أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جبار ياسر الحيدر - كي لا ننسى !!؟؟ ذكريات من زمن السوء المقيت















المزيد.....

كي لا ننسى !!؟؟ ذكريات من زمن السوء المقيت


جبار ياسر الحيدر

الحوار المتمدن-العدد: 3632 - 2012 / 2 / 8 - 09:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كي لا ننسى !!؟؟
ذكريات من زمن السوء المقيت

سلسلة من الذكريات التي عايشتها وعايشها شرفاء شعبنا العراقي بكافة مكوناته وخصوصا ابناء طائفتنا المندائية العزيزة في ازمان متفاوتة خلال عقود مضت تعكس في بعضها مقدار المعاناة والصعوبات التي كانوا يواجهونها وكيف كانوا يصنعون من مراراتها حلاوة وفخرا واعتزازا يمكن استخلاص الدروس والعبر منها

بعض المعاناة بعد انقلاب الثامن من شباط المشؤوم

انقضت سنتان بعد انقلاب الثامن من شباط الاسود عام 1963 ، كنت في السنة الاولى منها متنقلا بين مقرات الاعتقال والتعذيب والسجون .. الكوفة .. النجف .. وآخرها سجن الحلة مع اصرار البعثيين والحرس القومي المجرم بعدم اطلاق سراحي ، وقد تم لي ذلك بعد شهرين من انقلاب شريكهم في الاجرام المقبور عبد السلام عارف وصحبه ضد شركائهم البعثيين في الثامن عشر من تشرين الثاني 1963 وبعد اطلاق سراحي ابلغت بانني معزول من الخدمة في وزارة الصحة "" وليس مفصولا !؟ "" ومعنى ذلك انني حرمت من كافة حقوقي الوظيفية ومصادرة رواتبي المتراكمة ومنعي من السفر خارج العراق . انهار مخططي في تحقيق طموحاتي للسفرالى المملكة المتحدة للاختصاص والغي موعد التحاقي في كلية الجراحين الملكية البريطانية للدراسة على حسابي الخاص والذي كنت قد حصلت عليه وحجزته قبل الانقلاب المشؤوم بايام .. فقررت ان اتكيف مع الظروف وابدأ من جديد وباشرت في عيادتي الخاصة في بغداد / البياع .. ومضى عام آخر محاولا انهاء القيود والتخلص منها بدون جدوى . وفي بداية عام 1966 صدرت الاوامر باعادة كافة الاطباء المعزولين والمفصولين لاسباب سياسية مع اعادة كافة الحقوق لهم ، فاستبشرت خيرا لاطمعا بالوظيفة ولكن لتطبيع الامور ومحاولة تجديد مشروع السفر للدراسة ، اذ بدون العودة للوظيفة لايمكنني رفع منع السفر والحجز للدراسة على حسابي الخاص . راجعت وزارة الصحة في حينها فتفاجئت بعدم شمول المعزولين من الخدمة بكافة حقوقهم السابقة ، فقلت لهم انا متنازل عن هذه الحقوق وماذا بعد ؟ قالوا لي لقد صدر تعيينك في لواء العمارة على شرط ان تقضي ستة اشهرالاولى في قضاء الميمونة واريافها واهوارها كطبيب مركزي في منطقة آل ازيرج ، ونظرا لعدم وجود خيارآخر قبلت بهذا العرض ، وقلت لهم اذا كانت فترة بقائي هناك محددة بستة اشهر فانا موافق لانني متزوج حديثا واريد ان استقر بعدها في مركز اللواء .. فصدر الامر بهذه الصيغة وباشرت بوظيفتي بعد ان استأجرت دارا لعائلتي في العمارة على امل انها ستكون فترة قصيرة وتنقضي ، كما ان مدينة الميمونة لا تبعد كثيرا عن مركز اللواء ... مضت ستة اشهر اولى وثانية وثالثة ولكن المسؤولين في دائرة صحة اللواء والوزارة تنصلوا عن وعودهم .. وبالرغم