أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - طلال أبو ركبة - بانوراما المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وجذور الأزمة















المزيد.....



بانوراما المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وجذور الأزمة


طلال أبو ركبة

الحوار المتمدن-العدد: 3616 - 2012 / 1 / 23 - 12:41
المحور: القضية الفلسطينية
    




منذ انطلاق مفاوضات السلام المباشرة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل ، والأزمات متلاحقة ، والمنعطفات متتالية في طريق هذه المفاوضات المتعرجة والتي لا تعرف استقراراً ، ويبدو للعيان أن السبب في ذلك هو نقاط الخلاف بين الطرفين على العديد من القضايا الشائكة والقنابل المؤقوتة التي تمتلئ بها طريق الطرفين .
أن الأزمة الحقيقة لا تكمن في طبيعية وظروف المفاوضات أو حتى في صعوبة ملفات التسوية بدأ بحدود الدولة ، والقدس والمستوطنات واللاجئين ، وانتهاءً بقضايا المياه والبيئة .
المشكلة الحقيقة تكمن في الأساس الذي تقوم عليه عملية التفاوض فبينما ينطلق الفلسطينيون في المفاوضات على أسس تعتمد على قوة المنطق المبني على التاريخ والجغرافيا والحقوق ، ينطلق الإسرائيليون على أساس مختلف وهو منطق القوة المبني على فرض الوهم ونزع الحقائق وتغيير الجغرافيا وإلغاء التاريخ ونسف الحقوق .
أسئلة كثيرة مطروحة على دائرة البحث في جدوى مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية ، وهذه الأسئلة تأتي بعد مضي أكثر من ثمانية عشر عاماً من بدء المفاوضات لتطرح نفسها بقوة في الساحة الفكرية الفلسطينية ، ولعل أهمها على الإطلاق فيما يتعلق بالدور المطلوب من الفلسطيني حسب الوجهة الإسرائيلية ، فهل كانت إسرائيل تريد من المنظمة لعب دور " ذكر النحل " الذي يجب عليه تلقيح الملكة تم الموت ، وهل كانت إسرائيل تريد ذلك فعلاً من الفلسطينيين ، بحيث تستطيع من خلالهم رفع الإحراج عن العرب كلهم أو بعضهم لإقامة علاقات معها ، وفي ظل المتغيرات التي حصلت على مدار السنوات السابقة من عمر المفاوضات ، هل الفكر السياسي الإسرائيلي يقبل أن تكون هناك دولة فلسطينية على أساس الشرعية الدولية المتمثلة في قرارات ومبادئ الأمم المتحدة ؟؟؟؟
الأساس الذي يجب الانطلاق منه في تقييم أي تفاوضية بين طرفين يتمثل في البحث عن الجذور والخلفيات لكل طرف عن الآخر بحيث يتمكن العقل من فهم ما كان ، وما يمكن أن تكون عليه العملية التفاوضية خلال المرحلة المقبلة .




