أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مريم الوادي - ظل أبي.. قصة قصيرة














المزيد.....

ظل أبي.. قصة قصيرة


مريم الوادي

الحوار المتمدن-العدد: 3717 - 2012 / 5 / 4 - 16:07
المحور: الادب والفن
    


ظل أبي..
لا أتذكر ملامحه جيدا، فقد رأيته مرات معدودة..
كان يخرج باكرا للقنص.. فلا نرى منه، سوى ظله البعيد.. ونظل نرقب الظل، حتى يختفي عن أنظارنا..
كانت الدنيا فضاء، و"يافا" تمتد شاسعة أمام عيوننا..
كانت المنازل ما تزال تبتسم، وحقول القمح، تمتد على مد البصر..
و كان الزيتون، أخضر، أخضر..
- لقد وصلوا.. لقد وصلوا..
- هكذا تردد على ألسنة الصغار، والكبار..
لم يعد أبي يخرج للقنص بالنهار، فبتنا نراه أكثر.. رأيته لأول مرة، كيف يأكل، وسمعته كيف يتكلم..
كان يردد : "أولاد الكلب.."! كثيرا في حديثه..
وحين يلوح الظلام يحزن وجه أمي، فتقف لتودعه..
و نتساءل نحن: -
هل تخرج الأرانب ليلا؟؟ وهل تطير الحمامات؟؟
فتقول أمي: إنه ذاهب لقنص طيور الخوذة..
نتكوّم تحت البطانيات، نتخيل طيور الخوذات، وهي تحلق، يتربص بها أبي، ويسقطها، تباعا..
تتمرغ طيور الخوذات، يرقص أبي.. وتقهقه البندقية..
- هذه الطيور تقنص للمتعة فقط، صيدها حلال، وأكلها حرام.. يقول أبي.
لذا، كان لا يحملها لنا..و يتركها تغرق، في دمها الأسود..
وفي الغد تفوح رائحتها..
وتطوف طيور أخرى، تبحث عن الفاعل، تكسر أبواب المنازل، وزجاج النوافذ..
تفتش العلّية، ومخازن المؤونة، تحت السرير، وبين رفوف الملابس..
تغضب الطيور، ويزداد قبح وجوهها، يتطاير رذاذ نجس من أفواهها، تضرب بأجنحتها عرض الحائط.. وتهدد بالعودة لاحقا..
يخيم الصمت، نحبس أنفاسنا، وترتفع دقات قلوبنا..
أبي لم يرقص، وقهقهات البندقية، لم نسمعها..
غاب أبي في ليلة باردة.. وتلاشى الظل البعيد، الذي كنا نرقبه..
كنا أطفالا، لا نتقن لعبة الحزن، والبكاء، على الموتى..
لكن أتقنا باكرا، لعبة مطاردة، طيور الخوذة..
تلبس هدى المقلاة الحديدية، في رأسها، وتصعد العلية..
يلبس أحمد "الحَلة" النحاسية، في رأسه، ويتسلق العريشة ..
و أحمل أنا البندقية ، وأتربص بهما..
- اِنزل من برتقالتي، أيها الكلب.
-- إنها برتقالتي.. والتاريخ يشهد.
- وكيف يشهد لك التاريخ، أيها الخنزير؟؟
- جدي الكبير مدفون تحتها..
- حتى برتقالتي.. تحتها جدكم..
- نعم.. نعم، لنا جد تحت كل بيت، من بيوتكم، وتحت كل شجرة من أشجاركم..
طاق.. طاق.. يعلو صوت الرصاص.. وأُسقِطُ طائر الخوذة..
أرقص كما كان يفعل أبي، وتقهقه البندقية..
-تطل هدى، من نافذة العلية، وترفع رشاشها في وجهي:
- ارم بندقيتك..وسلم نفسك، أيها الهمجي.
هي فوق، وأنا تحت..
طائر الخوذة المؤنث، سينسفني..لا بد لي من حيلة..
لقد عادوا..
-البندقية.. البندقية.. خبؤوا البندقية..
فتشوا العلية، ومخزن المؤونة، تحت السرير، وبين رفوف الملابس..
-أين هي؟؟
- ما هي؟
- البندقية؟
- اختفت حين قتلتم أبي، لم تعد موجودة..
يعلو صراخهم.. تحمر عيونهم، تزداد وجوههم قبحا.. يتكلمون لغة أقبح..
و يهددون بالرجوع..
يعمّ الصمت، نحبس أنفاسنا، وترتفع دقات قلوبنا..
-لقد خرجوا..
نبحث عن البندقية.. فلا نجدها..
في كل مكان نبحث، لا أثر لها..
بكينا على ضياع البندقية، كما لم نبك على موت أبي..
كيف نطارد طائر الخوذة بلا بندقية؟؟
و فجأة نسمع قهقهاتها، لقد عادت، كانت تختبئ في مكان لا نعرفه..
نعاود اللعبة، مرات ومرات.. يغالبنا النعاس.. ننام بين الدم، والرصاص، و الجثت.
و نستفيق على طَرَقاتهم، وهي تكسر باب المنزل..
الباب الذي سقط أكثر من مرة..
-في بيتكم بندقية.. رأيناها تخرج من هنا.. وتسرح في المدينة..
لقد اغتالت طيورا كثيرة..
ننظر إلى بعضنا بعضاً.. يغمرنا الخوف..
-كيف تقنص البندقية من دون قناص؟؟
فتشوا في كل مكان..
أخرجونا من المنزل.. وأضرموا النار ..
احترقت البرتقالة..
والعلّية..
ومخزن المؤونة..
احترقت ألعابنا، وتفحمت كراريسنا المدرسية..
المنازل جريحة.. وعيون يافا تدمع..
حقول القمح دكتها الدبابات..
وشجر الزيتون، ذبحته الخناجر..
وحين انتصف الليل، سمعنا قهقهاتها..
رأيناها تخرج.. تنفض الرماد عن وجهها..
يحملها رجل كالظل..
رجل يشبه من بعيد ظل أبي..
مريم الوادي5/5/2012



#مريم_الوادي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الى تلميذ بلا نسب ..
- السور الذي يعبر المدينة


المزيد.....




- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...
- قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا ...
- نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت ...
- بعد زلة لسانه حول اللغة الرسمية.. ليبيريا ترد على ترامب: ما ...
- الروائية السودانية ليلى أبو العلا تفوز بجائزة -بن بينتر- الب ...
- مليون مبروك على النجاح .. اعتماد نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مريم الوادي - ظل أبي.. قصة قصيرة