أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - زكية داود - النسوانية و السياسة - المغرب:تفجر الطاقات الكامنة (1985-1992)















المزيد.....



النسوانية و السياسة - المغرب:تفجر الطاقات الكامنة (1985-1992)


زكية داود

الحوار المتمدن-العدد: 3723 - 2012 / 5 / 10 - 09:20
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


كانت سنة 1980 هي البداية الحقيقية للجمعيات النسوية. فهل كان ذلك من نتائج الذكرى الأولى لسنة المرأة بنيروبي؟ أم ثمرة نضج طويل وشاق؟

كانت الجمعية الديموقراطية لنساء المغرب، عام 1985، أولى تلك الجمعيات وهي منبثقة من التنظيم النسائي لحزب التقدم والإشتراكية. وحول ذلك تحكي مليكة الناصري: "كنا منذ عدة سنوات نسعى إلى تجاوز الإشراك السياسي الصرف وتوسيع الحركة لتشمل نساء مستقلات والتفكير في مسألة المرأة بالعلاقة مع القانون والممارسة الإقتصادية وتجربة البلدان الأخرى. لكن كان علينا أن نقنع الرفاق في الحزب بذلك وهذا ما سرنا إليه تدريجيا". كان الإطار مكتملا: قانون لا متكيف ويستلزم بالتالي إعادة النظر. وإعاقة الوصول إلى مواقع سياسية ومناصب المسؤولية ثم مطالب إجتماعية لا تٌرَدُّ كمحو الأمية والتمدرس القروي. وأخيرا هناك ما يلزم من جهد للتفكير في العمل النسائي الذي يؤول إلى مشاكل إضافية نظرا لتأخر العقلية الذكورية والمجتمعية. إن الأمر كله متوقف على طريقة العمل. وتحكي مليكة الناصري عن تحول حذر كان فيه عمل التوعية مرتكزا على ما هو اجتماعي: مشاريع تكوين مهني بتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية ومع اليونسيف وإدماج النساء في مهن ذات مداخيل صغيرة (خياطة تطريز) في الأحياء الفقيرة بالدار البيضاء والرباط وأكاد ير ومساعدة إنشاء مقاولات وتعاونيات إنتاج ثم محو الأمية والإرشاد القانوني والصحي وتنظيم لقاءات وندوات حول التعليم والشغل والدعارة واعتماد التمويل الدولي. وفضلت كل هذه الأنشطة على إصدار جريدة لكنها لا تلغي ما هو ثقافي وما هو سياسي خاصة في بعده المغاربي. وأصبح للجمعية (ج د ن م) 8 فروع بالمغرب وتمثيل بفرنسا منذ 1990. وعقدت في دجنبر 1989، أي بعد أربع سنوات من الوجود، مؤتمرها الوطني الأول بالرباط، حضرته وفود عديدة عربية ومغاربية ومن أوروبا الشرقية. وانتخبت المندوبات (400) لجنة وطنية من 41 عضوا ومكتبا من 11 وأمينة المرنيسي رئيسة. ووجه المؤتمر دعوة إلى كل القوى التقدمية لوضع ميثاق وطني لحقوق المرأة. كما أصلحت (ج د ن م) عضوا بالفدرالية العالمية الديموقراطية للنساء ولها علاقات وطيدة بمنظمات نسائية مغاربية أخرى خاصة بالجزائر.

نضج طويل المدة

قامت الخلايا النسوية لمنظمة العمل الديموقراطي الشعبي (م ع د ش) عام 1987، وعلى قاعدة مكاسب تجربة 8 مارس، بإنشاء إتحاد العمل النسائي (إ ع ن). وبذلك ظهر تيار نسواني جديد معرب Arabisé وحامل لطابع النضالات السياسية السابقة ومبلور لتقاليد جديدة في التعبئة والنضالات النسوية في الساحة الوطنية.

إن مناضلات هذا الإتحاد متمرسات ومسيسات جدا. وللإشارة فقد انبثقت (م.ع.د.ش.) عن ما سمي بتيار 23 مارس تخليدا لذكرى تمرد الدار البيضاء في 23 مارس 1965. وكان قسما من الحركة الماركسية اللينينية، كما أنه أنبثق من يسار الإتحاد الوطني للقوات الشعبية (إ.و.ق.ش).

لاشك أن لطيفة الجبابدي هي الوجه البارز في إ.ع.ن.: وهي مدرسة (37 سنة) ذات ماضي نضالي طويل. فقد كانت منذ مراهقتها عضوا بمنظمة تلاميذية ممنوعة. وطردت من الثانوية ثم ناضلت في الإتحاد الوطني لطلبة المغرب (أ.و.ط.م.) وفي النقابتين العماليتين الإتحاد المغربي للشغل (إ.م.ش.) والكونفدرالية الديموقراطية للشغل (كدش) والنقابة الوطنية للتعليم العالي (ن.و.ت.ع.). كما كانت عضوا بمنظمة 23 مارس منذ بداية السبعينات. واعتقلت عام 1977 وأمضت سنتين ونصف بالسجن ومازالت في وضع سراح مؤقت. أما زوجها المسؤول السابق في أ.و.ط.م. فقد قضى بدوره سبع سنوات في السجن. قامت الجبابدي، التي تدرس الفلسفة بعد أن اشتغلت بمعهد التعريب، بتأسيس حضانة ومدرسة ابتدائية في حي الفرح حيث تقطن بالرباط. إنطلاقا من قناعة راسخة بضرورة استقلال قضية النساء في النضال السياسي، ومن رغبة في التميز عن التنظيمات النسوية للأحزاب التي تعتبرها فاشلة، تحكي الجبابدي عن نضج طويل المدة منذ 1983. حيث دعا التنظيم النسوي لـ م.ع.د.ش. باقي تيارات الحركة النسوية لعقد ندوة وطنية للنساء. ونظرا لعدم القدرة آنذاك على ترجيح وجهة نظر منظمة جماهيرية وديموقراطية ومستقلة أصدرت جماعة لطيفة جريدة 8 مارس لتكون منذ 1984 نقطة ارتكاز لهذه القضية: إنها جريدة مناضلة على خط "النسوانية والسياسة" وهادفة إلى إخراج المطالب الخاصة بالنساء من الهامش وضمنها إلى المطالب الديموقراطية العامة. تتذكر الجبابدي قائلة "لم يكن الأمر سهلا". فعلاوة على تمسك مناضلي م.ع.د.ش. بكون قضية النساء انحرافا برجوازيا صغيرا، وأن صراع الطبقات هو الأساسي، كانت الجريدة هدفا لهجمات مترافقة من لدن الإسلاميين والسلطات: اضطرت الجريدة بين يونيو 1989 ومارس 1990 للتوقف عن الصدور لا بفعل المصاعب المالية فحسب بل لتقلص توزيعها المعرقل إلى النصف. لقد أعتُبرت الجريدة صيحة خطيرة: إنتقاد المدونة باستمرار وبارتكاز على الحجج في اتجاه الإجتهاد ومحاولة للمختصين كالأساتذة مولاي رشيد والخمليشي ودراسة الحالات الملموسة إنطلاقا من مراسلات غزيرة والمطالبة بأجرة مساوية لعمل مساو وبحقوق الأمومة والنضال من أجل التمدرس ولإلغاء التمييز خاصة في الكتب المدرسية. ويندرج هذا كله في دينامية اجتماعية وفي عمل سياسي. إن 8 مارس، سعيا وراء خلق "رأي عام متضامن حول وعي نسوي جديد"، عرفت كيف تجلب جمهور نساء واسع منحدر من الأوساط المحرومة: الطالبات والعاملات بالتعليم والصحة والموظفات. وقد أتاحت لجان دعم الجريدة أرضية للمنظمة التي ستؤسسها م.ع.د.ش. بعد فشل النداء إلى الإتجاهات الأخرى. ولم يلغ ذلك، حسب الجبابدي، استمرار الإتصالات بالقاعديين ويسار الإتحاد الإشتراكي و ج.د.ن.م. وبالمنظمة المغربية لحقوق الإنسان (م.م.ح.ن) التي أعطت منذ البدء مضمونا لعلاقة حقوق الإنسان بحقوق النساء، واستمرت لذلك في اتخاذ مواقف لمراجعة المدونة وخاصة ضد تشغيل الأطفال. وهكذا تؤكد الجبابدي أن يقين مناضلات إ.ع.ن. بجنينية الوعي النسائي انقلب مفاجأة سارة لما اكتشفن طاقة نسائية كامنة كبيرة الأهمية. ولم يكن ا.ع.ن. يهمل ما هو اجتماعي: محو الأمية –إرشادات قانونية وطبية ونشاط في دور الشباب والأندية. ومع أن اتحاد العمل النسائي يضم، خارج إطار الحزب، مناضلات نسوانيات فقد استفاد من بنيات ومقرات م.ع.د.ش. وله 15 فرعا محليا وحتى مكاتب في أهم مدن فرنسا (باريز –تولوز –إيكس –ليون). وقد عقد مؤتمره الأول في مارس 1990 وصادق على برنامج ولائحة مطالب: توحيد حركات النساء بالمغرب والمساواة الفعلية بين الجنسين والمشاركة في الحياة السياسية والنقابية والثقافية.

التنسيق الأول:

ثالث منظمة ظهرت هي منظمة المرأة الإستقلالية (م.م.إ.) التي قرر الحزب إنشاءها في فبراير 1987 إنطلاقا من لجنته النسائية والتي تميزت في يوليوز 1988 بندوة حول موضوع: "ماذا تريد المرأة المغربية؟" وفيما بعد نظمت م.م.إ. ندوات أخرى حول المغرب العربي (بطنجة يوم 12/11/88) وحول التجربة الديموقراطية بالمغرب (بمراكش يوم 15/01/89) وحول محو الأمية (بفاس يوم 12/11/89) وسيرا على نهج سلفية علال الفاسي تطالب النساء الإستقلاليات أولا بتطبيق الشريعة والمدونة مع تطور نحو الإقرار بضرورة مراجعة النص، مما يبدو مشكلا عند قادة حزب الإستقلال الذين يقترن خطابهم أكثر فأكثر، في هذا المجال على الأقل، من خطاب الإسلام المعتدل. ومما يبرز التحفظات ذلك الدفاع عن الجانب التحرري والمقدس للإسلام ورفض كل "تنظير مستورد" "وكل تأويل طفيلي(‍‍!) وكل نزعة ثقافية تحريفية". ويبقى الإجماع أسهل حول مطالب إدماج النساء في الحياة السياسية وهو ما سيصبح الموضوع الأساسي لـ م.م.إ.

