أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - حسن خليل - عن العسكر و الإخوان و البرلمان















المزيد.....


عن العسكر و الإخوان و البرلمان


حسن خليل

الحوار المتمدن-العدد: 3613 - 2012 / 1 / 20 - 15:54
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


عن العسكر و الإخوان و البرلمان

انتشرت دعوة وسط عديد من أئتلافات الشباب و اليسار "لتسليم" السلطة من المجلس العسكري الحاكم للبرلمان الجديد. و هذه دعوة فاسدة من كل جهة و نموذج مكرر لزرع الأوهام عن جهة ما قادرة علي حل قضايا الثورة بعيدا عن الثورة و الثوار أنفسهم. هي مشابهة للثقة في المجلس العسكري أثناء ثورة يناير 2011 ثم للثقة في حكومة عصام شرف ثم للثقة في الانتخابات علي الرغم من أن كل هذه الأشياء لم توجد إلا لسحق الثورة و الثوار.و يستند أصحاب هذه الدعوة إلى عدة مبررات منها

1 – أن المجلس العسكري "أخطر" علي الثورة من الإخوان الذين يتحكمون في البرلمان
2 – أن الشعب أنتخب البرلمان القائم
3 – أن الثورة في حالة ضعف و لا يمكنها الإطاحة المباشرة بالمجلس العسكري
4 – أن الصراع مع الإخوان هو صراع ثقافي و ليس صراع طبقي
5 – أن الثورة ستجبر البرلمان علي أحترام أرادة الشعب
6 - أنه لا توجد جهة أخري مهيئة لاستلام السلطة
7 – أن الأخوان سيفشلون في حل قضايا الشعب و بالتالي سينفضح أمرهم أمام الشعب.
8 – أن هناك تناقضات بين المجلس العسكري و الإخوان

قبل تفنيد هذه الحجج هناك خلل منهاجي في الدعوة لحل المعضلة التي تواجه النظام القائم. فإذا كانت الثورة قد اكتشفت أن المجلس العسكري هو أستمرار لمبارك بل أستمرار له مع تشديد قبضة القمع و العنف و لم تفلح جهود هذا المجلس الدموية في سحق الثورة و ما زال التمرد مستمرا فأن هذا يشكل أزمة للنظام بكل أركانه.أن الأزمات السياسية عصفت و ستعصف دائما بنظم الاستغلال و الثورات و الانتفاضات الشعبية هي أحد أسباب مثل هذه الأزمات و ليس دور الثوار حل هذه الأزمات بل علي العكس دورهم تعميقها فإذا كان المجلس العسكري قد فشل و أفشل الفترة الانتقالية -عن عمد – مما أدى لازمة سياسية عنيفة و تصاعد الاحتجاجات الشعبية فأن دور الثوار هو تعميق هذه الأزمة و توسيعها و ليس البحث عن حل لها. و كما كل الأزمات هناك أطراف عديدة تدعي قدرتها علي حلها من الإخوان لليبراليين لحازم أبو إسماعيل. علي الثوار أن يكون موقفهم هو أن الثوار وحدهم القادرين علي حل الأزمة لصالح أوسع قطاعات الشعب. فليس المطلوب "أي" حل للأزمة أنما حلا يناسب الشعب و هذا لن يأتي به إلا الثوار أنفسهم.
يرتبط بهذا أن التعبير المتداول نفسه تعبير خاطئ و مضلل "تسليم السلطة". لا أحد "يسلم" السلطة لأحد. السلطة فقط تنتزع حينما يكون توازن القوي يسمح بذلك. فمبارك لم "يسلم" السلطة. مبارك انتزعت منه السلطة. حينما تم تحطيم أداة قمعه الشرطة و أصبح واضحا أن القوي المحتشدة لأزاحته أكبر من أن تهزم. و هذا يوضح فارقا مهما بين مصر و تونس من ناحية و سوريا و ليبيا من ناحية أخري. فبالنسبة لمصر و تونس و خصوصا مصر كان مركز الثورة هو مركز القوة القمعية أي العاصمة. لذا استطاعت الثورة أن تحسم المواجهة سريعا في مجتمع بيروقراطي بأن قطعت رأس جهاز الأمن. بينما في سوريا و ليبيا علي العكس مركز الثورة – أو مراكز – في الأطراف أي ليس في العاصمة.مما أعطي للنظام حرية المناورة طالما ظل مركز جهاز القمع بعيدا عن يد الثوار. السلطة تنتزع و لا تسلم.

