أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد بوجنان - عودة الروح















المزيد.....

عودة الروح


محمد بوجنان

الحوار المتمدن-العدد: 3608 - 2012 / 1 / 15 - 11:05
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


عودة الروح

من يجرؤ بعد اليوم أن ينكر أن الدم أضحى يتدفق في عروقحر هذه المجتمعات على إيقاع متناسق من المحيط إلى الخليج .من بوسعه أن ينكر أن هذه الشعوب قد توحد مزاجها فغدا ؛واحدا في الترقب ,واحدا في المبادرة ,واحدا في الثورة. أهي الروح التي غادرت هياكل هذه الشعوب قد عرفت طريقها إليها من جديد , أم أن ملامح الوحدة قد أعربت عن نفسها تلقائيا فعل المغناطيس.

من مصر لمصر ومن ميدان لميدان ومن شارع لشارع ومن قصر لقصر , تدفق و اندفاع عارم و بدون أي تخطيط أو تدبير. لم تكن الشعوب إبان كل ذلك تحتاج لمسيح يتحدث باسمها لكي يتخطى رقابها نحو كرسي في برلمان, أو حقيبة في وزارة , ليتحول في طرفة عين , من ممثل للشعب غايته الدفاع عن حقوقه وإفراغ الوسع في دفع الضرر عنه وجلب المصلحة لنفسه ,يتحول إلى ممثل للنظام يتفنن في تعطيل مصالحه ويغرق في البحث عن الصفقات الخاصة والرشا وينغمس في البحث عن مصادر الإثراء ويحصر اهتمامه في تضخيم ثروة يدرأ بها عن نفسه غدر الزمان كيف لا وهو الخبير بفن الغدر, العالم بأسراره, ليتكشف الشعب في النهاية أن المسيح لم يكن إلا دجالا , ويجد نفسه من جديد ضحية إيمانه بالوهم.
لقد طلقت الشعوب العربية الوهم وآمنت بقدرتها الذاتية على التغيير فتوجهت مباشرة إلى حكامها وعرت صدورها للرصاص وانتشرت في الميادين, ورفعت شعارات حطمت فيها كل سقف وتجاوزت كل ممنوع ونادت بملء فيها بالرحيل . كل الشعوب العربية ,دفعة واحدة, في شهر واحد, ململت كراسي كانت للأمس أنصابأ تنحني لها الهامات تقديسا وتطأطئ تعظيما وتبجيلا . كيف يحدث أن تتمرد كل هذه الشعب ضربة لازب على حكامها وترفع البطاقات الحمراء في جودها ألا يمكن أن يفسر هذا التجاوب عن وحدة عبر عنها الشاعر أحمد شوقي بقوله :