كما شهدت سنة 1987 إنشاء لجنة تنسيق من قبل الجمعيات والتنظيمات النسوية لأحزاب المعارضة. كان مبررها تنظيم أنشطة لدعم الإنتفاضة الفلسطينية في مارس 1988. وسيعاد تحريك هذه التعبئة في 90/1991 إبان حرب الخليج. ولم يمكن طبعا للتنسيق أن يتجنب المطالب النسائية ورغم المشكل القائم مع نساء حزب الإستقلال حول إصلاح المدونة، خاصة على مستوى وسائل العمل، فإن الإجماع سهل حول تبني اتفاقيات كوبنهاج والهوة بين القانونين المحلي والدولي وبين الدستور والمدونة وحول المطلب الديموقراطي والتعديل الدستوري. إبان حرب الخليج استأثرت الحرب بالإهتمام في المغرب كباقي دول المغرب العربي. فوجب على التنسيق أن يدبر موقف حزب التقدم والإشتراكية الأكثر تحفظا إزاء صدام حسين. تعرض التنسيق إذن لعائق مزدوج: الخلافات بين الأحزاب وبين النسوانيات لكن كانت له ميزة كبيرة ألا وهي إدماج نساء الإتحاد الإشتراكي اللواتي لم يتمكن، رغم جهودهن، من تجاوز مرحلة التنظيمات الحزبية النسائية علاوة على ضعف نشاطهن لدرجة أن عدة مناضلات، مع أخريات من تيارات مغيارة، اكتفين بالمنظمة المغربية لحقوق الإنسان التي تضم 40% من النساء بين مؤسسيها الـ 350 و5 ضمن أعضاء مكتبها الـ 19 والتي أنشأت في دجنبر 88 فرعا نسائيا. لكن ازدهار الجمعيات النسائية تجاوز الإطار السياسي الصرف وظهرت الحمراء والمصباح والمواساة والنادي النسوي العرصة والمرأة والمجتمع والنهضة النسائية ورسالة المواطنة ولجنة النساء المغربيات لأجل التنمية وعصبة النساء أطر القطاع العام وشبه العمومي، الخ التي انضافت إلى سابقاتها كنساء المهن الحرة والتجارة. وبلغ عددها 29 دون نسيان جمعيات التخطيط العائلي الثلاث وجمعيات محاربة داء السيدا، حيث تتعبأ النساء بسرعة، وتلك المرتبطة بالتعاون مثلا مع كندا (IDF الإدماج والمرأة والتنمية) بمساعدة الفرع النسوي لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية. وتعد تجربة "مطاعم التضامن النسوي" التي قامت بها عائشة شنة الأكثر تميزا. فهي علاوة على استقبال النساء المتخلي عنهن والفتيات الأمهات (متيحة لهن بذلك الإحتفاظ بأبنائهن)، تقدم، عبر عمل تعاوني مسير ذاتيا، أكلات ساخنة بأسعار مخفضة (6 إلى 8 دراهم) في الأحياء العمالية.

بذلك تمكنت عائشة شنة، وهي مساعدة اجتماعية متقاعدة، من الربط بين المساعدة والإنتاج وهي سائرة في توسيع منشأتها بدعم من المنظمات الدولية. وشهدت الحركة غليانا ساهمت فيه بعض المثقفات بالكتابة سواء بمجلة نسوية جديدة "كلمة" التي ظهرت سنة 1986 متطرقة لقضية المرأة في بعدها المجتمعي أو حول مجموعة نساء –أسرة –أطفال "التي أسستها فاطمة المرنيسي عام 1981 واقتحمت عالم النشر بإنشاء سلسلة "مقاربات" بدار الفنك للنشر.

مقارنات وكتابات

لما كان ما يفوق 150 باحثا مشتغلين في مسألة النسوية وتكاثرت الأطروحات حولها أنتجت مجموعة (نساء-أسرة-أطفال) إبتداء من 1988 كتبا عديدة: صور نساء (1987) –نساء موزعات: الأسرة والعمل (1988) –النساء والسلطة (1990) –الجسم بصيغة المؤنث (1991) –النساء والمؤسسات (1992) –(النساء-المغرب العربي- أفق 2000) الذي سيظهر في البلدان الثلاثة.

وغالبا ما يتسم التحليل بالطابع النقدي بينما ترتكز الأبحاث على المعاش في إطار مجهود متعدد الإختصاص وفي إطار جديد ومختلط.

لفاطمة المرنيسي نظرة مصممة على التفاؤل، فبالنسبة لها " ليست الخطابات الذكورية إلا الرجفات الأخيرة حيث أن وضع المرأة المغربية قد تغير بعمق وأبانت عن قدرة كبيرة على التكيف وعلى أن تعتبر الرجال بمثابة حلفاء". كما تمكن الإشارة إلى أعمال غيتة بلخياط المتسمة بواقعية يائسة ("يولي الرجال، بسوء نية جلية، مكانة للنساء مدركين أن لا أهمية لهن ولا قدرة على تغيير مسار الأمور.") وهناك أيضا أبحاث تريز بنجلون حول التناقضات الثقافية حيث تجرم أزمات الذاكرة والهوية الفاعلة وكتابات أخرى عديدة.

تم في المغرب، حيث يبدو التفكير محجوزا، أعمق بحث في العلاقة بين الهيمنتين الجنسية والطبقية، كما أن للنساء فيه حرية تصرف مثيرة في السياق العام، رغم تجنب التهجم المباشر في النقاشات العمومية على قانون الأسرة (وهو ما لاحظته باندهاش المناضلات النسوانيات الجزائريات في ما بين 1988 و1991.) فهناك مقالات عديدة حول اصطياد الغواني وعن المرأة المختزلة إلى دورة فريسة سهلة معرضة للنظرات الشرهة بالأزقة.

ويتميز بين هذه الأعمال كلها كتاب "وراء كل حشمة" لسمية نعمان جسوس والذي أعيد طبعه مرات عديدة وشكل أكبر نجاح للنشر بالمغرب (36 ألف نسخة على الأقل). وقد قامت سمية جسوس، وهي عالمة إجتماع ومدرسة، بدراسة ما بين 1981 و1984 إعتمادا على استبيانات معمقة لدى قرابة 200 امرأة بالدار البيضاء. وليست مقاربة سمية جسوس سياسية، بل تتعلق بما يتعرض له الجسم الأنثوي من اضطهاد وبالقوانين والمحرمات المحيطة بالممارسة الجنسية وبقساوة حياة زوجية لا رقة فيها بل حرمان وعدوانية وبغياب فكرة الزوجان. وتقول سمية أنه خلف حجاب الحشمة يختفي الحرمان والمعاناة. ولم تتغير الأشياء رغم المظاهر كما لا يزال ثقل التقاليد ضخما والفترة الإنتقالية بعيدة عن نهايتها. وهكذا تناولت التربيات القمعية، غير أن بنات أكثر نباهة، بعد أن خفقت في البيوت، ينفجرن في الشارع. وهناك أيضا اتساع إضفاء طابع مالي ومنافق على العلاقات الجنسية مما يجعل الفتيات، خاصة الأكثر فقرا، يقبلن الزواج المدبر لإقتناعهن بحتمية فشل الحياة الزوجية. فمازال تعدد الزوجات رغم كل ما يقال يشكل خمس (1/5) الحالات، وهو غالبا ما يتبع فترة زنا طويلة. أما الطلاق فقد بلغ بالدار البيضاء نسبة 60% من حالات الزواج سنة 1980. وتكاثر من جديد ما يعرف بالخل (شراء المرأة لحريتها). وتعيش بنات فتيات على حدود الدعارة وهو ما أوردته الصحافة بكثافة. والرجل الغني هو المثال والزواج صفقة واستثمار. وبالتالي هذا الوصف الخالي من المجاملة في حين تتكاثر الفضائح الأخلاقية منذ بداية الثمانينات بارتباط مع اجتياح أغنياء الشرق الأوسط للمغرب مما يسمح للدعارة ازدهارا وانكشافا لا سابق لهما –بل وجرى الحديث حتى عن "الزواج على الطريقة الإيرانية. وفي نفس الفترة يقوم عبد الصمد الديالمي، وهو أيضا باحث في مسألة الجنس (وقد كتب أن الولد يتحدد أساسا بماله والبنت بجسدها) بمسائلة النسوانيات: "قضيتكن مشروعة لكن ما السبيل إلى جعل مجتمع متخلف ومتأخر يتقبلها؟ إذا تصرفتن بامتداح الحيلة وبالتالي في إطار التقاليد، وإذا فضلتن منطق الواقع على منطق الحقيقة فلن تعدن النظر في النظام البطريركي بل أنكن لتطبيقه التام وهذا مناقض للنسوانية وخيانة المثقفين" إن ما يدعوا إليه الديالمي إجمالا هو أن تتم من خلال قضية النساء إدانة القيم التقليدية والمجتمع القمعي وإلاّ يقصى الرجل من هذا النضال الذي سيتمكن المغرب بفضله من خلق نسوانيته الخاصة. ولذلك يحذر الديالمي من الميل نحو خلط الإحتجاجين النسوي والنسواني مؤكدا على الفرق الثقافي الكبير بينهما وهذه طبعا شهادة على واقع بديهي ألا وهو أن النساء هن الضحية الرئيسية لشعائر إعادة التوازنات لكنه أيضا يحملهن مهمة إضافية.

