتها أنها هبطت من خارج المجتمع على فئاته الشعبية وهذا ما أخرجها من الدائرة الحضارية كليا قبل أن تناقش نخبويتها. وتبقى النخب الحزبية المغربية وليدة أزمة، إما أزمة الاستعمار وإما التصادم بين الأجيال. وبهذا تبقى لهذه النخب خصائصها وميزاتها (الفرع الثاني).
الفرع الأول:التحديد النظري لمفهوم النخبة السياسية
يبقى مصطلح نخبة من بين المصطلحات التي لم يجد لها المفكرون السياسيون أو الاجتماعيون مفهوما محددا. وتضم النخبة أو الصفوة الأقلية من الموهوبين والأثرياء، وتتشكل من جماعات بكونها أفراد متميزون. وقد استخدم مصطلح الصفوة/ النخبة منذ القرن 17 للإشارة إلى الجماعات الاجتماعية المتميزة كالوحدات العسكرية ذات الشأن الرفيع، أو الرتب العسكرية العليا أو النبلاء. وكذلك النخب هم أولئك الأشخاص المتميزون إما في أدائهم أو أفكارهم أو مستواهم الاجتماعي عن باقي فئات المجتمع.
ويعتبر رايت ميلز من أوائل الباحثين الذين أثاروا الانتباه لموضوع النخب، وذلك حتى يتم فهم سياقات التحكم في دواليب المجتمع. ويبين في كتابه النخبة الحاكمة أن هناك فئة معينة هي التي تمسك بزمام الأمور في مقابل شعب تابع ومقصي من دوائر الانشغال .
وبالإضافة إلى ميلز، نجد باريتوو موسكا قد اهتما بالنخبة إشارة إلى فئات تمارس السلطة مباشرة، وتكون في وضع تؤثر فيه بشدة في عملية صنع القرار .ويعرف باريتو النخبة بأنها مجموع الناس الذين يظهرون صفات استثنائية ويثبتون تمتعهم بكفاءات عالية في بعض المجالات أو بعض النشاطات. ويبقى التعريف التقليدي للنخبة عاما لا يتميز بالتدقيق، والذي يذهب إلى أن النخبة هي" تلك المجموعة من الأفراد التي تملك قدرا من التأثير والنفوذ أكثر من الآخرين". ويغيب عن هذا التعريف التحديد والوضوح لمفهوم السلطة، بحيث أن السلطة قد تعني في بعض الأحيان قدرة بعض الأشخاص على التأثير في أشخاص آخرين وأيضا القدرة على التأثير في صنع القرار. وقد أثارت هذه الفكرة المفسرة للتاريخ بأنه "مقبرة النخب" سخط الماركسيين الذين اعتبروها نظرية "نخبوية" متعالية. وإذا رجعنا إلى مخطط مفهوم كل من موسكا وباريتو نجد أفكارا مشتركة فيما بينهم وهي:
-"هناك في كل مجتمع بل يجب أن يكون في كل مجتمع، أقلية تحكم سائر أفراد المجتمع وهذه الأقلية" الطبقة السياسية" أو النخبة الحاكمة" مؤلفة من هؤلاء الذين يحتلون مراكز القيادة السياسية، وبصورة أكثر غموضا من هؤلاء الذين يستطيعون أن يؤثروا تأثيرا مباشرا في القرارات السياسية يعتريها تغيير في العضوية عبر مدة الزمن، ويحدث هذا التغيير عادة بتكريس أفراد جدد من طبقات دنيا في المجتمع وأحيانا بدمج فئات اجتماعية جديدة بها.
وبين فترة وأخرى بطريقة استبدال النخبة الحاكمة استبدالا كليا بنخبة مضادة كما يحدث في الثورات". وتعتقد تلك الفئة أنها هي المالكة للمعرفة والوعي لكن سرعان ما يصطدمون بواقعهم الاجتماعي فهم وكما يقول د.محمد سبيلا" مجرد موظفون لدى الدولة أي"مأجورة" بمعنى الكلمة.
