أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بالطيب - العُرْبان و الخيانة : من أبي رغال ,, إلى مؤتمر تونس















المزيد.....

العُرْبان و الخيانة : من أبي رغال ,, إلى مؤتمر تونس


محمد بالطيب

الحوار المتمدن-العدد: 3654 - 2012 / 3 / 1 - 17:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إذا ماتَ الفَرَزْدَقُ فَارْجُمُوهُ ** كَمَا تَرْمُونَ قَبْرَ أبي رِغَال ,,, جرير
تحفظ ذاكرتنا الأدبية هذا البيت على أنّه أحد أشدّ أبيات الشّعر العربي إقذاعًا في الهجاء , لما تستبطنه الصّورة من إيحاءٍٍ لأبشع الصّفات البشرية -المذمومة شرعًا وعٌرفــًا- ألا و هي الخيانة ,, حيث إبتدع جرير هذا البيت في هجاءٍٍ لغريمه الفرزدق ,مٌشبّها إيّاه بأبي رغال ,ذلك الرّجل الذّي تسجّله كل المدوّنات الفكرية و التّاريخية على أنّه رمز الخيانة في تاريخنا العربي ,فهو الذّي إنتصب لأبرهة الحبشي دليلاً في الطّريق الى مكّة حين أراد هدم البيت في قصّة "الفيل" المعروفة ,, و تذكر بعض المصادر أن النّبي -صلّى الله عليه و سلّم- لمّا مرّ بقبره ذات مرّة ,أمر برجمه لشنيع صنيعه و تجريمًا -و لو برمزيَّة رجم القبر- لفعل الخيانة.
تذكّرتٌ كلّ هذا و أنا أستحضر بيتًا لشاعر آخر معاصر يصل به للقول ,بعد إستعراض ما آلت اليه الأمة من تشرذم و تفتّت بيد الإستعمار :"إذا ما أضعنا شاهمها و عراقها ** فتلك من البيت الحرام مداخله" فعْلا ,فالمعنى -المشحون هنا بالحكمة- يبدو واضحًا جدًّا ,فأقطاب الأمّة عبر تاريخها هما الشّام و بغداد ,و ربّما تعود هذه القطبيّة/الثّنائية الى اللّحظات الأولى من تفكّك الاسلام في صراع عليّ و معاوية ,, أو ربّما تستمد القطبية شرعيتها بشكل أوضح من إختيار عواصم الخلافتين الأموية و العبّاسية بما هما أعظم حضارتين في تاريخ الأمّة. على كٌلِّ, و خارج المباحث التّاريخية و بالعودة لحقائق الرّاهن العربي ;يمكن أن نُلامس حقيقة ماثلة مفادها أنّ دمشق هي الوحيدة -فعليّـًا- التي مازالت تحافظ على شيء من السّيادة الى اليوم ,,فقد سقطت بغداد ,, و خفت صوت مصر و تخلّت -للأسف- عن مركزيتها التي إكتسبتها لمدّة طويلة و لم تعد تتكلّم إلا همسًا ,بل صار اليوم صمتها خيرٌٌ ألف مرّة و أنفع ,, و القدس كذلك ,بما هي ثالث مقدّسات الأمّة, أٌغتصٍبت و هٌوٍّدَتِ و لاحول و لا قوّة إلا بالله.
فلم يبقى -و الحالة هذه- من شرف الأمّة و عزّتها إلاّ دمشق حٌضْنًا للمقاومة و داعمًا لها و صوتــًا من أصوات الرّفض لحالة الهوان العربي الرّسمي و الشّعبي ونشازًا واضحا في جوقة الإستسلام العربي المٌشين ,, دمشق التي إحتضنت فصائل المقاومة الفلسطينية حين ضاقت أمامهم الأرض بما رَحٌبت ,,دمشق التّي دعمت المقاومة اللّبنانية ولازالت بالسّلاح و المال و الرّجال ,,دمشق حاضنة المقاومة العراقية و مٌتنَفّسٌها الوحيد على العالم ,,دمشق ذاكرة الأمّة و أقدم حواضرها و أحد أثرى معالمها و أحد أخصب أرحامها الإبداعية و الفنية و الفكرية,, دمشق قلب العروبة ,و الغصّة العالقة في حلق الغرب الإستعماري ;تلك الحٌرْقة التّي صوّرها عمليًا الجنرال "غورو" في أوّل يوم لدخوله دمشق سنة 1920حين توجّه -مٌباشرةً ,مثقلاً بثأره الصّليبي- لقبر صلاح الدّين الأيّوبي و قال :"إنهض يا صلاح الدّين لقد عدنا" ,, دمشق ;تلك التّي هي كلّ هذا ,, و أكثر.