هل يعني ذلك استحالة استمرار الإكتفاء بالتحاشي والتحايل على القانون وبوجود غير ثابت؟ أم أنه أيضا تهكم إضافي: فالرجال بالمغرب، لم يكونوا أبدا موضوع أي احتجاج قانوني أو سياسي ولذلك بإمكانهم، دون مس شرفهم، أن يظهروا لطيبة قلب أكثر ما عدا طبعا إذا بلغ الإحتجاج أسرهم. لكن النساء يتعرضن ما أمكن على المدونة ولنفس التعابير دوما وهي مجتمعة (مشكل الأطفال خاصة) أكثر مما هي متحيزة ولا حاجة أن تكون فقيها كبيرا للإقرار بتراجع قبولهن لوضعهن وهو ما يعترف به تقرير للأمم المتحدة. علما أن ذلك الوضع لا يطرح مشاكل داخلية فحسب.

تحـولات سريعــة

فقط عام 1987 تمت المصادقة على الإتفاقية الفرنسية المغربية حول قانون الأشخاص الصادرة عام 1981 والذي يسمح بتطبيق قانون المغرب في فرنسا مقابل تخفيف القرارات القضائية حول الإحتفاظ بالأبناء. وقد أضحت القضايا القانونية راهنية مع ما يروج من إمكانية إصدار قانون جنائي عربي موحد يعيد إقرار العقوبات الجسدية المعروفة باسم الحدود ضد الزنا والإجهاض (100 جلدة للزاني). وهو ما يعيد كليا رؤية توتاليتارية للقانون. ومن جهة أخرى فإن من النساء، وبعضهن مشهور، من إقتفت أثر بطلة فيلم فريدة باليزيد عام 1987 (أبواب السماء) وعادت إلى الحجاب وإلى التقاليد بطريقة تبهر نساء الخمسين سنة الفخورات بقفزاتهن إلى الأمام واللواتي تشهدن باضطراب تقدم النزعة الإسلامية لدى فتيات الثانويات ويرين أنه يدل على إفلاسهن وعلى أنهن تصرفن بطرق مفرطة في الفردانية. لكن هذا يعني أيضا أن التحولات السريعة ومراحل الإنتقال الصعبة أثقل من أن يتحملها الأفراد.

أثار وزير الأحباس، خلال الدروس الرمضانية (يونيو 1990)، صيحات الإستنكار لما صرح للتلفزيون أنه بحكم القانون القرآني لا يمكن إسناد السلطة للمرأة وبالتالي فهي غير جديرة "بتحمل مسؤوليات سياسية في بلدنا" وهذا ما سبب سخط الجمعيات النسوية والحقوقية. وفي السنة اللاحقة عاد الوزير للتهجم على هذه الجمعيات بالضبط معتبرا أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليس حجة على المسلمين: فالإسلام لن يقبل الحرية الدينية ولا زواج مسلمة من غير مسلم.

كما حاول النظام ضبط الحركة المطلبية، إذ بطال من وزارة الصناعة التقليدية والشؤون الإجتماعية قامت مجموعة خبراء بعد نيروبي بإعداد مشروع إستراتيجية لإنعاش المرأة المغربية، ووضع في بداية 1987 أمام أنظار لجنة وطنية للمرأة: إنشاء لجان وعقد ندوات (خاصة 86-87) حول اتفاقية كوبنهاكن. لكن خلال هذه السنوات إستحوذت حرب الخليج بالإهتمام ولم تكن النساء متأخرات لا في التظاهر ولا في تقديم العرائض. وقد سجلت عائشة بالعربي (باحثة اجتماعية وعضو في مجموعات مقاربات وفي الإتحاد الإشتراكي) في مارس ويونيو 91 صعود الأصوات النسائية المنادية بالديموقراطية والعدالة وتقاسم المسؤوليات في المجتمع المدني واحترام حقوق الإنسان. "إنهن يفرضن أنفسهن كقوة كامنة وفعلية في المجال السياسي الذي ظل حكرا على الرجال". طبعا كما تقول المرنيسي لدى النساء حس الهوية وقوة النضال وشعورا قويا بالذات وبحقوقها المهضومة يولد القدرة على الغضب وعلى تخيل مغاير للعالم. لكن حرب الخليج ترافقت أيضا مع مطلب ديموقراطي فرض نفسه مع اقتراب انتخابات لا مفر منها عام 92 بعد أن أجلت لسنتين باستفتاء أواخر 90. وبالتالي تم التركيز مجددا على المدونة وعلى المشاركة السياسية. وعادت جريدة 8 مارس للظهور عام 90 واتخذت شكلها الأسبوعي عام 91 واغتنى عمل التوعية بنقد متزايد للمدونة: عرائض ورسائل مفتوحة ولقاءات وندوات وتكوين لجان، كلها كانت المجال الذي ستنضاف إليه عريضة المليون توقيع. وفي 28 أبريل 91 إنعقد المجلس الوطني للمرأة الإستقلالية، في أجواء أبهة وبحضور كل زعماء الحزب، حول موضوع "المساواة من أجل النهضة" وذلك في أفق إنتخابي محض. واجتمع التنظيم النسوي للإتحاد الإشتراكي في أكتوبر-نوفمبر لانتخاب لجنة وطنية جديدة وإقرار توجيه جديد. وقد أبدت المناضلات نشاطا كثيفا بحفز من المثال الذي أعطته المنظمات الأخرى وقد شجعهن الحزب لإحساسه ببعض التأخر في هذا المضمار. غير أن المماطلات والمساومات داخل الهيئات القيادية مازالت لم تسمح بتغليب جانب إنشاء المنظمة الجماهيرية التي ما كفت المناضلات عن المطالبة بها. وظهرت أوجه نسائية جديدة إلى جانب المرنيسي مثل عزيزة بناني وهي أول امرأة تعين بظهير عميدا لكلية (المحمدية) والتي تناضل ضد صعود الإسلاميين بالجامعة خلال سنوات 90-91، ثم هناك بالخصوص ثريا جبران الممثلة ذات الشعبية الواسعة والعضو منذ التأسيس بالمنظمة المغربية لحقوق الإنسان هذه الجمعية التي ضمت هيئاتها 18 امرأة من ضمن 71 في مؤتمرها الأول (17 أبريل 91). وقد دعيت ثريا جبران في ربيع 91 إلى برنامج "رجل الساعة" الذي بثته القناة الثانية. وهي أول امرأة تتلقى هذه الدعوة لكن تم اختطافها يومين قبل البرنامج لتتعرض لسوء المعاملة والتعنيف والتهديد والإهانة وتركت مقيدة ومعصومة العينين وحليقة الرأس. وأفهمها مختطفوها أن تلك المعاملة هي جزاء النساء اللواتي تترجلن! ورغم الشكوى المرفوعة مازال الغموض يلف هذه القضية التي أثارت رجة عنيفة في الأوساط الفنية والنسائية والحقوقية.

مؤشرات كاشفــة

لقد تغير المغرب بعمق خلال كل هذه السنوات إذ أدى الإنفجار السكاني والسياسة الإقتصادية إلى إعادة تشكيل البلد. فهو في 1960 كان قرويا بالنسبة 70% وبنسبة 57.2% سنة 82 ثم أصبح حضريا بنسبة 50% ونمت المدن الوسيطة غير أن الدار البيضاء، التي تركزت فيها الهجرة القروية المقدرة ب4% سنويا، مازالت تضم ربع السكان الحضريين (11 مليون). إن لسرعة التمدن نفس العواقب في كل مكان: فالأمر يتعلق أكثر بإضفاء طابع قروي على المدن بأحزمة دور الصفيح وبنايات محيطة بمراكز غير متلائمة. كما أن فتوة السكان مرعبة فمن أصل 22 إلى 24 مليون مغربي (أكثر من 2 مليون منهم بالخارج) يقل عمر 56% منهم عن 20 سنة و70% عن 30 سنة و 76% عن 35 سنة: ما يفوق النصف ولد بعد الإستقلال. بيد أن المعدلات الخام للولادة سائرة في التطور: 46% عام 62 و37.2% عام 1982 لكن المتوسط الوطني يبقى 5.52 طفل لكل امرأة مع حدود 7 إلى 8 في القرى، في حين ينخفض في المدن إلى 5 وحتى 4. ويبقى المعدل الطبيعي ثابتا: 2.8%، وبالفعل انخفضت وفيات الأطفال وهي الآن 95 في الألف (73 في المدن و140 في المناطق القروية المحرومة). وأدى ارتفاعها عند الذكور مقارنة مع الإناث إلى إعادة التوازن النسبي لبن الجنسين. وشيئا فشيئا دخل التخطيط العائلي سلوك الناس. وفي يوليوز 87 صدر مرسوم يلغي قانون 1939 المضاد لتحديد النسل ويضفي الشرعية على الإجهاض في حالة تهديد حياة وصحة الأم. وتضاعفت الزيارات إلى 457 مراكز للتخطيط العائليين 1977 و1986 لتبلغ قرابة المليون. كما تلقت 340338 امرأة حبوب منع الحمل ستة 1986 وهذا ضئيل جدا مقارنة ب 4.5 مليون امرأة القادرة على الإنجاب غير أن الإستطلاعات تظهر موقفا متزايد التأييد لتحديد النسل خاصة بعد الطفل الرابع. وإن كانت 46% من الحضريات و28% من القرويات معنيات إلى هذا الحد أو ذاك فإن 85% من النساء و71% من الرجال لن يعترضوا مادامت مصاعب الحياة اليومية قد غيرت العقليات.

