أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام الخفاجي - سورية: لو انتصر الجلاد!















المزيد.....

سورية: لو انتصر الجلاد!


عصام الخفاجي

الحوار المتمدن-العدد: 3684 - 2012 / 3 / 31 - 13:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تراجعت أخبار التظاهرات التي كانت تشهدها المدن والبلدات السورية يومياً منذ اندلاع ثورتها. لم نعد نسمع غير أخبار أكثر دموية لا تتعلق بقمع المتظاهرين ومقتل أو إصابة بعضهم، بل صار المشهد أكثر بشاعة وإثارة للقلق على مصير الثورة: قصف عنيف لمدن وأحياء بل تدمير بعضها بالكامل، يليه إعلان النظام «تحرير» سكان تلك المناطق من «الإرهابيين» وإعادة النظام إليها. وليس من باب المصادفة أن المحافظات التي تم احتلالها حتى الآن محاذية لدول الجوار: درعا وحمص وإدلب وقد جاء دور دير الزور الآن.

في المقابل، تطغى أخبار عشرات ألوف اللاجئين العابرين للحدود فضلاً عن الهاربين من محافظاتهم إلى أخرى داخل سورية نفسها. هكذا حولت السلطة السورية ما بدأ ثورة شعبية سلمية إلى حرب حقيقية يخوضها جيشها في مواجهة جماهير عزلاء تسندها قوى مسلحة تبحث يائسة عن مصادر تسليح وتمويل تمكنها من خوض حرب عصابات مشكوك في نتائجها وتتطلب، إن حافظت على استمراريتها، زمناً طويلاً حتى تحقق بعضاً من أهدافها في إركاع النظام وإجبار المتحكمين به على التنحي عن سدة الحكم.

يبدأ مقال نشرته «الواشنطن بوست» قبل أيام برسم صورة قاتمة. «يوماً بعد يوم، يتابع الجيش السوري الحر عملياته القتالية ضد النظام، ولكن يوماً بعد آخر، تشح ذخيرتنا فنضطر إلى ترك مواقعنا»، يقول جندي لجأ إلى تركيا مع خمسة من رفاقه بعد أن استنفدوا ما لديهم من رصاص.

تتبادر إلى الذهن فوراً الحالة الثورية الليبية: نظام حافظ على درجة من الاستقرار عبر القمع الشرس وإغداق المنافع على أنصاره بالطبع، لكنّه جيّش حشداً من المضللين بادّعاءاته العقائدية كذلك، ما دفع الثورة السلمية المنطلقة من بنغازي إلى رفع السلاح ومواجهة ماكنة عسكرية وحشية تعلل التدمير بمواجهة عملاء الاستعمار والقاعدة.

لكن ثمة مثالاً أكثر إيلاماً ترددت في طرحه خوفاً من أن يثير التباساً يوحي بأني أشير إلى حتمية ما، هو عراق 1991، فيما أدعو إلى استحضاره وسيلة لاستخلاص الدروس.

في ذلك العام الكئيب تعرض النظام البعثي إلى أكبر هزائمه وذهب ممثلوه صاغرين ليوقعوا وثيقة استسلام في خيمة صفوان الشهيرة. تتالت الأحداث العاصفة المعروفة لمراقبي الشأن العراقي واندلعت ثورة عفوية أفرغ فيها الشعب كل مظالمه المختزنة طوال أكثر من عقدين وحرر أربع عشرة من ثماني عشرة محافظة خلال أقل من شهر. ودخلت إيران على خط الثـورة داعمة قـوات بـدر المؤتمرة بـأمرها. وبرغم ذلك لم تستطع الأخيرة التمدد إلى أبعد من البصرة.

أما الغرب، وقوات التحالف التي خاضت الحرب لتحرير الكويت فكان دورها مشيناً. كانت تحتل سدس أراضي العراق، لكن اتفاقية الاستسلام سمحت للنظام المهزوم باستخدام أكثر الأسلحة فتكاً في مواجهة الانتفاضات الداخلية وهي طائرات الهيلكوبتر.

انهارت الثورة وغرق الشعب، لا الثوار وحدهم، بالدماء ونزح عشرات الألوف لاجئين إلى إيران والعربية السعودية. ولأن مفردة «إرهابي» لم تكن قد دخلت بعد في قاموس التهم العقائدية، اختار إعلام صدام حسين تسمية الثورة «صفحة الغدر والخيانة».

درس أول: لم تصل الثورة إلى المركز العصبي للنظام، أي العاصمة، بحكم القبضة الحديدية التي أحاطها بها ولأن العاصمة كانت مقطّعة الأوصال بعد أن تمزقت وسائل الاتصال والنقل بين مناطقها الشاسعة بفضل الحرب التي دمّرت تلك الوسائل.

ودرس ثان: إن الثورة لم تنجح، برغم كل التطمينات التي قدمتها في كسب العرب السنّة، وبعض المساهمين فيها يرفعون شعارات استفزازية مثل «نريد حاكم جعفري».

