أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سرمك حسن - الإرسي لسلام إبراهيم - هذا المشهد الروائي الباهر -














المزيد.....

الإرسي لسلام إبراهيم - هذا المشهد الروائي الباهر -


حسين سرمك حسن

الحوار المتمدن-العدد: 3654 - 2012 / 3 / 1 - 11:50
المحور: الادب والفن
    



في دراسة نقدية عن رواية الأحمر والأسود لستندال قال الناقد الفرنسي "روجيه نيميه" وهو يتحدث عن إحدي صور ستندال الفنية التي حفلت بها الرواية الشهيرة والتي ملكت عليه لبه: (هنا.. يجب علي المخرج أن يضرب رأس الممثل بقطعة من الديكور ).
وفي بعض الروايات مشاهد فذة تعلق بذاكرة القاريء إلي الأبد. هي مشاهد متخمة بالدلالات الإنسانية المصوغة فنيّا بصورة لا يمكن نسيانها أو مقارنتها بغيرها من المشاهد. إنها لحظات فنية تتجاوز الواقع وتخرقه. هنا تبدأ الحياة بمحاكاة الفن لا العكس. من تلك المشاهد وقفة مدام بوفاري في رواية فلوبير الشهيرة وهي تحاول الإنتحار ثم تشاهد المغني الأعمي فيصعد إليها الرصيف وتحجم.. ومنها المشهد الذي ينحصر فيه بطل رواية كل شيء هاديء في الميدان الغربي لريمارك مع الجندي العدو الذي يلفظ أنفاسه.. ومنها مشهد أحد شخوص أحلام مستغانمي في روايتها عابر سرير وهو يرتعد أمام محاولة المتطرفين تحطيم الباب لقتله.. ومنها محاولة منيرة بطلة رواية فؤاد التكرلي "الرجع البعيد" الإنتحار ومنعها من قبل شقيق زوجها وحديثها الباكي الساحق حزنا ونقمة علي الحياة وظلم الناس. وفي رواية سلام إبراهيم "الإرسي" ــ دار الدار ،القاهرة، 2008 ــ هناك مشهد لا نعرف بأية قطعة من الديكور نضرب رأس الممثل بها. إنها قطعة فنية ستكون من كلاسيكيات السرد العراقي. فقد اتفقت العمة مع ابن اختها الجندي الهارب من الخدمة العسكرية، علي أن لا يخبر زوجته بمكان اختفائه في علية "إرسي" بيتها. هكذا تمر سنوات لا يري فيها زوجته وطفله الوحيد. وفي وحشة العزلة وظلمتها يناجي زوجته الحبيبة في مونولوج جارح عن حزنه وافتقاده لها ولأصدقائه وصخب الحياة اليومية:
(صرتُ مثل روح يا حبيبتي؛ روح غير مرئية غادرت الجسد الفاني، روح هائمة، تدور في العتمات والأمكنة، روح تتحاشي التجسّد للأحياء كي لا تثير فزعهم.. تتأملهم من الزوايا والأركان المنسية.. ــ ص 52 و53). ووسط هذه التداعيات يسمع صوت زوجته آتيا إليه من الشارع.. تصوّروا ردة فعله وهو يراها حاملة ابنه في الشارع من فتحة الإرسي الصغيرة.. لا هي تدري به.. ولا هو يستطيع مخاطبتها.. ولا يفصل بينهما سوي مسافة بقدر سُمك زجاجة الشباك:
(.. وبغتة اخترقني صوتك. اضطربتُ. توترتُ. تشنجتْ أصابعي الممسكة بإطار الشباك الخشبي. أمد بصري.. أدوّره.. من أين يأتي؟ من الشارع أم من أوهام ذاكرتي؟! أتكونين خلف النافذة؟.. و.. و.. أسمع نبرتك الفريدة، واضحة قريبة هذه المرة.. وأنت تنادين وتمازحين بنتا جميلة تقف ضاحكة بمواجهة موضعي. أطفر إلي الجهة الأخري. أرمي بصري من الزاوية المقابلة. لا أري شيئا. ثمة غشاوة انسدلت علي عينيّ، مضافة إلي غشاوة الأتربة المتراكمة علي مشبك السيم الصديء. أصبح من العسير تحديد ملامح الوجوه في ضوء الغروب. أفرك عيني متخلصا من الغشاوة البيضاء. أعاود الحملقة. أقتحمني صوتك هذه المرة قويا.. قريبا، مباشرة خلف النافذة. أشب علي أصابع قدمي. أميل مجازفا بالاقتراب من زجاج النافذة. باغتتني قسماتك دانية، لا يفصل بيننا سوي سُمك الزجاج. بخطوك المتأني ووجهك الباسم تدخلين مسافة نافذتي، يباغتني وجه ابننا المدور الجميل، يحدق نحوي ضاحكا وكأنه يراني. أشبّ. أتلظي بناري وأنت تستكملين احتلال فضاء النافذة. تستديرين بقامتك الرامحة نحو البنت الواقفة علي عتبة بيت مقابل تبادلينها الكلام.. استديري نحوي يا حلوتي.. أريد أن أراك من هذه المسافة. أريد التحقق من ملامحك التي ضببتها الأحلام والأخيلة والرغائب والذاكرة. أردتك أن تلفتي كما صغيرنا مرة واحدة. ها أنت تشرعين بالخروج من فضاء نافذتي، ودون وعي وجدتني أضرب عارضة النافذة بقبضة مضمومة مما جعلك تجفلين متلفتة صوب عتمة الشباك ، ناظرة بعينين فزعتين.. أتشرب ملامحك المضببة بأغبرة المشبك، والزجاج المغبش بأنفاسي المتلاحقة... تبتعدين. ألاحقك. ستمرين أمام باب البيت. أركض مثل مجنون نحو المدخل. ألصق عيني بثقب المفتاح. يجيء حفيف العباءة أولا.. و.. تقتحمني رائحتك العذبة الظالمة المُعذبة... أستجمع وشل شجاعتي الغاربة كي أستطيع سحب درفة الباب.. يملؤني خيال عناقك.. ضم جسد ابننا.. سأشبع بكاء.. سأبلل رقبتك التلعاء.. سأ.. سأ.. سس.. سس.. أزحزح كفي القابضة أكرة الباب باغيا سحبها.. تعصي متمنعة والسواد يشغل سماء الثقب، ويغيب. تنحل أصابعي وتموت فوق الأكرة ، وجسدك المحتشد النابض يتلاشي في شحوب المساء.
فأسقط متكوما علي بلاط المدخل حاضنا الستارة القديمة. أنتحب نحيب مذبوح، وأحدق عبر غلالة الدمع الفائر المنسكب بالمساء الذي احتل الباحة المهجورة بلون ظلامه الشفيف ــ ص 53 ــ 55).



#حسين_سرمك_حسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر - وديع شامخ - : معضلة الحداثة والثقافة ؛ أو سؤال الرؤ ...


المزيد.....




- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...
- معرض -حنين مطبوع- في الدوحة: 99 فنانا يستشعرون الذاكرة والهو ...
- الناقد ليث الرواجفة: كيف تعيد -شعرية النسق الدميم- تشكيل الج ...
- تقنيات المستقبل تغزو صناعات السيارات والسينما واللياقة البدن ...
- اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة يحتفيان بالشاعر والمترجم الكبير ...
- كيف كانت رائحة روما القديمة؟ رحلة عبر تاريخ الحواس


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سرمك حسن - الإرسي لسلام إبراهيم - هذا المشهد الروائي الباهر -