أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - لؤي خزعل جبر - ظاهرة مُراد : انحدار قيمي أم نزوع تعويضي















المزيد.....

ظاهرة مُراد : انحدار قيمي أم نزوع تعويضي


لؤي خزعل جبر

الحوار المتمدن-العدد: 3689 - 2012 / 4 / 5 - 22:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


دأب خطابنا الشعبي والرسمي والإعلامي – بل وحتى الأكاديمي – على التعاطي التبسيطي والتسطيحي مع الظواهر الاجتماعية ، مع ما ينطوي عليه نمط التعاطي ذلك من مخاطر سوء إدارة الأزمات المجتمعية وإدامة التردي المجتمعي . ولعلّ السبب في شيوع هذا النمط يكمن في ثلاثة عوامل ، هي : (الكسل الفكري) بمعنى ضعف الرغبة بالارتكاز على المنهج العلمي في الوصف والتحليل والتفسير ، لما يتطلّبه ذلك من (عمق فكري وجهد تحليلي) يفتقد منشئي الخطاب إلى أحدهما أو كلاهما ، فالخطاب العلمي ينحو إلى التعمق والتعقيد والنظر إلى الظاهرة الاجتماعية بوصفها نتاج تفاعل عوامل عديدة ، كما أنها ذات ديناميات وآليات ومسارات معقّدة ، وترتبط بالسياق الثقافي والاجتماعي الواسع ، و(ضعف الاهتمام الاجتماعي) بمعنى ضعف الرغبة بالعمل في الفضاءات التي تتجاوز الذات ، والاقتصار على الحركة ضمن الدائرة الشخصية الفردية ، والتخلّي عن الهموم النقدية الإصلاحية التي تنطلق من الإدراك العميق لوظيفة الإنسان في الحياة ، و(خفض التوتر الانفعالي) بمعنى الرغبة بخفض التوتر الناجم عن الشعور بالقلق والذنب وصورة الذات السلبية الناشئ من العاملين الأولين ومن الرموز والعلامات التي تختزنها تلك الظواهر الاجتماعية ، والتي تشير بوضوح إلى خلل في البنية النفسية للأفراد والجماعات ، وتكشف عن الأبعاد الحقيقية للصراع والتردي ، وتقترح حلولاً لا يرغب – أو لا يستطيع – الأفراد العمل على تحقيقها .
ولعلّ واحدة من تلك الظواهر هي ظاهرة إنشداد الناس المفرط لمتابعة المسلسلات التركيّة ، فمنذ سنوات والعديد من الأسر العراقية – بل وحتى العربية - مأخوذة بتلك المسلسلات ، والتي زاد من شيوعها الدبلجة السورية للحوار ، إذ ذللت عقبة قراءة الترجمة ، مما جعلها ليس في متناول المتابعون التقليديون فحسب ، بل في متناول من لا يحسنون القراءة لأسباب تعليمية (كالأميون) أو صحية (كالكبار وضعاف البصر) أو عمريّة (كالأطفال) أيضاً .
وفي سياق تحليل الظاهرة – المعقّدة والخطيرة - نجد الخطاب السائد يطرح تصوره التبسيطي – بأسلوبه الوثوقي اليقيني القطعي المألوف – على نحو يمكن اختزاله بالآتي : " تشير متابعة تلك المسلسلات إلى الانحدار القيمي والتردي الأخلاقي في المجتمع نتيجة للغزو الثقافي الوافد من الخارج ، فالشباب الحالي نظراً لانقطاعه عن قيمه الاجتماعية والدينية الأصيلة بات صيداً سهلاً للمغريات ، ونقاط الجذب في تلك المسلسلات تتمثّل بالعري والإباحية والعنف والجريمة " . ويكتسب هذا الخطاب مقبوليته وحقيقيّته المفترضة من هيمنته وطابعه التبسيطي ، وإلا فهو لا يصمد أمام التساؤلات العلميّة ، من قبيل : أن المسلسلات التركيّة عديدة ، لكلّ منها بناءه الدرامي وأحداثه وأبطاله ، فهل يمكن جمعها في " سلّة " واحدة وإطلاق التحليلات عليها بالجملة ؟ كما أن هناك العديد من المسلسلات والأفلام العربية تفوق في عريها وإباحيتها الجنسية المسلسلات التركية ، إلا أنها لم تحض بشعبية الأخيرة ، بل جوبهت بالنبذ والإهمال ؟ وبالعكس ، ألم يحض مسلسل " باب الحارة " العربي السوري الأخلاقي بمتابعة شغوفة منقطعة النظير في المجتمع العراقي والمجتمعات العربية ؟ وهل يكفي عامل واحد بسيط لتفسير ظاهرة اجتماعية ، مع تأكيد العلوم الاجتماعية على تعددية أبعاد تلك الظواهر وتعقيدها ؟ وألا يمكن أن تكشف تلك الظاهرة عن عوامل أخرى تكمن خلف نشوئها وديمومتها ؟ خصوصاً ، مع تعدد فئات المشاهدين ، إذ لم تقتصر على الشباب ، بل امتدت إلى الصغار والكبار ، رجالاً ونساءً ؟ . هذه التساؤلات وغيرها العديد تتحدى الخطاب التقليدي ، وتبيّن الإشكاليّات المزمنة التي يعاني منها ، وتفرض طرح تحليلات علميّة بديلة لتلك الظواهر . والتحليلات العلميّة – بخلاف الخطاب التقليدي – تدرك عمق وتعقيد تلك الظواهر ، ولذلك تتجنّب طرح توصيفات وتفسيرات معمّمة أحاديّة البعد ، وتحاول العمل على الحفر في بنية تلك الظواهر لاكتشاف الرموز الاجتماعيّة الخفيّة .
وبناءً على الاعتبارات الأخيرة جاء اختيار مسلسل تركي واحد (وادي الذئاب) ، سيحاول الكاتب تقديم فرضيّة تحليليّة مغايرة واحدة عنه ، بهدف إثارة التفكير الأكاديمي بالظاهرة فقط ، نتيجة إدراكه لكون مقالة أو دراسة نظريّة موجزة لا يمكنها الإحاطة بكل – أو حتى الكثير – من أبعاد هذه الجزئيّة الصغيرة من الظاهرة . وفرضيّته تنصّ على : " متابعة مسلسل وادي الذئاب - بشكل أساس - نزوع تعويضي لا شعوري ، يمارسه المشاهدون نتيجة لواقعهم الاجتماعي الذي يشهد تخريباً شاملاً مهولاً على كافّة صعده ، يختزن - ذلك النزوع - رغبة عميقة بقيم الجمال والعدالة والحب والفاعليّة " .
وهذه الفرضيّة غير معنيّة بتقييم المسلسل (فنياً ودرامياً وأخلاقياً) ولا بتقييم متابعيه (نفسياً وأخلاقياً) ولا بالحثّ على متابعته أو بمحاربتها ، بل بتفسير سلوك المشاهدة بردّه إلى دوافعه الحقيقية . فذلك السلوك – وكل سلوك بشري – ينبثق نتيجة معتقدات وأفكار وتصورات ومشاعر وانفعالات خاصة تتفاعل فيما بينها في سياق اجتماعي معيّن مكوّنة قوى منشّطة وموجهة للسلوك ندعوها بالدوافع . فيمكن لدافع واحد أن يؤدي إلى سلوكيات متعددة ، ويمكن لسلوك واحد أن يكون نتاج تضافر عدة دوافع . وتلك الدوافع قد يكون بعضها شعورياً ، وبعضها الآخر لاشعوري ، وقد يكون بعضها فردياً شخصياً داخلياً ، والبعض الآخر اجتماعي جمعي خارجي . وتتفاعل أنماط الدوافع تلك فيما بينها على نحو دينامي عميق لإنتاج السلوك الفردي والجمعي ، وإن كان الأول لا يوازي الثاني في تعقيده . فمهمتنا التحليلية معقّدة لتعلقها بسلوك جمعي (ظاهرة اجتماعية) .
وتنطوي الفرضيّة على ثلاثة مفاهيم محوريّة ينبغي فهم طبيعتها وآليات تفاعلها الجدلي لفهم بنية الفرضية ، وهي : الواقع المخرَّب / النزوع التعويضي اللاشعوري / الرغبة العميقة بالقيم الايجابية . إذ يشكّل الواقع المخرَّب – بحسب اعتقاد الكاتب – العامل الأساس في تكوين النزوع التعويضي اللاشعوري لمتابعة " مراد " ، وذلك من خلال ثلاثة عناصر ، هي : الجمال / الفاعليّة / الوطنيّة . فالإنسان العراقي يفتقد في واقعه بشكل كبير لهذه العناصر . فهناك القبح المادي والمعنوي المشاع أكثر من الخبز في الشارع العراقي ، بدءً بالكتل الكونكريتية الجاثمة على قلب المدينة العراقية ، ومروراً بالمباني والشوارع الرثّة والنفايات المتراكمة والعواصف الترابية المزمنة وأسلاك المولدات الكهربائية والمساكن العشوائية والأسواق غير المنظمة والزحامات المرورية العبثيّة ، وانتهاءً بالفساد الإداري والمالي ووباء الوساطة المستشري والتعامل المشخصن والمعايير المزدوجة وطوابير الانتظار والبيروقراطية المقيتة والسلوك الاستئسادي في الدوائر الرسمية وغير الرسمية . وهناك العجز الفردي والاجتماعي والجمعي الذي يستشعره الإنسان