إسلام محمد السيد
الحوار المتمدن-العدد: 3706 - 2012 / 4 / 23 - 22:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مسوغات الاستبداد
يعتبر الاستبداد من أهم ظواهر الاجتماع السياسي وهو لا يولد اعتباطا ولا يتراكم جزافا، وإنما تحكمه مجموعة معقدة ومتشابكة من الأسباب والشروط والظروف، يتداخل فيه الذاتي والموضوعي، والداخلي والخارجي، والاقتصادي والثقافي. فهو ثمرة مجموعة مركبة من القوى والبواعث المختلفة في طبيعتها، المتفاوتة في درجة تأثيرها، المتشكلة بظروف المكان والزمان..
والنظر في الاستبداد وبديله "الديمقراطية" في وطننا العربي، لا بد أن يتجاوز التقولب وفق نموذج مطلق، وأن ينظر إليه على أساس النسبية التاريخية؛ فعلى الرغم من الاتجاه العام الناظم لحركته عبر التاريخ، فإن تجلياته التفصيلية المتنوعة مكانا وزمانا في حاجة إلى بحث عميق يحيط بها، ويسبر غورها. ونفس الشيء يقال عن بديله.
إن النموذج الوحيد لم يوجد ولن يوجد، لأن الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية تختلف من مكان إلى آخر، وتتبدل من زمان إلى آخر. والمثال والنموذج الإنساني هو دائما أمام الإنسان يتجه صوبه ولا يصل إليه. ونحن إذ نستبعد النموذج المطلق فإننا لا نرفض التجربة الإنسانية المتعددة مكاناً والمتنوعة زماناً، أيا كان مصدرها، فالحكمة ضالة المؤمن، نقتدي بها، ونقتبس منها، ونبدل ونوائم ونعدل، ونضيف إليه. ومن هنا نحاول في هذا المبحث محاولة لعرض أسباب الاستبداد نظريا في محاولة نظرية لتفسير الاستبداد معتمدين على تفسيرات مونتسكيو وهو اشهر من تحدث عن الاستبداد مباشرة كما سنرى .
الاستبداد والخوف
يرى منوتسكيو أن الاستبداد موجود منذ القديم , في تركيا وفارس وروسيا , وسوف يظل قائما ما دام قادرا على الهيمنة أو السيطرة على السكان , مؤكدا على أن العلة الأساسية للاستبداد هي الخوف .حيث أن الاستبداد لا يكون استبدادا الا اذا أثار الخوف في نفوس كل الخاضعين لحكمه ومن دون ذلك لن يستطيع أن يبقى أي حكم مستبد . فيؤكد أن الخوف هو مبدأ الاستبداد وهو مبدأ ذو طبيعة نفسية وانفعالية والتي تتحكم في تصرفات المستبد . فالاستبداد لا يمكن استمراره ما لم يستمر الخوف وهو أساسه , في القلوب والنفوس أيضا لدى كل الخاضعين , فإذا زال الخوف زال الاستبداد .
ويؤكد مونتسكيو أنه اذا ما فسد نظام الحكم وكسر حاجز الخوف فإنه يتحول إلى ثورة شعبية تشكل تحريرا وانعتقاقا , وإما الى انقلاب بلاطي , أي استبداد أشد وأتقن . حيث ان الاستبداد يكبل نفسه بنفسه .
كذلك يرى منوتسكيو أن فساد الحكومات من خلال فساد المبدأ ". فإذا كان النظام قائم على مبدا الخوف فإن النظام الاستبدادي وديمومته يتوقفان على الخوف وحده وبالتالي فإن فساد مبدأ الخوف من قبل النظام يؤدي إلى سقوط النظام حيث أن, فالمبدا هو الذي يقود الطبيعة ولأن فعله يحرك كل اجتماع سياسي , فالمبدأ هو الصورة الحقيقية لهذا الشكل المظهري , أي طبيعة الحكم" ,
الاستبداد ونظرية المناخ
وكذلك يعتبر مونتسكيو رائد نظرية المناخ في مجال علم السياسة خلفا لأبن خلدون وفي غضون ذلك فهو يرى ان المناخ والمدى الجغرافي من العوامل المحددة للاستبداد , فإذا كانت دولة ضغيرة وجمهورية , وكانت دولة متوسطة وملكية , فإن دولة شاسعة ومترامية الأطراف تكون استبدادية بالضرورة . وكذلك يعد المناخ في فكر مونتسكيو من أولى العوامل المؤثرة في الاستبداد حيث ان المناخ هو الذي يجعل الناس احرارا او عبيد , فالمناخ المعتدل يكون فيه حكم يتسم بالحرية والمناخ الحار يشجع العبودية . وبالتالي يرى مونتسكيو أن هناك عدة تحكم الناس وهم " المناخ والدين والقوانين والعادات والآداب ونماذج الأشياء الغابررة وتقاليد الحكم وأحكامه والخوف "ويرى ان هناك اندماج بين العوامل الخارجية والداخلية او الاخلاقية . حيث ان مونتسكيو ان تلك العوامل لا تساعد بالضرورة في تشكيل المستبد بنفس طريقة الخوف.