و مدي قبول الشعب للثوار كسلطة سياسية و مدي استعداد الثوار لاستلامها يتوقف لحد بعيد علي توجههم. بمعني أن السلطة السياسية ليست حجرا ملقي علي قارعة الطريق يمكن أن يلتقطه أي عابر سبيل. لكنها محل صراع اجتماعي ضاري. فأن عزم الثوار علي الاستيلاء علي السلطة فلن تسقط في ايديهم بل سيكون عليهم شن نضال ضاري من أجل الاستحواذ عليها. هذا النضال سيتمكن الثوار في سياقه من تأهيل أنفسهم و من أقناع شعبهم بقدرتهم و جدارتهم بالسلطة. و لا توجد أي وسيلة هادئة أخري تؤهل الثوار و الشعب لاستلامهم للسلطة.و لا توجد أي طريقة أخري لإنجار مهمات الثورة دون سيطرة الثوار علي السلطة السياسية.

ننتقل الآن لتفنيد الحجج سالفه الذكر لمبررات الدعوة لتولي البرلمان للسلطة

1 – أن المجلس العسكري "أخطر" علي الثورة من الإخوان الذين يتحكمون في البرلمان

عيب هذه المداخلة أمرين أولهما أفتراض أن المجلس العسكري سيختفي حال تولي الإخوان السلطة . هذا وهم. سيتحول مثلما كان أيام مبارك قابعا في الركن لا يعلم أحدا عنه شيئا و يشكل الدعامة الأساسية للنظام الجديد-القديم.الجيش هو عماد النظام لأنه أداة القمع الرئيسية ليس في مصر وحدها لكن في كل دول العالم. فأما أن يتم تحطيم هذا الجيش – أي تحطيم قيادته عبر العمل الثوري– و بناء جيش جديد مثلما حدث في الثورة الإيرانية أو الروسية بأشكال مختلفة و أما أن يظل قائما كما حدث في تشيلي أو أندونيسيا جاهزا للانقضاض وقت الحاجة. فلا توجد شرعية تحترم هنا توجد فقط القوة العارية.

أما الخلل الثاني في هذه المداخلة فهو نابع من تصور أن العنف الذي يمارسه المجلس نابع من أشخاص المجلس و ليس من المصالح الطبقية التي يدافعون عنها. أن المصالح الطبقية المتعارضة هي التي تولد العنف غير المتصور. و الإخوان لا يدافعون عن مصالح طبقية مختلفة عن المجلس لذا فلن يكونوا أكثر رأفه بل علي العكس سيكونون أكثر شراسة لتمتعهم بقاعدة شعبية. و بالطبع فأن التجرية الإيرانية خير شاهد. فالعنف الوحشي للسافاك الشاه لا يماثله إلا العنف الوحشي للحرس الثوري التابع لخميني.