الصورة الذهنية عن الآخر :-

لعل جذور الأزمة تكمن في صورة الفلسطيني عند اليهود وهي الصورة التي تحملها تعاليم التوراة والتلمود لدى الشعب اليهودي ، هذه الصورة التي تنظر للفلسطينيين على أنهم العماليق الجدد الذين يجب محوهم ،لأن العماليق هم كل من يعلن الحرب على "شعب الله" وعليه يجب إخضاعهم لسلطة اليهود ، وعدم السماح لهم بالتفوق مهما كان الأمر حتى لو وصل لحد إبادتهم ، وهذه الأفكار قائمة بقوة لدى أصحاب الفكر الديني السياسي في إسرائيل وخاصة في الأحزاب اليمينية والمتطرفة .
والصورة الأخرى المثيرة والعجيبة في نفس الوقت.. هي صورة اليهودي عن ذاته ، والتي تحمل وجهين متناقضين ، فهو يرى نفسه الضحية ويسوق نفسه في هذا السياق ، فهو ضحية التاريخ الطويل من المعاناة والتي تبدأ مع السبئ الأول والخروج من مصر ,حتى نهاية الحرب العالمية الثانية وما تحمله من مآسي مرت على الشعب اليهودي ، و في نفس الوقت صورة المغرور التي يحملها اليهودي لكونه شعب الله المختار حسب وصف التوراة ، والذي استطاع أن يقيم دولة وسط عالم يعج بالكراهية له ، واستطاع أن ينتصر على الجيوش العربية مجتمعة في مناسبتين الأولي في العام 1948 ، والثانية في العام 1967 ، وهي ما تجعله يشعر بالاستعلاء عند التعامل مع العرب عامة والفلسطينيون خصوصاً .
وفي هذا الإطار تأتي المفاوضات محملة بالتصورات في ذهنية اليهودي بشكلين الأول يمتاز بالعظمة والشموخ والغرور وإجادة لعب دور الضحية في تعاملاته مع الآخرين والثاني هو الصور النمطية المسبقة عن الفلسطينيين وهي ما تدفع إسرائيل إلي التعنت أكثر في التزامات السلام ،وجعلها مزمنة وطويلة وبلا نتائج ملموسة لدى الطرف الأخر ،حتى أنها باتت تتراجع وبشكل واضح عن الأساس التي انطلقت على أساسه العملية التفاوضية وهي الأرض مقابل السلام وتحل محلها أسس جديد وهو السلام مقابل السلام وذلك اعتماداً على منطق القوة الذي تحمله الصور الذهنية في العقل الإسرائيلي .
أما في الجانب الفلسطيني فكانت الصور الذهنية عن اليهودي محملة بما تحمله كتب التاريخ عنه من دهاء ومكر ومماطلة وعدم الوفاء والالتزام ، وانعدام المبادئ والقيم عن اليهودي في صور وقصص كثيرة .

مفهوم المفاوضات السياسية :-
تعرف المفاوضات السياسية على أنها محادثات سياسية تتم بين طرفين من أجل تسوية سلمية للقضية المتنازع عليها ويعمل كل طرف على الحصول على تنازلات من الطرف الآخر .
وهذا التعريف يقضي بإقرار ورغبة الأطراف في إنهاء الصراع الدائر بطرق سلمية مبنية على الحوار والحق والمنطق بحيث يعتمد كل طرف فيها بالضغط واستخدام كافة الأوراق التي تساعده في الحصول على اكبر كم ممكن من التنازلات من الطرف الآخر ولكن على أساس الفهم المشترك لمبادئ الحوار والمفاوضات والتي تعني الالتزام بما يتم الاتفاق عليه .

مفهوم المفاوضات لدى الجانب الفلسطيني :-

فلسطينياً لم يكن اختيار طريق المفاوضات ، اختياراً طوعياً وإنما جاء كممر إجباري ، في ظل الشروط الذاتية والموضوعية التي أحاطت بالقضية الفلسطينية، وعليه لم تكن المفاوضات نتاجاً من نواتج معركة لم تحسم بعد ، بل هي نتاج مرحلة انكسار عامة ، حاولت القيادة الفلسطينية الدخول إليها ،لنقل المعركة داخل الأرض الفلسطينية ، على الرغم من درايتها بالخلل القائم في الموازين لصالح العدو وبشكل كبير .
وفي هذا السياق فإن المفاوضات كانت اختياراً واقعياً وفق التوصيف الفلسطيني ، فرضته شروط المعادلة السياسية بكل أبعادها الدولية والإقليمية والعربية ، وما آل إليه الواقع الذاتي والموضوعي ، لطبيعية الوجود والدور الفلسطيني في الشتات .
وعليه فلقد اعتبرت القيادة الفلسطينية طريق المفاوضات ساحة جديدة من ساحات النضال ولكن بوسائل مغايرة وشروط مختلفة عما سبق من وسائل .