أسئلة حارقة :

و بغضّ النّظر عن كلّ ما تَقَدَّمْ ,و بغضّ النّظر عن الموقع الإستراتيجي لسوريا و عن علاقتها المتينة جدًّا بإيران ,تلك التّي يمثّل إمتلاكها للسلاح النّووي تهديدًا وجوديّــًا فعليّــًا لما يسمّى بـــ"إسرائيل" و بغضّ النّظر عن موقف سوريا من المقاومة ,, هل لنَا -من باب المصارحة- أن نتساءل : متى كان الدمّ العربي غاليًا على ناتنياهو حتّى "يستنكر المجازر التي يقوم بها النّظام السّوري ضد شعبه الأعزل" ؟! متى كان نتنياهو إنسانيًا حتّى يدعو الى "عدم الصّمت حيال ما يحدث في سوريا" ؟ نفسه نتنياهو ,هذا المسكون بكلّ هذه الانسانية و الحرص الأخلاقي المتفرّد على الدمّ العربي ,هو ذاته الذي نقلت "هآرتس" الخميس الفارط عن صفحته على الفايسبوك تعليقـًا له حول مقتل عشرة أطفال عرب فلسطنيين في حادثة حافلة بالقدس بــــ"أنّه مرتاح لأنّ القتلى فلسطنيين ,و أنّه يتمنّى الموت لكلّ العرب و تسائل في النّهاية عن سبب تقديم المساعدة لهم"!!. هل يجوز لنا -من باب المراجعة التّاريخية- أن نسأل :متى كان الغرب حريصًا على حرّيتنا و كرامتنا و عزّتنا و هو الذّي يقف بلا حياء في صف أعداء القضية العربيّة المركزية الأولى ,قضية فلسطين, و يقاتل في كل المنابر من أجل ما يسمّى بدولة "إسرائيل"؟! طبعًا نحن نتناسى هنا –عمدًا- كلّ التّاريخ الاستعماري للغرب و نغضّ الطّرف عن دعمه لديكتاتوريات العَــمَالة و الانبطاح التي إستعمرت شعوبنا العربيّة بالوكالة و حطّمت آمالنا و قبرت أحلامنا و دجذنت إيماننا بالحرّية و التّحرّر و لم نتكلّم عن تقسيمه لأوطننا و استنزاف ثرواتنا و تراثنا,, هل يجوز لنا أن نتساءل :هل يمكن لمن وقف ب60 قرار فيتو ضد فلسطين أن ينتصر لسوريا ؟؟ ألا نخجل من أنفسنا حين نصدّق ملوك الخليج و هم يتحدّثون عن "نشر الدّيمقراطية في العالم العربي"؟! ألا نخجل من أنفسنا حين نرى أمراء الأعراب ,حيث في أوطانهم ما زالت المرأة تناضل من أجل قيادة السّيارة , يتكلّمون عن "الحريّة" و "حقوق الانسان" ,و هم الذّين يٌعاملون في قصورهم عاملات آسيا كجواري ما قبل الاسلام في صحاري نجد !! ألا نخجل من أنفسنا و من عقولنا و نحن نشاهد ذلك الأمير الخليجي المعمّم بالجهل و العمالة -و المنقلب على سلطة أبيه- وهو يدعم حروبا أهلية في الوطن العربي من أجل "الانتقال الدّيمقراطي للسلطة" ؟! برّبكم هل يمكن لفرنسا التّي أبادت أكثر من مليون بشر في الجزائر و أرسلت الغاز في طائرات خاصة لوأد "إنتفاضة" الشعب التّونسي أن تدعم اليوم الشّعب السّوري ؟! بربّكم هل يقبل عاقل من ذلك المتأسلم أوردوغان أن يستنكر "قتل المدنيين" في سوريا و هي يدك أطفال الأكراد بالطّائرات ؟! هل يمكن لأمريكا بكل ما يختزله إسمها من مأساوية في الذّاكرة العربية أن تكون في صف الأمّة اليوم ,و هكذا و لوجه الله, ؟!
فذاكرتنا –على ضعفها- تأبى علينا أن ننسى العراق و بغداد و بوغريب و ماجدات العراق و أيتام العراق و حضارة شعب العراق ,, ربّما تأبى علينا أن ننسى كلّ هذا كي لا ننسى أيضا أفغانستان و جرق المصحف الكريم ,, و جثث المسلمين الذّين تبوّل عليهم رجال المارينز و هو يلتقطون الصّور للذكرى.

