الفضفضة

دانة مسعود

الحوار المتمدن-العدد: 3617 - 2012 / 1 / 24 - 07:38
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

الكثير من الناس عندما يفضفضون يشعرون بالارتياح، أما أنا فمن النادر أن أحتاج إلى الفضفضة، وإن احتجت شعرت بالضيق، واليوم كنا أنا وزميلتي الملحدة في المكتب لوحدنا، فناقشنا أمور كثيرة، من ضمنها التبني، وبدورها فتحت أمور كثيرة تخصها في هذا الشأن، وتأثّرتُ كثيرًا بسبب القصص الواقعية التي تمس عائلتها في موضوع التبني، ثم انشغلنا ببعض الأوراق، وبعد ذلك ناقشت معها موضوع أثر قوة الطباع البشرية في الإنسان، فمهما بلغ من رقي وحصل على أعلى الشهادات، يظل هذا الإنسان أسيرًا لطباعه، ولتأكيد ذلك، ذكرت لها مثالاً عن شخص قريب لي، فرويت أمرًا خاصًا بي، وكلما تعمّقت في الموضوع شعرت بضيقٍ أكثر، إلى أن أنهيت الموضوع والتزمت الصمت، وشعوري لم يكتفِ بالضيق فقط، بل شعرت بسرعة خفقان في القلب، واحتجت للراحة، فتركت شاشة اللاب توب لكي لا يتزايد الضغط على أعصابي الهادئة بطبعها، انتهى ذلك الشعور بألم خلف رقبتي وكتفي، قمت خلالها بتأنيب نفسي على الاحتياج هذا، فإنني دائمًا أنا التي تؤدي دور المستمعة الجيدة، التي يفضفض لها الآخر ويشعر بالراحة، أما شعوري بالضيق لا أستطيع تصنيفه أو معرفة سببه، هل يعود السبب إلى عزة النفس؟ فدرجتها عالية لدي، لحد مزعج، أمن أجل فضفضة لم أطل بها، أستحق كل هذا الضيق والتعب؟ وهذه ليست المرة الأولى التي أخبر زميلتي بشيء يخصّني، ولم أشعر بهذا الضيق من قبل، ولم أعتبر ما كنت أقوله لها من قبل فضفضة أو احتياج.

قرأت، بأن الفضفضة هي طاقة زائدة داخل الإنسان من الأخطار والأسرار والقضايا، وهى أقرب ما تكون إلى طاقة البخار المكتوم، التي يجب أن تخرج، حتى يستقر الوعاء وإلا ستصبح مصدر خطر شديد ...

ولكن هناك شروط ومواصفات للفضفضة وهي:
1- أن تكون الفضفضة لمن نحبهم ويحبوننا، لأن بها جزء من تعرية الذات، والإنسان لا يتعرى أمام الغرباء.
2- أن تكون الفضفضة للأكثر عقلا ونضجًا.
3- أن نكون صرحاء، ونفضفض عن مخاوفنا ومتاعبنا بغرض البحث عن حل، لا لتشويه صورة الآخرين ..
4- لابد أن نكون على وعي بأي الموضوعات تصلح للفضفضة، وأي الموضوعات التي يجب أن تدفن داخل النفس ...

وغياب الفضفضة، هو سر جميع الأمراض النفسية التي تبدأ بالقلق وتنتهي بالاكتئاب.

ولكن هناك بُعد ديني في أمور الفضفضة، وهو البعد عن الغيبة والنميمة، وما إلى ذلك، لأنها جزء من الذنوب فيجب ألا نفضفض على حساب الآخرين ......

د / أحمــــــد خيري حافظ
أستاذ علم النفس - كليه الآداب - جامعه القاهرة

تعليقي على ما ذكره أستاذ علم النفس، وفق النقاط التي وضعها حسب التسلسل:
1- أتفق مع رأيه في أن الفضفضة والحديث عما يخصنا، لا يصلح أن نفتحه إلا مع من نثق بهم ونشعر بالراحة معهم.
2- زميلتي أكبر سنًا مني وناضجة بما فيه الكفاية، وحتى إن كانت أصغر سنًا، الأهم من ذلك أن تكون محل ثقة، وألا ننخدع بنضج العمر الزمني.
3- نعم، أجمل صفة في الفضفضة، أن نتحدّث عما يقلقنا بهدف الاستشارة والبحث عن حل، ليس بهدف استغلال من نفتح الحديث معهم للكيد بالآخرين.
4- أتفق مع الأستاذ في اختيار الأشخاص، وتصنيفنا لهم حسب الأكثر ثقة .. بالنسبة لي، لا توجد لدي أسرار عميقة، وحديثي اليومي عبارة عما يخصّني فقط ولا أشعر بأنها أسرار، ولكن أحتفظ بأسرار الآخرين لأنهم متحفظّين جدًا ومن النادر أن يتحدّثوا فيما يخصهم وبشكل عميق.
لا أتّفق معه في دفن بعض المواضيع في النفس، وإلا ما فائدة الفضفضة إن لم تحقق هدفها؟ ثم يقول بأن غياب الفضفضة هو سر جميع الأمراض النفسية التي تبدأ بالقلق، ففي الرأيين تناقض .. ولا أتفق معه في البُعد الديني لموضوع الفضفضة على أنها نميمة وذنوب، لأننا لا ننوي السوء للآخرين من فضفضتنا.

وأنا منهمكة بكتابة الموضوع، شعرت بألم في أحشائي .. يبدو أن الدورة استعجلت عن موعدها بأربعة أيام، ثم بطُل العجب من شعوري المبالغ في الضيق..

#دانة_مسعود (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل