عرض شاكر الدجيلي
انتهت الانتخابات السويدية بفوز الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب اليسار بأغلبية الأصوات مما يسهل البقاء في السلطة لاربع سنوات قادمة .
وتشير النتائج شبه النهائية إلى أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي فاز بنسبة 39.9% ، وحزب اليسار بنسبة 8.3% , و حزب الخضر بنسبة 4.5 % , مما يشكل بمجموعه 174 مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 349 دون حساب مقاعد الخضر البالغة 17 مقعداً.
أما جبهة اليمين فقد شهدت تحولات كبيرة حيث فاز حزب الشعب ( يميني ليبرالي ) بنسبة 13.3% , وحزب المحافظين بنسبة 15.1% , والديمقراطي المسيحي بنسبة 9.1% , وحزب الفلاحين بنسبة 6.2% مما يشكل بمجموعه 158 مقعداً.
ويلاحظ أن جبهة اليسار تفتقد إلى صوت واحد فقط كي تحتفظ لوحدها ( اشتراكي ديمقراطي +اليسار ) بأغلبية برلمانية بسيطة ( 174 من 175) مما يفتح الباب للنقاش عن الدور الذي يمكن أن يلعبه حزب الخضر في البرلمان المقبل وفي مساعي تشكيل حكومة جديدة من قبل رئيس الوزراء الحالي ـ يوران بيرشون ـ , حيث هدد حزب الخضر بأن دعمه لأي من الجبهتين يرتبط بحصوله على موقع وزاري في حالة تعادل الكفتين , الأمر الذي لم يتحقق حسب النتائج الحالية. وقد انسحبت نتائج الانتخابات البرلمانية هذه المرة بشكل أفضل على انتخابات المجالس البلدية للمحافظات حيث فازت جبهة اليسار + الخضر بمحافظة ستوكهولم وعززت مواقعها بمدينة يوتوبوري ومالمو وهي أكبر المحافظات السويدية .
أما نتيجة انتخابات المجلس النيابي للمحافظة الذي يقرر سياسة القطاع الصحي والمواصلات في العاصمة ستوكهولم فما زالت تتأرجح بين الجبهتين ولا يمكن معرفتها قبل مساء يوم 18 أيلول .
ورغم أن الاستنتاج الرئيسي هو بقاء جبهة اليسار في السلطة بدعم محتمل من حزب الخضر , فالملاحظ أن تغيرات جديّة حدثت في حصص الأحزاب السبعة الموزعة على الجبهتين , فقد ازدادت نسبة أصوات الحزب الاشتراكي الديمقراطي لتصل إلى 39.9% مقارنة مع 36.4% عام 1998 . في حين انخفضت نسبة حزب اليسار الى8.3% عن 12% عام 1998 , وحافظ حزب الخضر على نفس النسبة تقريباً وهي 4.5%.
غير أن المثير للانتباه هو الانخفاض الكبير في نسبة أصوات أكبر أحزاب اليمين ( حزب المحافظين) حيث حصل على 15.1% من الأصوات مقابل 22.9% عام 1998, وكذلك الديمقراطي المسيحي من 11.8% إلى 9.1% , في حين ارتفعت حصة حزب الشعب إلى 13.3% مقابل 4.7% عام 1998 أي بزيادة قدرها ثلاث مرات تقريباً .
وفي مسعى لتفسير هذه الزيادة المثيرة يشير المحللون السويديون إلى إنها تعود إلى الحجم الكبير الذي ناله رئيس حزب الشعب من قبل أجهزة الأعلام , خاصة وانه تجرأ على تقديم مقترحات حساسة تتعلق باللاجئين وسياسة الاندماج عموماً, أبرزها دعوته لوضع اجتياز اختبار اللغة السويدية كشرط للحصول على الجنسية السويدية مما أثار ردود أفعال عنيفة في جبهتي اليسار واليمين, ويعتقد المراقبون أن غالبية أصوات حزب الشعب جاءت من أنصار حزب المحافظين والحزب الديمقراطي المسيحي .
