أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دعاء السيوري - راهبة في صومعة الجسد















المزيد.....

راهبة في صومعة الجسد


دعاء السيوري

الحوار المتمدن-العدد: 3664 - 2012 / 3 / 11 - 14:50
المحور: الادب والفن
    


بلا حياء تواصل الشمس مسيرتها لتضرم دهليز الوطن في غرف بات النبض فيه مصرم عن الحياة... سحقا لنفسي كم من الوقت يلزمني كي ادرك ان الوطن دحر من الخيال ومن الواقع وربما الحب ايضا، بينما كنت امشي في شوارع مدينة تبدو بها الشمس عاصبة الجبين... تأفل الحرية عن أعتابها أوصلني السائق الى النجوم التي حلمت برؤيتها منذ صغري"مخيم النيرب" وكنت في حدود حضارة الحزن وبمستوى يليق بحلم وطني غابر احقاً ان الوطن يجعلني راقصة بارعة تتقن حرفة الرقص على اوتار التاريخ الآن علمت اني موظفة نظافة، تزيل خدوش البؤس والمعاناة عن أجساد يجري في دمائها حب المغامرة الى المجهول... أو الشجاعة في السفر الى مجهول يكون خارج التوقيت الوطني لمدائن القبور... ولأول مرة شعرت بدمع يمحو تضاريس الطريق"مخيم النيرب" ويجردني من حضارة التوطين النفسي وانارائدة في ذلك المجال، وقفت على عتبة باب المخيم والاحداث بذاكرتي متزاحمة كوابل من الرصاص يدق في رأسي يضرم الحقد والكره على رؤساء وملوك سحبو منا تأشيرة لقاح مضادة للقهر والذل والمرض... .تمنيت لو ان هناك حقن تعيد الحلم والابتسام الى اجساد يمتلكها الصقيع ويأبى أن يزول فمن عادة الصقيع الثرثرة عند التغلغل بالاجساد، لم اعد أعلم اين اسير على وجيد المخيم ام على رصيف ذاكرة تحوي مجدا ضائع... وأبدأ بممارسة طقوس الكآبة والاسى في صومعة جسدي السرية، مخيم نهاره يكتحل بقطع من الجمر الاحمر في عز الظهيرة... اسوار تعتري الوطنية والمقاومة، مياه عادمة يلعب بها الاطفال كسيول ماء في حدائق غناء... وأعمدة قد دقت الشيخوخة أحجارها، دكاكين تقدم وجبات سريعة من الاحلام المزورة ليكون عائدها وطن... عملته الموت وشعبه دماء، أُناس تعرقل احداث 1948 وال1976 خطواتهم نحو الحب والحياة... تشل احلامهم العتيقة هندسة مدائن انفسهم، يبنون حلم... ويهدمون نفس وفجأة شعرت برعشة في ذاكرتي تكسر أمواج الحرمان المتلاطمة منذ زمن.
 لماذا أنتِ هنا:
صوت طازح لم يعطب بعد، صهيل أنفاسه الهشة تجعلني أُبالغ في أخد الحيطة العاطفية.
 جئت لأبحث عن وشاح اغطي به خجلي من الحياء.
 ما فائدة الخجل والمومس تواصل الحياة دون جهد.
تلعثمت كلماتي فالضجيج والصخب في فلسطين يجعلنا نفقد قاموس الكلمات والفرح... ونلتحف الحزن
 في وطني المباسم على مقصلة الجلاد.
اجبته بصمت يثير القرحة الوطنية، لم ادري أنه رجلا يثير القرحة العاطفية فكيف استطاع اذابة جدار قلب مقيد بسلاسل الماضي العتيقة وأنا منذ زمن أبحث عن رجلا يكون مرهما وضمادا لجروحي فكيف بحب ينمو بمنفى المآسي والغربة والفقر والالم فدوما نصطدم بحائط الحب القديم قبل أن نجد سلم نجدة ينقذنا من عتمة القلب ووحشيته، وهل يبنى حب فوق اساس حب تغلغل في مسامات جسدي وكنت أخشى من تسربه يوما... فمنذ الصغر اعاني بمرض حاد قام بقطع خطوط التواصل بين أعضاء الجسد والروح تحديدا بعد انتفاضة الاقصى الثانية، فالحرب في وطني تجعل القلب يتأرجح بين الشك واليقين والدماء تجعلنا احياء تارة... واموات تارة اخرى فلانعلم متى سيدركنا توقيت الشهادة يبدو أن دوري تأخر الى الان فقد سئمت الوقوف في طابور الاحياء فمتى سيختم القدر... جواز السفر الى الموت... الى حياة يكحلها الشرف والحياء.
 أرفضك ضاحكة:انتي هنا لتتعلمي أصول الشجن الأصيل
مخيم النيرب حافظ على مياه الحزن التي تستحم بها فلسطين وكان حزنهم يعني... التضامن مع حزن بلادهم فلسطين (اعتذر لان فلسطين هنا وطن محذوف... للاضافة"اسرائيل")