من ذلك فقد كانت هذه الفترة من اجمل الفترات في حياتي العملية حيث احببت عملي واهل الميمونة ومن خلال علاقاتي الطيبة مع القائمقام والمسؤولين في القضاء استطعت توسيع مستوصف الميمونة وتطويره الى مستشفى وردهات استقبال المرضى واجراء العمليات الصغرى وتطوير الخدمات الصحية للافضل في القضاء ونواحيه واريافه واحببت الناس واحبوني كثيرا ، فانهم وان كانوا من مجتمع ريفي ولكن الازيرجاويون يتميزون بالوعي والشعورالوطني والثقافة العامة مقارنة بارياف العمارة الاخرى ، وبعد ان يئست من مراجعاتي ومتابعة موضوع تثبيتي في مركز المحافظة تفاجئت بصدور امر نقلي الى مستعمرة الجذام في البتيرة ولمدة ستة اشهر .. وبعد الرد والبدل وتهديدهم بالاستقالة عرضوا علي ان اشترك في جدول دوري شهري مع مجموعة اخرى من الاطباء للاشراف على هذه المستعمرة لمدة ستة اشهر يجري بعدها تثبيتي كطبيب ممارس في الجراحة في مستشفى العمارة الجمهوري واستطاع اخي العزيز المرحوم شيتل الشيخ رومي ابو سمير الموظف الصحي المخضرم والذي يعمل في المستعمرة منذ سنين طويلة من اقناعي بهذا الحل وساعدني كثيرا في تخطي هذه المرحلة ، وبعدها قام بصحبة الاخ العزيز شاكر غليم ابو محمود بمساعدتي كثيرا في افتتاح عيادتي الخاصة في شارع بغداد / العمارة . بعد النجاح الذي حققته في عملي وتعاملي مع المرضى واهالي العمارة واريافها وكثرة المراجعين والعلاقات الطيبة التي ربطتني بهم بدأت معاناة ومضايقات من نوع آخر من قبل بعض المغرضين ورجال الامن ومدير امن اللواء بنفسه ، وهنا لا يفوتني استذكار اهلي واحبابي المندائيين والشرفاء الطيبين من اهالي العمارة ( رحمة للاموات منهم ) ومجموعة من الاصدقاء والاطباء والصيادلة التقدميين بالخير والوفاء ، فقد وقفوا هؤلاء جميعا بجانبي ومساندتي وكثيرا ما افشلوا مخططات ودسائس رجال الامن والحاقدين للايقاع بي ( لا مجال لذكرها هنا ) . بقيت على هذا المنوال حذرا جدا في كلامي وتحركاتي حتى نجاح البعثيون باستلامهم السلطة ثانية في انقلاب تموز 1968 ، حيث حاولوا في بداية الامر تجميل صورتهم امام الشعب العراقي وادعائهم بالوعود لتصحيح الاوضاع وتخفيف قيود السفر للعراقيين لغرض الدراسة والتجارة وغيرها ، فرأيت انه قد آن الاوان لمتابعة مشروعي الاول ومحاولة ترتيب امور السفر والدراسة .. وبعد مراسلات مع كلية الجراحين الملكية البريطانية في المملكة المتحدة استطعت الحصول على موعد قريب للحجز، وباشرت بتقديم طلب الى وزارة الصحة لقبول استقالتي وتأجيل تنفيذ عقد الكفالة لغرض الدراسة والاختصاص على حسابي الخاص ، ولكن كانت طلباتي تهمل ولم احصل على اي اجابة من وزارة الصحة وكلما اسأل عنها يكون الجواب بان المعاملة مفقودة فاقوم بتجديد الطلب ، واستمرت هذه الحالة لعدة اشهر ويلغى موعد قبولي في كلية الجراحين الملكية البريطانية واقوم بتجديد الحجز مرة اخرى .. فنفذ صبري وقررت هذه المرة ان اذهب بنفسى مستميتا لمتابعة المعاملة شخصيا ومقابلة المسؤولين في وزارة الصحة وعلى رأسهم وزير الصحة الدكتورعزت مصطفى الذي يدعي بالتصحيح والانفتاح

هم من اهل العمارة .. وهم صبي .. وهم شيوعي !!؟

في اجازة لمدة ثلاثة ايام قدمت طلبا جديدا واخذته معي الى بغداد لحسم الموضوع ، تعرفت على مدير مكتب وزير الصحة عن طريق الاخ العزيز الشهيد البطل المناضل حميد شلتاغ ليرتب لي مقابلة مع الوزير ولكن لم افلح ، فعقبت المعاملة واحيلت روتينيا الى مدير عام الصحة في الوزارة الدكتور مردان علي ، وهو تركماني طوراني ( مع الاحترام للشرفاء من التركمان ) اعرفه جيدا ، فهو شخصية غير مريحة معروف بافكاره العنصرية المعادية وحقده ، ادخلت المعاملة اليه واستقبلني بجفاء واخذ يرمقني بنظرات شزر ولم يستلم مني المعاملة وفاجئني ( هاي هم انت ؟ شكو تارك شغلك وعملك وجاي تعقب المعاملة بنفسك .. هذا ممنوع .. اتركها وروح وطلباتك السابقة كلها محفوظة عندي وسوف نجيبك عليها ) فقلت له ان طلباتي السابقة واللاحقة ليست لك بالذات لتبت بها وانما هي موجهة للسيد الوزير والمفروض هو الذي يبت بها ، ففاجئني باجابته بشكل عصبي وهستيري ( هم من اهل العمارة .. وهم صبي .. وهم شيوعي .. وجاي تنطينه أوامر!؟) فتألمت كثيرا وحاولت ان اتمالك اعصابي واجبته بصوت مرتفع ( نعم انا من ولادة العمارة .. العمارة التي انجبت علماء وابطال ، وهي اصل بلاد سومر واكد ووادي الرافدين وهذا يؤكد أحقيتي في العراق وعراقيتي .. نعم انا صبي وافتخر واعتز بهويتي هذه لان الصابئة هم قوم مسالمون ودينهم يأمر بالفضيلة والمحبة والسلام وهم اصل العراق .. واما اتهامك بانني شيوعي فهذا ليس من شأنك وانا الان لست في دائرة أمنية لتحاسب الناس على افكارها ومعتقداتها .. واضفت بعصبية .. هذا انا ولكن انت منو!!؟ ) وفجأة دخل مدير مكتب الوزير من مكتبه المجاور قائلا ماهذا وما الذي يجري موجها كلامه لي قائلا .. لماذا ترفع صوتك على المدير العام حيث سمعك السيد الوزير ويريد التحدث اليك .. فقلت له نعم انا اريد ان ارى السيد الوزير لعله يستطيع مساعدتي ، اخذت المعاملة وذهبت معه وتفاجئت بترحيب الوزيرالدكتورعزت مصطفى وادخلني في مكتبه وقال لي اهدأ واجلسني وامر لي بالماء والشاي وسألني ما الذي حصل فاخبرته بما تفوه به المدير العام من كلام لم اكن اتوقعه منه .. فقال هذا كلام غير مقبول ونحن جئنا لتصحيح الاوضاع .. واردف قائلا ماذا تريد انت في معاملتك ؟ فقلت له مقعدي محجوز في كلية الجراحين الملكية البريطانية منذ مدة طويلة للدراسة والتخصص في الجراحة وعلى حسابي الخاص وان طلبى لم يكن للحصول على بعثة او زمالة حكومية على نفقة الدولة كما يطلب غيري ، والذي اطلبه منكم هو قبول استقالتي لغرض الدراسة وتأجيل عقد الكفالة الى حين عودتي بالاختصاص والسماح لي بالسفر خارج العراق .. هذا كل ما اريده من معاليكم .. فاجابني انا موافق الان على تأجيل العقد لمدة ثلاثة سنوات فهل تكفيك ؟ قلت له انا ذاهب على حسابي الخاص وساحاول ايجاد عمل لاعتاش منه انا وعائلتي ولاكمال التدريب والدراسة والامتحانات قد تأخذ مني وقتا أطول فلماذا تقيدني بهذه الفترة القصيرة ؟ واردف قائلا هل خمسة سنوات تكفيك على شرط ان تعطيني عهدا بانك ستعود للعراق بعد حصولك الاختصاص لتخدم