والحقيقة هي أن لكل نخبة أوهامها لكنهم يتحدون في اعتقادهم أنهم نواة المجتمع والمحركون الأساسيين له والأهم في نظرهم أنهم يمثلون ضمير الأمة الذي لا ينام وهم الجانب النقي فيها الذي ينشد التطور. إذن فالنخبة ضرورة حتمية لابد من تواجدها في أي مجتمع تؤثر في قراراته وفي أشخاصه، إنها نخبة تشتمل على الحائزين على القوة السياسة والقدرة على القيادة. لكن ألا يمكن القول بأن تواجد النخب ما هو إلا نتاج لتفاحش الفوارق الاجتماعية بين مختلف الطبقات وفي بعض الأحيان وكما بين باريتو الذي يربط ظهور نخب جديدة بارتفاع العناصر الفاسدة التي تسيطر على السلطة، ارتفاع يقابله ازدياد في العناصر المتفوقة نوعا في الطبقات الخاضعة.
إن التوازن الاجتماعي في هذه الحالة يعوزه الاستقرار فيتحطم المجتمع وتأتي نخبة جديدة إلى الحكم فتنشئ وتقيم توازنا جديدا. ويبقى الصراع بين الفئات الاجتماعية والمقدرات الفردية سببا في بروز نخب جديدة ، لكن عندما تكون الطبقات جامدة ومغلقة لا يتمكن الأفراد الموهوبين المنتمون للطبقات السفلى من الوصول إلى المناصب القيادية .
ونجد أن هناك من قسم نظرية النخب إلى ثلاث نظريات .
النظرية الأولى: تنبني على السلطة وتبين أن كل المجتمعات تتناحر من أجل الوصول إلى السلطة وهي في شبه صراع دائم من أجل ذلك، والفئة التي تتمكن من الحصول على تلك السلطة هي ما يصطلح عليها بالنخبة ، هذه النظرية تقسم المجتمع إلى فئتين فئة ضعيفة لا حول لها ولا قوة تكون خاضعة لفئة قليلة هي التي تملك سدة الحكم لتكون خاضعة إما بسبب القمع أو التأثير الممارس عليها من طرف النخبة الحاكمة، ما يميز هذه النظرية هو أن النخبة الحاكمة هنا تتمتع بصفات شتى وتنتج علاقات سلطوية تبقى آثارها ناتجة وإن تغير الأشخاص.
أما النظرية الثانية: وهي القائمة على أساس أخلاقي قيمي، هنا تركز هذه النظرية على ما تتمتع به هذه النخب من مزايا ذاتية تؤهلها لممارسة الحكم هذه النظرية مستمدة وتكرس النظرية الفلسفية الكلاسيكية الأفلاطونية والأرسطية.
وتؤكد هذه النظرية على أن وجود نخبة ما في المجتمع هي ضرورة حتمية تمليها ظروف المجتمع، بالإضافة إلى أن هذه النخبة بفضل ما تمتاز به من ميزات خاصة، تكون جديرة بالوظيفة التي تمارسها. و يمكن القول إن ما يميز هذه النخب كلها وحسب تصور كارل مانهايم" هو قدرتها على خلق وتجسيد قيم جديدة تعبر عن المجتمع الجديد وتعمل في نفس الوقت على توجيهه .
وتبقى النظرية الثالثة: وهي النظرية الوظيفية أي كيف يمكن للفاعل الاجتماعي أن يتمكن من لعب دور داخل النخبة، وكيف يستطيع أن ينتمي إليها حتى وإن لم يكن منها، إن الرغبة في الانتماء إلى نخبة سياسية معينة يعني ضرورة الانتماء إلى الحقل العام الذي توجد فيه النخبة ومعنى ذلك: أنه حتى يمكن لشخص ما الانتماء إلى نخبة فكرية مثلا، يجب أن يكون ينتمي إلى مجال الفكر والثقافة، وهذا ما ينطبق على النخبة السياسية.
إذن فالمجتمع يحتوي على العديد من النخب وما العمل السياسي إلا مجرد وظيفة عادية إلى جانب باقي الوظائف الممارسة داخل المجتمع ، بالإضافة إلى ذلك يلعب التطور الاقتصادي والاجتماعي دورا مهما في إنتاج النخب وكذلك تختلف ظروف إنتاج النخب من مجتمع لآخر ومن بلد لآخر وتبقى البلدان النامية مجالا خصبا لدراسة القوى الاجتماعية المساهمة في خلق نخب جديدة .