قمّة الخيانة ,, قمّة أحفاد أبي رغال :

هكذا -إذًا- و وسط هذه الأمواج المتداخلة من الحقائق الآنيّة و التّاريخية الثّابتة ;إنعقد بتونس مؤتمر "أصدقاء سوريا" و العٌهدة على من سمّى ,,حيث جمع هذا المؤتمر حثالة البشرية من الإستعماريين القٌدامى و "أصدقاء الصّهيونية" و العٌربان العملاء و حضر معهم من باب المجاملة ,و على مضض, بعض الدّول المحايدة كالجزائر التّي كان موقفها واضحًا جدًّا منذ البداية و الرّافض للاعتراف بٍمٌجيلس "كرزيات" إسطمبول و رفض فكرة تسليح "المعارضة" ,, هنا أريد أن أطرح سؤالا ساذجا -آخر- حيث تداخلت علينا المفاهيم : هل الاصطفاف في صف أعداء الأمّة و مستعمريها القٌدامى أقرب هو للثوريّة أم للخيانة ؟ فلنفترض "نبل المقاصد" و "حسن النوايا" لدى المؤتمرين ,فأيّهما كان أحوج لمؤتمر "أصدقاء" –ومن باب الأولويات الإنسانية و إستعجاليّة الحسم السّياسي و الثّوري- : فلسطين أم سوريا , الصّومال أم سوريا ,السّودان أم سوريا , العراق أم سوريا ,اليمن أم سوريا ؟ و لنفترض "النزاهة" في المؤتمرين و لنفترض "صدق" إرادتهم لفرض الدّيمقراطية في سوريا و إستئصال "الدّيكتاتورية" : من كان أولى بهذا المؤتمر : دولة لم ترتقي بعد لتفهم –عمليًّا- ماذا يعني "حزب سيلسي" و لم تمارس يومًا –ولم بالمزاح- عمليّة إنتخابية أم دولة "جمهورية" منذ أكثر من نصف قرن ؟ صحيح قد تبدو مُبرّرات هذا المؤتمر ,للسذّج و لغير العالمين بخفايا الأمور, و للوهلة الأولى, إنسانية بالأساس ;فهي "دعم الشّعب السّوري" ولكن ألا يبدو لنا شبح العراق و ليبيا ,وتحت ذات الذّرائع, قائما -إلى الّحظة- بسوداويّة مٌحزنة؟ أنٌلدغٌ و نحن "المؤمنون" ,من ذات الجحر ثلاث مرّات ؟ هنا لا زالت ذاكرتنا النّضالية/الثّورية العربيّة تحفظ لنا تلك الكلمة الخالد للعلاّمة إين باديس حين قال :" و الله لو قالت لي فرنسا قل :لا إله إلاّ الله ,, ما قلتها" ليقين –تراكم عنده بالتّجربة و المعرفة- أن هؤولاء القوم لا يأتي منهم ما يصلح الحال و لو كان في ظاهره جميلا و إنسانيًا . فلم يكن هذا المؤتمر القطري المنعقد على أرض تونس سوى محاولة إستعمارية مفضوحة ,بذيئة و مكشوفة العورة لا تخفى دقائق أمورها إلا على من تآكلت قدراته الذّهنية على تمييز الطيّب من الخبيث ,, لا هدف منه إلاّ إسقاط النّظام السّوري , وكفى. فلا همّه الشّعب السّوري و لا الدّماء السّورية و لا وحدة المجتمع و الارض هناك , و كلّ هذا خدمة لأجندات الاستعمار و لمشروع "الفوضى الخلاّقة" وإستكمال معالم المشروع الإخواني’الذّي لم يعد يخفى على أحد إرتباطته بالمشروع الأمريكي في المنطقة بتوصيات مباشرة و صريحة من مراكز الدّراسات ذات الثّقل في دوائر صنع القرار الأمريكي ;خدمةً في النّهاية لما يسمّى بــ"إسرائيل" .
ختامًا ,يذكر التّاريخ أن أبا رغال مات في الطّريق إلى مكّة و خاب سعي أبرهة الحبشي في هدم البيت الحرام و لم يبقى من كلّ القصّة الا العبرة و الحكمة في تجريم الخيانة و استبشاع بيع الارض و العرض و الذمّة للأعداء ,, كذلك فشل مؤتمر "أعداء سوريا" و خاب الجمع و افترق جمعهم على أسوأ ما إجتمعوا عليه ,, و بقي العار يلطّخ جبين الأعراب و كلّ من إرتضى لنفسه أن يكون نعلا في قدم "الأسياد" ,, فقد خرج أحرار تونس و قالوا كلمتهم الفصل :" لا لتكون تونس معبرا لمؤامرة على سوريا" ,, لا للمؤامرة على المقاومة ,, لا للمؤامرة على فلسطين ,, نعم لحريّة الشّعب العربي السّوري ,نعم للاصلاح , نعم للدّيموقراطية و التعددّية و الوفاق ,, لا للخيانة ,,لا للاستعمار ,, و عاشت المقاومة العربية الباسلة في كلّ شبر من هذا الوطن الجريح ,, و عاشت أمّتنا العربّية المجيدة .



#محمد_بالطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- البيت الأبيض يدعو إسرائيل إلى إعادة فتح المعابر إلى غزة
- مسيرة -لانسيت- الروسية تدمر منظومة استطلاع أوكرانية حديثة في ...
- البيت الأبيض: إسرائيل أبلغتنا بأن العملية العسكرية في رفح مح ...
- -ولادة بدون حمل-.. إعلان لطبيب نسائي يثير الجدل في مصر!
- تبون: ملف الذاكرة بين الجزائر والمستعمر السابق فرنسا -لا يقب ...
- في الذكرى الـ60 لإقامة العلاقات بين البلدين.. أردوغان يستقبل ...
- تسريب بيانات جنود الجيش البريطاني في اختراق لوزارة الدفاع
- غازيتا: لهذا تحتاج روسيا إلى اختبار القوى النووية
- تدعمه حماس وتعارضه إسرائيل.. ما أبرز بنود اتفاق وقف إطلاق ال ...
- في -قاعة هند-.. الرابر الأميركي ماكليمور يساند طلاب جامعة كو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بالطيب - العُرْبان و الخيانة : من أبي رغال ,, إلى مؤتمر تونس