عزز الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم مواقعه بالحصول على زيادة في نسبة أصواته بحوالي 4% يقال انه فقدها لصالح حزب اليسار في الانتخابات الماضية عام 1998 . ورغم فشل حزب اليسار في الحفاظ على نسبته الماضية 12% إلا أن رئيسة الحزب أشارت إلى ارتياحها لبقاء جبهة اليسار في السلطة ونجاح حزبها في إبقاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي ملتزماً ببرنامج يخدم مصالح الحركة العمالية السويدية ويبتعد عن التعاون مع أحزاب الوسط على حد قولها.
أن أبرز ما يمكن استنتاجه من الانتخابات السويدية بشكل أولي :
1. نجاح جبهة اليسار المدعومة من حزب الخضر في البقاء في دست الحكم لأربع سنوات مقبلة في وقت تصاعدت فيه موجة اليمين وتطبق سياسات اقتصادية ليبرالية في العديد من دول أوربا.
2. حل التناقض الذي ترتب على وجود أغلبية برلمانية يسارية مع أغلبية يمينية في أغلب البلديات السويدية ومنها العاصمة ستوكهولم , مما تسبب في هجوم شديد على مصالح الكادحين في العاصمة تحديداً جراء عمليات الخصخصة وخاصة لقطاعي السكن والمواصلات وكذلك القطاع الصحي , وذلك بالفوز في محافظة ستوكهولم من قبل جبهة اليسار هذهِ المرة.
3. التمايزات الواضحة في أصوات كل حزب داخل جبهة اليسار واليمين , والميل الواضح نحو أحزاب الوسط وما يسمى ب( اليسار المحافظ) .
4. فقدان حزب ستوكهولم (الذي تحالف في الدورة الماضية مع جبهة أحزاب اليمين في حكم مدينة ستوكهولم ) كل مقاعده السابقة.
5. سجلت الانتخابات أقل نسبة تصويت ممن لهم حق التصويت منذ عام 1944 وقد بلغت 79% مما يعبر عن ضعف متزايد في ثقة الناخبين بالآلية الديمقراطية ويبعث على القلق لدى السياسيين والعديد من الخبراء, ويقال أن أغلب العازفين عن التصويت هم من ذوي التعليم والتأهيل الواطئ.
6. فوز بعض أحزاب اليمين المتطرف المعادية للاجانب ببعض المقاعد في مجالس البلديات .
هذا وقد طالب العديد من نشطاء حزب المحافظين الذي مني بخسارة كبيرة بأجراء تغييرات جدية في سياسته وفي طاقمه القيادي , وقد تطرح أيضاً مسألة تغيير رئيسه في اجتماع قادم للجنته القيادية.
أما رئيس وزراء السويد الحالي , رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي فقد صرحَ بان النتيجة الطبيعية للانتخابات هي استمرار حزبه في الحكم بالتعاون مع حزب اليسار وحزب الخضر, ( ورغم تشدد الأخير في المطالبة بالحصول على مقعد وزاري ) الأمر الذي يرى فيه المحللون مناورة تستهدف الضغط على الحزب الحاكم قد لا تفلح بتحقيق أهدافها مع نسبة أصوات قليلة هي 4.5%.
وبالقدر الذي يخص موقف الحكومة القادمة من قضية التهديد الأمريكي بشن حرب على العراق , يأمل المرء أن تستمر السياسة التي درجت عليها حكومة بيرشون وهي رفض انفراد أمريكا باتخاذ هذا القرار الخطير واستنفاذ الوسائل السياسية وتوفير الفرصة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لممارسة دوره في حل القضية العراقية . ومع ذلك يوجد خطر ماثل هو أن يستغل حزب الشعب ( النصير المسعور لأمريكا ولعضوية السويد في الناتو ) فوزه الجديد بالضغط على حكومة بيرشون لتغير موقفها هذا والانضمام إلى جبهة الحرب على العراق.
************************
الطريق