استطرد: كما وانني اخشى عليك فأنا أعلم أن اليهود لا تعطي رخصة تسمح بها حق ممارسة الضحك وحسب قوانين الاحوال اللا شعورية... يتطلب منكِ أن تدفعي غرامة مقدارها السجن لأنكِ قمتي بإختراق القانون اللا شعوري لديهم...
 الضحك... موتك لاحياء حضورك
فهو يدري جيدا أن الهرمون الفلسطيني اينما كان لايفرز سوى الكآبة والاسى والهرمون الاسرائيلي يفرز البشاشة دون هشاشة... لقد فشل الاطباء بزراعة هرمون الضحك الى احد الاشخاص بحجة انه لايليق بمستوى جسده فقد كان جسده ملي بالرطوبة والطحالب السوداء التي تعيق نفاذ الحزن.
ضحكنا سويا... لكن دون قصد، لقد كنا نعلم أن فوهة اليأس ينفجر منها الضحك الغير مقصود (بدون سبب)
 لقد تأخرت الان... علي أن أذهب (لم يعلم احد اني هنا)
ان الخوف اصبح عدوى جماعية في البلاد العربية
 الى اين، اريد رؤيتك... ؟
اطرقت قليلا... حسنا
 اراكَ غدا في مقبرة الارقام
لقد اعتاد العشاق في مخيم النيرب ببناء اضرحة تكون بمستوى جنونهم مع إحتفالية الحلم المعطوب والموت المشترك، يستوطن في ترتبتها قرابين قدمت كهدية لعيد الحرب... عبثا للحياة لم تعد صالحة للعيش لقد انتهت صلاحية الحياة، عندما زادت المصانع الانتاج من الموت... كصدقة جارية في زمن المأسآة.
في اليوم التالي:
عزمت على ان البس حداد الموت(ثوب اسود) فحتما ستكون تلك المقبرة آخر محطة اركبها مع حقائب تحوي شهادة موت غير مزورة... لقد سئم جسدي البرد فأخد يبحث عن دفء يلتحف به وهذا ما اوصله الى هنا، حيث حرصت على ان تكون جواهري من الياسمين... وحده الياسمين حافظ على عطره في زمن الدماء... ذهلت عندما رأيته فوق القبر الذي قرأت عنه في روايات البطولة"محمد عبد الكريم البطاط" الذي دفع دمائه ضريبة الاوطان وعزم على ان يكون سيد الدماء في زمن الحرب... ذلك البطل التي لبست الخليل لاجله الحلي فقد ولد من رحمها وهو مكللا باطواق الفخر حيث ترعرع في بلد تتقن ثقافة المواجهة... وحرفة الالتزام بالعهد... واننا باقون على العهد، ابتعلت الحزن امامه ورحت اطارح دموعي سرا، مقبرة الارقام تبدو كالنبات بلا سيقان لقد دفن بها ابطال فلسطين الذي يستحيل نزعهم من ذاكرة التاريخ... لقد سطر التاريخ بدمائهم صفحات الشرف والشهادة، نهض من فوق القبر ووقف في سكون وراح يتأمل مقلتي المصابة بعمى الاحلام الباهته... باقة ياسمين تقدمها يداه الملطخة بتراب عطره المسك.
 لماذا أخترت الياسمين"شعرت بإختناق يعيق قذق الكلمة"
 يقول ودموعه على حافة السقوط"ان الحب كالياسمين يحتاج الى الرعاية لينضج عطرا فاخر الجودة"
 استطرد:كما وانه يسعدني أن أكون أول من يقدم تهنئة الموت على ضريحك
هنيئا للياسمين على فجيعتنا... بهدوء اخلع طوق الياسمين من نحري العاري من الرغبة، البست جسده رائحة الياسمين حيث كان يشعر بالرطوبة عندما تغادر رائحة الياسمين جسده وكنا بالياسمين نتبادل هدايانا
 متى ستغادرين مطار جسدي..؟
دائما اخشى الاسئلة لقد كانت توقعني بفخاخ الاجابة، لم استطع الاجابة... .فترددات اللسان الفلسطيني باتت تخلو من بث الكلمة... بين القبور كان الموعد مع احتفالية الموت في شتات الارواح وتمزقها فحتى الشهداء في مقابرهم يعانون من اضرابات وطنية اوصلتهم الى مدائن بلا قلب تخلو من النقاء العاطفي وكذلك الوطني ايضا، لقد اصبحنا عاجزين عن انتاج الكلمات فبدأنا نطارح غرامنا بلغة الصمت بين ممرات القبور الضيقة حتى لا اسبب الفوضى للاموات هنا... ثم بدأت الشمس تتوارى خلف غيوم الخوف والرعب وقد تفوقت بجدارة على اجتياز حواجز الماضي وهواجسه، ماجدوى العبور من الماضي وإحداث فجوة يتطاير منها النسيان وكان مخيم النيرب ومقبرة الارقام امتداد لقبلة الوداع التي حدثت قبل عامين تحديدا عندما انهار جدار المصلحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية، حيث أقسمت السماء على أن تلبس اللون الاحمر بدلا من الازرق ولم تعانق الارض فمازال المطر سجينا في رحم السماء... .الى هذا الوقت، وكلما يتقدم الزمن تكبر مساحة المنفى بأنفسنا... نهرب من فوضى الواقع الى خيال نتشبت به يخفف عبء الحياة ولإضاءة مصباح يكون الضياء من عتمة السجون والقبور التي خلقت من كائنات متطايرة وتدربت على عشق اللا حياة... ويبقى منفى جميلا رغم عبثيته.
