عام على الثورة التونسية : شباب عاطل متجهم و حكومة تظل طريقها

ياسين بن شيخة

الحوار المتمدن-العدد: 3660 - 2012 / 3 / 7 - 15:47
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    

انه ليس ذنب الشباب العاطل إذا كان إلى حد هذه الساعة متجهما وغير راض عن السياسة الاجتماعية و الاقتصادية لتونس ما بعد الثورة. أداء هزيل للحكومة المؤقتة الثالثة خلال سنة كانت ثمرتها تضخم اقتصادي و تدهور القدرة الشرائية للمواطن و انخفاض الاستثمار و تراجع السياحة و ارتفاع العاطلين عن العمل الى 80 ألف عاطل. و ما كثرة و تعدد المظاهرات و الاعتصامات في مختلف القطاعات من تعليم و صحافة و عمال بلديات و نقل و خدمات و الاحتجاجات المتكررة لعديد المواطنين أمام مقر المجلس التأسيسي و المؤسسات العمومية لخير دليل على احتقان الشارع التونسي و نفاذ صبر شباب ضحى بحياته من أجل الكرامة و الحرية.

فللطبقة الكادحة كل الحق في أن تكون غاضبة. غضب ليس مصطنعا و لا يمكن امتصاصه ببساطة في غياب حلول آنية و متوسطة المدى لشعب عانى الأمرين على مدى أكثر من عقدين. فقر هذا الشعب يزداد حدة و قدرته الشرائية تزداد تدهورا و رغم ذلك تظل كرامته و تمسكه بحقه في عيش كريم أهم مقوماته التشغيل ثم التشغيل.

انه غضب طبيعي و مبرر نتيجة تراكم الأخطاء و الانزلاق التي تندرج في إطار سياسة لطالما حذرت النقابات العمالية من انعكاساتها على الطبقة الشغيلة. سياسة استفاد منها المارقون في العهد البائد و استبعد منها المهمشون و العاطلون و استغل فيها الساسة في الشق المعارض قلة خبرة الحكومة الحالية لينحدر مستوى الفقر من جديد و ليشتد بؤس المناطق الداخلية خاصة.

إن الشعب منزعج و سيظل منزعجا طالما أنه كلما طرح مشكل إلا و أدارت الحكومة ظهرها و لفتت أنظار الرأي العام إلى قضايا جانبية مثل إثارة النعرات الدينية أو اصطناع مشاكل لا علاقة لها بواقع المجتمع التونسي أو الإدلاء بتصريحات نارية تتهم طرفا معينا في البلاد دون تقديم أدلة أو براهين. هذا و عندما تحتد الأمور و تنسد آفاق الاستجابة تضطر، و تحت الضغط الشعبي, إلى اتخاذ تدابير و حلول سطحية انما تؤجل حل المشكل.

و حسب ما سجل إلى هذا اليوم، فان هذه السياسة المراهقة و الوقتية لم تنتهج لإرساء نظام اجتماعي متواصل يضمن للطبقة العاملة التشغيل و تحقيق الثروة بما تحتويه من رقي و تنمية. لقد كانت و لا تزال سياسة هذه الحكومة قائمة على هاجس المؤامرة و تظلمها من المعارضة و من النقابات و من المعتصمين و المطالبين بحقوقهم الشرعية.

و الملفت للنظر أن الحكومات المختلفة على اختلاف ألوانها و أطيافها لم تنفك، و منذ سقوط الطاغية، عن الاقتراض الخارجي بمليارات الدولارات دون أي نتيجة حقيقية على الميدان. ديون تثقل كاهل العمال و العاطلين و تعمق نهج التهميش و التفقير دون النهوض فعليا بالمناطق الداخلية و دون تحقيق مطالب شعبية لطالما كانت مستعجلة لشعب عانى الأمرين.

إن الشباب و الشعب التونسي بتكاتفه و تضامنه مع بعضه البعض وبتكتل قواه إنما سيفرض تغيير السياسة الاجتماعية و الاقتصادية الحالية لحكومة طال ترددها. دور النقابات العمالية رئيسي في هذه المرحلة الحساسة من البناء و التحول الديمقراطي للدفاع عن مصالح عمالها و في نفس الوقت أمامها مسؤولية تاريخية هي تأطير عمالها لمواصلة مسيرة الإنتاج و خلق الثورة و في نفس الوقت متابعة مسيرة النضال و تحقيق أهداف الثورة. نضال مشترك سيحث الحكومة على الاستجابة لمتطلبات و تطلعات شعبها وسيظهر لبقايا النظام البائد و أعداء الثورة أن القمع الاجتماعي لا مستقبل له.

#ياسين_بن_شيخة (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل