أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناصر بن رجب - في أصول القرآن (3) مسائل الأمس ومقاربات اليوم















المزيد.....

في أصول القرآن (3) مسائل الأمس ومقاربات اليوم


ناصر بن رجب

الحوار المتمدن-العدد: 3708 - 2012 / 4 / 25 - 22:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



ألفريد - لويس دي بريمار
 
Aux origines du Coran
Questions d’hier, approches d’aujourd’hui
Téraèdre, Paris, 2004
Cérès, EDIF2000, LE FENNEC, Tunis
 
ترجمة وتعليق
ناصر بن رجب

 
الفصل 3 : في مصادر تاريخ القرآن
الجدالات الأولى في تاريخ النصوص القرآنية دارت بين المسلمين أنفسهم، في الوسط نفسه الذي أُنْتجت فيه. فقد راجت أخبار من مصادر مختلفة حول الطريقة التي تمّ بها تجميع المصحف. نعرف هذه الأخبار من المصنّفات الهستوريوغرافية والدينية المتأخّرة (القرن التاسع م)؛ غير أن الرواية الأصلية، تحت أشكال مختلفة، لبعض هذه الأخبار، يمكن أن تعود إلى النصف الأول من القرن الثامن (م)، تحديدا لفترة أقدم القطع القرآنية المخطوطة التي نعرفها. قبل أن نقدّم هذه الجدالات، من الضروري تدقيق إلى أي نوع تنتمي هذه الأخبار التي تحدّثنا عنها، وذلك في إطار المؤلفات التي نجدها فيها.
 
العنصر الأساسي : الأخبار
العنصر الأساسي المستخدم في تأليف كتاب هيستوريوغرافي أو كتاب في الحديث النبوي كان يُشار إليه بلفظ شبه تقني خبر "رواية" أو "معلومة" والجمع أخبار. باعتباره نمطا من التأليف والرواية، فهو يضرب بجذوره في العصر الجاهلي. إنّ طبيعة ووظيفة الخبر هما اللذان يشدانّ بادئ ذي بدء انتباهنا، لأن ذلك قد يسمح لنا بأن نُنزّل أفضل تنزيل المشكل النقدي الذي يطرح نفسه بالنسبة للمعطيات التي يحملها. كما يجدر بنا أيضا الإحتفاظ بالتسمية العربية "خبر"، بدلا من ترجمتها بـ "معلومة" Information التي هي أكثر حيادا وأقلّ دقّة.
الأخبار هي، في الأصل، "حكايات" بالمعنى الضيّق والمألوف للكلمة : روايات ظرفية ونوادر. تُقَدَّم هذه الحكايات على أنها جاءت بمناسبة قول، مَثَل، قطعة من قصيدة، سلوك نموذجي أو مثالي، إلخ... في علاقتها بشخص أو حدث ما. كل خبر يُكوّن وَحدة مستقلّة، قصيرة عموما، ولا يُحيل إلى أيّ مادّة أخرى سوى تلك التي يُقدّمها، أي القول، القطعة الشعرية أو السلوك المذكور، والتي تشكّل ذروة الخبر ]بيت القصيد[. القول، وبيت الشعر، والسلوك يمكنها كذلك أن تكون المناسَبة لِسرْد ظروف مختلفة منسوبة إلى أشخاص مختلفين. الخبر، في العصر الجاهلي، كان إذن في الغالب عائما و"متقلّبا" Volage. المهمّ في ذلك هو عنصر الذروة الذي كان المناسبة التي قيل فيها الحبر. اليوم، بصفته معلومة تطمح إلى أن تكون تاريخية ومن دون اعتبار طابعه المتغيّر، فالخبر ربّما يكون طُعْما ]يُخفي شيئا آخر[، سواء أكان على مستوى المادّة الهيستوريوغرافية أو المادّةَ الحديثية.
هذا الأسلوب القديم للتّعبير الأدبي تواصل، فعلا، في الكتابة الهيستوريوغرافية العربية في القرن الثامن. رواة أخبار الفتوحات الخارجية والأحداث الداخلية للأمة الإسلامية سُمُّوا بالإخباريين الذين كانوا جامعي أخبار أي معلومات متنافرة كانوا يجمعونها وينظّمونها في رسائل حسب المواضيع التي كانوا يعالجونها. تجدر الإشارة إلى أنّه داخل نفس الرسالة، مثلا وصف معركة شهيرة، كان كل خبر خاص يحتفظ باستقلاله النسبي وشكله. الأخبار المتعلّقة بنفس الحدث أو نفس الشخصية كانت مُرتَّبة بمنطق مّا؛ ولكن، في البداية، لم يكن يربط بينها أيُّ تسلسل إنشائي إذ أن مصدر كلّ منها، الذي غالبا ما يشير إليه المؤلف، يمكن أن يكون مختلفا. الرابط الوحيد بين عدّة أخبار متتالية حول موضوع خاصّ يوجد في ذهن المؤلِّف الذي كان ينضِّدها في كتاب منظّم على هذا النحو كما هو عليه الحال في الأخبار التي تروي الظروف التي تمّ فيها جمع المصحف.
 