صرحت 24% من النساء في استطلاع للرأي برغبتهن في تمديد الفاصل بين ولادتين إلى أكثر من سنتين، كما أن ألف من ألفين شاب عبروا عن رغبتهم في عدم تجاوز طفل أو طفلين في حين يرغب 25% منهم في أكثر من 4. وكالعادة ليس لنساء التعليم العالي سوى 2.7 طفل في حين مازالت للأميات 6.92 مما يجعل أفولا للولادة يلوح في الأفق. ومن جهة أخرى تراجع سن الزواج ب 5 سنوات ما بين 60 و1982 وتضاعف عدد العزاب 7 مرات ليبلغ 68% لذوي 16-35 سنة في المدن الكبرى كالدار البيضاء والرباط حيث يتركز عزاب البلد. وليس هذا دوما بخيار لدى الرجال فثقل المهر وقلة المال والبطالة (27% من العزاب عاطلون)، وامتداد الدراسة (28% من العزاب هم طلاب) هي الأسباب الرئيسية، خاصة أن 59% برفضون الزواج بالمطلقات و70% يشترطون البكارة. أما بالنسبة للنساء فإن 71.4% ممن تجاوزن 25 سنة هن من طالبي الشغل في حين أن المثقفات والأطر يعرقلهن عدم استقرار الزواج. ومن جهة أخرى تسير النساء 17.2 من الأسر المغربية (20.9 في المدن و13.9 في القرى). وهذه نسبة ضخمة. وغالبا ما تكون ربات البيوت هذه مطلقات(64.1 من ذوي هذه الوضع نساء) أو أرامل (90.3% من النساء) كما أن 93.2% أميات و 53.3% غير نشيطات. لكن رغم صعوبات الشروط اليومية فإنهن يتدبرن أمرهن لدرجة بلوغ مستوى عيش يفوق 10% مستوى نفس الشرائح الإجتماعية. مازالت نساء الشعب بفقرهن وحرمانهن ذلك العرق العملاق الذي وصفته المرنيسي والمثير لحسد بعض البرجوازيات حتى أن 43% من الرجال يرون من الضروري أن تكون الزوجة مشتغلة. وتعارض 86% تعدد الزوجات وتؤيد 87% الإختيار الحر للشريك. كما أن كلا الجنسين يمنح الأولوية للتفاهم (33%) والإحترام (26% والوفاء (53%). غير أن المفارقة هي أن فتيات أقل من 20 سنة هن المحافظات أكثر.

بأحد الأحياء المهمشة بالبيضاء عبر تلاميذ من الثانوي عن مشاكلهم العائلية وخوفهم من المستقبل واعترفوا بتناول المخدرات. وتشتكي الفتيات من مواقف الآباء المحافظة: فبعضهن تعرض للضرب لإرتداء السروال أو استعمال مواد التجميل ويطالبن بمشروعية حقوق النساء ويعتبرن أن هناك قيودا تجرهن إلى الخلف ويكشفن عن رغبتهن في العمل. وهذا ما يرفضه الفتيان بدعوى البطالة. وتبدو العلاقات دوما بين الجنسين معقدة. وأحيانا ينظر إلى الإختلاط كمعاناة فهو لم ينغرس كليا في العقليات. ويتسم سلوك الشباب بالعدوانية إزاء النساء في حين تبدي هذه حيوية كبيرة وتعطشا للتغيير ويتخذن، بفعل صعوبة مرحلة الإنتقال، مواقف تكتم أو استفزاز.

أما الفتيان المراهقون فلا يسيطر على أذهانهم سوى خارج البلد وهي رغبة تحتد بقدر ما تعرقلها صعوبات الحصول على جواز السفر وتأشيرات دخول أوروبا.

وفعلا البطالة هي المشكل الكبير وتقدر رسميا ب17% في الوسط الحضري و 6.6% بالوسط القروي من أصل ساكنة نشيطة تمثل 30% من المجموع. لكن البطالة تمس أساسا النساء (24%) والذين يتراوح أعمارهم بين 15 و19 سنة (25%) وفئة 20-24 سنة (18%). ويسرعها التركيز الجغرافي للأنشطة وتصنيع الزراعة وتنامي العمل غير المنظم ليبلغ حسب البعض 67.3% من مناصب الشغل. ويؤدي غياب استثمارات الدولة التي كانت غالبة حتى حدود 1976 (76.41%) وخفضت منذ 83، إلى عودة واضحة إلى المهن التقليدية الصغيرة نظرا لغياب آفاق وأيضا لمواربة دولة تحول دورها من التوزيع إلى النهب. لكن مما أضحى جليا، خاصة منذ 1985، بطالة الأطر واتخذ المشكل حجما كبيرا لما تراكم منهم 100 ألف ما يستدعي إنشاء المجلس الوطني للشباب والمستقبل وهو المجلس الذي خصص له الملك خطابات عديدة كما لو أراد أن يجعل منه إنجازه الكبير لتلك السنوات. وقد ارتأى هذا المجلس أن بإمكانه تشغيل 85 ألف: منها: 37 ألف في الجماعات المحلية و24 ألف في الدولة ونفس العدد في القطاع الخاص لكنه فشل في ذلك. فالجماعات إن شغلت ذلك العدد لن تتمكن من الإستثمار والدولة يمنعها التقشف المراقب من الهيئات الدولية من التشغيل سوى في الأمن (لا توفر الدولة سوى 10 ألف منصب سنويا) أما القطاع الخاص فقد كشف عن عجزه. بعد أن أثقلتهم الوعود، يؤسس العاطلون جمعيات ويعتصمون ويتظاهرون ويحتجون. لكن كيف يمكن توفير مناصب شغل دون نمو أو بنمو متجه إلى الخارج وفي مجتمع متعدد السرعة؟.

أقام المجلس الوطني للشباب والمستقبل أوراش تكوين (لفائدة 16% من العاطلين نصفهم نساء اشتكين من ضعف إشراكهن وأبدين تعطشا لمغادرتها أكثر من الرجال). وبعد أن حمل المسؤولية للتوجهات الفاسدة لسياسة التعليم وقام بدراسات وتلمسات إتجه المجلس الوطني للشباب والمستقبل نحو نشاء مقاولات (تكون النساء في طليعتها). أما الدولة فبعد أن استنفدت كل الوسائل قررت أن تحيل على التقاعد كل موظف تجاوز الستين.

تمايزات اجتماعية كبيرة

هكذا صادق البرلمان في نهاية 91 على مشروع قانون حول حقوق المرأة الموظفة يمكنها بعد 15 سنة من الخدمات، من ترجيح حقوقها في التقاعد مع إعانة أولية. لكن علاوة على ذوي الشهادات تقدر طلبات الشغل الإضافية بما بين 268 ألف و 450 ألف فكيف يمكن امتصاصها؟

لقد سبق منذ سنوات 70 أن نبه المختصون في الإقتصاد وعلم الإجتماع، إنطلاقا من المؤشرات المتوفرة. لكن لم يجدوا آذانا صاغية.

هكذا لم تتوقف الهوة عن الإتساع في بلد مطبوع بتمايزات اجتماعية حادة حيث يتعايش فقر فظيع وغنى فاحش. عام 1985 تنفق 20% من الأسر الأكثر غنى 37.9 من الدخل الوطني (5.85 الأكثر حظوظا يستهلكون منه 21.51%) و20% الأكثر فقرا لا ينفقون سوى 9% (منهم 13.70% لا ينفقون سوى 3.05%). أما الطبقة الوسطى فهي تنسحق وأصبح المال وحده من بين القيم هو المعترف به وأشكال التضامن تخبو والتهميش يطال كل من يعجز عن المقاومة. ويمثل السكن رغم كونه مؤقتا ربع الدخل: 60% إلى 90% من المساكن القروية و20% من الحضرية تعتبر غير صالحة للسكن. ونصف الأسر تتكدس في غرفة أو غرفتين. هذه كلها هي أسباب انفجار فاس في دجنبر 90. فاس هذه التي يقطن 200 ألف من سكانها (700 ألف) دور صفيح. وحيث 90% من أرباب العمل لا يؤدون الحد الأدنى للأجور. وتؤكد هذا الواقع كل الأبحاث، ومنها الذي قام البنك العالمي في 90-1991 حول 3400 أسرة. لكن المغرب، رغم غياب أي سياسة اجتماعية ناجحة ودائمة، يصمد أكثر من بلدان أخرى بفضل وجود دينامية ومهارة في تدبير الأمور. غير أن عددا كبيرا مما كان قبل 20 سنة يوجدون في أوضاع هشة يرفضونها وتجعلها الهوة بين الأغنياء والفقراء والمضاربة العقارية غير مقبولة. وهو ما دلت عليه مظاهرات بالدار البيضاء في 88-1989.

لم تتراجع الأمية بما يكفي. فالمدرسة عجزت دوما عن استيعاب النمو الديمغرافي فحسب حولية لعام 1984 مازال 66.4% من الرجال و 90.2% من النساء أميين والتراجع طيلة عشر سنوات لم يتعد 10%. والفروق الجهوية هامة ففي المدن 50% أميون، غير أن القرى تجر المغرب إلى الخلف إذ تبلغ نسبة الأمية حتى بين الأطفال 10 إلى 14 سنة 82.8%. وحتى العدد الإجمالي للأميين تزايد ليتخطى 9 مليون ولا وجود سوى لحملات ضعيفة لمحو الأمية. ويشجع استمرار الظاهرة على الأطفال: في 86-1987 أعتبر كنشيطات من فتيات 7 إلى 14 سنة 31% بالقرى و4.2% بالمدن. كما أن فضيحة ربات البيوت الفتيات مازالت قائمة. هذا مع أن التمدرس يمثل دوما مجهودا جبارا رغم إنخفاض نسب الأرقام منذ 83-84 حيث نزلت ب 200 ألف ما بين 85-1987 وأصاب العطب النظام التعليمي وتكاثرت حالات مغادرة الدروس وتكرار الأقسام. فقط 50% إلى 60% من فئات الأعمار هي المعنية في تعليم إبتدائي يشمل عام 87-1988: 2182348 تلميذ منهم 807221 فتاة (بزيادة 300 ألف في عشرين سنة) تمثل 38% من العدد الإجمالي ويضم الثانوي 1348670 مراهق. منهم 515410 فتاة (40.3%). أما التعليم العالي فبضم 150 ألف منهم 35% من البنات (55018) علما أن عددهن تضاعف منذ 1982. ومازالت البنات يلجن المدرسة بأعداد أقل: 21% من المجموع، مما يمنح شهادات دامغة عمن تعرضن للإهمال، لكنهن يستمرن بها بشكل أفضل ويتقدمن. لكن الفضيحة هي حالة أطفال القرية.

18.7% يظلون في الابتدائي و9% فقط ضمن أعداد الثانوي. وعلى الخصوص الفتيات حيث 17.2% فقط منهن متمدرسات 296000 يذهبن إلى المدرسة مقابل 56833 عام 1971 وهذا هزيل جدا بعد 30 سنة من الإستقلال! ولا يمكن للتكوين المهني الذي يضم قرابة 90 ألف فتاة أن يسد هذا النقص في التعليم لكن الجديد، علاوة على التعاونيات المألوفة: الزرابي والخياطة والأقمصة ، هو أن النساء إقتحمن المراكز النموذجية التابعة لوزارة الشؤون الإجتماعية ومكتب التكوين المهني المحدث عام 1978 واحترفن بها مهن الرجال: الإليكترونيك –الكهرباء –البناء –النجارة. إنن النساء اللواتي توقفن عن الدراسة في الإبتدائي أو بداية الثانوي هن اللواتي وجهن نحو المؤسسات ونحو النوادي (التابعة للشبيبة والرياضة) حيث برهن على ضراوة في التعليم والعمل. لكن تطورهن يتوقف ما أن يبلغن مستوى العاملة المتخصصة أو المراقبة نظرا لنقص تعليمهن ولكن أيضا بفعل غياب منافذ شغل مادامت الصناعة هي أساسا Sou-traitance. هذا المغرب الجديد هو أيضا على وجه الخصوص مغرب تعمل فيه النساء.

فكم هن؟ تتراوح الأرقام حسب المقاييس المعتمدة: إعتبار مختلف العناصر كالقطاع الغير المنظم والعمل الموسمي وأيضا حسب أنماط الحساب وإدماج الزراعة حيث يتم ترتيب 5.8 مليون من النساء شطرين: الأول يضم 2.6 مليون في البيت والثاني 2.3 مليون مساعدة عائلية. 507610 يعتبرن كنشيطات في الزراعة منهن 371925 مأجورات في الإنتاج الزراعي و 125757 في الإنتاج غير الزراعي و35349 عاطلات. والواقع أن النساء هن اللواتي يعملن ويتسوقن بنسب 60% في المحاصيل و70% في أشغال إزاحة الأعشاب الضارة و50% من الغرس وهن اللواتي تضمن استمرار الزراعة العائلية الصغيرة في حين تفرغ الهجرة والرأسمالية الكبيرة الأراضي من الرجال.

حشــر وجـذب

رغم غموض الأرقام يبدو من المقبول اعتبار ثلث النساء بالمدن نشيطات. وتعد النساء العاملات بما بين 900 ألف و 1.2 مليون أي 30 إلى 35% من قوة العمل. ولهن حضور بكافة فروع النشاط لكن بالدرجة الأولى في الصناعة حيث يبلغن 318029 امرأة من أصل 865312 عامل. وتشتغل 291229 منهن في النسيج أي بالنسبة 63% وبعده الصناعة الغذائية والتعدين والميكانيك. أغلب النساء عاملات يدويات لكن العاملات المختصات يشكلن 39.4% من مجموع و3% من مستخدمي التأطير نساء. أما قطاع الخدمات فهو مؤنث بنسبة 38.9% وبه 300 ألف امرأة نصفهن في الواقع خادمات بيوت (37% من مجموع النساء العاملات) لكنهن تبلغن 65392 بالإدارات. وأكثر من 40 ألف في التجارة و 17101 في البنوك والتأمين وفي هذه الفروع هناك 25% من مستخدمات مكاتب وأعدادا من السكرتيرات وعاملات القسم الهاتفي لكن فقط بعض الأطر المتوسطة و 0.9% من الأطر العليا.

لقد نفذت النساء بصورة مثيرة إلى الوظيفة العمومية: فهن يمثلن 30% من العاملين مقابل 16.6% عام 1979 و28.5% عام 1982. كما ارتقين شيئا ما في التراتب الإداري. ويشمل حضور النساء كل القطاعات (464) بالشرطة عام 1990) لكنه مركز خاصة بالتعليم أكثر من 50 ألف (33.2% من مدرسي الإبتدائي، 30.1% بالثانوي و 35% بالعالي) وهو رقم تضاعف مرتين من سنوات 70 في الإبتدائي و3 مرات في العالي. أما بالصحة فالنساء 31.6% من الأطباء و 41% من الصيادلة و 45.6% من مستخدمي الصحة وقرابة كل مستخدمي القطاع شبه الطبي. وفي القضاء يمثلن 34% من القضاة و 15% من المحامين. كما اجتاحت النساء المهن المسماة علمية أو ليبرالية سواء في القطاع الخاص أو العام: بلغن بها 80708 عام 86 أي 28.1% من المجموع و3877 مشغل أي باترون. لكن المأجورات لا يتجاوزن ثلث العاملات بالمدن ويعملن خاصة بالنسيج في حين تعمل 54% منهن بالبيوت. ومنذ نهاية سنوات 80 تقلص العمل المأجور وأعيق الطموح الجامح إلى الإندماج المهني والنساء بالمعامل مؤقتات دوما وغالبا بأجر يومي ولم تتجاوز المسجلات منهن بـ[الصندوق الوطني] ـالضمان الإجتماعي عام 1987 : 120731 علاوة على إقصاء عاملات الصناعة التقليدية وعاملات البيوت.

من بين865492 امرأة أعتبرت مشغولة عام 87 (بزيادة 8.7% مقارنة ب 1986) رتبت 152616 في البطالة (20.4%) و 24.7% أي 203904 في نقص الإستخدام و 9220 موسمية 10956 عرضية و84864 هامشية و4880 عير مصرح بهن. كما يقدر عدد النساء الممارسات لنشاط غير منظم بالمدن ب100419، وهو ما يفسر ضعف نسبة المنظمات نقابيا (الربع) وغياب تمثيلهن في الهيئات النقابية. ويقل عمر نصف هذه النساء عن 30 سنة وعمر أغلبهن عن 40 سنة ولبس ل30% منهن أي دبلوم ول 26.5% شهادة الباك و18.9% تكوين ثانوي 50.6% وحيدات (37.8% بالنسبة للموظفات)، منهن 53% مطلقات و17% أرامل و 23% عازبات و 29.5% متزوجات. وهذا واقع لا يجب أن تخفيه الحالات الناذرة: 3 مديرات بالإدارة المركزية عنصر أو إثنان بالسلك الديبلوماسي منهن ممثلة للمغرب بالأمم المتحدة (حليمة الورزازي) وزيرة مفوضة بالشؤون الخارجية وعميدة كلية وطيارتين وبضع مستشارات بلدية وبعض الجنديات بالصحراء. لكن النساء يرين أنهن يتقدمن أسرع من الرجال وهذا صحيح. وهن يلجن مهنا جديدة. سياقة حافلات النقل الحضري نقل البضائع بالهوندا واللحوم كما يتزايد ضمنهن عدد ممتهنات الفن والرياضة. بيد أن المشكل هو أن الأزواج بالمغرب رغم رغبته تمل النساء كل المسؤوليات، يرفضون اعتبارهن داخل الأسرة وبلا حياء يتفرجون على انسحاقهن بالعمل المنزلي.

إنهن جيل تمت التضحية به، يعشن ممزقات بين 3 أشغال: عاملات وأمهات وزوجات وهو حسب دراسة سعاد فيلال وفطومة بن عبد النبي وتريز بنجلون، ما يؤدي بعضهن ثمنه بجمود مهني وهذا حسب بنجلون نقصا في الدينامية وضعفا شديدا في الترقية وفروقات هامة في الأجور. ولا تغير النساء منصب الشغل بصعوبة فحسب بل أن حاصلات على الإجازة يقبلن العمل كسكرتيرات: إنهن يبخسن قدر أنفسهن وبعضهن يقبل الأيدي وأخريات يبرزن كل "عدوانيتهن في العمل" لاستحالة طريقة أخرى. ويصعب السير بالتغييرات في سياق أزمة الأسرة والمجتمع والاختيارات السياسية والإيديولوجية والقوانين التي لا توافق حاجيات الأشخاص. ومازالت مكانة النساء في المجتمع دون تبدل رغم جهودهن الإقتصادية… إن التحولات الإجتماعية لا نهاية لها. لكن من بداية 92 تسارع كل شيء. ولا يمكن طبعا فصل مبادرات الحركة النسائية عن السياق العام وهو سياق دستور جديد وحملة انتخابات لتبديل المؤسسات البلدية والتشريعية القائمة (الأولى منذ 9 سنوات والثانية منذ 8 سنوات). وقامت أحزاب المعارضة وفي مقدمتها الإتحاد الإشتراكي وحزب الإستقلال بتحالف مع منظمة العمل ثم التحاق الإتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب التقدم والإشتراكية بالمطالبة منذ 87 بمراجعة الدستور وهو ما أكدت عليه من جديد في أواخر 91، كما أكثرت من المطالبة بضمانات إنتخابية. وقد هزت كل هذه المبادرات الطبقة السياسية والإعلامية. وارتمت النساء في هذه الثغرة.

مليــون توقيــع

جاءت أول مبادرة من الجمعية الديموقراطية لنساء المغرب خلال مؤتمرها في نهاية دجنبر 1991 في الرباط حيث أحيت لجنة المغرب العربي –المساواة التي أنشئت قبل شهرين وذلك بدعوة جمعيات مغاربية. ومن هذه المبادرة خرجت مجموعة "المغرب العربي المساواة95" ب 15 عضو مؤسس: 3 جمعيات جزائرية: المساواة –الترقية –النصر. والنساء الديموقراطيات التونسيات وجمعية نساء تونس الجامعيات لأجل البحث والتنمية AFTURD والجمعية الديموقراطية لنساء المغرب وشخصيات نسوانية مستقلة، عالية شمري وسعاد تربكي من تونس أيمن حايف ووسيلة تمزالي من الجزائر والشريفي العلوي وفريدة بناني ونديرة بركليل وربيعة الناصري من المغرب وترك الباب مفتوحا لجمعيات وشخصيات أخرى.

ويجب الإسراع لبلوغ الهدف الأساسي وهو الإعداد للندوة العالمية الرابعة للأمم المتحدة حول النساء التي ستقوم بوضع الحصيلة بعد 20 سنة من نيروبي. وفي يناير عقدت لجنة إلغاء التمييز ضد النساء اجتماعها في 11 يناير بنيويورك. لكن علاوة على الجهود لحمل حكومات المغرب العربي على قبول كامل لاتفاقية كوبنهاغن حددت المجموعة كهدف بلوغ "المواطنة الكاملة" ووضعت برنامجا يرتكز أساسا على إعداد تشريع موحد وبديل ودون أي تمييز ولم يترك نداء المجموعة مجالا للإبهام "لا وجود لإتحاد المغرب العربي دون نساء ودون حقوق الإنسان" وهو بذلك يسعى للضغط على الهيئات المغاربية لتطبيق الإتفاقييات الدولية وخاصة إتفاقيات كوبنهاغن وتعد بتهيء كتب بيضاء حول كل المسائل المرتبطة بحقوق النساء. وعلاوة على الجهود لتغيير التشريعات في اتجاه المساواة نادت المجموعة بتغيير العقليات لأجل علاقات أسرية وبالمشاركة في الحياة المدنية والسياسية والإقتصادية وبالتضامن والتعريف بأنشطة المنظمات غير الحكومية ونضالاتها بخلق نقاشات وحركة فكرية. وتؤكد المجموعة أن "بانسجام الاجتماعي مهدد باستبعاد أقسام واسعة من المجتمع".

وعد الملك في خطاب العرش بتعديل الدستور. وفي نفس الحين أطلق اتحاد العمل النسائي النشاط الأكثر إثارة في تاريخ نساء المغرب: عريضة مطالبة بتغيير المدونة (الهدف = مليون توقيع) مما يضعه لمدة طويلة في طليعة الحركة النسائية المغربية. وقد صدر القرار في إطار يوم دراسي حول المرأة والديموقراطية والمجتمع المدني. وفي 5 مارس بعث إ.ع.ن. رسالة إلى رئيس البرلمان ورؤساء الفرق البرلمانية والأحزاب السياسية (التي لم تكلف نفسها عناء الجواب). وفي ندوة صحفية يوم 7 مارس أعلن اتحاد العمل النسائي والتنظيم النسوي لمنظمة العمل وجريدة 8 مارس بداية العريضة. وكانت التغييرات المطلوبة كما يلي: إلغاء الوالي والإعتراف برشد المرأة كاملة في 21 سنة كما جاء في الدستور والإعتراف بمسؤولية الزوجين في الأسرة وليس رئاسة الزوج لها وتنظيم الأسرة على قاعدة مساواة كل الأعضاء في الحقوق والواجبات. حق المرأة في الإحتفاظ بالأبناء وبيت الزوجية في حالة الطلاق وضع الطلاق بيد القضاء. إلغاء تعدد الزوجات أو مراقبته. وبكل حكمة لم تمس النسوانيات الإرث الذي ظل موضوعا محرما وحاولنا وضع التغيرات المطلوبة في إطار تأويل جديد للقانون مرتكز على الإجتهاد وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة. وكان الأثر على الرأي العام فوريا خاصة مع عقد تجمعات خطابية مختلطة في كل كبريات المدن.

نساء المغرب والسياسة

يوم 20 مارس قامت الجمعية المغربية الديموقراطية لنساء المغرب، التي ذكرت في ندوتها ليوم 8 مارس أن حقوق النساء لا تفصل عن حقوق الإنسان، بتنظيم لقاء في الدار البيضاء حول "نساء المغرب والسياسة رهان نهاية القرن". وناشدت السلطات العمومية والأحزاب ووسائل الإعلام والجمعيات الحقوقية والنساء حول فضيحة غياب المرأة من المراكز المسؤولية والتشريعية والتنفيذية وتهميشهن السياسي. وتكونت لجنة متابعة طالبت بمراجعة الدستور في اتجاه تدعيم المساواة وأسبقية القوانين الدولية على القوانين المحلية وكدا إرسال سلطة طعن قضائية لمراقبة دستورية القوانين. وقد ناشدت هذه اللجنة، المسماة باللجنة الوطنية لمشاركة النساء في الحياة السياسية، الأحزاب بتحسيس الناخبين وتجنيد النساء وترشيحهن في الإنتخابات القادمة. كما قامت بحملة توقيعات وتساءلت "أليس وهما السعي إلى دمقرطة المجتمع في حين يبقى نصفه في وضع دوني" وطالبت اللجنة دون نجاح بتخصيص حصص للترشيحات النسوية وبتنازلات لصالح المرشحات بل وحتى بترشيحات نسوية مشتركة بين الأحزاب المعارضة. وهي تطمح إلى الإندماج "في المعركة اليومية لتوسيع الحريات الفردية والجماعية ولأجل إرساء دولة القانون".

هكذا هجمت الحركة النسوية في جبهتين. الجميع متفق على نقد رفض مناقشة المدونة "الرجعية وغير الملائمة لتحولات النساء والمناقضة لروح ومقتضيات الدستور "الجميع" متأسف على نقط ضعف حركة نسوية ضلت عاجزة عن القيام بأنشطة موحدة وتقديم برنامج مشترك ومنسجم" فما المانع من القيام بعمل مشترك؟ ذلك ما تم فعلا خلال ندوة عقدت يومي 18-19 أبريل وبحضور أغلبية المنظمات النسائية وتنظيمات الأحزاب تكونت "لجنة تنسيق وطنية لتغيير المدونة وللدفاع عن حقوق النساء" كان موضوع اللقاء هو "المدونة بين النص والواقع" وتلك كانت واجهة النضال الأولى. وتقرير وضع مشروع بديل مختصين وجمعيات حقوق الإنسان. ورغم الإجماع حول عدم مطابقة المدونة للمبادئ الأساسية للتشريع وللدينامية الإجتماعية والنصوص الدولية والحوار بروح التسامح فقد برزت خلافات. وكانت الإستقلاليات والإتحاديات يواجهن تحفظات أحزابهن وانسحبت الإستقلاليات من التنسيق الذي التحق به لجنة المرأة العاملة التي تكونت في الإتحاد المغربي للشغل والباحثات والمحاميات الشابات. ووجهت نداءات عديدة إلى كل الديموقراطيين في إطار التعبئة لعريضة المليون توقيع.

كما قررت لجنة التنسيق مشروع برنامج آخر: اقتراحات حول الإصلاحات الدستورية وكان الإحتجاج يدور حول الفصول 5 و8 و12 و13 وتتساءل لجنة التنسيق أليس الفصل 8 حول المساواة في الحقوق السياسية ناقصا؟ وتطالب بتشجيع دستوري على المستويات الأخرى وبتوضيحات فيما يخص حقوق العمل والتعليم والتنظيم وحرية التنقل وولج الوظيفة العمومية. وذلك أخذا بالاعتبار التناقضات مع بعض الفصول المدونة. وتسعى لجنة التنسيق إلى تغليب الدستور على النصوص الأخرى وإلى تضمينه مقتضيات تشجع المشاركة السياسية للمساء. وإلى تغليب القوانين الدولية على القوانين المحلية: وتطالب بإنشاء مجلس لحقوق النساء ومقتضيات لتشجيع ترشيحهن في الإتنخابات".

إنطلقت الحركة إذن. وفي خضمها ظهرت منظمات نسوية جديدة. فتأسست الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يوم 2 أبريل وكانت مرجعيتها الأساسية هي معاهدة كوبنهاغن غير أنها تسعى أيضا إلى تشجيع البحث والإعلام وتوجيه سيرورة النمو والنضال ضد كل أشكال التمييز وظهرت أيضا الجمعية المغربية للنساء التقدميات وهي قريبة من التيارات الماركسية اللينينية وتضم عاملات وأسر المعتقلين السياسيين وتندرج في إطار الحركة النسوية السياسية. وهاتين الجمعيتين بدأتا بالتكون منذ أندية محو الأمية ومنها إنحدرت مناضلاتها وهي تعلن إستقلالها عن أي تيار سياسي.

إزدهار الجمعيات

وظهرت جمعيات أخرى غير سياسية مباشرة: جمعية النساء الفنانات بمبادرة من لطفي التوجاني ولجنة النساء الصحفيات المتولدة عن الفرع المغربي للجمعية المهنية الإفريقية للأنصال ومجموعة "تنبث" حول طالبات الآداب والحقوق بكلية مكناس (وهي مجموعة أبحاث ذات ميول أمازيغية) وجمعية فضاء –نقطة إنطلاق. التي أنشئتها فطومة بن عبد النبي لتشجيع المقاول النسوية وتضم أرباب عمل نساء ونظمت في فبراير ندوة حول دور النساء المقاولات في الإقتصاد المغربي. ثم جمعية النساء المعوزات والأطفال المتخلى عنهم (بهدف تقديم العون بدور الولادة والبيوت وبالشارع) وجمعية نساء وشباب في البيئة المغربية التي أسستها نفيسة السباعي لتشجيع المبدعين الشباب الخ. كما أقيمت شتى أنواع مشاريع الإحسان من قبيل: خلية إصغاء للنساء المعوزات والعازبات ورياض أطفال ومشاريع للبحث الإجتماعي ومراكز مهنية ووقاية وتخطيط عائلي ومساعدة مدرسية وندوات إنشاء المشاريع ووضع اللمسات الأخيرة عليها وتعاونيات تربية النحل وصيادات المحار وصناعة الزرابي ومشاريع زراعية مندمجة للنساء القوميات مع تفكير من إنشاء وكالة إنعاش لهن. الخ.

والواقع أن كل هذه الأنشطة تهدف سد عجز الدولة بواسطة دعم المنظمات الدولية. وظهرت بوزارة الشؤون الخارجية خلية للتنمية وإدماج المرأة بهدف تنسيق أنشطة المصالح المهتمة بمساعدة النساء ولدعم أعمال الجمعيات النسائية وعلى الخصوص لتوفير ما تطلبه هذه الجمعيات من مساعدة دولية. وهكذا تسعى الوزارة للإشراف على كل شيء لتوجيه مقدمي المساعدات وقامت بنشر كتاب لتبرزان الدولة خلافا لما يقال لم تبق نائمة. لاشك أنه لم يسبق لمسألة النساء أن احتلت مثل هذه المكانة في الأحداث اليومية وتكاثرت المقالات بالصحافة. وحتى مولاي أحمد العلوي مدير لوماتان المعبر عن رأي الملك كتب يقول:"لابد من ملائمة بعض مقتضيات المدونة مع روح الدستور." وقعت الأحزاب السياسية في الفخ. فأحزاب الأغلبية تحس مثل الدولة أن أن في الأمر أداة نجاح سياسي –انتخابي لا يجب الإبتعاد عنه مع التزام جانب الحذر وأحزاب المعارضة وقعت في مأزق صعب. ودخلت في صراع مع الحكومة حول القوانين الانتخابية وطلبت بتحكيم الملك وهي معه في مفاوضات صعبة وتجمعت في الكتلة انتزاع تنازلات من الإدارة يقابلها انقسامها حول مسألة النساء.