كانَ شِعري الغِناءَ في فَرَحِ الشَر قِ وَكانَ العَزاءُ في أَحزانِه
قَد قَضى اللَهُ أَن يُؤَلِّفَنا الجُر حُ وَأَن نَلتَقي عَلى أَشجانِه
كُلَما أَنَّ بِالعِراقِ جَريحٌ لَمَسَ الشَرقُ جَنبَهُ في عُمانِه
وَعَلَينا كَما عَلَيكُم حَديدٌ تَتَنَزّى اللُيوثُ في قُضبانِه
نَحنُ في الفِقهِ بِالدِيارِ سَواءٌ كُلُّنا مُشفِقُ عَلى أَوطانِه
تؤكد القصيدة على وحدة الوطن العربي في التاريخ والجغرافيا, في العقيدة وفي اللسان, في القيم كما في التراث ,في الضمير, كما في الفرح وفي الحزن . اتصلت الوشائج وتمازجت الطباع وتوحدت المصائر .
دول الاستثناء
عندما أحست الأنظمة بهبوب رياح التغيير وتلمست سرعة انتقالها بين الدول ,وعاينت إطاحتها برؤوس الفساد وقلبها للمعادلة لصالح الشعوب العربية , بدأت تنزو بالحديث صوب خصوصية كل بلد واختلافه عن نظيره دون القدرة على تحديد فعلي لهذه الخصوصيات وقد بلغ الأمر ببعضها إلى اعتبارنفسها استثناء ,وسرعان ما أصبح الاستثناء عدوى على لسان كل الرؤساء ومن تكلم باسمهم ,فتناقلتها وسائل الإعلام بغير قليل من السخرية , حتى لكأنها تميمة يريدون أن يحتموا بسحرها من شر هذه العدوى المستطير شر لايبقي ولا يذر. محاولات يائسة لبث روح الأمل في النفوس ودعوة مضللة تزيد المستبد وأزلامه بعدا عن واقع المطالب ,وتؤكد بالملموس أن هؤلاء لم يفهموا حقا ما تريده الشعوب من تغيير, فسعوا من ثمة لتجييش الجيوش لمواجهة إرادة الشعوب وتكريس مايقدرون أنها مصلحتهم, بعد أن برروها بإستتباب الأمن وتجنب الوقوع في الفتن, وعدم الاستقرار,وهم إنما يقصدون الإشارة إلى استقرارأوضاعهم المادية والأمنية من منطق الوصاية وحفظ المصالح الذاتية ,يوهمون الناس أن كل ما يصدر عنهم خطابا أو سلوكا يتمتع بشرعية, لأنه حق ذو مصدرغيبي, من عالم الملكوت وليس من عالم الملك ,وأي طعن في صدقيته يعتبر من قبيل الطعن في صدقية الخطاب القدسي, حالة تجلي المقدس بإرادته في المدنس.
إن فعل انبهار المدنس البشري بوهم ما يغشاه من أمرعلوي,وما يحتويه ويستغرق كيانه من إلهام غير دنيوي يجعله يتقمص صورة العجل الذهبي الذي يصدرخوارا, يتشكل الخوار لغة آمرة ناهية و فعلا مثيبا معاقبا ,مثيب للمؤمنين بقداسته ومعاقب للمرتابين في ادعاءاته .ينفصل المجتمع من ثمة إلى جبهتين ؛مرسخة يمثلها المنافقون المستفيدون من ثوابه,يرسلون خطابات الحمد والشكر باسم ولي النعم وأخرى رافضة قد اختارت أن تواري مواقفها خلف بلاغة الصمت ,خوفا من أن ينالها سوء من الطاغية صاحب النقم أوتجهر باعتراضها عن الفكر الحداثي والمنطلق العلمي السببي معتمدين المنطق الثنائي المتحكم في العالم انطلاقا من التصور الميتافيزيقي الذي يقسم الكون إلى عالمين؛عالم الملك أو الشهود وهو العالم المرئي وعالم الملكوت أو العالم الغائب اللامرئي الدينوني الذي لايمثل هذا العالم الدنيوي إلا تنفيذا لإرادته التي لا يطلع عليها إلا الراسخون في العل,الذين يعود إليهم تحديد الادواروبيان الحقوق وقد رأو بنفاذ بصيرتهم أن "الله فضل الملوك (الحكام) على البشر ، تفضيل البشر على سائر البهائم" والعهدة في التمييز على صاحب الأحكام السلطانية الماوردي ,وهذا ما يفسر استقراءاتهم السيئة لمجريات الأحداث وعدم تمكنهم من الفهم الدقيق والتاريخي لدواعي وقوعها ,الأمر الذي