عواد الخزرجي
الحوار المتمدن-العدد: 3724 - 2012 / 5 / 11 - 03:06
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
أن التدمير الممنهج للعراق ، ومنذ نهاية الخمسينيات من القرن المنصرم إلى يومنا هذا، أطاح بالكثير من القيم العراقية، والتي حسب رأي الدكتور الوردي هي محل شك في الأصل، لآن العراق عبارة عن خليط غير متجانس من القوميات والطوائف, غالبا ما كانت لاتهتم الآ بمصالحها، ومن أجل ذلك حصل في العراق حروب داخلية دموية لفترة طويلة راح ضحيتها الكثير من الأبرياء، أن كل هذه التركيبة لأيهما مصلحة العراق, والدليل على ذلك التناحر الذي حصل بعد 2003، فكل مكونات العراق تريد أن يصبح لها حكم ذاتي، أو دولة، حتى عين التمر أو ما يسمى ( شثاثة) مع احترامي الشديد للأهل هذه المنطقة الكرام.
الكل يدرك أن أهم ماحصل في العراق منذ بداية السبعينات ولحد الآن ، هو تدمير الشخصية العراقية، وتحويل القسم الأكبر من الشعب العراقي إلى جيش جرار من الشرطة السرية والواشين، تارة بأسم القومية العربية وتارة أخرى بأسم الحفاظ على وحدة البلد، ولم يكتفون بذلك فقد عملوا على عسكرة البلد من نساء ورجال للدفاع عن أهداف تافهة تسببت في حرق الأخضر واليابس، مستنزفين ثروة خيالية للأهداف لم تكن الآ لإرضاء مخيلة القائد المريضة، وحزبه الفاشي.
أما بعد 2003 فقد أصبح الشعب يتصرف بهستيريا جمعية أدت إلى جنون جماعي لا مثيل له، حيث فجأة وجدوا أنفسهم من شرطة وواشين، وعسكر مهزوم منكوب هائم وتائه، مع وجود الأف الأف من الأرامل والمعوقين، وشعب مسحوق دمرته العسكرتيريا والحروب الدونكشتية، التي استطاعت الآلة الإعلامية المقيتة للنظام أن تصورها على أنها تخاض بالنيابة عن الأمة العربية، تلك الأمة الغارقة في التأمر على العراق لتدميره حتى أذنيها، شعب مساق إلى حيث لا يدري، مدمرة بناه التحتية، ودولة لا وجود لها ومفلسة، وشعب لا يستطيع شراء حتى الخبر، لا زال يعيش في دوامة الحصار، والبطاقة التموينية، كان راتب الموظف المرموق فيه لا يتجاوز على الخمسة دولارات، وفي تطور مثير حصل زلزال لا مثيل له في التأريخ الحديث حيث أزيلت دولة بكل ما تملك من مؤسسات بجرة قلم، وقرار ممسوخ كصاحبة المائع الذي يبدو أقرب إلى الشواذ من كونه رجل أمتلك التحكم بمصير دولة لها من العمق التاريخي ما يساوي دولته بمئات المرات، محاط بلمة (زلم) ثلاث أرباعهم من أصول غير عراقية!! تم اختيارهم بعناية فائقة من خلفيات أحزاب دينية وتجار ودلالين وسماسرة، لا أحد منهم يثق بالأخر، ولا يكنون الحب لبعضهم، فكيف أن كان للوطن؟ كان أول ما قدموه من خدمات لوطنهم وشعبهم، هو الاستيلاء على ممتلكات البلد وسرقت ما تبقى من ثروته والثروات التي تصدقت بها الدول المانحة.