العراقي على شكل توقعات الفشل ومشاعر الحزن والقلق الناجمة عن إدراك عدم القدرة على تحقيق تغيير في هذا الواقع المخرَّب ، بل تعملق الواقع بشكل مطرد مهدداً أمنه وسلامته ومنذراً بالمزيد من السحق والامتهان لكرامته دون أن يتمكن من المواجهة . لتأتي اللاوطنية أخيراً مكمّلة لدائرة البؤس الجمعي ، إذ يشاهد الغياب المهول للحس الوطني ، والحضور المرعب للصراع الشخصي المصلحي على أسس عرقيّة ومذهبيّة ضيقة في أضوء وكواليس دوائر السلطات السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية ، بدليل استمرارية الواقع المخرَّب وتكريس العجز الجمعي .
وعند هذه النقطة ، جاء المسلسل ليقدم واقعاً اجتماعياً مغايراً ، إذ يفيض الجمال في كل زواياه : الحدائق ذات الأشجار والورود الآسرة والبحر والأنهر والبحيرات ذات الماء الرقراق الصافي العذب والشوارع المنظمة النظيفة والمباني – البسيطة والمترفة - ذات الطرز المعمارية الرفيعة والسيارات الأخاذة اللامعة والمطاعم والدوائر والنوادي البديعة والأمن المجتمعي العقلاني والنساء الفاتنات وعلاقات الحب (وهذه حالة مشتركة في كل المسلسلات التركية) ، وفي سياق هذا الواقع الجميل تقدم الشخصية المحوريّة في المسلسل (مراد) نموذجاً يجسد الفاعلية والوطنية ، فهو شاب يتمكن من قيادة جماعة مخلصة تؤثر في مجمل واقعها الاجتماعي ويستطيع التخلص من أصعب الأزمات واختراق كل الأماكن المحصنة والهرب من كل الغرف والسجون المحكمة وذو شخصية محترمة ومهيبة وحكيمة ويمتلك مختلف الإمكانيات ، يمارس نشاطه في إطار حس وطني رفيع .
فهذا الواقع المغاير – بغض النظر عن قيمته وحرفيّته الفنية والدرامية ومدى إقناع ممثّليه ومعقوليّة أحداثه – غازل لاشعور الناس ، مؤدياً إلى متابعة محمومة نتيجة نزوع تعويضي ، فما لا يعيشونه في الواقع يمكن أن يعيشونه في الخيال ، إذ تمنحهم مشاهدة الواقع المغاير نوعاً من اللذة المؤقتة ، كم يحدث في الأحلام . وعند تحليل هذا النزوع التعويضي نجد أنه يختزن بشكل أساس رغبة عميقة بالقيم الايجابية .
وهنا أتوقع أن يطرح سؤال استشكالي ، يقول : " أي قيم ايجابية ، وما نشاهده تضييع للوقت واستشراء للعلاقات غير المشروعة والتقليد المظهري للممثّلين " ؟! . وإن طُرِحَ فهو ناجم عن عدم استيعاب فكرة الفرضية ، فالفرضية تتحدّث عن نزوع لاشعوري يديمه الواقع المخرَّب ، والطابع اللاشعوري يشير إلى توجّه الناس للمشاهدة نتيجة لحاجات فردية واجتماعية مكبوتة ، يسعون بتلقائية وعفوية وبدون وعي وتخطيط مسبق إلى إشباعها عبر ممارسات مقنّعة . ولعلّ هذا الطابع هو مكمن الخطر والأمل في آن واحد ، إذ لمّا كان الناس غير واعين بدوافعهم الأساسيّة الحقيقية للمشاهدة ، فسوف ينتبهون للأمور السطحية الظاهرية ويتمثّلونها ويعيدون إنتاجها سلوكياً بشكل متطرف ، وخاصة تلك المخالفة لمعايير واقعهم الاجتماعي ، في تعبير آخر عن رفضه ، كما يعبّر عن تأصل القيم الايجابية في أعماقهم . فتجاوز الخطر وتحقيق الأمل لا يكمن في الوعظ الأخلاقي وصب الغضب العاجز المشكوك في دوافعه على رأس الناس ، وإنما بالعمل على تغيير الواقع المخرَّب عبر إشاعة الجمال والعدالة والعقلانية في حياتهم ليتخلّصوا من أوهام ذلك الواقع .



#لؤي_خزعل_جبر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحتجاج العراقي والذاكرة العراقيّة الجمعيّة
- الجَدَل المَذهَبي : قضيّة علميّة أم قضيّة نفسيّة اجتماعيّة ؟


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - لؤي خزعل جبر - ظاهرة مُراد : انحدار قيمي أم نزوع تعويضي