إن معظم بلدان العالم الثالث قد عانت من الاستعمار الذي أنهكها وبخروجه ترك وراءه مصاعب اقتصادية وبنى تحتية هشة، وفي حالات كهذه تشتد أهمية النخبات والقادة القادرين على تجاوز كل الصعاب وخلق أعمال فعالة. وقد ورد في كتاب النخبة والمجتمع "لبتومور وجود خمسة نماذج مثالية للنخبات دورها هو قيادة عملية التصنيع، وهي نخبة العائلة الحاكمة ثم الطبقة الوسطى والمفكرون الثوريون والإداريون الاستعماريون وأخيرا القادة الوطنيون، وبرجوعنا إلى النخبة السياسية فنجدها في البلدان غير النامية، هي التي تؤثر بشكل كبير في تقرير خط تطور هذه البلدان وتكون غالبا من فئة القادة السياسيين والمفكرين الثوريين وتبقى ميزة هذه النخب أنها منفصلة انفصالا واسعا عن سائر الناس لأسباب منها ثقافتها الغربية، ومنها نشوءها في طبقات عليا منغلقة، أو في عائلات صاحبة ممتلكات أو أعمال أو عائلات زعامة قبلية ومنها كذلك أنماط حياة هذه النخبات بشكل عام.
نجد في بعض الأحيان أن هناك من يربط ما بين نظريات النخبة و"الفاشية "ككارل مانهيام إذ أنه في غالب الأحيان ما تتعامل تلك الفئة القليلة والمدعوة بالنخبة مع الآخرين بمنطق تعامل الفاشية. وتبقى دول العالم الثالث متشابهة في كيفية إنتاج نخبها، لكن يبقى العالم العربي متميزا بكل مكوناته وحتى في كيفية بروز نخبه وإنتاجها.
لا يمكن الحديث عن النخب السياسية بالعالم العربي دون الحديث عن المرحلة الاستعمارية، وذلك لأن انبثاقها تاريخيا كان مرتبطا بهذه المرحلة بالذات. وهذا ما يعني أن انبثاق بروز نخب في المجتمعات العربية هو مرتبط دائما بوجود أزمة متعددة الجوانب، حيث أن النخب الجديدة والتي نعني بها نخب ما بعد الاستقلال هي نخب وجدت من أجل مواجهة الأزمات الداخلية والخارجية وخاصة تلك التي خلفها الاستعمار وراءه وأيضا نخب أخرى تحاول إثبات ذاتها الآن ، إنها النخب الشابة التي تبحث عن مواقع لها داخل السلطة ويمكن اعتبارها نقيض للنخب التقليدية السائدة ،ويقول عنها الجابري:
" ....ونظيف منجزات هذه النخب التي أصبحت تحتكر الدولة والقطاع العام، وتعجز عن استيعاب الأفواج الجديدة من الباحثين عن الشغل وفي مقدمتهم خريجو الجامعات والمعاهد العليا فيبدأ النقيض في التكوين على شكل نخبات جديدة تقفز إلى السطح وكأنها على موعد تاريخي مع فشل النخبة الحاكمة صاحبة" دولة الثورة" في تحقيق شعاراتها والتزاماتها وبالتالي دخولها في أزمات اقتصادية سياسية تزيدها المديونية الخارجية الثقيلة المتورمة باستمرار استفحالا واسثتراءا" .
إن ما تعيشه الدول العربية اليوم من أزمات على مستوى نخبها الحاكمة إما كرؤساء أو قادة أحزاب يجعلنا مطالبين بوقفة تأمل وبدراسة متأنية لتلك النخب وذلك لمعرفة الخلل القائم فالنخب السياسية متعددة ومتنوعة فمنها كبار موظفي الدولة من وزراء وعمال وكبار المسؤولين ، لكن وبفعل التطورات السياسية التي عرفها العالم العربي عامة و المغرب خاصة نجد ظهور تنظيمات سياسية كان دورها هو استقطاب النخبة الوطنية وتكوينها لتكون هي المسير للبلاد بعد الاستقلال، وبالتالي أصبحت الأحزاب في المغرب أكبر مدرسة لتكوين النخبة ويكتسي تجديد النخب السياسية المغربية صعوبة كبيرة وذلك لتداخل مجموعة من العوامل فيها بينها، أولهما التحولات السياسية وثانيها ارتباطها بمواقف النظام. فالمجتمع المغربي وكما يذكر ذلك حسن قرنفل "شهد مجموعة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية كان لهذه العوامل تأثير كبير على مجموعة من الأصعدة فتراجع دور العالم القروي والنمو السريع للظاهرة الحضرية والتمدن وصعود التقنوقراط وتراجع الطبقات الوسطى التي كانت تشغل أهم ميكانيزمات التوازن داخل المجتمع المغربي، كل هذه المتغيرات وكما يقول الأستاذ (خالد الناصري) طرحت تساؤلا ألا وهو مدى صلاحية التراضيات والتسويات القديمة بين السلطة والنخب السياسية في ظل هذه التحولات؟
إن هذا الأمر هو ما يطرح نظرية النخب والنخب المضادة والتي أشرنا إليها سابقا، بحيث نتيجة لتلك التحولات برزت لنا نخب وفاعلون جدد، يحاولون خلق توازنات جديدة جاعلين بينهم وبين النخب القديمة قطيعة، أدت إلى بروز صراع وتنافس بين مختلف الفاعلين السياسيين .
