أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير عبد الرحيم اغا - ملحمة الذكر الخالد .. البناء والرؤيا















المزيد.....

ملحمة الذكر الخالد .. البناء والرؤيا


سمير عبد الرحيم اغا

الحوار المتمدن-العدد: 3677 - 2012 / 3 / 24 - 18:25
المحور: الادب والفن
    



قراءة في رواية " رحلة مضيئة في ليلة مظلمة "
سمير عبد الرحيم أغا
............................................
من المفيد في بادئ الأمر، الإشارة إلى أن بناء رواية ( رحلة مضيئة في ليلة مظلمة ) للكاتب العراقي حامد الزبيدي والصادرة عن دار الينابيع في عام 2011 .... بناء جديد خارج عن المألوف والسائد ( فهو جنس قد يكون مبتكرا لما فيه من تداخل بين السرد والتضمين واختلال التسلسل والتوازن ) 1 وهي تجربة فريدة شمولية اتسعت إلى كثير من الينابيع في أعمق أعماقها وأعلى آفاقها. وهذا يشير إلى ثقافة واطلاع " حامد الزبيدي " إلى معارف كثيرة وعلوم متعددة تبدأ باللغة وتنتهي بعلوم التفسير . وإلا كيف استطاع ان يكتب كل هذه السطور الطوال في وصف حدود ودلالات الإله المعبود ؟ ومجيء العنوان على هذه الصيغة التي تتميز بأعلى اقتصاد لغوي ممكن ، ويحمل المتلقي على التأويل . أن استدعاء الكاتب في عنوانه (لليلة المظلمة) يوحي للقارئ بان ثمة ضياء او نور في هذه الرحلة وهذا المغزى قد أباح به العنوان مباشرة وقد لمس القارئ هذا التضاد الموجود في العنوان : ضياء وظلام وربما استمد الكاتب من اللونين الأسود والأبيض حيث ذكرا في كثير من سور القرآن وهما يمثلان طرفي المعادلة ( الخير – الشر ) أو ( الضياء – الظلام ) ويمكن تتبعه بدلالاته المباشرة وغير المباشرة ، ولو أردنا أن نحمل العنوان إلى الدلالة المباشرة لأصبح عنوان الرواية ( رحلة بيضاء في ليلة سوداء ) والقارئ المتفحص للرواية يتبين أن اللون الأبيض هو اللون الغالب في الرواية . حيث يرمز إلى انتصار الخير على الشر.
تضمُّ الرواية رحلتين إن صح التعبير: الأولى ( رحلة رفيق السَّفَر وهو بطل الرواية" أبنام " الذي يتنقل في الزمان والمكان بلا ملامح أو تفاصيل، حياته أشبه بالباحث عن النور في الطريق المظلم )، والثانية ( رحلة السَّفَر أو الدلالات.. وهو السفر الذي كتب بلغة التفسير في معاني ودلالات الذكر الخالد التي تتطلب لغة ذات نسيج متقن، تتناسب مع لغة العصر يستطيع أن ينقل بها عمله إلى مصاف الإبداع الأدبي.) واللغة في العمل الفني ( هي القناة التي يبث عبرها الأديب رسالته الإبداعية للمتلقي ، وهي التي تعطي للعمل الفني خصوصية تفرده عن غيره من الإعمال ولا سيما إذا أحسن اختيار الجمل والتراكيب بشكل دقيق ينسجم والهدف المتوخى تحقيقه " 2 وان الإنسان كلما زادت خبرته زادت معرفته بالأشياء المختلفة من زوايا مختلفة زادت لغته غنى وثراء . كما يشكل ذلك دليلا ملموسا على موهبة الكاتب ورقي ملكته الإبداعية،
وقد خلت الرواية من الأجزاء أو الفصول وبدا نصاً سردياً متصلاً من ( 751 ) صفحة. مرة ينتقل من الخبر إلى الإنشاء ، ومرة من الوصف إلى الحوار ، فيحيل إليك أن المشاهد حاضرة يوجه فيها الخطاب ، أو يدور فيها الحوار ، وهذا الأمر يحتاج إلى تعليل فني حيث لا تسلسل ولا فصول وقد أبدع الكاتب حامد الزبيدي في ذلك كله ،
وهذا ما يؤكده الكاتب " أن هذه الرواية تحمل في طياتها صورة جديدة من تضمين للقرآن الذي حاول أن يعيد قراءته من زوايا أخرى خدمة للإحداث لكنها تصب في خانة النصح "