بلدك ؟ فقلت له نعم وشكرا لك واعاهدك بانني ساعود الى بلدي العزيز لخدمة شعبي واهلي فتصافح معي وامر بانجاز المعاملة فورا وفعلا انجزت كافة الاوامر في نفس اليوم .. بالحقيقة وشهادة للتاريخ ان هذا الرجل الذي كان الرجل الثالث في الدولة قد كان اعقل البعثيين واكثرهم رزانة آنذاك ليس لموقفه المنصف معي ولكن اثبتت الايام ذلك بما فعله صدام حسين ورهطه به فيما بعد بغض النظرعن دوره في حزب البعث وارتباطاته ودوره السياسي فهو رجل وقور ويفرض احترامه على الشخص المقابل
اكملت كافة المعاملات وغادرت العراق في بداية عام 1969 والتحقت في الكورسات الاولية التوجيهية في كلية الجراحين الملكية البريطانية في لندن وتوفقت في ايجاد عمل لغرض التدريب الجيد في كافة فروع الجراحة وفي احسن المستشفيات واكملت كافة المتطلبات وتأهلت الى الامتحانات فيما بعد ، وقد حصلت على شهادة الاختصاص العليا في الجراحة الـ (أف.آر.سي.أس.) في مايس 1974 . بعد عدة اشهر شاءت الصدف ان التقي بالدكتورعزت مصطفى وزير الصحة اثناء اجتماع عام لذوي الاختصاصات العليا والكفاءات العاملين في المملكة المتحدة دعت اليه السفارة العراقية وحثهم للعودة للعراق والمساهمة في بنائه .. فقال لي هل انت ما زلت على عهدك ؟ فقلت له نعم ولكن لدي ظروف عائلية خاصة واطلب ان يكون تعييني في بغداد ، قال هنالك قانون تعيينات جديد ينص على تعيين الاطباء الاختصاصيين الجدد لمدة لا تقل عن ستة اشهر في المحافظات وينظر بطلبه للنقل الى بغداد بعدها ويستثنى من ذلك بعض البعثيين ، ولكن بما انك قد اوفيت العهد فاعاهدك بان يصدر تعيينك في البصرة وتنقل الى بغداد بعد ستة اشهر وعليه اترك عائلتك في بغداد وهي مجرد فترة قصيرة وتعود الى بغداد فوافقت على ذلك العرض
وانا في غمرة الاستعداد وتهيئة امورعودتنا لقد شاءت الصدف ايضا وفي احدى مراجعاتي للسفارة العراقية في لندن لتصديق الشهادات والمعاملات تفاجئت وجها لوجه في شارع كوينز كيت المؤدي للسفارة بالدكتور مردان علي ماسكا بيد ابنته الشابة في منظر مؤلم واحتضنني بحرارة ، في تلك اللحظة نسيت كل ما فعله بي سابقا ، وقلت له اراك حزينا ما الامر ؟ قال متمسكنا .. ابنتي التي تراها معي الان قد فقدت البصر فجأة واحترت بها وجلبتها لانكلترة للعلاج فقلت مع نفسي متأثرا .. عجيب ! وكما يقول اهلنا في العراق ( يدعون على الثور يطيح بالهايشة !!) فبادرته لا عليك وادعو لها الشفاء العاجل وبحق الزمالة بيننا انا مستعد للمساعدة وضيافتكما في بيتي ... فنزلت عليه كلماتي هذه كالصاعقة شاكرا وقائلا ولكن انا مقصر بحقك ولماذا تعاملني هكذا ؟ قلت له هذه هي حقيقة الناس الذين عيرتهم بالاوصاف الثلاث .. هل تتذكر ؟ فقال انا متأسف ولو ان هذا متأخر .. وبعد ان علم نتيجة المقابلة مع الدكتور عزت مصطفى قال لي انا الان رئيس مؤسسة مدينة الطب في بغداد وحينما تعود سأعوضك عما فات .. وتوادعنا على امل اللقاء