و أود أن أتوقف هنا لمناقشة أطروحة شاعت أخيرا و هي أن المجلس العسكري جزء من الطبقة الحاكمة لأنه يمتلك أستثمارات واسعة تمثل نسبة من الاقتصاد القومي. في الحقيقة أن الأمر علي العكس أن المجلس العسكري يتحكم في هذه الاستثمارات لأنه جزء من الطبقة.أن هذه القضية بالغة الأهمية لفهم آلية عمل جهاز الدولة. فبينما يتشكل جهاز الدولة من موظفين و عسكريين يعملون لقاء أجر محدد بصرف النظر عن مستواهم الوظيفي فأن النظام – المصري أو غيره – يحتاج لأن يوفر مصدر أخر للدخل لهؤلاء الذين يعتبرون أساس جهازه القمعي. و هذا يتم توفيره بأشكال متنوعه طبقا لطبيعة النظام. ففي دول يتم عبر عقود التقاعد حيث يحصل كبار قادة الجيش مثلا علي وظائف هامة بعد التقاعد و في دول أخري عبر أمتيازات خارج الأجر -منتجعات خاصة و تسهيلات خاصة مثلا في حالة الاتحاد السوفييتي- و في دول عن طريق السماح بعمولات في صفقات السلاح . و في كل الحالات يكون كبار القادة من الجيش أو الشرطة من ضمن الطبقة المالكة أصلا عن طريق علاقات عائلية و غيرها. أن الجيش في مصر هو عماد النظام حتي لو لم يتحكم في أي استثمارات. لكنه يتحكم في استثمارات واسعة لأنه عماد النظام. و طبيعة دولة مبارك و نمط حكمه هي التي جعلت للجيش هذه الامبراطورية الاقتصادية الواسعة – و كذلك الشرطة -لكن هل يمكن لاحد أن يستنتج أن جيش عبد الناصر لم يكن عماد النظام من ذلك لأنه لم يكن له هذه الامبراطورية؟ يترتب علي هذا أن الجيش هو عماد النظام لأنه تحديدا جيش أي يمتلك قوة القمع. و سيقدم النظام مكافئات لأي جيش حتي لو نزعت منه كل الاستثمارات.

و يجدر بنا هنا أيضا أن نلاحظ أن الشرطة أعيد بنائها لحد كبير بل و منح قاتلي الشهداء "مخرج آمن" عبر قضاء متواطئ و هذا يعطينا فكرة عما يمكن أن يحدث للجيش في حاله تسلم البرلمان الذي جاء هو نفسه به للسلطة.
يبقي أن نذكر أن كل المجتمعات التي تتحكم فيها أنظمة مماثلة للإخوان تشهد عنفا شديدا من قبل النظام و من قبل الجماعات التي تتبني نفس النهج في باكستان و السودان و الصومال الخ. نحن في مصر لسنا في حاجة لأن نكرر نفس التجرية

2 – أن الشعب أنتخب البرلمان القائم

هذه النقطة أيضأ تحتوي علي تناقضات عديدة. أولهما تناقضها مع الواقع. و هو أن الانتخابات التي جرت لم تكن أقل تزويرا من أنتخابات مبارك. يشهد علي هذا حجم التدفقات المالية من الخليج و حجم الرشي الانتخابية و حجم التزوير و التسويد المباشر حتي أن الآف من أوراق الانتخابات عرضت علنا في التلفزيون أثناء الانتخابات نفسها. يضاف إلي هذا أن هناك دراسات تؤكد وجود رقم بين 12 و 9 ملايين أسم أضيفت للقوائم.ناهيك عن الدعايات الدينية و عن تركيب قوانين الانتخابات بما يحابي تيارات اليمين الديني حتي أن القوي الليبرالية هددت بمقاطعة الانتخابات. و من المنطقي أن تأتي أول أنتخابات بعد مبارك بأقرب الناس لمبارك في ظل هذا النظام من التعليم العام و الإعلام الذي يكرس لمفاهيم قريبه جدا أو متطابقة مع مفاهيم اليمين الديني.

لكن هذا ليس التناقض الوحيد. التناقض الأهم هو أذا كان الإخوان لهم شعبية جارفه فما هو موقف اليسار من هذا؟ هل علينا كما قيل أن نذهب حيث تذهب الجماهير؟ هل علينا أن نقف مع الوعي المشوه للجماهير ضد مصالح الجماهير نفسها؟ ثم أن هذه الجماهير تسير في ثورة – و سنتعرض لاحقا لمستواها – هل علينا أن نقدم وهما جديدا للجماهير في البرلمان ؟ و بالتالي نصرفها عن الثورة. أن دور المناضل الثوري أن يوضح للجماهير أن حتي لو أفترضنا أن هذا البرلمان منتخب بشفافية فأنه برلمان رجعي لن يحقق لها إلا مزيدا من القمع و النهب و أن استكمال مهمات الثورة هو الطريق الوحيد للوصول لمجتمع به قدر أكبر من التوازن بين سلطات الطبقات المالكة و ثرواتها و سلطات الشعب و ثروته. بل لو كان هذا البرلمان كل أعضاءه من اليسار و شباب الثورة لما أغني هذا عن أستمرار الثورة فالعملية الثورية ليست مجرد ضغط من أجل تحقيق مطالب العملية الثورية تعيد بناء الشعب نفسه بالطريقة التي تجعل لهذه المطالب معني و محتوي.