فالتاريخ المغربي "هو صراع النخب" ويبقى النسق السياسي المغربي ذو خصوصية متميزة وهي قدرته على احتواء وإقصاء المشروعات المضادة بغض النظر عن طبيعة النخبة التي تقود الصراع. فالنظام دائما وفي محاولته إن صح التعبير تدجين أو خندقة كل معارضيه، يسعى إلى وضع تلك النخبة داخل مؤسسة تكون كفيلة بتطويقهم ولعل هذه التعددية السياسية القائمة في ظل نظام ملكي ما هي إلا وسيلة من وسائل النظام للاحتواء أي صراع منتظر.هذه التعددية التي يقول عنه جون كلود سانتوشي" بأنها مجرد تقطيع أفقي للنخبة الحزبية التي تتفاوض مع المركز حول قدراتها على الاندماج المؤسساتي والسياسي. ويبقى النظام يلعب لعبته المعتادة في الاحتواء والخندقة بحيث نجد جل الدساتير المغربية تنص على أن الأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية والمجالس الجماعية والغرف المهنية تعمل على تنظيم وتمثيل المواطنين، وبذلك لم تعد الأحزاب السياسية تحتكر العمل السياسي والتأطيري. وهذه المادة إن جاز القول تعمدت إغفال وظائف عديدة يمكن للحزب أن يقوم بها..
"وقد صنف مجموعة من الباحثين مثل 1930 Monatgane.R و 1969Gellnere قسم النخب السائدة في المجتمع المغربي التقليدي إلى نوعين رئيسيين : نخبة المقدس: وتنكون من الأولياء والعلماء والشرفاء وغيرهم ممن يتمتعون بسلطان روحي سواء كان قوام ذلك السلطان هو البركة أو الانتماء إلى السلالة النبوية أو غير ذلك. ونخبة المدنس التي تتجسد في شخصيات القايد والأمغار والمقدم وغيرهم من الشخصيات التي يقوم سلطانها على المكانة الاجتماعية، والتي تصل إلى مكانة الصدارة عن طريق الانتخاب أو العنف أو الخدعة أو بأكثر من وسيلة من تلك الوسائل والتي سرعان ما تختفي بمجرد تلاشي مكانتها واختفاء قوتها العسكرية والمادية" .
كذلك هناك من صنف النخب المغربية في عهد الاستقلال وذلك على أسس عرقية وجهوية بالأساس وهي صنفان: النخب الوطنية: وهم من أصول حضرية وعربية، ثم النخب القروية: ذات الأصول الأمازيغية وهي في غالبيتها تتكون من أعيان القبائل أساسا. وهناك تصنيف آخر من رواده جون وتر بوري (1975)، فهو في تقسيمه للنخب الوطنية المغربية يقسمها إلى نخبة حضرية معظم أفرادها ينحدرون من أصول عربية وحضرية وإلى نخب قروية تتكون من أعيان القبائل ومن الأرستقراطية القروية ذات الأصول الأمازيغية أساسا.
إن معظم أشكال النخب التي تم الحديث عنها سابقا سواء ذات الأصول الحضرية أو القروية كانت هي المشكل الرئيسي للأحزاب المغربية، فمهما كانت التعاريف الخاصة بالنخبة تصب تقريبا في اتجاه واحد تبقى النخب الحزبية متميزة في مجموعة من الخصائص بشكل عام والنخبة الحزبية المغربية بشكل خاص.
