أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل بن زين - قصة قصيرة














المزيد.....

قصة قصيرة


عادل بن زين

الحوار المتمدن-العدد: 3698 - 2012 / 4 / 14 - 19:15
المحور: الادب والفن
    


كلام على كرسي بارد

الكل قد تنكر له، فلا الشوارع تعرفه، ولا الأشجار، ولا الأزقة المظلمة، ولا المقاهي المتراصة على جنبات الشوارع كالفطر...غريب على الدار...حتى الوجوه التي ألفها ترمقه بنظرة شزراء من دون رحمة. زمن موبوء من الرأس حتى أخمص القدمين. الناس تجري...وتجري...وتجري...وهو كالكلب المنتوف في زحمة المدينة المقصوفة بالنار والكبريت... هكذا، كان يسيل دفق من الأفكار المتورمة من جمجمته.
انتحى يوسف مقعدا قصيا في الحديقة العمومية، وراح يرشق الذات بحجارة من سجيل، في جلد شوفيني، يود أن يتخلص من هذا الركام العطن من العرق والوحدة. ينفصل عن الموضوعات الحسية، عن الأوباش، عن الكراسي، عن الخصور والسرات التي راحت تجتاح المدينة مع الغروب. يستقل عربته المزركشة التي يجرها حصان أخضر، سابحا في ملكوت الغمام، هائما بلا مجداف، يمخر عباب بحر وهمي إلى سدرة المنتهى.
"آلو...نور الدين...يا ربي إنه ليس هو... أنت...؟" هكذا باغته صوتها من الضفة الأخرى منسابا، فراح يوجه لها طعنات في الجنب، ويتلف النصل حيث موطن الرعب، والارتعاد، آلاف المرات في خياله، لكن ما من دماء مسفوحة، وما من صرخات تمزق كبد الصمت، فقط ضجيج ركام من الأفكار تستبيح الذاكرة.
"المنتوفة، السافلة، البشعة، ما الذي جعلني أركب رقم هاتفها؟"، بمثل هذه الأوصاف أخذ ع ب يقتل الغضب الذي يستوطنه. وفجأة، يسقطه متسول من عربته من السماء إلى الأرض سقوطا خرافيا... يرمقه بنظرة شزراء، ويقول في نفسه كاظما غيظه: "ما الفرق بيني وبينك أيها الشبح؟ ربما في جيبك بعض الدراهم، لكني لا أملك سنتيما".
امتطى الشبح أقدامه وغاب بين الأجساد، بينما عقارب الساعة تقترب من السادسة. يمر الوقت بطيئا مثل كسيح خانته ساقاه. تتقاطر الأجساد على الحديقة بعنف أفواجا... أفواجا... والمقاهي غاصة بمرتاديها. غمغم ع ب في نفسه قائلا: "في نفسي رغبة عارمة في أن أحتسي فنجان قهوة، وأن أضع رجلا على رجل كما يفعل ذاك السيد، لكن جيبي يعوزني، عندما يصبح جيبي وسيما لن أتردد في تحقيق كل أمنياتي، أما الآن فأؤجل ذلك إلى أجل غير مسمى، فلأرسلها إلى منطقة اللاشعور لتختمر".
أضحت الحديقة متخمة بالأجساد المتنوعة التفاصيل، ورجل مقابل ل يوسف منتوف مثله، وجهه محروق من أثر الكدح، وذقنه مثخن بشعيرات بيضاء نبتت قبل الأوان، وعيناه لا تكفان عن التلصص على فتحة الصدر لامرأة تنز شهوة. وغير بعيد عن الحديقة ربضت "محلبة عثمان" بكل شموخ، يرتع أمام بوابتها قطيع من المتسولين. قال يوسف في نفسه: "ماذا لو أنضم إليهم بكل تفاصيل عاهاتهم؟".
أعرف أن يوسف يمر اليوم بأزمة خانقة، يعيش فراغا روحيا قاتلا، وفراغا عاطفيا فضيعا، ينزل من فمه فيض من الفحش، وعندما اختلي به لا يحدثني إلا عن أيام الكلية بحركات يدين تشبهان أستاذ مادة السيميائيات. قال لي في لحظة مكاشفة: "كنت إذا وجدت كتابا لا أتركه إلى إذا أتيت عليه، واليوم إذا حدثت زملائي في مركز التكوين المهني عن "مدن الملح" لعبد الرحمان منيف، أو "الإخوة كارامازوف" لفيدور دوستويفسكي ... يقولون إن صاحبنا منفصل عن الواقع، طوباوي، ومتكبر".
قد يبدو للبعض هذا الكلام ضربا من السخف أو حماقة، لكن حين كنت ألج مع صاحبنا عتبة البوح على إيقاعات ماجدة الرومي، يكسر هالة الصمت والشرود التي تطبعه، ويخلخل تصورك القبلي. قال لي ذات ليلة: "هذا ليس زماني، زماني ولى من غير رجعة، ومدينة الفقيه بن صالح عجوز هرمة، مسكونة بجنيات اسمهن: الخمرة، والمرأة، والهجرة...وأنا أعيش حالة تشرذم في الذات والذاكرة والعالم، أعيش حربا لا وجود لها إلا في ذاكرتي المشروخة".
الحديقة مطفأة العينين، والأشجار جذور خاوية من كل نصغ وجودي. يسقط الليل بطيئا على الكائنات، والإسفلت جسد محنط القفا. يجمع يوسف أشلاءه المتلاشية، ويركب أقدامه المعطلة ليبدأ جولة جديدة في مدارات المدينة المتربة، تاركا للحديقة وروادها شيئا من وجود منسي فوق أحد الكراسي الباردة.



#عادل_بن_زين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل بن زين - قصة قصيرة