و البعض يتناول هذه النقطة بمعني ضرورة "أحترام" الإرادة الشعبية التي جاءت بالإخوان للحكم. و أذا تجاهلنا الاعتراض الوجيه جدا علي سلامة الانتخابات و كم تمثل من "الإرادة الشعبية" فأن تصوير الأمر علي هذا النحو هو محض أوهام برلمانية. دورنا تحديدا هو مقاومتها وسط الشعب . طبعا بعد أن نتخلص منها نحن أولا. فالبرلمان ليس أداة لتحقيق الديمقراطية البرلمان هو منتدي الطبقات المالكة. ربما يمكن للممارسة الشعبية للديمقراطية أن تجبر البرلمان علي أقرار تعديلات لصالح الشعب كما هو الحال في تاريخ البرلمانات الأوربية. لكن البرلمانات نفسها لا يمكنها و لم تنشأ إلا لغرض تداول السلطة بين نفس الطبقة أو الطبقات المالكة. و دور كل ثوري الآن و في المستقبل أن يشرح للشعب حقيقة البرلمانات لا أن يدعم الأوهام حولها باسم "الإرادة الشعبية"

3 – أن الثورة في حالة ضعف و لا يمكنها الإطاحة المباشرة بالمجلس العسكري

الثورة بالفعل في حالة تراجع منذ فترة طويلة و تحديدا منذ 11 فبراير. فالأجماع الشعبي تراجع. أولا نتيجة أنفصال قوي الطبقة المالكة عنه – أخوان سلف رجال أعمال الخ – ثانيا نتيجة أنصراف العمال إلى حيز الاحتجاجات العمالية. ثالثا نتيجة أنصرف قسم من الطبقة الوسطي الداعية للثورة. لكن هل يعني هذا الدعوة لتسليم السلطة للبرلمان. أن معني تسليم السلطة للبرلمان هو أضعاف الثورة أكثر.فإذا تغاضينا عن أن تولي البرلمان السلطة لا يعني "الإطاحة" بالمجلس العسكري. فمعني هذه المداخلة هو أن تتحالف الثورة مع البرلمان في مواجهة المجلس العسكري. هذه هي محصلة هذه المداخلة. فهل هذا عملي و ممكن و ما معناه؟ بداية أن المجلس العسكري و البرلمان – أو القوي المسيطرة عليه من أخوان و سلف- هم في علاقة تحالف برعاية المندوب الأمريكي و لا داعي هنا لا أعادة تكرار شواهد ذلك. فهل للثورة ما تقدمه للإخوان كي يفكوا تحالفهم مع المجلس العسكري و يتحالفوا مع الثورة؟ و ما الذي يمكن أن تجنيه الثورة من مثل هذا التحالف المقترح؟ في حقيقة الأمر لا تقدم الثورة أي شيئا مغريا للإخوان كي يفكوا تحالفهم مع المجلس العسكري. المجلس العسكري لديه القوة التي يحتاجها الإخوان كي يثبتوا حكمهم لكن ليس لدي الثورة ما تقدمه للإخوان غير المطالب الشعبية و المظاهرات.أذن فالأخوان ليس واردا أن يفكوا تحالفهم فعليا مع العسكر. من ناحية أخري فأن الثورة ليس لديها ما تكسبه من التحالف مع الإخوان غير الأوهام. فالإخوان بما أنهم قوة رجعية ليس لديهم ما يقدموه للثورة غير شيء واحد هو القمع.