مفهوم المفاوضات لدى الجانب الإسرائيلي :-

أن الصورة الإجمالية التي يختبر فيها الإسرائيليون سلوكهم السياسي والأمني حيال مفاوضات السلام مع العرب والفلسطينيين خصوصاً هي صورة توصف بكونها رمادية محتشدة بسوء الرؤية ، أصبحت تتحول مع الزمن إلي" لعنة " دائمة تلازم العقل السياسي الإسرائيلي حسب توصيف د.محمود حيدر .
إن اللحظة الفلسطينية الاسرائلية الراهنة تكثف أسئلتها وبحذر شديد ، فالانسحاب من غزة وإزالة المستوطنات ، لا يفهم كونه مجرد فعل عسكري تكتيكي تفرضه الأجندة الأمنية لجيش الاحتلال الإسرائيلي بفعل الانتفاضة ومقتضيات الأمن .
بل هو فعل سياسي أمني ، أيديولوجي يظهر أعمق الآثار المترتبة على فكرة الانسحاب ، وإن ذلك يدخل المجتمع الإسرائيلي في فضاءات محتدمة ، ضمن ما يوصف ب"منطقة المقدس الأيديولوجي " وأن أطروحة الانسحابات لا تجد ما يبررها في العقل الإسرائيلي ، سوى كونها ناجمة عن صيرورة من الانحدارات ، وهذا ما يعني أن المجتمع الإسرائيلي ونخبه السياسية غير جاهزين بعد للقبول بتسوية عادلة على الرغم من الانزياح الايدولوجي من خلال اعترافهم بوجود الشعب الفلسطيني .

البيئة التفاوضية :-

يمكن النظر للبيئة التفاوضية من انطلاقها في مؤتمر مدريد 1991وأثناء التحضيرات له على أنها بيئة متوترة غير مستقرة تعاني من أزمات متعددة ، فلقد ذهب الفلسطينيون للتفاوض دون إستراتيجية واضحة للعملية التفاوضية وأيضاً بدون إجماع على مبدأ المفاوضات كحل للمشكلة الفلسطينية ، فبينما كانت تعتبر حركة فتح المفاوضات استكمالاً للحالة النضالية المتعددة التي خاضتها على مدار عقود طويلة ولكن بوسائل جديدة ومختلفة بفعل الظروف الذاتية والموضوعية التي تمر بها القضية الفلسطينية ، كانت حماس وفصائل من داخل منظمة التحرير الفلسطينية تنظر إلي المفاوضات على أنها خيانة وتفريط بل وجريمة بحق الشعب الفلسطيني ، لذلك كان الصراع الداخلي منذ انطلاق المفاوضات المباشرة بين المنظمة بقيادة فتح وإسرائيل عقب مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991، ضاغط على المفاوض الفلسطيني الذي كان كل همه إفشال الخيار الآخر والعكس صحيح ولم يستفد أي من أصحاب الاتجاهين في الساحة الفلسطينية من الآخر وفشل كلاهما في المزواجة ما بين خياري المقاومة والمفاوضات أسوءة بتجارب الشعوب في مختلف مناطق العالم كما يخبرنا التاريخ ، بل ذهب كلاهما إلي حالة طلاق سياسي حقيقي ، حيث تخندق كل طرف في موقعه موجهاً كيل من الاتهامات للطرف للآخر .
هذه الحالة المتردية في العمل السياسي داخل الساحة الفلسطينية جعلت الشعب الفلسطيني يدفع الثمن باهظاً من سقف توقعاته وأحلامه على المدى المنظور
في الجانب الإسرائيلي كان اغتيال إسحاق رابين في نوفمبر 1995 شاهداً على طبيعية البيئة التفاوضية للمفاوض الإسرائيلي ، حيث أن اغتيال رابين لم يكن يستهدفه كشخص بل كان يستهدف فكره وتوجهه نحو السلام ، وهو ما انعكس على أسلافه من بعده في سياساتهم مع استحقاقات العملية السلمية حيث كانوا يبحثون عن الذرائع والحجج للتملص من الاستحقاقات وتفجير العملية السلمية برمتها ، وكانوا يبحثون عن اللحظة المناسبة لذلك .



استغلال اللحظة :-
عقب فشل مفاوضات كامب ديفيد في العام 2000 اتخذ القرار الإسرائيلي بنسف العملية التفاوضية برمتها وجاءت انتفاضة الأقصى التي نجحت إسرائيل في استغلالها بشكل جيد للهروب من المفاوضات ، وذلك عبر تصعيد الانتفاضة لتصبح مواجهة عسكرية مسلحة بين الطرفين يتم تسويقها للعالم على أنها حرب بين دولتين ، وبالتالي تعفي إسرائيل من المضي قدماً في العملية السياسية .
وعليه فلم يكن لدى الفلسطينيون القراءة الجيدة للتوجهات الإسرائيلية وجاءت ردة الفعل الفلسطينية حسب الأهواء الإسرائيلية تماما ً ، وفي نفس اللحظة كان تعرض الولايات المتحدة الأمريكية لاعتداءات في العام 2001 من قبل تنظيم القاعدة ضربة حظ لم تتخيلها القيادة الإسرائيلية حيث استطاعت الربط بينهما وذلك عبر وصف المقاومة بالإرهاب وهو ما تفهمه العالم بعد ذلك وبشكل كبير .
نتيجة لذلك أصبحت العملية التفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين مهملة من قبل الراعي الرسمي الولايات المتحدة الأمريكية التي ذهبت باتجاه محاربة الإرهاب والانتقام من المسئول عن التفجيرات ودخلت في حرب مع طالبان في أفغانستان وبعد ذلك احتلت العراق بفعل التهديد الذي يشكله نظام صدام حسين فيه .
وعليه فلقد تراجعت العملية السلمية بشكل كبير في هذه المرحلة على المستوى الدولي ، وهنا كان الدور الإسرائيلي المتحفز لاستغلال اللحظة وقد كان في نسف العملية برمتها حيث جاء شارون على سدة الحكم في إسرائيل عقب انتخابات2001 ، ليعلن وفاة عملية السلام ويدير ظهره بالمطلق للعملية السياسية ، على الرغم من كل المبادرات السياسية التي طرحت في عهده مثل خارطة الطريق ، فقام بالتصعيد بشكل فطيع فشن عملية السور الواقي29/3/2002 في الضفة الغربية وقسم الضفة إلي كانتونات مفصولة وغير مترابطة ، وحاصر الرئيس الراحل ياسر عرفات في مكتبه برام الله وعزله عن العالم وأعلن أنه ليس شريكاً في العملية السياسية ، وبدأ يعمل باتجاه نزع الشرعية الدولية عن الرئيس وسلطته ،ويطالب بقيادة فلسطينية جديدة ،يستطيع التحدث إليها والتفاوض معها .
لقد استعاض شارون المفاوضات على الطاولة بمفاوضات من نوع آخر على الأرض متسلحاً بجبروت القوة ، ليفرض حقائق ووقائع جديدة تفرض نفسها في أية مفاوضات على الطاولة ، على اعتبار أن الفلسطيني سيذعن في النهاية للمتغير على الأرض ، من خلال إطلاق حملات الاستيطان على غاربها ، وتدمير ممنهج لقوة السلطة وقدرتها على السيطرة ، مستفيداً من المناخ الدولي الذي خلفته أحداث 11أيلول في الولايات المتحدة الأمريكية .
أن الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي موحد إزاء القضايا المتعلقة بالانسحاب ، فموضوع الانسحاب ، والتخلي عن الأرض هي أطروحة أيديولوجية بامتياز ، وهي تعني ما تعني ، مفارقة حيال الجغرافيا التي تعامل الإسرائيلي معها ، لأحقاب طويلة ، إما بوصفها أجزاء مستعادة من أرض إسرائيل الكبرى ، أو أنها أحزمة إستراتيجية ضرورية لأمن إسرائيل .
وعليه فإن الثابت الإسرائيلي الذي تحول من خلال ، اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني ، لم يكن سوى محاولة التفافية لكسب الوقت في تجزئة الصراع ، وإدامة أمده بشكل أيسر ، وهذا يحيلينا إلي مقولة بيرس في بداية العملية السياسية " أن إسرائيل تعبر نفقاً إجبارياً لا بد لها من التكيف معه " .