ودرس ثالث: إن المعارضة تظاهرت بالحفاظ على وحدتها، لكن ثمة فرقاً شاسعاً بين التظاهر وبين الواقع الذي يدركه الناس بالغريزة. لا أزال أذكر الصورة الفوتوغرافية الملتقطة لثلاثة وجوه باسمة في مؤتمر بيروت للمعارضة حين كانت الثورة في أوجها. كان «مام» جلال الطالباني يتوسط السيدين باقر الحكيم إلى يمينه وعزيز محمد سكرتير الحزب الشيوعي إلى يساره: معارضة تضم الأكراد والدينيين والعلمانيين بوصفهم القوى الرئيسة فيها. واستباقاً لأي استنتاج متسرع، لم يكن ميلان ميزان القوى لمصلحة الدينيين الشيعة محسوماً بعد لأن أي قوة سياسية لم تستطع الادعاء بأنها لعبت دوراً قيادياً في الثورة العفوية بما فيها الأكراد. وأذكر أنني سألت الصديق فلك الدين كاكائي القيادي في الحزب الديموقراطي الكردستاني آنذاك، وكنا معاً في مؤتمر بيروت، عن سبب إحجام الحزبين الكرديين عن قيادة الانتفاضة ففسّر لي الأمر بخوفهما من أن يتحملا أمام شعبهما مسؤولية التسبب في قصف جديد لكردستان بالأسلحة الكيماوية. ومع ذلك سرعان ما تحولت تلك الصورة إلى كاريكاتير.

هنا يصبّ درس رابع، هو الأهم في رأيي، من حيث علاقته المباشرة بمجريات الثورة السورية: دور العالم في إحباط أو دعم الثورة.

اتخذت دول العالم العربي موقفاً شديد العداء من الانتفاضة مفترضة أن الأخيرة ستحيل العراق إلى بلد تابع لإيران في حال انتصر الشعب على نظام كانوا يريدون إزاحته، ولكن عبر انقلاب عسكري لا يقلب موازين القوى جذرياً. واحتدم صراع داخل الإدارة الأميركية حول الموقف مما يجرى انتصر فيه الرأي المساند لرأي دول الجوار على أساس أن عدواً تعرفه خير من صديق لا تعرفه.

ودفع العراقيون ثمناً باهظاً لم يتمثل في تحمّل ثلاث عشرة سنة أخرى من جوع الحصار ووحشية النظام فحسب، بل في النتائج التي حصدوا إثر سقوط صدام حسين. انتقل جل المعارضة التي أرادت، وكان بوسعها، البقاء فاعلة، إلى إيران. وما كان للعلمانيين بالطبع القيام بذلك. وتزايد دورها حتى كاد يمحو الأخيرين ويغدو تعبير المعارضة مرادفاً لحركة الإسلام الشيعي.

وسقط صدام فاندفعت قوى الإسلام السياسي الشيعي إلى ساحة فرغت من غيرها، ومعها اندفع نفوذ من آزروها وقدموا الدعم لها طوال السنوات السابقة وحصد العرب وأميركا الثمن المر. لم يطلب ثوار 1991 من الآخرين القتال بالنيابة عنهم، ولا طالبوا بتحويل العراق إلى ساحة يتصارعون فيها على النفوذ مع إيران.

كان المطلوب أن تسمح لهم قوات التحالف بالاستيلاء على أسلحة غنموها من أجهزة النظام عوض تدميرها لئلا تسقط في أيديهم، وكان مطلوباً بالدرجة الأولى إرسال رسالة واضحة للنظام بأن سحق المدنيين واحتلال المدن بعد تدميرها سيجابه بردع عسكري سريع. لكن الخوف من نفوذ إيراني كان محدوداً حينذاك، أدى إلى تحول البلد مرتعاً للأخيرة بعد 2003.

سيقال إن الفيتو الروسي والصيني يعيقان رداً كهذا في حالة سورية. وهو قول محق. وسيقال إن تدخلاً كهذا سيزعزع الاستقرار في المنطقة، وهو قول غير محق لأن استقرار المنطقة تزعزع منذ الآن. لكن بوسع الناتو، وتركيا المجاورة لسورية والمساندة للثورة عضو فيه، أن توجه إنذاراً كهذا قد يدفع روسيا إلى أخذ الأمر بعين الجد. لن تنتصر سورية من غير دعم كهذا قد يتطلب توجيه ضربات موجعة إلى المراكز العصبية لنظام يعوّل العالم فيه عبثاً على العزّل وحدهم لإسقاطه.



#عصام_الخفاجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إطروحات حول معنى اليسار ودوره في عصرنا
- هل ولّدت الثورة المصرية يسارا جديدا؟
- موضوعات حول مستقبل اليسار في العراق
- مأزق النظام السياسي العراقي: تأمّلات في خيارات الديمقراطيين
- ((حزب الله)) وسياق المنطقة: هل يتحرر لبنان من محرريه؟
- رسالة قصيرة من عراقي مفجوع: إصح يا أبا إسراء
- عاش التحالف الطائفي! يسقط العراق!
- في وهم وصف المستقبل كامتداد لماض متخيل
- في معنى الإنهيار المجتمعي: أن تقاتل الطغيان متبنّيا قيمه
- أبعد مما قال البابا: صراع الدين والعلم/ العقل والستراتيجيات
- تأملات في جاذبية الموت للمهزومين
- مصالحة، مصارحة وبعض من النفاق
- رؤيتان متناقضتان لما بعد صدام


المزيد.....




- مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
- من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين ...
- بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
- بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي.. ...
- داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين ...
- الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب ...
- استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
- لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
- روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
- -حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا ...


المزيد.....

- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام الخفاجي - سورية: لو انتصر الجلاد!