4 – أن الصراع مع الإخوان هو صراع ثقافي و ليس صراع طبقي

أن كل أنسان ثوري يدرك أو يجب أن يدرك أن قضية الحريات العامة و الشخصية و قضايا حقوق الإنسان ليست قضايا ثقافية منفصلة عن الواقع المادي. أنما هي مادية في المحل الأول. أن منبع هذه القضايا في العصر الحديث هو أضطرار العامل لبيع حق التصرف في وقته الخاص للرأسمالي. و هذا يؤدي إلى تحويل العامل إلي وضع أشبه بوضع العبد فينزع منه الحقوق الطبيعية للإنسان مثل حق التعبير و الاعتقاد و حق التنقل بل الحق الطبيعي للإنسان أن يتصرف في وقته كيفما يشأ. ليس هذا فحسب بل أن العامل – و كل أجير – يضطر لآن يستخدم باقي ساعات اليوم – غير المباعة للرأسمالي- كي يجدد نشاطه و وجوده المادي. فلا يخسر العامل حريته في ساعات العمل فقط بل طوال اليوم.أن هذا هو أساس قضية حقوق الإنسان.و بالطبع كل نشاط أنتاجي يتضمن تقسيما للعمل أي تنازل من قبل كل فرد عن قدر من حريته الشخصية. لكن في النظام الرأسمالي يتم هذا التنازل أولا كرها ثانيا لطرف معادي و هو رأس المال ثالثا من أجل هدف لا علاقة للعامل به و هو تحقيق الربح أي ليس لإشباع حاجات العامل أو المجتمع. و الجهات و المنظمات الرجعية – مثل الإخوان و السلفيين – الذين ينكرون ليس فقط الحريات السياسية العامة بل أيضا الحريات الشخصية أنما يعبرون عن نموذج متطرف من سلب حرية العامل و يستخدمون الدين لتصوير أن هذه الحرية المسلوبة هي أرادة الآهية. و ليست أرادة نظام أجتماعي محدد أسمه النظام الرأسمالي و أن البشرية عرفت أنظمه قديمة كانت فيها حرية الإنسان مكفوله.أن البنيان الفكري الثقافي لمثل تلك الجماعات الرجعية من ناحية يروج لأن سلب الحريات بما فيها الشخصية هي أرادة آلهيه و من ناحية آخري يعد من يقبلون بوضع العبيد بالجنة و النعيم. أن مجمل المنظومة الفكرية لهذه التيارات أنما هي تبرير لشكل الاستغلال المكثف الذي تتميز به الرأسمالية المتخلفة. أن هذه الاتجاهات الرجعية اختارت عن قصد من التيارات الثقافية الإسلامية التي تعد بالعشرات أكثرها رجعية و تخلفا لهذا السبب بالذات و ليس لآي أعتبارات ثقافية. بل أن هذه التيارات الرجعية تراجعت بالثقافة الإسلامية عن عصر محمد عبده تراجعا كبيرا أستجابة لطبيعتها الطبقية.أن المنبع الطبقي للإخوان و غيرهم يكمن في القطاع الأكثر تخلفا من الرأسمالية المصرية و أغنياء الريف الذين لديهم مصلحة أكيدة في أبعاد أشباح الثورة عن نمط الاستغلال المكثف الذي يمارسونه.و التمييز الطائفي و التمييز ضد المرأة ينبع من نفس الأساس المادي. فالبرجوازية الكسيحة لا يمكنها التنمية المستقلة الواسعة لذا تترك قطاعات واسعة من الشعب دون عمل. و أساس المساواة الرأسمالية -بين الطوائف و الرجال و النساء - هو حاجتها لتشغيل أعداد متزايدة من العمال. أما في حالتنا فهي برجوازية هشه لذا عليها علي العكس أن تستبعد قطاعات كبيرة من سوق العمل فتستبعد المخالفين دينيا و النساء. و مرة أخري تستخدم أكثر التفسيرات رجعية في الدين الإسلامي ليكون أساسها الفكري في هذا السياق. بما في ذلك أن النساء عورة و كل تلك النفايات الفكرية التي يصبوها علينا ليس نقلا عن العصور الوسطي فحسب بل نقلا عن أشد المتخلفين في هذه العصور أيضا. و في نفس السياق فأن أنكار الوطنية المصرية و الدعوة لأمه إسلامية متخيله هو تعزيز للمنظومة الفكرية الرجعية التي يروجون لها.