الانسحاب أحادي الجانب ..والفشل الفلسطيني :-
أقدمت إسرائيل وفي خطوة مفاجئة ودون تنسيق على قيامها بخطوة أحادية الجانب العام 2005 تمثلت في الانسحاب من قطاع غزة وتفكيك مجمع المستوطنات في القطاع في مشهد سينمائي مؤثر أمام عدسات وكالات الأنباء العالمية ، ليشهد العالم كيف قام الجيش الإسرائيلي باقتلاع المستوطنين من أراضي القطاع ومدى حجم التنازل الإسرائيلي ، ورغبتها في السلام
أرادت إسرائيل من ذلك رمي الكرة بكاملها في الملعب الفلسطيني مراهنة على عدم قدرة الفلسطينيون على إدارة أمورهم بشكل جيد ، مستغلة حالة التخبط والتناقض والتناحر الداخلي للفلسطينيون ، وذلك في محاولة منها لتعزيز الصورة التي كانت تحاول تعميمها في العالم بأن الفلسطيني غير قادر على إدارة أموره، وبالتالي لا يستحق دولة.
لم يستطع الفلسطينيون قراءة التفكير الإسرائيلي ، وانشغلت الأطراف الفلسطينية المختلفة في الرؤى والبرامج في إدعاء نسب التحرير لنفسها دون غيرها ، وشهد القطاع حالة من الفلتان الأمني ، والذي كان ينذر بعواقب وخيمة في المستقبل القريب ، وقد كان ذلك فعلاً عقب نتائج الانتخابات الفلسطينية في العام 2006 وفوز حركة حماس بأغلبية المقاعد في المجالس التشريعي ، وهو ما جعل الأجواء الفلسطينية ملبدة بخطر الانقسام بفعل غياب الفهم الديمقراطي وقبول الآخر من جهة ، وبفعل السياسات الجائرة من قبل المجتمع الدولي الذي لم يقبل النتائج وفرض حصاراً على أراضي السلطة الفلسطينية ورفض التعامل مع حكومة حماس ، إضافة غلي الدور الإسرائيلي في الحصار الخانق على الشعب الفلسطيني في القطاع عقب أسر المقاومة للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ، وبفعل هذه العوامل المتداخلة ، اشتدت الأزمة الفلسطينية توتراً ، حتى وصلت إلي نقطة الصفر يوم الرابع عشر من حزيران 2007 ليحدث الانقسام الخطير في الأراضي الفلسطينية عقب الأحداث الدامية التي شهدها القطاع بين حركتي فتح وحماس ، ونجاح الأخيرة في السيطرة على القطاع ، بينما حافظت فتح على سيطرتها على الضفة ، في مشهد مأساوي ودامي لعله الأشد سوءاً في تاريخ القضية الفلسطينية بعد نكبة آيار 1948 واقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه .
هذا الانقسام كان واحداً من أهم المكاسب الإسرائيلية على مدار عقود من الصراع الطويل مع الفلسطينيين وهو بحسب تصريح شمعون بيريز رئيس دولة إسرائيل وأحد أبرز سياسيها
" ثاني أهم انجاز في تاريخ الدولة العبرية بعد انجاز قيام الدولة في أيار 1948 "
هذا الانقسام أعطي صك البراءة للجانب الإسرائيلي من الالتزام من أي استحقاقات قادمة ، وأعطاها الحجة والذريعة اللازمة أمام المجتمع الدولي لنسف العملية السياسية تحت مسيمات غياب الشريك وعدم قدرته على ضبط أموره ، وعليه فإن الانقسام يسجل في التاريخ الفلسطيني بأنه واحد من أهم السقطات للنظام السياسي الفلسطيني الذي فشل مبكراً في قراءة المخطط الإسرائيلي .

