|
سأترك للآتي من بعدي وصيّة
وليد احمد الفرشيشي
الحوار المتمدن-العدد: 3693 - 2012 / 4 / 9 - 20:41
المحور:
الادب والفن
لا تبكيني يا أمّي...اذا ما حملتني طعنة خنجر... مجذّفا إلى السماء... بل انثري العوسج على الطريق التي سلكتها مغدورا... و اخلطي انين البحر بالنبيذ و استغاثات من ذهبوا... و طيّبي جسدي الفاني بها... قولي لنساء بلدي... و لخرافه... و نوارسه... و جباله... و حقوله... و غيومه... و مشرّديه... و جرحاه و شهدائه... ان يشربوا الليلة دمائي... التي تشيّعني الى الافق البعيد... حيث تجلس "الكلمة" على يمين الربّ.. و قلب متنطّع على يساره... * * * قولي لهم... أنّي ساترك للآتي من بعدي وصيّة... لا تنم متعبا...كالفراشة... على شفتي صنم... لا تدقّ الابواب الصلدة... باصابع يخنقها الجوع و البرد و التشرّد.. لا تترك لعابك يسيل في الظلام... و دموعك لا تخلطها بالعفن المتخثّر... لا تكن عبدا مصفّدا... مرغما على محبّة ما لا يحبّ... و كره ما لا يكره... لا تكن سعدانا...يقفز من غصن الى غصن... على شجرة تدير ظهرها للّقاح... لا تفضح نواحك...للعسس.. للجواسيس... و لفوانيس الاضاءة... إدخّر صرختك للنهار... امسك النجوم المتغضّنة... و غطّها بالجواهر و الكرامة... لا ترتجف...لا تسعل...لا تنحني في حضرة الوطن... بل احتضنه... قل له..."انت لي...انا لك..." و اسند راسك على ارصفة شوارعه... املأ رئتيك بنواحه... و دوّن جراحاته...جرحا بجرح... * * * لا تكن...مثلي... مارّا بين العصور... هاربا من الشوك... ساخطا على بقع الدم... كافرا بالتاريخ الذي أبتلعه كالمناشير... خائفا من ظلّي... من القطط... و من اعمدة الكهرباء... بل...كن..بحرا هادرا في الصحراء... او شفقا مناكفا في ليالي الشتاء الطويلة... أسرج الريح... و اركض على غصّتك إلى مداها... مدّ جسدك...المتوحّش كالحق... و سر في الزحام قاسيا كالرخام... و ارشم مجدك الخلاسي... على جبين أمّي و عيون الاطفال... و افخاذ العذارى... و على الجدران الحمراء كوجنتي حبيبتي... * * * أيّها القادم من بعدي... دوّن قصتي جيّدا... قل لهم...انّي لم اختر يوما ساحة... تنصب فيها مشنقتي... انّهم لم يتركوا لي دقيقتين... لأقبّل جبين جلاّدي... و اوشوشه سرّ قلبي الهادئ كالفراشة... و هو يزفّ للفراغ... قل لهم...أنّي لم اشته...سوى... نهد إمرأة ..."ماركة محليّة"... و حضن صديق يضمّني عند الرحيل... و رغوة فائرة من نبيذ... تموت مضرّجة في الشهوة على شفتي... و عناوين دامية...اضعها على قصاصات عابثة... و جواد بربري اصيل... يرفعني على أعناق "الفراشيش"... وصوت "حيدرة" يرتفع بين التلال... "أنطاليس...يا بن السباسب... انهم ينهبون الكروم... و يحرقون الزيتون... ويعدمون رجالك على رؤوس السنابل... انطاليس...يا صرختنا المجعّدة... نسألك سيوفا و عقيدة... و خيولا و سفنا... فالطاعون الازرق يحصي اسماء... الذين ولدوا... و الذين لم يولدوا بعد" * * *
لا تبكيني يا أمّي...اذا ما حملتني طعنة خنجر... مجذّفا إلى السماء... إنّي احبّك أكثر من الجوع... و اليتم... أكثر من الله...و الملائكة... أكثر من القضاء و القدر... ايتها الأم...التي رضعت من ثديها... البؤس مع الكرامة... و الأسر مع الحريّة... و التبغ مع النبيذ... و الشعر مع النساء... قولي لهم... أنّي ساترك للآتي من بعدي وصيّة... حتى لا يجلس القرفصاء على باب الوطن... ليعدّ أقراط الخوارج...على أذنيه... او يقف ذليلا...أمام دموع شهدائه... و دموعهم الثلجية تتراكم على شفتيه... * * * لا تبكيني يا أمّي... اريد ان أشمّ ثديك الذابل... المشبع بالشرف... أريد...ان اختلج على صدرك... كالبلد... و يداك تتلمسان الغمد البارد المغروس في ظهري... و أهدابك البيضاء يا امي... تشهق بالفرح... و الشتائم.... لا تبكيني يا أمّي... ستذرفني تونس كالدمعة... و الحجاج يفكّ قيودي... و هو يتجشّأ الخوف مع الدم.
#وليد_احمد_الفرشيشي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
-
مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|