بالنسبة للشخص المادي- بالمعني الفلسفي- لا يمكن أن تكون مواجهة مثل هذه التيارات الرجعية علي أساس ثقافي فحسب بل أنها مواجهة واسعة تتضمن المواجهة الثقافية دون نسيان الدوافع المادية الأكثر عمقا. لذا فمن الطبيعي أن يأتي أزدهار هذه الاتجاهات مع التحول من التنمية الناصرية للاندماج بالسوق الرأسمالي العالمي بل أن بروزها هو أحد مقتضيات هذا التحول. و في لنفس السبب تحول التعليم إلى سياسة معاداة العلم و خاصة العلوم الاجتماعية. و تحول الأعلام إلى أعلام التخويف و التجهيل و نشر الخزعبلات.أن مواجهة حقيقية مع مثل هذه التيارات غير ممكنه دون فضح الأساس الطبقي الذي تنبني عليه.و تقدم ثورتنا الآن الفرصة لدحض هذه التيارات ليس ثقافيا و حسب بل عبر الكشف عن المضمون الطبقي الرجعي لها.

5 – أن الثورة ستجبر البرلمان علي أحترام أرادة الشعب

بالطبع يمكن تصور أن البرلمان المقبل سيتولى مهامه و تصور أيضا أن الشعب لن يترك حقوقه تضيع في غياهب هذا البرلمان و سيدرك الشعب أن آجلا أو عاجلا أن البرلمانات هي عملية نصب في المحل الأول. لكن هل دورنا أن نعد الشعب من الآن كي يقاوم البرلمانية و كي ينتزع حقوقه أم نروج نحن الذين نعلم حدود البرلمان لاستلام البرلمان للسلطة ثم نعود لاحقا و نقول للشعب. آسفين لقد تذكرنا الآن أن البرلمانات هي منتديات الطبقات المالكة و ليست أداة لتحقيق المطالب الشعبية. أن ترويج البرلمانية هو هدف رئيسي من أهداف الإمبريالية في منطقتنا. و هذا هو جوهر العبارة الشهيرة "الفوضي الخلاقة" فالبرلمانية لا تتيح فقط للطبقات المالكة تداول السلطة بل تفتح الباب أيضأ للتدخل الأجنبي كما رأينا من السعودية و قطر و غيرهما. أن دورنا أن نقول للشعب أن البرلمان يمكن أن يكون ثوريا بشرط واحد هو أن تكون لقوي الثورة نفوذ طاغي علي الأرض. و ليس العكس. أي أن الأصل في تحقيق المطالب الشعبية هو مستوي الوعي و التنظيم و الحشد الجماهيري الذي يمكن – وحتي هذا يحدث في لحظات خاصة- أن يرغم البرلمان. و هذا هو العكس تماما من دعوة تسليم السلطة للبرلمان.

6 - أنه لا توجد جهة أخري مهيئة لاستلام السلطة

هذه الحجة تنبني علي أن أستلام السلطة كما استلام طرد في البريد. فعلا القوي الثورية ليست مهيئة لاستلام السلطة لكن السلطة لا تبحث عمن يستلمها. أن النظام الجديد – القديم الذي تم التفاهم بشأنه بين العسكر و الإخوان و الأمريكان بتشجيع من الرجعيات العربية أدي فعلا لإعادة وضع السلطة بعدما تهلهلت بخلع الثورة لمبارك و حاشيته. لقد تم بالفعل نقل السلطة من أشخاص حلقة مبارك لأشخاص العسكر و الإخوان. و التعديلات الدستورية و الإعلانات الدستورية و الانتخابات كلها وسائل لتشريع عملية النقل هذه و لاكسابها وضعا قانونيا.فحن لسنا إزاء سلطة حائرة تبحث عن جهة لاستلامها بل إزاء سلطة يتم الدفاع عنها بالسحل و الدهس و الرصاص.

7 – أن الأخوان سيفشلون في حل قضايا الشعب و بالتالي سينفضح أمرهم أمام الشعب.