أبو مازن وتصدير أزمة المفاوضات :-

عقب انتهاء حقبة بوش الابن وتولي الإدارة الأمريكية الرئيس باراك أوباما ، وهو رجل يؤمن بالحوار لحل الإشكاليات العالقة بين الدول ، ويسعى إلي إعادة إحياء كافة التحالفات القديمة لمواجهة الشر بحسب خطابه في جامعة الأزهر بالقاهرة ،بادر الرئيس محمود عباس لاستغلال اللحظة وتوجه للإدارة الأمريكية بملف المفاوضات بشكل كامل من اجل إنهاء الصراع ، واضعاً أمامها أحد أهم الإشكاليات التي تواجه المفاوضات والمتمثلة في الخطوات الإسرائيلية المتلاحقة والمتسارعة وخاصة في مجال الاستيطان ، ليضع الشرط الأول وهو ووقف الاستيطان لبدء المفاوضات ، هذا الشرط الذي تبنته الإدارة الأمريكية وخلق أولى حلقات الصراع والتوتر مع حكومة اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو ، حيث أخذت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بالتوتر شيئاً فشيئاً ، وعلى الرغم من التراجع في الموقف الأمريكي وحالة الإحباط التي لازمت الرئيس محمود عباس من غياب الدور المؤثر للراعي الأكبر في العملية التفاوضية وهو ما أعلنه بوضوح في خطابه الشهير والمعروف" بخطاب التنحي" إلا أن أبو مازن نجح وللمرة الأولي في تعرية إسرائيل أمام الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي ، خاصة في ظل وجود قيادة يمنية إسرائيلية متطرفة في فكرها وتوجهاتها وهو ما تشعر به الإدارة الأمريكية ،، ومن المتوقع أن تعيد الإدارة الأمريكية الحياة للمفاوضات خلال المرحلة القادمة مع وضع شروط على الجانب الإسرائيلي قد تحسن من الموقف التفاوضي الفلسطيني .
لقد أخطأ العرب عامة والفلسطينيون خاصة عندما سلموا باحتكار الولايات المتحدة الأمريكية أزمة الشرق الأوسط ، واعتبارها قيماً على الحلول والأطراف ، لأنه لا يمكن أن تحل أزمة دولية مستعصية من هذا النوع بدون توازن في المصالح يستند على توازن في القوى .
والمشكلة أن الموازين كلها قي غير صالح الفلسطينيون أو العرب ، لأن إسرائيل تمسك بكل أوراق اللعبة وأهمها احتلال الأراضي في ظل غياب رادع فلسطيني عربي سياسي أو عسكري ورأينا الموقف من مبادرة السلام العربية وكيفية التعامل معها والإهمال الشديد لها سواء من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أو الإدارة الأمريكية الحالية ، والتي تعمل على إيجاد انطباعات أكثر منه حل أزمات .

هل خطة فياض لتجسيد الدولة الحل ؟؟؟

في الخامس والعشرين من آب (أغسطس) 2009، وتحت عنوان "فلسطين: إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة"، أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني فياض، خطة لإقامة مؤسسات دولة فلسطين خلال سنتين، وصولاً إلى عام 2011. وكمثال على تلك المؤسسات، إشادة مطار وبناء سكة حديد والتحضير لإقامة مصفاة للبترول. وأكد فياض أننا لن ننتظر نتائج المفاوضات مع