إن حملة المليون توقيع التي يتابعها إتحاد العمل النسائي بنشاط ومهارة عبر نقاشات مفتوحة وعمومية وتوزيع العرائض والنداءات في جريدة 8 مارس وأنوال وتكوين لجان حسب الأقاليم والأحياء والإدارات والمكاتب والإتصالات المباشرة بالبيوت والنقاشات المثارة في حافلات النقل العمومي والجامعات كلها تثير مراسلات هامة والتزاما تلقائيا لكنها لا توافق ذوق الجميع. فالحماس يهز الأطر من النساء والمأجورات والطالبات والنساء المتعلمات وحتى الأميات التي يعرفن مضمون النص بقراءة أطفالهن. لكن العلماء يهاجمون عبر الجرائد مثل الراية (بنكيران) والنور والصحوة (ياسين) وينعتون النسوانيات بالإلحاد ومحاربة الإسلام. كما أصدروا فتاوي: الأولى من طرف عالم مغمور ألقى اللعنات على النسوانيات وطالب بعقابهن ونادى إلى الجهاد ضدهن. والثانية جاءت من عضو بارز بجمعية العلماء وبتعابير أخطر إذ نادى الدولة مباشرة والوزير الأول ووزير العدل والبرلمان "لمعاقبة كل من يمس العقيدة الإسلامية في دولة لإسلامية". لقد وكل إلى فتيات الثانوي (وهو قطاع لم ثلجه النسوانيات لقوة الإسلاميين فيه) وأخذوا على عاتقهم تجميع 3 مليون توقيع. وردت نسوانيات بتهمة التحريض على العنف ضدا على قانون وتلقين دعم المنظمة المغربية لحقوق الإنسان التي احتجت على كون "بعض الأوساط ترى في تغيير قانون الأحوال الشخصية مسا بمقتضيات الشريعة الإسلامية. مما يعتبر ردة في الإسلام ومسا بالدين الرسمي للدولة المغربية. وهي وقائع تستلزم الحكم بالموت بعد اشتراط التوبة" وذكرت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان أنها طالبت منذ 18 مارس 90 بمشاركة أوسع وأقوى للمرأة المغربية في الحياة المدنية والعمومية ودعت إلى مراجعة كل عرقلة لها في النصوص التشريعية. واعتبرت المنظمة أن "المطالبة بمراجعة قانون وضعي ليس جريمة بل حق يضمنه الدستور والإتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب" أما الفتاوي فهي "محاولة إرهاب فكري غير مقبولة وتجاوز للقانون واغتصاب للسلطة القضائية" وأكدت المنظمة مطالبها، في خضم إصلاح المدونة، بإصلاح مقتضيات القانون التجاري المناقض لعمل المرأة.

الخــصـوصيــات.

أهو ضروري هذا الهيجان في مرحلة سابقة للإنتخابات؟

ألا يقسم ذلك المعارضة خاصة وأن الملك قال بوجوب مناقشة المطالب المعقولة للنساء وكلف رئيس البرلمان ووزير العدل بدراسة مشاريع قوانين إصلاح. وهي مشاريع تهم أساسا احتفاظ المرأة ببيت الزوجية في حالة الطلاق وقيام هذا الأخير على اتفاق متبادل وكذا الإحتفاظ بالأبناء. بقي حزب الإستقلال حيث مازالت الإيديولوجية السلفية قوية، ضد كل هذا الهيجان رغم أن منظمة المرأة الإستقلالية منقسمة. أما الإتحاد الإشتراكي فمتردد خاصة وأن العريضة بلغت المليون توقيع في بضعة أشهر وهي علاوة على ذلك توقعات من الجنسين. لكن يمكن أن نرى في الأمر انقساما اجتماعيا فالشرائح الشعبية والبرجوازية توقع العريضة بسهولة في حين تبقى الطبقات المتوسطة موزعة. هذا علما أن الإتحاد الإشتراكي يضم خاصة الطبقات المتوسطة. وقد عبر عبد الله إبراهيم كاتب الإتحاد العام للقوات الشعبية عن هذا الميل بصراحة: "هناك طريقتين لتناول مسألة النساء إحداهما تقدمية تدرجها في النضال العام لأجل مستقبل أفضل للمجتمع كله وأخرى برجوازية صغيرة تعطي الأسبقية للمطالب الخصوصية قبل النضال العام مما يضعف هذا الأخير". لكنه يعترف بالتغيير الحاصل وبالهوة بين القانون والممارسات الإقتصادية والإجتماعية وباختلال مصطنع سببه عدم مشاركة النساء في الحياة السياسية وبمشاكل ناجمة عن سوء معاملة الرجال للنساء. لكنه يضيف "إن الفقر هو في الأوساط الشعبية مصدر كل الشرور أما الأوساط البرجوازية فلا شك أن بها تراجعا أخلاقيا "كما لا توجد حركة تحرر سياسية جدية" طبعا شاركت النساء في المقاومة لكن هذا لا يماثل عملا سياسيا بوعي وتخطيط وأن تراجع الحضور النسوي في أنشطتنا دليل غياب تقاليد سياسية. غير أن المجتمع ليس جامدا والمشاكل تتحسن وتتفاقم في ذات الوقت وتوجد نساء مستقلات ومتحررات لا يمكن لأي رجل أن يعرقل مشاركتهن. "إنه إجمالا النضال العام دون خصوصيات لأنه "لا يجب جعل المسألة النسوية مبررا للتقسيم" ولا يفكر الإتحاد الإشتراكي وحزب الإستقلال بطريقة مغايرة حتى وإن كانا لا يصرحان بذلك بنفس القدر من الوضوح.

يعتبر الإتحاد الإشتراكي "مسألة النساء بمثابة الحلقة الضعيفة في المجتمعات المتأخرة تاريخيا. ".ويحارب الحزبان الضغط منظمة العمل لتعيد النساء إلى النظام. لكن دون جدوى مما حدا بهما إلى إعادة تحريك لجنة تنسيق التنظيمات النسوية للأحزاب وابتعدت نساء الإتحاد الإشتراكي عن لجنة التنسيق. واجتمعت هذه بمقرات المنظمة المغربية لحقوق الإنسان لحضور ممثلتين عن كل جمعية ومختصة في القانون (فريدة بناني) هي من أعد أحسن أطروحة بالعربية حول المدونة واضافت إلى شخصيات أخرى وبدأ العمل في وضع مشروع نص بديل وخطة عمل. وكموجة ردت لأمد طويل، انبجست المسألة النسوية من كل مسام المجتمع وجرت نقاشات بالتلفزيون عبرت فيها المناضلات عن رأيهن. ورفعت امرأة مجهولة لافتة بها نريد قانون الإسلام" وأبرزت وهي تفسر حالة الطلاق، صعوبة الحصول على النفقة. وجرى سيل من الحكايات المعاشة في الصالونات والمكاتب من قبيل حكاية فتاتين من بنات شخصيات مرموقة في الدولة لم تتمكنا من حل مشاكل طلاقهن لرفض أزواجهن إلا بعد أن تدخل آبائهن لدى الملك شخصيا. إن مثل هذه الحالات ذات القيمة الرمزية تلفت الأنظار إلى تعثر الآلة القضائية عند اعتراض الزوج وإلى عدم ملائمة الأساليب التقليدية في التفاوض بين الأسر. وبعد حلوله مكان عبد الرحيم بوعبيد أكد عبد الرحمان اليوسفي ضرورة احترام الإتفاقيات الدولية حول حقوق الإنسان والإنكباب على حقوق النساء. وعند وفاة ثريا السقاط اجتمع على قبرها زعماء الحزب ومسؤولات المنظمات النسوية لإلقاء خطابات غير مألوفة. أما منظمة المرأة الإستقلالية فقد نظمت في نهاية أبريل نقاشا حول "المرأة المغربية والقانون" وبعد المرافعات حول الجانب المحرر للنساء في الإسلام تواجه موقفان يدافع عنهما زعماء الحزب، يرى الأول أن النصوص المستوحاة من القرآن لا تقبل المساس ويرى الآخر ضرورة تغيير المدونة لأن "كل شيء يتطور". لكن الأمر هنا يتعلق بخطابات رجال. وقد صرح 150 استقلالية، مجتمعات في مجلس وطني بموافقتهن على ما تقوم به النسوانيات ويقال أنهن تعرضن لضغوط غير أن هناك إجماع حول نقاط من قبل المشاركة السياسية المتنامية للنساء خاصة على مستوى الجماعات البلدية والمحلية وحتى في البرلمان. وقدمت تنازلات حول الإستقلال المالي للنساء وتغيير أساليب الطلاق. كان حزب التقدم والإشتراكية في وضع أفضل بفعل الجمعية الديموقراطية لنساء المغرب ومع ذلك أكد بعناية الفرق بين الجمعيات النسائية والجمعيات النسوانية. إنه واقع مجتمعي، هذا ما يؤكده علي يعتة وهو يقوم بحملة تحسيس لإشراك المرأة في الإنتخابات المقبلة داعيا النساء إلى دخول المعترك السياسي وكتب ندير يعتة بالبيان "يستحق الواقع النسوي التشجيع لأنه يعكس تحولا سياسيا عميقا: المشاركة النسائية المتزايدة في النسيج المجتمعي. "واجتمعت لجنة المتابعة للمشاركة السياسية للنساء 400 توقيع (منها 43% للرجال) شملت قادة الأحزاب والجمعيات النسائية ومنظمات الشباب والفنانين والصحافيين وأعضاء المهن الحرة.