فجأة وفي وسط هذا المشهد الغريب، والحرمان لسنين طويلة، وجد العراقيين أنفسهم محاطين بكل المغريات والأشياء التي كانت بمثابة الحلم في العهود السابقة، من علب للمشروبات صفراء وحمراء، أعضمها منتهي الصلاحية، إلى علب وقناني البيبسي كولا والكوك كولا التي أخذت مصانع الدول المجاورة العمل أربع وعشرين ساعة لتوفيرها في السوق العراقي، ولا يعلم أحد عن جودتها وأن كانت مطابقة للمواصفات العالمية أم لا؟ وعثوق موز من أمريكا اللأتنية وأفريقيا، صحون لاقطة من تركيا وأجهزة استقبال من الصين كلها رديئة الجودة شحنت على عجل، بواخر عملاقة تصل إلى ميناء البصرة الوحيد المخرب والمعطل أصلا إلى يومنا هذا، تلك البواخر تقذف بالألف الأف من السيارات القديمة المتهالكة والتي كان على أصحابها في تلك البلدان أن يدفعوا عليها لرميها في معامل تدوير السكراب، ليس عن طريق الميناء وحده دخلت هذه البلاوي،لا بل عن طريق جميع منافذ العراق البرية أيضا، قسم منها يسير بصعوبة بالغة والغالب يسير في الدفع، وعلى عجل تم تشكيل عصابات وميلشيات من ( السرسرية) وقطاع الطرق للأخذ الأتوات والخوات من أصحاب هذه الخردة.
أن المشكلة الحقيقة التي تواجه العراق من جراء هذا العبث، هي حجم الكارثة البيئية الموجدة الآن في العراق، حيث أين ما ذهبت تجد نفسك محاصر بملايين الأطنان من القمامة، وكم لا يعقل من قناني البلاستك الفارغة، والتلوث أصبح الآن منتشر في التربة والمياه، والهواء المشبع بغازات معامل الطابوق وعوادم السيارات التي تسير بالقدرة، أن ما يجري من تلويث للبيئة في العراق يكاد يكون الأول من نوعه في العالم، والذي ينذر بكارثة إنسانية ليس لها حدود أن لم تعالج سريعا، أما الأتربة والعجاج الذين يكاد تواجدهم شبه يومي فهو كارثة حقيقية أودت بحياة الأف من الناس الذين لا يستطيعون العيش في مثل هذه الأجواء.
ولكي تكتمل الصورة والالتباس على هذا الشعب، فقد جاء هؤلاء المستوردين لحكم العراق، كل واحد منهم بشركة للهاتف النقال من زين إلى رطين، وضعت هذه الشركات تعريفة على أجور الاتصالات الأغلى في العالم، مع سرقة المشترك بشكل علني، وإدخال كمية هائلة من أجهزة الهاتف النقال، أعطاها العراقيين أسماء محلية مضحكة مثل علاوي وأبو الطبوقة ... الخ، ليس لأنهم ظرفاء بل لصعوبة التعرف على أسمائها الحقيقة وصعوبة نطقها في البداية، ولا زال القسم الأكبر من العراقيين ينطق أسم نوكيا ( نوكا )، تلاشت تدريجا الآن إلى أن أصبحت تسمى بأسمائها الحقيقة اليوم واختفت طبوكة علاوي، وسيختفي علاوي أيضا.
أضافه إلى إدخال أجهزة الكمبيوتر وألنت، وهذا هو الحدث المهم بتاريخ العراق الحديث برأيي، من خلاله سوف يتاح للناس فيه الاطلاع وتبادل الآراء مع بقية شعوب الأرض الذي حجب عنها قصريا لسنين طويلة.
كل هذه المتاهة لم يكن الشعب العراقي مهيأ لها ولا حتى قادر على دفع ثمنها، مما أدى إلى ازدياد الرشوة والفساد والتفكك الأسري في المجتمع، مما أسس إلى مجتمع نفعي وصل إلى تدمير ذاته هذه المرة بنفسه، حتى أصبح ترتيبه بأدنى سلم الدول الفاسدة، وأخطر دول العالم بالنسبة للآمن والأمان.
عواد الخزرجي
مسقط- عمان
20/04/2012
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