الفرع الثاني:النخب الحزبية المغربية
إن النخب الحزبية تلعب دورا مهما في صناعة القرار السياسي المغربي وغالبا ما تمثله أجهزة عليا داخل الحزب، وهؤلاء الأعضاء يتم اختيارهم حسب القانون الداخلي لكل حزب و يتميز هؤلاء الأعضاء ببعض الخصائص غير المتوفرة عند الأعضاء الآخرين كمستوى التكوين الثقافي والانتماء الجغرافي ثم السن السياسي الذي يساعد على تكوين تجربة خاصة تساعد على تقلد هذه المناصب. وهم كذلك جماعة من المواطنين الذين فاقوا باقي المواطنين علما وحزبية ونضالية وتمرسوا بالقيادة. وكذلك هم جماعة من الأعيان والوجهاء وأصحاب المراكز الذين بدخولهم الحزب يضمنون له النفوذ ويؤمنون له الموارد المالية والمقاعد الانتخابية
هذه النخب التي غالبا ما تكون ذات وظائف ولها وضع رفيع في المجتمع وهذا ما ينطبق على النخبة الحزبية، لكن يبقى تساؤل جوهري يطرح نفسه بحدة وهو من يصنع الآخر؟ هل النخبة هي التي تصنع الحزب أم الحزب هو الذي يصنع النخبة؟
يذهب بعض الباحثين إلى القول بأن الحزب هو الطريق أو أحد المعابر المهمة التي تؤدي إلى التربع على كرسي النخبة. من أجل ذلك لا يمكننا الحديث عن النخبة الحزبية بدون الحديث عن الظاهرة الحزبية، وذلك لأن معاينة جميع مكوناتها وطرق اشتغالها لكفيل على مساعدتنا في اكتشاف طبيعة النخبة الحزبية المغربية.
إن أهم يميز الحزب كنظام سياسي في المغرب وكما أثبتت العلوم الاجتماعية، أنه أقرب التنظيمات إلى البنية العائلية، حيث نجد أن رئيس الحزب أو أمينه العام في وظيفته أقرب إلى وظيفة الأب داخل العائلة. فالقواعد الحزبية وكذا باقي أجهزة الحزب نجدها في علاقتها مع الزعيم علاقة قوامها التوحد والتقمص.
في المغرب وكغيره من الدول التي كانت تعاني من نير الاستعمار كان للحماية دورها الكبير في إنتاج أحزاب سياسية وبالخصوص إنتاج نخبة مغربية التي كانت تصطدم مع السلطات الفرنسية في إطار المطالبة بالإصلاحات كمرحلة أولى سوف تليها المطالبة بالاستقلال. وكثيرا ما يربط الباحثون بين الحزب والزاوية، ويذهبون في اتجاه أن الزاوية كانت سببا مباشرا في ظهور الحزب وكذلك هناك تشابه بين الحزب والزاوية إن من الناحية التنظيمية أومن حيث علاقة الشيخ ومريده (أو الأمين العام وتابعيه ). ولربما من بين الأسباب التي جعلت العديد من الباحثين يربطون استمرارية الحزب بمثابة استمرارية للزاوية، هو أن الأحزاب المغربية في بدايتها ومحاصرتها من طرف سلطات الحماية كانت تستعمل المسجد كمكان للعمل السياسي من أجل تأطير المواطنين وتعبئتهم، وهذا ما كان ينطبق على بعض الأحزاب الأوربية أيضا، إذ يشير موريس دوفرجي على أن للكنيسة دور كبير وراء نشأة بعض الأحزاب السياسية في أوربا حيث ساهم الكلفانيون في تأسيس الحزب المحافظ في مواجهة الحزب المحافظ الكاثوليكي في بلجيكا. لكننا في الآونة الأخيرة نرى أنه لم يعد الولاء للزعيم كما كان في السابق إذ أصبح أي خلاف بسيط يؤدي إلى بروز حزب جديد، فقد أصبح الانقسام يعد من ابرز خصائص المشهد الحزبي بالمغرب، صحيح أن الانشقاق الحزبي عرفه المغرب منذ 1959.