تدخـل الملــك

وُجهت دعوات مختلفة لتوسيع مجال العمل وتعبئة مختلف الحساسيات واقترح حزب التقدم والاشتراكية على شركائه السياسيين جعل المعارك الإنتخابية مناسبة للدفع بقضية النساء خاصة على المستوى القانوني ووضع ميثاق شرف وبرنامج حد أدنى. ويتضح أن النساء سائرات في تكوين قوى ضغط داخل الأحزاب. بل أن الصحيفة فاطمة العلوي قررت إنشاء حزب الخضر ووضعت قوانينه في يوليوز دون أن تحضى بالترخيص.

وفي وقت تركز فيه الإنتباه على المواجهة بين الحكم والمعارضة حول الانتخابات صدر مقتضى تشريعي مرتبط بهذه الإتصالات يعترف بحق التصويت في 20 سنة وبرشد للجنسين يتجاوز الإطار الإنتخابي. أطلق الحسن الثاني في 29 يوليوز حملة التسجيل في اللوائح الانتخابية واستغل المناسبة "ليشكر المرأة المغربية على مشاركتها" وأعلن أنه سيحدثها قبل الانتخابات عن مكانتها في المجتمع. وأورد حديثا نبويا عن تساوي المرأة والرجل في الحقوق وقولة محمد الخامس :"إن بلدنا ليست فيه المرأة عاملا فاعلا هو كجسد مشلول لا ينتظر منه أي شيء بناء". وهذا ما كرره بمناسبة 20 غشت واحتلت مسألة المرأة بارتباط مع إعلان الإستفتاء الدستوري كل الخطاب وصرح الملك بعد الإشادة "بالمرأة المغربية الزوجة والأم والبنت ":"سمعت شكايات في موضوع المدونة أو تطبيقها (…) أنها قضية من اختصاصي (…) فيا أيتها المرأة المغربية توجهي إلي أنا واكتبي إلى الديوان الملكي ويا أيتها الجمعيات النسوية وجهن ملاحظاتكن وانتقاداتكن وتظلماتكن وما ترين أنه يضر بالمرأة وبمستقبلها إلى ملك المغرب الذي باعتباره أمير المؤمنين له صلاحية تطبيق وتفسير الدين. اعترف الحسن الثاني بوجود ثغرات وتطبيق ناقص وأشكال تمييز غير عادلة لكنه حذر النساء من طرح هذه المشاكل في الحملات الإستفتائية والإنتخابية وأن تبقيها خارج الدائرة السياسية تفاديا لخليط تفجري كالذي شاهدته بعض البلدان والذي قد "يزعزع المجتمع المغربي وكخلاصة وعد باستشارة العلماء.

إنه الذهول والأمل في آن واحد. لكن خلال النقاش حول الإستفتاء الدستوري في 4 سبتمبر توارت قضية النساء وانقسمت الكتلة: فحزب التقدم والإشتراكية دعا إلى جانب أحزاب الأغلبية إلى التصويت بنعم بينما قررت باقي مكونات المعارضة المقاطعة. وصودق على نص الدستور بمشاركة 97.25% من 11 مليون مصوت وبنسبة 99.98% مصوتا بنعم. وفيما يخص النساء يكرر الدستور الجديد مقتضيات 1962 و1970 و1972 ويوم 9 شتنبر شكر الملك المغاربة ووعد أنه سيهتم أولا بالصحراء وبالنساء.

"سأعيد الحق للمرأة المغربية. طبعا سأطبق الشريعة الإسلامية لكن في بعدها المتسامح. سأعيد للمرأة حقوقها وأسهر على تطبيقها الصارح في اتجاه تدعيم أسس الأسرة" وعبر من جديد عن أمله في غياب أي سجال جنسوي قد يكرس التمييز بين الرجل والمرأة وأعلن عن تشكيل لجنة علماء لوضع إصلاح المدونة. واستقبل يوم 29 سبتمبر عددا من النساء: شخصيات مشهورة مثل حصار من حزب الإستقلال وعائشة الطراب و10 ممثلات للتنظيمات النسوية للأحزاب وليس للجمعيات و13 موظفة سامية و6 مكلفات بمهمة بالديوان الملكي والوزارات و13 مسؤولة محلية للإتحاد الوطني لنساء المغرب ورئيسته التي قدمت شخصيا ضيوف الملك ال44.

وكان أعضاء الحكومة حاضرين. وعبر الملك عن ثقته في المرأة المغربية وفي فضائلها وتمسكها بالأصالة وبالدين واعترف مجددا أن القواعد الأساسية في مجال التشريع لم تطبق وأن المرأة لا تتمتع بكامل حقوقها في إطار العائلي وأن الطلاق والحضانة والنفقة تؤدي إلى معاناة وأن حرية التنقل لا تحترم وأن للمرأة ما تقوله في موضوع تعدد الزوجات وأنه يجب استشارة القاضي. وأشار إلى الإجتهاد مؤكدا أن كل ما ليس ممنوعا فهو مباح ووبخ النساء: "تأخرتن في التعبير عن تظلماتكن ووعد بتعديلات ستدرسها لجنة العلماء. "سأبث في الأمر لكن لا تزجوا بالمسألة في المعركة السياسية" كما أنه قد يكون في مناقشات لم تنشر قد أثار خطر الإسلاميين وقد أعطت إحدى صحفهم الكلمة للأستاذ الخمليشي (الراية) ليعبر عن رأيه في الإصلاح إلى جانب رأي عالم يعارضه. أما المنظمات النسوانية فقد قامت بما فرض عليها: بعث رسائل إلى الديوان الملكي وانتظرت.

وألحت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مرارا في بياناتها المراجعة اللازمة لنص المدونة وأكدت أن الحوار يجب ألا ينحصر بين الفقهاء بل أن يشمل مختصين في القانون والإقتصاد والإجتماع ومنظمات حقوق الإنسان.

عقدت لجنة العلماء التي عينها الملك اجتماعها الأول يوم 15 أكتوبر وهي تضم علاوة على المستشارين للملك ووزيرين (العدل والحبوس) عضوا بأكاديمية المملكة و4 أعضاء بالمجالس الجهوية للعلماء و4 أساتذة في العلوم الدينية ورئيس جامعة القرويين والكاتب العام للمجلي الإستشاري لحقوق الإنسان وقاضيين ساميين و3 أساتذة قانون منهم الخمليشي وكذا امرأة واحدة شبيهنة حمدات وهي مكلفة بمهمة في الديوان الملكي. بعد يومين طالبت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بتوسيع اللجنة ونادت بوضع تشريع مساواة جديد يضم إلى جانب أمور أخرى إلغاء مقتضيات التقيدية بقانون الإلتزامات والعقود. ولم تكن هناك ردود فعل أخرى.

صحيح أننا في معركة انتخابية معركة الانتخابات الجماعية لـ16 أكتوبر. فهل ستستفيد النساء أخيرا من الإهتمام الذي يمنح لوضعهن؟ لا شيء من ذلك خلافا لما يضنه الكثيرون بعد خطابات الملك ونداءات الأحزاب السياسية فضمن 22562 مقعدا يتنافس عليها 93 ألف مرشح لم يكن هناك سوى 1086 مرشحة. ما يقل عن 1983 (15502 مقعد). 906 مرشحة ولم يتجاوز عدد المنتخبات 75 إلى 77 (43 عام 1983). لم تغير الخريطة السياسية للمغرب فللأحزاب الأغلبية الساحقة 14467 مقعد منها 38 امرأة (17 من تجمع الأحرار – 6من الإتحاد الدستوري – 6 من الحركة الشعبية – 5 من الحزب الوطني الديموقراطي – 4 من الحركة الوطنية الشعبية). وحطل اللامنتمون على 3111 مقعدا منهم 7 نساء بينما كان لأحزاب المعارضة 4542 مقعدا 30 منها نساء (17 للإتحاد الإشتراكي – 11 حزب الإستقلال و2 حزب التقدم والإشتراكية لم يكن إذن للنساء حظوة لا عند الأحزاب ولا عند الإدارة وكان لهن مصير الأحزاب التي ترشحت باسمها. وما دامت المسألة الأساسية المتعلقة بوضعهن محتكرة من قبل أعلى سلطة بالبلاد فلا يمكن أن يكون غير ذلك. كان الإحباط شاملا وتجاوز المسألة النسوية التي عادت إلى موقعها الثانوي وإلى اختصاص العلماء وحدهم. هل هي عمدة إلى الحالة السابقة؟ هل الموعد هو المعركة الإنتخابية المقبلة؟

في انتظار ذلك تحكى الأفلام والروايات من جديد عن بؤسهن المادي والمعنوي وتؤكد مرة أخرى على عنف العلاقات الأسرية أن التاريخ يدور: إنه في كل مكان وخصوصا في المغرب تكرار أبدي للبداية.

تعريب نادي التثقيف العمالي



هذا النص هو الفصل الثالث من القسم الثالث من كتاب زكية داود : النسوانية و السياسة بالمنطقة المغاربية الصادر عام 1993 عن دار النشر إيديف Editions EDDIF



#زكية_داود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “مشروع نور”.. النظام الإيراني يجدد حملات القمع الذكورية
- وناسه رجعت من تاني.. تردد قناة وناسه الجديد 2024 بجودة عالية ...
- الاحتلال يعتقل النسوية والأكاديمية الفلسطينية نادرة شلهوب كي ...
- ريموند دو لاروش امرأة حطمت الحواجز في عالم الطيران
- انضموا لمريم في رحلتها لاكتشاف المتعة، شوفوا الفيديو كامل عل ...
- حوار مع الرفيق أنور ياسين مسؤول ملف الأسرى باللجنة المركزية ...
- ملكة جمال الذكاء الاصطناعي…أول مسابقة للجمال من صنع الكمبيوت ...
- شرطة الأخلاق الإيرانية تشن حملة على انتهاكات الحجاب عبر البل ...
- رحلة مريم مع المتعة
- تسع عشرة امرأة.. مراجعة لرواية سمر يزبك


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - زكية داود - النسوانية و السياسة - المغرب:تفجر الطاقات الكامنة (1985-1992)