لا يوجد فشل مطلق. أن الفشل و النجاح منسوب لطبقة معينة. لقد كان مبارك ناجحا جدا إذا استمر في الحكم 30 سنة رغم أنه بعد بضع سنوات من تسلمه الحكم أعلنت مصر إفلاسها عمليا و عجزت عن تسديد ديونها. فالإخوان يمكنهم أن يحكموا – و أي اتجاه حقيقة – لسنوات طويلة حتي رغم "الفشل" . و إذا كان المقصود بالفشل هو عدم القدرة علي تلبية مطالب الشعب الثوري المتصاعدة فهذا أيضا ليس صحيح. أن الواقع الاقتصادي شديد التردي. و قد عمد المجلس العسكري لإفساد الاقتصاد حتي يكفر الشعب بالثورة كشكل من أشكال البلطجة الاقتصادية. و أي حكومة تتمتع بأي قدر من المعقولية يمكنها سريعا أن تقدم تحسينات ملموسة للجمهور. خاصة في مجال الآمن و مجال توفير الحاجات الأساسية خاصة لو كانت مدعومة بدول الخليج الغنية و بالإمبريالية الأمريكية في ذات الوقت. فالتعويل علي فشل الإخوان هو عدم رؤية للواقع الاقتصادي لمصر حاليا.و بالتأكيد أن الطبيعة الطبقية للإخوان المعادية للشعب ستفضح حينما يتولون السلطة لكن هذا ربما يستغرق 30 عاما. و هناك شعوب تعاني من ويلات أنظمة رجعية مشابهه من سنوات بعيدة – السودان و باكستان مثلا-ثم أن من العبث الدعوة لتسليم السلطة للعدو الطبقي لأنه سيفشل.

8 – أن هناك تناقضات بين المجلس العسكري و الإخوان

بالطبع هناك تناقضات بين هذا و ذاك و هناك دائما تناقضات بين أطراف الطبقات الحاكمة و المالكة. و هذه التناقضات قد تأخذ أشكال شديدة العنف مثلا الحرب الأهلية الجزائرية – و هي مزيج من التناقض السلطوي و الانتفاضة الشعبية – أو إطاحة السادات بمجموعة علي صبري الخ. و ربما نري أنقلابا عسكريا في المستقبل أذا خمدت الثورة. وجود التناقضات لا يعني أمكانية الاستفادة منها من قبل الثورة إلا أذا كانت الثورة في وضع قوي جدا. بينما نحن في سياق تراجع للثورة – و ربما يصعد المد الثوري لاحقا – و في كل الحالات فأن هذه التناقضات التي يمكن الاستفادة منها أحيانا – مثلا كالاستفادة من عدم تطابق العسكر مع مبارك بخصوص التوريث- تعكس نفسها في الموقف من الثورة. بينما ما نشاهده هو أن الإخوان رغم كونهم ليسوا في السلطة فعليا حتي هذه اللحظة يباركون خطوات العسكر و يدعون لخروج آمن لهم.هل سيتطور الأمر لصراع دامي بين الطرفين ربما لكن لن يمكن الاستفادة من هذا ما لم يكن معسكر الثورة جاهزا و هو ليس كذلك بعد. ثم أن هذه الحجة لا تشرح كيف يمكن الاستفادة من هذه التناقضات عن طريق الدعوة لتولي السلطة من قبل البرلمان.

أن دور القوي الثورية هو التشديد علي أن أنجاز الثورة رهن بالقوي الثورية و الطبقات الاجتماعية ذات المصلحة في الثورة. و دورها أن تبدد الأوهام وسط هذه الطبقات عن حلول سحرية و طرق مختصرة لإنجاز الثورة



#حسن_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مندوب حزب التحالف يذهب للقاء مينا دانيال
- عرقنة مصر
- عزف علي أوتار الثورة
- الدول المصرية
- ستنتصر ثورتنا رغما عن المجلس العسكري
- دعوة لعقد مؤتمر وطني للقوي الثورية
- معضلات الثورة المصرية في حلقتها الجديدة
- 18 نوفمبر و تكرار خطاء 11 فبراير
- بالصلاة علي النبي
- ماذا ما بعد؟ مقدمة لخريطة طريق لانتصار الثورة
- بين الانتخابات المصرية و الحرب الإمبريالية الأولي
- مرة ثانية الإسلاميين
- تكتيك النظام و تكتيك الثورة
- التمييز الديني والعولمة


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - حسن خليل - عن العسكر و الإخوان و البرلمان