المصنّفات الأخبارية[77]
ثلاثة مؤلّفات مهمّة، بين تلك الأقلّ تأخُّرا زمنيّا، سنقدّمها كمنطلق في الإطار المحدود لهذا الكتاب.
 
كتاب الردّة والفتوح لسيف بن عمر (تـوفي حوالي 7-796)
أقدم مصدر جُمعت فيه الأخبار المتعلّقة بظروف تأليف المصحف هو كتاب من نوع هيستيريوغرافي بأتمّ معنى الكلمة، هو كتاب الردّة والفتوح لسيف بن عمر. لا نعرف شيئا عن المؤلف سوى إسمه وقبيلته وواقع أنّه كان يكتب في النصف الثاني من القرن الثامن (م) في خلافة هارون الرشيد (786-809). وكنّا لا نعرف كتابه، إلى زمن قريب، إلاّ من خلال مقاطع طويلة جدّا استشهد بها مؤرّخون جاؤوا بعده، نخصّ بالذكر منهم الطبري في كتابه تاريخ الرسل والملوك (بداية القرن العاشر م). غير أنه اكتُشفت من هذا الكتاب مخطوطة قديمة مهمّة بالرغم من كونها غير كاملة، وتمّ نشرها حديثا مشفوعة بمقدّمة طويلة ونقدية وهوامش ثريّة.
الأخبار التي تهمّنا في هذا الكتاب هي جزء من الفصل الطويل المكرّس لما أسماه المؤلِّف بـ "إمارة عثمان"، الخليفة الثالث (644 – 656). الأخبار عن ظروف تأليف القرآن لم ترد بين المقاطع العديدة للكتاب التي استشهد بها الطبري بالرّغم من أن هذا الأخير كان يعرفها : فهو يستشهد بالأسطر الثلاثة الأولى الخاصّة بالتجهيزات العسكرية، في أذريبيجان، لفتح القوقاز، إلاّ أنه يُهمل بقية نفس النصّ، التي تخصّ تحديدا تاريخ القرآن في الأراضي المفتوحة. إذن فقد تجاهل قصداً أخبار هذا التاريخ، بالرّغم من أنها وردت في واحد من أهمّ مصادره. فالطبري، في بداية القرن العاشر (م) وفي كتاب بهذا الحجم وبهذه الأهمية ككتاب تاريخ الرسل والملوك، كان إذن، هو أيضا، قد قام بانتقاء يتطابق مع خياراته الخاصّة.[78]
 
طبقات ابن سعد (تـ 845 م)
كان ابن سعد يشغل في بغداد وظيفة كاتب في خدمة قاضي جيوش الخليفة، الواقدي، صاحب كتاب المغازي. كان مُحدّثا وعارفا بالرجال الذين رووا هذه الأحاديث. لكنّ المُحدِّث فيه إقترن بالمؤرّخ. كتابه الطبقات الكبرى، أو الأجيال، كان واحدا من الأمثلة الأولى للنّوع البيوغرافي-الهستوريوغرافي المُسمّى الطبقات. موضوع كتاب من هذا النوع يهدف، عبر الممثّلين لعلوم محدّدة، دنيويّة أو دينية، لعرض مرويّات معارفهم. اهتمّ ابن سعد حصرًا بروّاة الحديث، وكان يوزّعهم زمنيّا وجغرافيّا على "طبقات". كان يُفرد لكلّ واحد منهم لمحة عن نسبه وحياته تختلف في طولها حسب عدد المعلومات التي كان يمتلكها أو ينتقيها. كان غرضه الإجمالي تنزيل كل شخصيّة في سلسلة إسناد. نظرا إلى أن المصدر الأول للأحاديث هو النبي، فإن ابن سعد يبدأ به مصنِّفا ومنظّما كرونولوجيّا [حسب الترتيب الزمني] سلسلة من الأخبار متعلّقة بسيرته في مجلّد كامل. هذا الجزء الأول من الطبقات يجعل من ابن سعد واحدا من أهم مؤرّخي السيرة النبوية لمؤسس الإسلام في القرن التاسع (م).
مباشرة بعد سيرة النبيّ هذه يبدأ ابن سعد في تقديم معلوماته عن أوائل رواة الحديث بعد وفاته، وبالخصوص منهم أولئك الذين : "حفظوا القرآن في زمن رسول الله". نجد أيضا أخبارا عن هذه الشخصيّات وعن آخرين من الرجال الفاعلين في تاريخ القرآن، وذلك في لمحات بيوغرافية خصّصها لهم في سياق كتابه. اللّمحة البيوغرافية عند ابن سعد، هي عامّة متكوّنة من أخبار منضّدة دون إقامة رابط إنشائي مباشر بين هذه الوحدات المختلفة. غير أن تنظيم الأخبار داخل سيرة ما، ومقارنتها بمصادر موازية، هو الذي يسمح لنا في الغالب الأعم باكتشاف المقاصد والإختيارات الشخصيّة للمُصنِّف.
مجموع الطبقات، في الطبعة الأكثر تداولا، يحتوي على ثمانية مجلّدات متوسّطة الحجم، خُصّص آخرها بكامله للنّساء.
 
تاريخ المدينة المنوّرة، لابن شبّة (تـ 876 م)
كان ابن شبّة من البصرة، وهو، مع سيف بن عمر، الذي قدّمناه آنفا، إخباريّ نموذجي. وهو، كما هو الحال بالنسبة للعلماء الآخرين، يمكن أن يتجلّى كمؤلِّف في انتقائه للأخبار وتنظيمها. تُذكر له مؤلّفات عن البصرة، والكوفة، والمدينة، ومكّة، إلخ. لم يصلنا منها إلاّ كتاب تاريخ المدينة المنوّرة. وهو يتكوّن، في طبعته الحالية، من أربعة مجلّدات متوسّطة الحجم.
لم يكن ابن شبّة مؤرّخا فقط. كتّاب سيرته يشيرون أيضا إلى تضلّعه الكبير في ميدان القراءات. هذا يفسّر لنا، بدون شكّ، العناية الخاصّة التي أولاها، في كتابه تاريخ المدينة المنورة، لجمع أقصى ما يمكن جمعه من الأخبار المحيطة بظروف جمع القرآن في المدينة. ربّما فعل ذلك أيضا في كتابيْه عن البصرة والكوفة، الحاضرتين العسكريّتين اللتين انتشرت فيهما أيضا مصاحف قرآنية. لكن هذين الكتابين لم يصلا إلينا. فيما يخصّ المدينة، الأخبار عن تاريخ القرآن موزّعة في الجزأين المتعلِّقين بخلافتي عمر وعثمان.
 
الحديث
كُتب الحديث، بالمعنى الحصري للكلمة، تشتمل على جزء هامّ من الأخبار بالمعنى الذي دقّقناه في بداية هذا الفصل. هذه الأخبار تحاكي أخبار المؤلّفات الهستوريوغرافية. بيد أنّه علينا أن نفرّق بين هذين النوعين من المؤلّفات، الهستوريوغرافيا والحديث، إذ أنّهما يتطابقان، منذ النصف الثاني من القرن الثامن (م)، مع مشروعين مختلفين. وسيزداد الإختلاف بينهما أكثر مع ظهور كتب الحديث الكبرى في القرن التاسع (م).
 