إسرائيل، وأن الخطة ستعجّل في إنهاء الاحتلال، وأعلن أن البرنامج الذي سلمه للرئيس الفلسطيني محمود عباس يتضمن تفاصيل إقامة الوزارات، الصحة، التربية والتعليم، الاقتصاد، المواصلات. وقال فياض إن إقامة دولة فلسطين، تعزز أمن المنطقة واستقرارها. وقد تضمنت الخطة القوانين والبرامج، لبناء مطار فلسطين الدولي في منطقة الأغوار واستلام مطار قلنديا، وقال أيضاً لقد بحثت في هذا الموضوع مع عدد من الدول. وأكد أن قيام مؤسسات الدولة نوع من المقاومة. ولا بد من التذكير، أن الرئيس عباس قد كلف فياض برئاسة الوزراء عقب انقلاب "حماس"، والمعروف لدى ساسة العرب والعالم أن فياض سياسي معتدل، وناجح إدارياً وأمنياً، فقد رسخ الأمن والنظام في أراضي الضفة الغربية، بعد فوضى سادت قبل استلامه مقاليد رئاسة مجلس الوزراء، وقد عرف عنه أنه يستند إلى رأي مستشاريه وفق اختصاصاتهم، وأنه لم تلحقه شبهات الفساد، التي سبق ولحقت بعدد من سياسيي السلطة ووزرائها.
السيد فياض رجل دولة ناجح، وتشهد له خطواته السابقة، وخطته الراهنة والمستقبلية.
إن الكلام عن نجاحات فياض الاقتصادية والأمنية تؤكده الحقائق التالية:.
لقد كان جهد فياض ينصبّ على أن ينتقل الفلسطيني من خانة البكائين أو الانتحاريين أو المتسولين إلى خانة البنائين المنتجين والذين يصنعون مصيرهم في الحياة لا الموت، وفي بناء الحضارة لا هدمها.
لا بد لأي خطة اقتصادية، إنشائية، إنمائية، من مناخ سياسي ايجابي ببعديه الداخلي والخارجي، يهيئ لتلك الخطة فرص النجاح، و لا بد من مناخ آمن، يمنع العدوان عليها، ويتيح لها أن تعمل في ظل القانون والنظام. ولا بد لها ثالثاً من موارد مالية، تسمح لها بالإقلاع، حتى تصبح قيد الإنتاج .
من الواضح أن خطة فياض تحظى بقبول عربي ودولي واسع ، بل أن هذه الخطة قائمة على التمويل الدولي وخاصة من اللجنة الرباعية والاتحاد الدولي ، ولا يمكن التعامل معها على أنها خطة فلسطينية بامتياز ، وربما تكون هذه الخطة ، معضلة تواجه السياسات الإسرائيلية وهناك العديد من المحاولات الإسرائيلية لإفشالها ، بدليل الاجتياح الإسرائيلي لمدينة نابلس عقب خطة فياض الأمنية في المدينة ،وكذلك ما حدث مع الخطة الأمنية في الخليل قبل عامين تقريباً .
يبدو أن حجم الرضا الإسرائيلي على خطة فياض لتجسيد الدولة أو بناء مؤسساتها لا تحظى بقبول نهائي ، وهناك محاولات دائمة لإفشالها عبر خلق الذرائع والحجج ، ولقد عملت إسرائيل مؤخراً على القيام بخطوات تصعيدية واستباقية في مدينة القدس وتحديداً في الأحياء العربية منها وذلك لمواجهة هذه الخطة التي يمكن أن تمتد للأحياء العربية في المدينة المقدسة ، معتمدة بذلك على فلسفة خلق واقع ديمغرافي جديد يحيل دون امتداد الخطة للقدس ، وإبقاء الحالة الفلسطينية في واقع ردات الفعل على السياسية الإسرائيلية التي تخطط جيداً لردة الفعل الفلسطينية .