الاستبداد والجهل
يؤكد ان الهوى الذي يساند الاستبدادلا يعرف قانونا ولا قاعدة ولا حتى تربية فهي شبه معدومة في الاستبداد ويعتمد هنا على انحسار الخوف في القلوب . حيث ان الإذعان الشديد يستوجب ويفترض رعية جاهلة وبالتالي تكون التربية في الحكم الاستبدادي قائمة على جعل الإنسان عبدا صالحا ولكنه مواطن مواطن طالح
ويرى مونتسكيو أيضا ملذات الاستبداد تجعل الامير يرتمي في أحضان الملذات فلا يحكم , بل يترك الحكم كله لوزرائه " ويضرب المثل هنا بالاستبداد الشرقي .
الاستبداد والقانون
يرى دائما المستبد في نفسه انه الدولة والقانون " فالقوانين لدى الملوك المستبدين , ليست سوى الإرادة الأنانية للأمير " وثانيا لا تقع على كاهله واجبات تجاه المرؤسين لأن الأعلى لا يدين بشئ تجاه الادنى .وكذلك فإن النظام الاستبدادي يمتاز بغياب القوانين والعقل فهو نظام سياسي مزيف فرعية المستبد عبيد كلهم وهم جميعهم متساوون لكن في الرعب والعدم. والحكم المستبد يرفض القانون ويقوم على العنف المحض . ويؤكد مونتسكيو أن الاستبداد قد يتم في وجود القانون وهو أشد أنواع الاستبداد .
الاستبداد والدين
يؤكد مونتسكيو أن الدين في الأنظمة المستبدة يحل محل القوانين الأساسية , فهو يرى ان هناك وحدة بين الدين والدولة , يفرض على كل منهما السعي وراء بقائه وتوطيد نفسه بالطرف الأخر , كما يرى هيجل أن الدين يضطلع بدور كبير في مراحل البؤس العام والقمع , لأن المقموع فيه يرى فيه عزاء عن الظلم وأملا في التعويض عن خسارة فالدين هو الذي يساعد الإنسان على تحمل الطغيان والانقياد له , بفلسفة قدرية بحته .
الاستبداد والأمن
كذلك يرى مونتسكيو من عوامل تبرير الاستبداد هو الأمن حيث يؤكد انه في النظام الاستبدادي القائم في جوهره على الخوف والترهيب , يكون في الحكم الاستبدادي تعارض بين أمن الدولة وامن الفرد بمعنى أن أحدهما لا يمكن استتبابه الإ بإلغاء الأخر . ومن هنا يخضع الإنسان تحت رحمة المخاتلات والأمزجة السيئة لأنه لا يوجد أي قانون . ومن هنا يبرر المستبد استخامه للقمع في إحداث استقرار سياسي وحفظ للامن القومي وكذلك قد يقوم بفزاعات إرهابية تبرر له قمع معارضيه .
الاستبداد والفكر
ربما يمكنك ان تقيدني، يمكنك ان تعذبني، يمكنك حتى أن تقوم بتدمير هذا الجسد، ولكنك لا تنجح أبدا في احتجاز ذهني .
يضاحه سابقا نرى أن النظام الاستبدادي هو نظام يعتمد على القوة بدلا من القانون يعتمد على الشخص بدلا من المؤسسات , يعتمد على الترهيب بدلا من الترغيب ويعتمد على الجهل بدلا من التربية , يعتمد على العبودية , بدلا من الحرية , يعتمد على الفوضى بدلا من النظام , الاعتماد على الفساد بدلا من الإصلاح الجوهري , والسعي نحو المال بدلا من البحث السعي نحو بناء وطن , المركزية بدلا من اللامركزية , وان مسألة حرية التفكير مرتبطة بمدى الحرية التي يطلقها النظام وكما نرى فإن الاستبداد هي عقلية تصل بصاحبها نفسيا إلى حالة الغرور ورفض الأخر مستهدفا فرض ايديولوجيته السياسية دون غيرها او ديانته دون غيرها , او رؤيته دون الاخرى . ومن هنا يحاول الحاكم تقييد الأخر بطرق اما عنف جسدي او بأساليب تهدف الى تحجيم فكر الأخر . ويؤكد مونتسكيو انه لا مكان في الدولة الاستبدادية لنخبة فكرية أو اجتماعية فالأستبداد ينكل بالكبار " النخبة الفكرية " وليس بالشعب " الأفراد العاديين من لم يهم الصراع السياسي " , فالشعب يعيش بهدوء وسط الصراع الدائر بين الملوك والنبلاء .
في حين ان هذا الفعل الاستبدادي مهما وصل من استبداده وشدة قمعه لا يمكن ان يحجب فكر اي شخص لأن الفكر فعل عقلى يقوم على قراءة الواقع في محاولة لنقده ورفضه او تأييده ومن ثم تبنى رؤيه واضحة نحو مستقبل او تصحيح الواقع . ومن هنا نجد أن الفعل الاستبدادي يقابل دائما بالرفض من قبل الجماعات وخاصة النخبوية التي وصلت إلى حد من الحرية او من هم في مستوى اعلى على السلم الاجتماعي " الطبقة الوسطى" سواء في الستوى المادي او التعليمي .
أبشع و أقسى الجرائم التي سجلها التاريخ نُفذت تحت غطاء الدين أو دوافع نبيلة على نفس المستوى .
#إسلام_محمد_السيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