مشروع مدوَّنات الحديث
الممثّلان المتميّزان للحديث هما على التوالي صحيحا البخاري (تـ 870) ومسلم (تـ 875) اللذان يحملان نفس العنوان (الصحيح). والبخاري هو الذي يُدان له بالرواية المقبولة وشبه الرسمية لـ "جمع القرآن". لكنّ هذه الرواية ليست شيئا آخر غير تجميع لبعض الأخبار، منتقاة من مدوّنات الحديث السابقة، منظّمة ومنسّقة حسب مشروع المؤلِّف: تقديم ما يجب الإيمان به.
السُنّة تتمحور حول ما رُوي عن نبي الإسلام وأصحابه المباشرين. أهدافها الأساسية هي المسائل العَقَدية Dogmatiques، والشرعية، والفقهية : كان غرض مؤلِّفي هذه الكتب جمع المواد الأساسية التي من شأنها تأسيس المعتَقد وممارستة المعيارية، أي مجموع من العقائد والقواعد الخُلُقية والشرعية التي تدعى "السّنة". ستكتسب هذه الإخيرة قيمة مُؤسّساتية، بما هي مُؤسَّسة، نظريّا، على قول وفعل وتقرير محمّد وأصحابه وخلفائه الراشدين. في هذا الإطار تحديدا سيتمّ تنزيل ما رُوي عن النبي من قول، وفعل، وتقرير، أي على نحو مّا أخباره هو. ولكن لتسمية كلّ قول وفعل وتقرير، سينتهي الأمر إلى استعمال مصطلح الحديث مع الإحتفاظ بكلمة خبر للدّلالة على أنواع من الأخبار أكثر خصوصية. يمكن للإخباريين، من ناحيتهم، مواصلة استعمال مصطلح حديث لتسمية رواياتهم التاريخية الخاصة بهم، ولكن، وهم يفعلون ذلك، سيحتفظون لهذه الكلمة بمعناها الأوّلي العام جدّا "رواية" بما هي المرادف المألوف جدّا للخبر.
 
إخباريون ومحدِّثون
ومهما كان في البداية من أمر التباس لفظ (خبر، حديث)، فالتّخصص التدريجي لكلمة حديث، في السنّة، لتسمية "الحديث النبوي"، هو مؤشِّر على تخصُّص أكثر أهمّية وأكثر عمقا : كتاب حديثي ليس له نفس مشروع كتاب إخباري.
الكتاب الإخباري، هو إلى حدّ ما، حتّى ولو كان مؤلِّفه مُسلِما، يبقى في مفهومه مُندرجا في النشاط الفكري الدنيوي. أمّا كتاب "السنن النبويّة" فيندرج في النشاط الفكري الديني، وفي هذا السياق له قيمة مؤسّساتية : وظيفته تأسيس ونقلٌ نشِط لسُنّة حميدة Orthodoxie*. مفهوم العمل الفكري نفسه إذن مختلف، أو على الأقل مغاير تبعا لما إذا كان الأمر متعلّقا بإخباري أو محدِّث.
لذا فرَجل كعمر بن شبّة، المعاصر للمُحدِّثيْن، البخاري ومسلم، وصاحب تاريخ المدينة المنورة هو إخباري أكثر منه مُحدِّثا. ومع ذلك فقد كان يعرِف جيّدا، ليس شتّى القراءات وحسب، بل أيضا السنّة النبوية ورهاناتها الإجتماعية والسياسية، ويستثمر معطياتها. يمكن أن نقول الشيء نفسه عن ابن سعد، صاحب الطبقات. الفرق بين هذيْن المؤلِّفين والمحدِّثيْن المتخصّصين فرق محسوس، مثلا في الطريقة التي ينتقيان بها وينظِّمان ويقدّمان أخبارهما المتعلّقة بجمع النصوص القرآنية، مقارنةً بالعناصر الموازية التي يقدمها البخاري المحدِّث النموذجي في صحيحه.
هذا التمييز بينهما مُبسَّط بالضرورة، إذ لم يوجد، في تلك الحقبة، حدٌّ بين الإخباري المتخصّص والمحدّث المتخصّص. يمكن أن نميّز بينهما في طبيعة مؤلّفاتهما وتوجّههما الفكري. هذا الفارق الوظيفي والفكري في آن سيظلّ قائما في المأثور العربي الكلاسيكي[79].
 
سلسلة الرواة : الإسناد
خاصّية كتب الحديث هي الممارسة الموحَّدة للإسناد الذي يعني حرفيّا سلسلة الرواة المعتمدين. أولى علامات هذا التوحيد ظهرت في أواخر القرن السابع(م)[80]. هذه الممارسة متأتّية من الإهتمام، الذي تمّ إدراكه شيئا فشيئا، من أجل ضمان صحّة حديث، ومن أجل الإشارة الدائمة والمنتظمة لإسم أو أسماء الأشخاص الذين رووه على التوالي. الإسناد هو إذن سلسلة من الرواة الثقاة، محصورة في البداية، لكنّها تطول مع مرور الزمن. فالإسناد يعني تِعداد حلقات هذه السلسلة ورفعها إلى الشخص الأول المفترض فيه أنّه كان مصدر الخبر المتعلق بالنبي أو الصادر عنه.
لقد كانت هذه الممارسة معروفة عند اليهود الذين كانوا يدعمون بهذه الطريقة سلطة مأثور الأحبار : "التوراة الشفهية"، الموازية والمكمّلة لـ "التوراة المكتوبة". على نفس المنوال، وفي هذه النقطة بالذات من بين نقاط أخرى، اشتغلت الأحاديث كنوع من "المأثور الشفوي"، كُتب تدريجيّا، كنموذج موازٍ ومتمِّم للقرآن[81]. ولكن يا تُرى هل الممارسة المنتظَّمة للإسناد كانت قد امتدّت تدريجيّا إلى كتب التاريخ أم العكس؟ يتعلّق الأمر بالأحرى بمسار مشترك ومتزامن. ولكن، هنا أيضا، يظهر الفرق بين مؤرِّخ ومحدِّث : نظرا لاختلاف مشروع كلّ منهما، فإن سلاسل أسانيدهما لا تروي بالضرورة عن الشخصيّات نفسها، ومصادر أخبارهما يمكن أن تكون مختلفة غالبا، وكذلك فإن شخصيات سلسلة الإسناد لا تنتمي غالبا إلى الفضاء المرجعي نفسه.
 
المشكل النقدي
في كل الحالات، مؤلِّف كتاب هو أكثر من مجرّد جامع للأخبار والإستشهادات. أجل، إنّه هو الذي انتقى الأخبار حول نفس الموضوع تبعا لمصادر معلوماته وتبعا لمشروعه. قد يكون سها عن أخبار أخرى، معروفة في كتب أخرى، على نحو مقصود إلى حدّ ما. وذلك ما لوحظ عند الطبري، الذي هو في الوقت نفسه مفسّر، ومحدِّث، وفقيه، ومؤرّخ. يتّفق أيضا أن يُلفِّق مؤلِّف عديد الأخبار ويلائم بينها ليُنتِج، دون البوح بذلك، رواية جديدة، واضعا إيّاها تحت ضمانة إسناد هو نفسه ملفّقٌ ومُشرّكا عدّة شخصيّات لم يقولوا كلّهم بالضرورة، في الأصل، الشيء ذاته. وهكذا يمرّر المؤلِّف إجمالا، تحت غطاء شخصية استخدمها كمصدر، شيئا لم تنْقُله هذه الشخصية على الأرجح قطّ. وهكذا تفضي النتيجة بالضرورة إلى تحريف بعض الروايات مقارنة بالمرحلة الأولى للعناصر المستقلّة التي كانت مَصْدَرها.
تطرح إذن مصادر معلوماتنا على المؤرّخين مشكلا نقديّا، أشرنا إليه آنفا على أنّه في قلب النقاشات الحالية. أحد مظاهره التقنيّة هو مظهر التحليل النقدي لسلاسل إسناد الأخبار والأحاديث الخاصة بكتب السنّة. سنتحدّث، أكثر من مرّة في بقيّة هذا الكتاب، عن المشكل النقدي المتعلق، خاصة، بالنوع الخاص من الأخبار المسمّاة أسباب النزول. فعلا، هذا النوع، يرتبط ارتباطا مباشرا بمضمون النصوص القرآنية ذاته[82].
 


[77] مؤلِّفو الكتب المذكورة في هذا الفصل نورد لهم لمحات عن سيرة حياتهم فيPrémare, Fondations, chap. 18  سيف بن عمر (رقم 48)؛ الطبري (رقم 52)؛ ابن سعد (رقم 34)؛ ابن شبّة (رقم 35). توجد مراجع مؤلفاتهم في البيبليوغرافيا العامة في نهاية هذا الكتاب.
[78] الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج 1، ص 2856؛ نشر دار الكتب العلمية، بيروت، 1987، ج 2، ص 614.
* orthodoxie تمّ تعريبها بدلا من ترجمتها بـ "مذهب قويم" وتعريبها أفضل. أما ترجمتها الحقيقية فهي "أهل السنة والجماعة" أو "الفرقة الناجية". [المترجم]
[79] Laroui, Islam et Histoire, chap. 2.
[80] Juynboll, Muslim tradition, chap. 1, voir p. 23.
[81] Cook, « Opponents », p. 509-512 [§ 138 à 141]
[82] أنظر الفصل 5، ص 107، "أسباب النزول".



#ناصر_بن_رجب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في أصول القرآن : مسائل الأمس ومقاربات اليوم (2)
- في أصول القرآن، مسائل الأمس ومقاربات اليوم
- قراءات أفقية في السيرة النبوية


المزيد.....




- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناصر بن رجب - في أصول القرآن (3) مسائل الأمس ومقاربات اليوم