لكن الانقسامات أو بالأخرى التفرخات الحزبية التي يشهدها النسق السياسي الآن لم تعد من أجل اختلاف في الأيدولوجيا أو في التوجهات البرامجية، إنما هي بالدرجة الأولى صراع من أجل الزعامة، وبذلك يصبح إنتاج النخب الحزبية رهين بالانشقاقات بعيدا عن كل دوران النخبة أو حراك سياسي يخضع للديمقراطية الداخلية، فالمرور إلى قمة الهرم الحزبي ليس بالأمر اليسير بالرغم من أن ذلك يبدو سهلا على مستوى هياكل الحزب استنادا إلى نصوصه التنظيمية. فحتى يصل أي مناضل حزبي للقمة لابد له من عدة عوامل أولها العلاقة بالزعيم ومدى تقرب الراغب في الوصول إلى القمة من دوائره الحميمية .
وبالرغم من وجود العديد من النخب داخل الحزب يبقى مصطلح نخبة يطلق على النخب الفاعلة داخل المؤسسة الحزبية فهي تساهم في صناعة القرار السياسي الحزبي بالمغرب. وتتميز النخب الحزبية المغربية بوجود تمازج بينها أو بالأحرى نخب مخضرمة وأخرى جديدة، ونقصد بذلك أنه يمكن تصنيف النخب الحزبية المغربية إلى نخب حزبية في عهد الحماية ونخب حزبية في عهد الاستقلال وتتوحد هذه النخب في مجموعة من الخصائص كانتماءاتها الجغرافية ومستواها الاجتماعي وتكوينها العلمي.
وإن صح القول فالنخب الحزبية في عهد الاستقلال ما هي إلا امتداد لتلك النخب التي كانت سائدة في فترة الحماية. ويمكن تفسير ذلك الامتداد بكونه " يرجع إلى ظاهرة الانشقاقات الحزبية أو كما اسماها الدكتور احمد بوجداد إعادة الانتشار والتي مست جل القيادات الحزبية وأعطت نوعين من الأحزاب السياسية، تلك التي تعتبر امتداد للحركة الوطنية وأخرى ساهمت الإدارة في خلقها.
إن ما يمكن قوله على النخبة الحزبية هو كونها ظاهرة حضرية بالأساس وهذا ما اتضح من خلال مجموعة من الدراسات التي قام بها باحثون في مجال النخب. فجل هؤلاء النخب ينتمون إلى أهم المدن المغربية الكبرى، كفاس والرباط والدار البيضاء ومع ذلك فهذه النخب تحاول دائما التغلغل في البوادي وغرس إيديولوجيات حزبها هناك.
إن مجموع الدراسات التي تناولت النخب السياسية والحزبية بشكل خاص تناولت الموضوع في شموليته، وركزت في دراستها على النخب الرجالية إن جاز التعبير، ولربما الأمر راجع إلى كون هذه المؤسسات الحزبية في بدايتها كانت تقتصر على العنصر الذكوري فقط نظرا لما كان يتميز به المجتمع المغربي آنذاك، لكن اليوم صرنا نرى وجوه نسائية تحتل مواقع القيادة في أحزاب مغربية لها باع طويل وتاريخ زاخر بالعطاء لهذا الوطن.
ومع ذلك نرى ندرة الدراسات في هذا الجانب إن لم نقل غياب تام، ويبقى الإشكال المطروح دائما حول هذه النخبة النسائية الحزبية هو طرق وصولها إلى المناصب القيادية وهل هي في ذلك مثل النخب الرجالية، وبما أن الأحزاب السياسية تعد من أهم قنوات المشاركة في الهيئات السياسية سواء بالانتخاب أو التعيين ، يبقى وجود المرأة داخل هده الأحزاب ضروري لأنها جزء من المجتمع، وهذا ما سعى إليه قانون الأحزاب الجديد الذي نص في مادته 22 على ضرورة تخصيص نسبة 20% للنساء داخل المكاتب السياسية لهذه الأحزاب وكذلك ما أكده الفصل 19 من الدستور الجديد حول المناصفة التي كانت فيما مضى حلم جميع التنظيمات النسائية.

باحثة في علم السياسة والقانون الدستوري.



#لمياء_العماري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دوران النخب النسائية الحزبية الواقع والامال.


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لمياء العماري - النخب الحزبية المغربية وهم أم حقيقة