أيوب رفيق
الحوار المتمدن-العدد: 3627 - 2012 / 2 / 3 - 22:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد سنوات ليس بالقصيرة عرفت فيها الشعوب العربية كل أنواع الإضطهاد و التسلط من طرف أنظمة حاكمة انفردت بسلطة القرار دون إشراك المواطنين,جاءت واقعة البوعزيزي ذلك الشاب التونسي الذي كسر جدار الصمت المعهود و رفض الإنصياع للقرارات العليا لتطلق العنان لثورات أقل ما يمكن القول عنها أنها تاريخية إذ عمت أغلب بلدان العالم العربي بما سمي بالربيع العربي,و أكثر ما ميز هذا السيل الكبير من الإحتجاجات التي شهدتها الميادين العربية أنها استطاعت توحيد كل الأفراد بغض النظر عن أديانهم أو إيديولوجيتهم بغية تحقيق هدف واحد يتمثل في منع حد لسيادة الإستبداد و الفساد في دواليب الأنظمة العربية,ليتم في نهاية المطاف الإطاحة بأكثر الأنظمة تعميرا و ممارسة للبيروقراطية التي سئمت منها المجتمعات العربية و أضحت تواقة لاستنشاق هواء الديمقراطية أكثر من أي وقت مضى,لكن رغم النتائج المبهرة التي تمخضت عن هذه الثورات فيبقى السؤال مطروحا,هل أصبحنا نلمس مؤشرات التغيير الإيجابي بالفعل أم أن الربيع العربي غير الشكل و لم يؤثر على المضمون؟
و للقضاء على هذا الإشكال المطروح الذي يؤرق العديد من الأفراد,يمكن لنا القيام بتحليل بسيط لمسار بعض الدول العربية التي أطاحت بالأنظمة في ظل الربيع العربي,فمما لا شك فيه أن مصر عانت طيلة ثلاثون سنة تقلد فيها الرئيس المخلوع حسني مبارك منصب الحكم من جميع أشكال الفساد و الإستبداد إلى أن تمت الإطاحة بطاغية لم يمنح لشعبه فرصة التعبير عن آراءه و مطالبه المشروعة,مما أدى إلى انتشار أجواء السعادة و الفرح بين المصريين إيذانا منهم بتوديع جميع أشكال الفساد وإعادة إحياء الآمال التي عرفت سباتا طويلا في رؤية بلد حداثي و نموذجي وافتخارا منهم بهذه الثورة التي استطاعت تحقيق المستحيل,بيد أن هذا النصر الذي حققه المصريون لم يكن إلا سحابة صيف عابرة حيث أشعلت مرة ثانية نيران النزاعات الدينية بين المسلمين و الأقباط و تجددت الخلافات الحادة بين الراغبين في الجلوس على كرسي الحكم بالإضافة إلى التسيير العشوائي الذي أبان عنه المجلس العسكري الذي وضعت فيه الثقة لتعبيد الطريق أمام الإصلاح غير أن هذا المجلس لم يكن أحسن من سابقيه و خيب ظن المصريين ليكون سببا كافيا لإعادتهم مرة ثانية إلى الشوارع للمطالبة بتسليم السلطة إلى مجلس مدني مما يؤكد أن إسقاط الأنظمة غير رهين بوضع حد للفساد و إنما نقطة انطلاق فقط نحو الإصلاح.
و غير بعيد من مصر,نجد ليبيا التي شهدت معركة مستفيضة ضد نظام أو بالأحرى ضد فرد سير هذه البلاد بمزاجيته و آهواءه المتقلبة,مما أدى إلى تنحيته بطريقة لا زالت إلى حدود الآن تثير المزيد من الشكوك و تسيل الكثير من الأقلام,و خاصة الكيفية الهمجية التي عامل بها الثوار الذي يدعون أنهم جاءوا لإصلاح البلاد ذلك الجبان الطاغي القذافي,فبدل أن يقدموه إلى محاكمة عادلة ليكون عبرة لباقي الطغاة و يبرهنوا أنهم أسسوا للبنة الأولى للإصلاح ,تجاهلوا كل المواثيق و الأعراف الدولية و وضعوا حدا لحياته النثنة بطريقة بشعة أكدوا من خلالها قولة المثل المغربي (ولاد عبد الواحد كلهم واحد)و أن آثار القذافي لازالت طاغية على تصرفاتهم و أفعالهم, كما تناقلت بعض الصحف مباشرة بعد مقتل القذافي مفارقة تثير الكثير من الغرابة و تتمثل في الإمتيازات اللا متناهية التي كان يستفيد منها المجتمع الليبي أثناء فترة الحكم مقارنة مع فترة ما بعد القذافي,لكن هذا الإنتصار الذي حققه الشعب الليبي لم يكفل لهم نهاية الإرتباط مع الخلافات الداخلية,خاصة و أن المجلس الإنتقالي الذي يعد وسيلة العبور من حقبة التسلط إلى عصر الديمقراطية يعيش هو الآخر نزاعات داخلية ليست بالهينة و ذلك بالنظر إلى تشكيلته المتنوعة و الغير منسجمة,فنجد تيار ليبرالي و آخر إسلامي مما أدى إلى فقدان الثقة و تبادل الإتهامات بين هاته الأطراف التي ترغب في تقلد مناصب الحكم,فكل هذه المعطيات تؤكد بل و تجزم أن البلد الليبي الشقيق لازالت هناك أشواط كبيرة أمامه عليه أن يتخطاها ,فالإطاحة بالنظام المستبد يظل معطى مهم لكن تبقى مرحلة ما بعد النظام هي الأهم.
و هكذا فعبر هذه القراءة البسيطة لمسار ووضعية بعض الدول العربية التي تأثرت من الربيع العربي بشكل كبير أصبح من المؤكد أن إسقاط الأنظمة لا يعني بالضرورة إسقاط الفساد و إنما يعتبر هو الإنتقال من مرحلة إلى أخرى ,فقبل المطالبة بتغيير الأنظمة يجب تغيير العقليات التي تلعب الدور الرئيس في نجاح الثورة أم إخفاقها, و لهذا فلا يجب اعتبار أن هذه الخطوات الإيجابية التي خطتها الدول العربية كفيلة بضمان إحداث ذلك التغيير الإيجابي الذي يحلم به كل عربي و عربية,نعم فالتغيير آتي لا محالة لكن في حالة إذا ما طبقناه من أنفسنا و ثابرنا على توفير آلياته بالعمل الجاد بغية خدمة المصلحة العامة لكن دون التخلي عن محاربة الفساد و المفسدين الذين امتصوا دماء بلداننا و سلبوا خيراتها.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