عدنا الى بغداد في شهر نوفمبر 1974 حيث شملني قانون الكفاءات ، مررت بالدكتور مردان علي ولكنه تنصل عن وعوده بحجة انني لست بعثيا ، تركته والتحقت في المستشفى الجمهوري في البصرة وتركت عائلتي في بغداد ولم افتح عيادة على امل انها فترة قصيرة وسيتم نقلي الى بغداد ، ولكن مضت ستة اشهر اولى وثانية وثالثة وانا في البصرة وقد تنصل الوزيرعن وعوده ايضا مما اضطرني ان انقل عائلتي واطفالي الى البصرة وممارسة عملي في عيادتي الخاصة بعد الدوام الرسمي .. بقيت هكذا بالرغم من محاولاتي المستمرة الى حين التبديل الوزاري في منتصف عام 1976حيث اصبح الدكتور عزت مصطفى وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية والدكتور رياض ابراهيم الحاج حسين وزيرا للصحة ( قتله صدام حسين وقلع عينه قبل قتله ) وهو زميلي في دراسة التخصص في المملكة المتحدة وبحكم الزمالة ربطتنا علاقة معرفة وصداقة هناك ، اذ كان يعلم بتفاصيل قضيتي ووعود الدكتورعزت مصطفى .. وفي نفس اليوم سافرت بالطائرة الى بغداد لتهنئته وقابلني باصدار امر نقلي الى بغداد .. وعند التحاقي بوزارة الصحة اخبرني بان الدكتورعزت مصطفى وزير العمل والشؤون الاجتماعية يحتاجني في مهمة .. فقلت له انه وان لم يف بوعده معي ولكنني لازلت اشعر بانني مطوق بافضاله اذ كان هو السبب في اكمال طموحي والحصول على الاختصاص فماذا يريد ؟ قال للعمل وافتتاح مستشفى الضمان الاجتماعي للعمال في الرصافة الممول من وزارته ولكن ستكون تجهيزاته وادارته بملاك فني واداري كامل من قبل وزارة الصحة فقبلت بهذا العرض وفعلا باشرت وبذلت فيه جهودا مشرفة كرئيس لقسم الجراحة ومديرا للمستشفى فيما بعد ، وقد تمت استعادة هذا المستشفى فيما بعد الى وزارة الصحة وتحول تدريجيا الى مستشفى الكندي التعليمي وكلية طب الكندي واكملت فيه خدمة ممتازة حتى تقاعدي بناء على طلبي في عام 1994 حينما لاحظت ان هنالك سحب سوداء تلوح في الافق لا تبشر بالخير
وشاءت الصدف ان اشاهد الدكتورعزت مصطفى بمنظر بائس جدا في نفس اليوم الذي تم فيه طرده وتجريده من كافة مواقعه ومسؤولياته من قبل قيادة حزب البعث آنذاك قبل الاعلان عنه في وسائل الاعلام ووضعه تحت اقامة شبه جبرية في عانه وذلك في خريف عام 1977 وحتى يوم سقوط النظام السابق في نيسان 2003
في ذلك اليوم وقت الغروب كنت ذاهبا بسيارتي الى منطقة المأمون لجلب عائلتي من بيت العم المرحوم عبد الرزاق عزت المناحي والد زوجتي .. وصلت الى شارع المأمون الخلفي الفاصل بين المنصور والمأمون تفاجئت بالدكتورعزت مصطفى وبمظهر غريب وغير طبيعي سيرا على الاقدام امام سيارتي فاتحا ربطة عنقه وواضعا سترته على كتفه ، وبعد التأكد من انه هو ، خفضت السرعة ووقفت الى جانبه وقلت له ( مرحبه دكتور .. هل تحتاج الى مساعده او ايصالك الى اي مكان .. اجابني بالشكر وقال لي لاتوكف .. تحرك بسرعه !!) وفعلا خمنت ان هنالك امرا خطيرا ، وما ان تحركت بسرعة ادركت انني قد فتحت ابواب الجحيم على نفسي ، فقد رأيت تحرك لعدة سيارات بوليسية من عدة اماكن باتجاهي ، وبدلا من استدارتي الى بيت العم الى اليسار استدرت الى اليمين باتجاه شارع الاميرات في المنصور واذا بتلك السيارات تطوقني من جميع الجهات وانزلوني من سيارتي للاستجواب .. قال احدهم ما الذي فعلته ؟ قلت له لاشئ ، والذي حصل انني رأيت الدكتور عزت مصطفى في وضعية غير طبيعية وهو يسير في الشارع وبحكم علاقة الزمالة بيننا وكونه وزير الصحة سابقا وهناك معرفة وعلاقة احترام بيني وبينه فوقفت اسأله ان كان محتاجا الى مساعدتي .. وبعد التحقق من صدق هويتي واتصالاتهم لاسلكيا مع مراجعهم سلبوا مني كافة الهويات التي كنت احملها بما فيها اجازة السوق وقالوا لي اذهب ولنا حساب آخر معك .. وتحركت من مكاني وذهبت الى عائلتي مرعوبا وقلقا عما سيحصل لي في القادمات من الايام .. واخبرت معارفي ومراجعي الرسمية عن الذي حصل فطمنوني وهدؤوني ... وبعد ساعة تقريبا اذيع بالراديو والتلفزيون خبر اقصاء وتجريد الدكتور عزت مصطفي من كافة مسؤولياته ومواقعه القيادية في حزب البعث .. وعلمت من البعض ان هذا القرار قد اتخذ بعد اجتماع القيادت الحزبية في بيت ميشيل عفلق الواقع في المنصور مقابل الشارع الفاصل بين المنصور والمأمون .. والسبب هو رفضه بان يكون رئيسا لمحكمة صورية لاعدام مجموعة من الشيعة الذين القي القبض عليهم بعد مذبحة زيارة الاربعينية في خان النص / كربلاء في خريف 1977 ، وحينما رأيته بتلك الحال كان ذاهبا على ما يبدوالى بيت اخته الساكنة في المأمون ... ولكني عشت في حالة قلق وانزعاج لعدة اسابيع بين الاستجوابات والمجالس التحقيقية في المستشفى والدوائر الامنية وحتى استعادتي لهوياتي الشخصية التي سلبوها مني
ايها القراء الكرام هذه صفحة من الذكريات الشخصية الواقعية نقلتها لكم بامانة تامة وكما عايشتها لتكون شاهدا للتاريخ ، انها بعض الذكريات المؤلمة لمواطن عراقي واحد من ملايين العراقيين الذين يختزنون بذاكرتهم احداثا ومعاناة مؤلمة كثيرة جدا من زمن السوء المقيت دفعوا اثمانها الباهضة جدا ، ارى ضرورة توثيقها ونشرها .. كي لا ننسى !؟

الدكتور
جبار ياسر الحيدر
تورونتو / كندا
7/2/2012



#جبار_ياسر_الحيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن ودعبول البلام في نزهة نهرية ليلة 14 تموز 1958
- شذرات وطنية مندائية مشرفة
- نعتز بمندائيتنا .. ولكن .. يبقى العراق امنا وابونا‏
- بتصويتكم لذوي الايادي البيضاء ستكسبون الرهان
- زكية خليفة تقول ... بيكم ريحة اهلنا
- كي لاننسى انقلابهم المشؤوم -- قصص مأساوية من جرائم الثامن من ...
- قصص مأساوية من جرائم الثامن من شباط الاسود !!!!؟
- للايام ذكريات................عن المناضل ناصر لهد طلاع الزهير ...


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب بنيويورك
- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جبار ياسر الحيدر - كي لا ننسى !!؟؟ ذكريات من زمن السوء المقيت