ولأن الأجزاء أو الفصول في الرواية تقنية تبسط المعنى بدقة و تسمح بتفسير وشرح النص وهذه مهمة الناقد طبعا وإذا لم ينعم القارئ النظر في الرواية. فكلُّ قسم يسرد صراع الحياة عبر مشاهد متعددة مثلا، وليس هنـاك من رابط بين السِّيَر الروائية غير رحلة التفسير. ففي أثناء السفر على متن الليالي تُقام علاقاتٌ بين المقاصد والمعاني لاستخلاص العبر. برؤية واقعية ، وقد يعتقد القارئ أن الرواية تسجيل لثوابت اللوح المحفوظ .. يوثق فيه الكاتب تفسير القرآن تفسيرا مفصلا وان مثل هذا العمل أي تفسير القرآن صعب كمن يقرا تفسير (ابن كثير) أو غيره من التفاسير القديمة التي لا يمكن دراستها الا من قبل باحث او طالب فقه ، و لا يمكن فهمه إلا من قرأ التفاسير واحكم الفقه وربما يعتقد أن هذا التفسير لم يخدم نسيج النص تبعاً لفقدان العلاقة بين سير الشخصيات فيه. فالرواية صعبة التحديد اذ لا خطوط ولا تخطيط ولا شخصيات ولا فصول كما قلنا .
أعتقد أن فهم بناء روايـة (رحلة مضيئة في ليلة مظلمة ) استناداً إلى شكل (الرحلة المضيئة ) يُعلِّل الجزئيّات الروائية ، ويضعها في مكانها الملائم من الجسد الروائي، ويُوضِّـح الأمر الجوهري الخاص بدلالة الشكل الروائي للرحلة على انه أمر إنساني شيده بمفرده ، الأمر الذي يجعل الرواية عبارة عن محاولة جديدة للخروج من جو المألوف والسائد ، وتدارك صعوبة الانسجام بين المقاطع السردية في النص
ليس غريباً أن تستند رواية (رحلة مضيئة في ليلة مظلمة ) إلى حكاية ذات سفر طويل وحوادث فرعية، بل الغريب أن يحافظ هذه السفر على مستوى أفقي من التفسير التضميني طوال (751 ) صفحـة من القطع الكبير. وان كان السفر سرداً خبرياً متعدد الرؤى يفسر الذكر الحكيم ... تقود إلى نهاية رحلة طويلة تسير بدلالات الإله المعبود حتى تغلق الرواية على مشهد أخير في ظاهره مفجع:
" نادى بأعلى صوته : الله اكبر ، ثم ضغط على زر الحزام المقدس ، فاشتعلت النيران في الصالة وتحول الماخور إلى كومة ركام إذ اختلطت تحته الدماء الفاسدة بالدماء الطاهرة ، صعد دخان اسود فيه نقاط مضيئة إلى السماء " ص 751
، أن المألوف في حوادث أية حكاية أن تنمو باتجاه ذروة تتشابك فيها الحوادث وتتعقّد وتتأزّم، بحيث يبلغ التوتر الدّراميّ الذي ينـتج عنها أقصى درجات الارتفاع، مما يجعله في حاجة إلى الانحدار ببطء، أو بسرعة ،حاملاً معه خواتيم الحوادث، وحلولاً لتعقيداتها، ونهاية لعلاقات الشّخصيات بها. تلك طبيعة البناء الحكائيّ : عرض فأزمة فحلّ. وهذه الطّبيعة هي العقدة في مصطلحات الرواية التقليديّة، وهي السّبيل إلى الإمساك بالقارئ من بداية الرواية إلى نهايتها.
بيد أنّ الحكاية الروائية في (رحلة مضيئة في ليلة مظلمة ) عافت العقدة الملازمة لطبيعة البناء الحكائيّ، وراحت تبدأ بالعرض، وتستمرّ فيه إلى نهاية الرواية، ملتزمـة في أثناء ذلك بالارتفاع إلى مجموعة من الرّوابي، بحيث توفّر الرّابية توتراً ما، ولكنّ هذا التوتر سَرْعان ما يتلاشى، ويستمرّ العرض بعده كما كان قبله دون أي تغيير .وبعد صفحات قليلة، أو كثيرة، يرتفع الحدث إلى رابية أخرى، محدثاً توتراً جديداً ،ثم زوالاً لهذا التوتر وعودة إلى العرض..
ولكنّ القارئ الذي يعتقد بأن هذه التوترات ذات وظيفة فنيّة جوهرية في الرواية لا يخدعه الشكل الحكائي الممتدّ، ومن ثَمَّ يسعى إلى تفكيك الحكاية بغية معرفة الوظيفة الفنية لهذه التوترات، وعلاقتها بالحدث الروائيّ، بعيداً عن المفهوم التقليديّ للعقدة، قريباً من المفهوم .ولا أظن بأن القارئ سيرجع إلى كتب التفاسير ليتأكد من صحة الأحداث المسرودة في النص. وهذا الموقف من القارئ لا علاقة له بوجود هذه التفاسير في مكتبته خاصّة به. أي أن عدم عودة القارئ إلى كتب التفاسير للتأكُّد من صحة الإحداث والوقائع لا يحكمها كونُ السارد يتكلم من موقع المسؤولية الدينية ، ولا كونُ مكتبته خاصّة به وحده وليست مكتبة عامّة يستطيع القارئ ارتيادها إذا رغب في تنفيذ التأكُّد. بل يكمن عدم العودة في شيء آخر، هو أنها عودة مستحيلة تبعاً لكون الرحلة المسرودة في النص هي محاولة لإخراج الروح من عالم الفوضى والسمو بها من العالم المنشود إلى عالم النقاء،