المفاوضات الغير مباشرة والآمال المعقودة
المشكلة تكمن الآن في مستوى الفعل الفلسطيني والعربي على حد سواء في التعامل مع جوهر المفاوضات ، حيث أصبحت العملية التفاوضية بحد ذاتها هدف استراتيجي ، لا بديل عنه ، ولا يمتلك العرب والفلسطينيون أية بدائل في حالة الفشل بفعل التعنت الإسرائيلي ، المتوقع في أية لحظة أو مرحلة من مراحل التفاوض .
الفلسطينيون ومن خلفهم العرب رموا الكرة الآن في الملعب الأمريكي لتقوم الإدارة الأمريكية بالإنابة عن المفاوض الفلسطيني مع الطرف الإسرائيلي ، والأزمة في ذلك تأتي في فهم الإدارة الأمريكية لطبيعية المصالح الفلسطينية ، وهل يمكن أن تكون قادرة على حمل الآمال والتطلعات الفلسطينية بأمانة في هذه المفاوضات ، وماذا سيكون الواقع الفلسطيني في حالة رأت الإدارة الأمريكية أن الحل يجب أن يقوم على أساس دولة فلسطينية في حدود حزيران 1967 مع تعديلات على الحدود ، وضمانات أمنية للطرف الإسرائيلي ، وإبقاء المستوطنات القائمة مما يعني تشوه الدولة الفلسطينية بعد أن تخضع الإدارة الأمريكية للمصالح الإسرائيلية ، وتأتي لتزف للعرب وللفلسطينيين خبر الاتفاق ، هل سنملك وقتها القدرة على الرفض ، في اعتقادي أن رمي الكرة بكاملها في يد الإدارة الأمريكية ، ليس في صالحنا على المستوى البعيد ، وقد تتفهم الإدارة الأمريكية طبيعة الوضع في إسرائيل في ظل سيطرة اليمين والذي لو قدم تنازلا في أحدى الملفات ،سيكون على حساب الملفات الأخرى ، لذلك فلابد من قراءة الواقع التفاوضي جيداً ، والمطلوب عربيا وفلسطينيا من الإدارة الأمريكية ينبغي أن يتمثل في ضمانات حقيقة مبنية على أساس الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ، وليست حسب أهواء أو رغبات الإدارة الأمريكية والتي من المؤكد أنها ستتأثر بفعل الضغط الذي سيمارسه اللوبي الصهيوني خلال مرحلة المفاوضات القادمة .
هناك العديد من نقاط الخلاف التي ستعترض طريق المباحثات غير المباشرة ، بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ، والتي ستكون حول أولويات البحث ، فبأي النقاط سيبدأ الجانبان المباحثات ، الفلسطينيون وبالتوافق مع الولايات المتحدة الأمريكية ، ترغب في البحث بالحدود التي ستفصل بين الدولتين ، في حين أن الجانب الإسرائيلي يرغب في أن تبدأ المباحثات في الترتيبات الأمنية .
أما عن ظروف إطلاق العملية التفاوضية الغير مباشرة ، فهي تبدو كحقل ألغام ، من حيث تباين وتضارب التصريحات على الجانبين ، حيث يحاول كل طرف التأكيد على عدم تراجعه عن شروطه ، التي كان يسوقها قبل إبداء الموافقة على أجرائها
ربما ينحصر العراك التفاوضي اذاً في المرحلة القادمة على أولويات البحث التفاوضي - كما اشرنا أعلاه - ثم على تفاصيل كل بند تفاوضي، ذلك أن الجانبين كانا حريصين على علاقتهما الخاصة مع الجانب الأميركي، الذي ربما يجد نفسه مع مرور الوقت "طرفاً" أساسيا في العملية، أكثر من وسيط، وربما مع الوقت أيضا يتحقق ما كان ينفي إمكانية حدوثه أكثر من طرف، نقصد بذلك بأنه لا يمكن فرض "الحل" بالإكراه على الطرفين، وبالفعل فإن بعض الأوساط، وبشكل مبكر وربما استناداً لهذه القراءة ومثل هذه التوقعات بدأت تشير إلى انه ربما يقدم الوسيط الأميركي في النهاية على "إجمال" نتيجة المفاوضات في ورقة أميركية، ربما تذكر بالورقة المصرية إزاء حوارات المصالحة الداخلية الفلسطينية.
المطلوب من الفلسطينيون الآن هو ضرورة إنهاء الانقسام ، بما يعزز من تمتين الجبهة الفلسطينية الداخلية ، ويصلب من قدرتها على المواجهة ، خلف رؤى واضحة وموحدة ، ومطلوب أيضاً تعزيز الجبهة العربية والإسلامية المساندة للفلسطينيين من اجل انتزاع الحقوق الوطنية لشعبنا ،وإعادة تقييم التحالفات الفلسطينية الدولية مرة أخرى بما يخدم المصلحة والحقوق الوطنية مرة أخرى ، لأن ذلك هو عوامل قوة وضغط بيد المفاوض الفلسطيني ، وإلا فإن الموقف القوي سيذهب أدراج الرياح ، ولن يأتي أكله .
وسيظل الثابت الإسرائيلي ، ثابتاً دون ذلك ولن نفلح في تحريكه وتحويله دون عوامل القوة تلك ، فهل ندرك ذلك ، ونعمل له ، قبل الندم والبكاء على الفرص الضائعة مرة أخرى.


المراجع

1- نور مصالحة ، " الأصولية اليهودية والفلسطينيون ..إيديولوجية غوش ايمونيم " مجلة السياسة الفلسطينية العدد الحادي عشر- صيف 1996.
2- سليم النفار ، " المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية الثابت والمتحول " مجلة سياسات العدد الثاني عشر – ربيع2010.
3- محمد حسنين هيكل ، " قطار السلام معطل ..؟" المقالات اليابانية صفحة دار الشروق 1998 .
4- محمود حيدر ،" مستحيلان إسرائيليان " ،مقال ، المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات ، 2010 .
5- الموسوعة الحرة ويكبيديا " مفهوم المفاوضات" موقع اليكتروني
6- قضايا الحل النهائي في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ، موقع الجزيرة نت




#طلال_أبو_ركبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب بنيويورك
- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - طلال أبو ركبة - بانوراما المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وجذور الأزمة