صحوت الآن بعد نوم طويلا في الصمت.
 غدا سأغادر حلب... .الساعة الحادية عشرة مساء.
لقد أحس بأنقباض القلب قبل هبوط الكلمات... حب قيدته الظروف السياسية البائسة التي اوصلتنا الى عناوين الشتات... اكره الاحلام التي نفرزها فحتما ستكون معطوبة في اوطان مصلوبة، بدون مقدمات يجتاحني بقبلة قاحلة تتلائم مع ظروف مخيم النيرب ومقبرة الارقام... ثم يعانقني والدموع تهطل بغزارة من ضفاف عينيه التي توقفت الحياة على اعتابها... لقد اختلطت البدايات بالنهايات، لم اعد قادرة على مواصلة الحياة... هنا صرخة الموت وانقباض عضلة الامل وانقطاع شهوة الاحلام... أموت شهيدة حب بمحاذاة السياسة... بدايته مخيم النيرب وصولا الى مقبرة الارقام ثم الى حياة تخلو من الرغبة .بدأت بالتلاشي رويدا رويدا حتى لا اسبب الحزن لمن حولي يكفيهم احزانهم المتراكمة منذ زمن، اليوم أنا هنا وغدا كنت أنا هنا وكانت الامال على يميني والخيبات على يساري... لقد خسرت الحرب مرتين عند انهيار معنويات الاوطان تارة... وعجز الحب من البقاء على قيد الحياة تارة اخرى، وصلت الفندق(beit wakil) وانا مرهقة... فقد انهكني الحب ومخيم النيرب ومقبرة الارقام وبات كل شيء يختلف... لقد تغيرت ملامح وجهي الوطني الملطخ بالمعاناة وتفاصيل جسدي الخمري فاصبحت كالعجوز التي تحاول ترميم ايامها الغابرة... التي تحاول في العثور على ابتسامه تصبها في كوز مابقي من ايامها.
يومان قد غيرو تفاصيل جسد وذاكرة روح وتضخمت الاحداث السياسية في البلاد العربية حيث شهدت ارتفاع حاد في مرض المنخوليا العاطفي ومرض نقص المناعة الوطنية وقد أقترح أحد الخبراء"يجب علينا طمرهم في مزبلة التاريخ" للتخلص من روائحهم التي باتت تقض مضجع الدولة اليهودية... لقد كانت قضية اللاجئين تقض مضجعي فمنذ نعومة أظفاري نهلت التشرد من ثدي المنفى الذي يكبر في داخلي ولا زلت اتذكر القرارات العاقرة التي تقودنا الى المناقشات البائسة والمعتقلات النائية... هبط الصباح وهبط المساء في مطار لايحمل الا هوية الحنين وخارطة الرحيل، وصلت الى المحطة الاخيرة التي يقودها القدر مع حتف ذاكرتي المؤجلة ولربما اتسلق جبال ذاتي الشاهقة بحثا عن ذاكرة تكون مأوى لأشخاص أحدثو زلزالا جميلا في تموز القلب، أطلق القطار صافرة الانطلاق... ليعلن بداية الرحلة الاخيرة في السفر الى مجهول يكون بداية الحياة من جديد صعد الجميع واحد تلو الاخر بين فوضى الدموع في عتمة الحواس... تعالت الاصوات وكثرت مناديل البكاء والسماء لاول مرة تعلن الصدع لنكون في ضيافة المطر وضيافة الالم... في حبنا نتعثر وفي اوطاننا نتحسر لشعورنا بالاقلية في الدولة اليهودية ومتى نعلن الموت ليكون بداية الحياة الى حياة فوق الحياة تكون بمستوى جنوننا وبايقاع احلامنا لنرقص على سمفونية الفرح والابتسام.
كان عاطلا عن النبض بعد ان فقد القلب، لقد جفت الدماء في عروقه كنا نتشارك البكاء في مأتم الحب، اغلق القطار الابواب وبدأ بالتحرك وراح يلوح بتلك الايادي الثكلي بتضخم المآسي العربية التي تعجز بعد النجوم السابحة بالفضاء يصرخ بصوت عال ويقول انا لله وانا الى الوطن عائدون ثم بدأ صوته يتلاشى... أكانت السماء حقا تبكي علينا ونسير في غربة الاشياء الصغيرة وغربة ذرات التراب التي قضت علينا قبل أن نقضي عليها، أكنا حقا في سباق مع الزمن ام كان هذا من سخرية الحياة وهل سندفع الفراق ضريبة الاوطان وهل سيغفو يوما على صدر وطنه كطفل يتيم جار عليه الزمن... ومن هنا يصبح الصمت مشروبي المفضل.



#دعاء_السيوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دعاء السيوري - راهبة في صومعة الجسد