نحن نعلم إن الروائي التقليدي يختار ما يشاء من الوسائل الفنية، ولكنّـه يجد نفسه دائماً في مواجهة مقياس يتيم هو (الفن) ؛ أي أنه مطالب بتقديم عمل فني. والرواية عمل فني ، أو استخدام منحرف للوسيلة، يؤثِّر في إبعاد العمل الروائي عن الفن. وإذا كان تحديد لفظة (الفن) صعباً لارتباطها بالإبداع، فإن نقّاد الرواية الذين حلّلوا الروايات المتَّفق على جودتها الفنية خرجوا بمقاييس يصحُّ اعتمادها معياراً للاستخدام السليم للوسيلة الفنية، على الرغم من أن الاستخدام السليم الدقيق للوسائل الفنية كلها غير قادر على أن يصنع وحده رواية فنية إذا لم يكن الروائي موهوباً ؛ لأن الإبداع يرتفع فوق المقاييس معلناً تمرُّده عليها، مشيراً إلى خصوصيّة المبدع وتفرّده.
فان الرواية تيسر بسرد غير مألوف.. احتل مكانة خاصة لا ترقى إليها وسيلـة فنيّة أخرى، حتى إنه يصحُّ وصف الرواية بأنها ( الملحمة ). وهي تجربة رائعة خطها الزبيدي ولعلَّ إيثار السرد في هذه التجربة الفريدة عائد إلى ( أن الروائي نفسه يقف من روايته موقف الصانع الراغب في الإشراف على صنعه ، فضلاً عن الضرورات الفنيّة، كتلخيص الحوادث وتقديم الأخبار والوصف … وهذه الصفة السرديّة لا تعني في الحالات كلّها أيَّ حكم معياريّ بالصـواب والخطأ، بالمدح أو الذَّم، بل تعني ضرورة السّرد للرواية ليس غير) 3. يقول حامد الزبيدي في ص 11
" هناك باعث لم أدركه بعد، دفعني إلى تأليف الرواية، التي ضمنتها شرح القرآن ولم اتبع المفسرين من قبل ولم اجتهد بالإشارة والباطن "
؛ ولكن سرعان ما يسأل القارئ عن المصدر الذي استقى منه الكاتب معلوماته. ذلك لأن تفسير القرآن الكريم، يستوجب الدراسة والعلم والفقه من مجموع كتب التفاسير حتى تنضج في نفس صاحبها، وليست أشياء خارجية ماديّة. أن الكاتب سدَّ هذه الثغرة بأن ُقدّم نفسه للقارئ بوساطة ضمير المتكلِّم.
" شرعت به وكان لم اطلع على أي شيء سابق في الفقه ، وامتثلت أمام صوره وبسطت ما احمل من رغبة صادقة وما قرأت في حقبة الأربعين سنة الماضية في الفلسفة والأدب " ص 11
وغير خاف على أحد أن الكاتب المرحوم " سيد قطب " قد كتب تفسير القران الكريم في ملحمته الخالدة " في ظلال القرآن " وقد أجاد فيها وانه كان في بداية كتاباته يكتب القصة القصيرة ثم انتقل إلى النقد الأدبي وله مؤلفات كثيرة في ذلك .
أخلص من الحديث السابق إلى أن بناء رواية (رحلة مضيئة في ليلة مظلمة ) هو بناء الرحلة.. رحلة العذاب والمواقف التي تدور حولها الأحداث. ولا بدَّ في كل رحلة من بداية وزاد ورفيق وسرد، سواء أكان خاصاً أم عاماً. وقد استند بناء رحلة المسافر إلى حياة الحقيقة ثم إلى غابات ممتدة وطرق تحاكي دلالات معينة ينطوي عليها النص. ، بحيث عُني القسم الأكبر من الرواية بتفسير الذكر الحكيم ، وعُني القسم لآخر بتتابع حياة البطل المحوري " ابنام " رجل متحرك في دوامة المصير المتغير ، إن الم الانتظار أكثر مرارة وخيبة من مواجهة الواقع المر ، ولا يجب الهروب منه بالخيال والوهم . ولكنّ الحافز في الرواية يُحرِّك السرد الروائي ويدفعه إلى الأمام، كما أن الرحلة تعني الانتقال من مكان إلى مكان آخر، ومن زمن إلى آخر،.
الهوامش
............................................................................
1- رحلة مضيئة في ليلة مظلمة ، حامد الزبيدي دار الينابيع 2011
2- تقنيات السرد واليات تشكيله الفني ص 122، نفلة العزي ، دار غيداء ، 2011
3- رواية اللامنطق وكل لاءات العالم ،المصدر نفسه ، شادي زريبي ، ص 5
4- بينية الشكل الروائي ، حسن بحراوي ص 70



#سمير_عبد_الرحيم_اغا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( اربعون قصيدة عن الحرف ) للشاعر اديب كمال الدين


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير عبد الرحيم اغا - ملحمة الذكر الخالد .. البناء والرؤيا