يسم ردود فعلهم بالعشوائية والغموض ويفسر تشبثهم, اللامعقول, بالسلطة ,فتراهم يتمادون في المواجهة ويوغلون في الصراع كأنهم يدافعون عن حق مشروع لهم ,أفردوا به دون غيرهم واصطفوا له عدا سواهم , لذا فهم غير مشغولين بمستوى أدائهم الهزيل و لا لنتائج حكمهم الكارثي ,إذ المفروض في أذهانهم أنه رداء ألبسوه, دونه خرط القتاد وحز الرقاب بصقيل العتاد,فلا يردعهم في المضي في قتل النفوس رادع ولا يحول بينهم وبين تنفيذ ما علق من خرافات عن أنفسها حائل وخصوصا وأنهم يبيحون قتل شعوبها لأنها بالنسبة لها مجرد عبيد خلقوا للسخرة ,وأخلصوا للخدمة ,بل إن نساءهم لا تعدو أن تكون طعمة لنزواتهم لأن إيمانهم راسخ بأنهم أهل الحظوة الذين أخلصهم الله لهذا الأمر وحباهم بالمجد وهيأهم لميراث البلاد فضلا عن العباد فكانت الواجبات أفضالا منهم ومننا .
صيحة في واد
فمن من بين الحكام العرب من يعتني بتتبع الأبحاث العلمية الدقيقة التي تعنى بالآفاق المستقبلية للمجتمعات العربية , التي أفرغ الباحثون وسعهم في إنجازها وتقديمها على طبق من ذهب لمن يهمم الأمر. لطالما تناول الباحث المغربي المستقبلي المهدي المنجرة في كتابه الحرب الحضارية الأولى والتي أفادت منها كل الأنظمة الغربية ومعاهد الدراسات الأجنية , من أمريكا لليابان وقد بلغ الأمر ببعضهم إلى انتحال نتائج أبحاثه كما فعل صمويل هانتينتون في صدام الحضارات مع كتاب الحرب الحضارية الأولى .الاستثناء كان يتمثل في دول الإستثناءات التي تضيق درعا بنتائج هذه البحوث التي كثيرا ما حذرفيها صاحبها من التسيير الكارثي ودعا للتفكير الاستراتيجي المستقبلي وحث على الاستثمار في البحث العلمي .وقد ميز في دراسته بتحديد ثلاثة سيناريوهات محتملة للعالم العربي هي على التوالي ؛ سيناريو الثبات ,يقوم على استمرار الحال على ما هو عليه ما يتناقض مع منطق التاريخ وقانون التحول والتغيير, سيناريو الإصلاح وهو سيناريو ترقيعي إن هو أمد في عمر النظام زمنا فلن يضمن له الاستمرار؛ لأنه مجرد مناورة للتحايل على المطالب المشروعة للشعوب, وإن صدقت نيتها فقدجاءت في غير أوانها, وهو ينصب الغالب على الجانب الاقتصادي والاجتماعي دون أن يلتفت للجانب السياسي وهو ما يجعل منه إصلاحا معوقا منذورا بالفشل ؛خصوصا وأن "أولي الأمر" لا يملكون من جرأة المغامرة ما يدفعهم للقيام بتغييرات جذرية وفعالة تمس جانب الحريات وتتجاوز غيبية المنطق الذي يتحكم في هندسة العلاقة القائمة على الإستعلاء , المستلزمة للطاعة , الطاعنة في أبسط مبادئ الحرية و الكرامة الإنسانية .
فأغشيناهم فهم لا يبصرون
لاولا يتمتع هؤلاء الحكام بالنباهة المطلوبة التي تخول لهم أن يحظوا باحترام شعوبهم لينقدوا عروشهم من الانهيار ويتداركوا مصيرهم شعوبهم من الدمار ,ما كان أحرى بمبارك والقذافي وعلي صالح والأسد وكل الحكام والملوك ممن خرجت جحافل شعوبهم تنادي بين ظهرانيهم بإصلاحات حقيقية وسريعة أن يبادروا إلى الاستجابة الفورية والمضي قدما في إصلاحات جذرية ,خصوصا بعد أن تحدد سيناريو التغيير كسيناريو لا يمكن تفاديه بوصفه رهان الشعوب والسقف المطلوب من هذا الحراك الشبابي غير المتوقع . لم يعد ممكنا بعد انهياردولة زين العابدين أن تقبل الشعوب بأقل مما تحقق في كل من تونس ,ماعاد ممكنا المقايضة أو الرشوة التي سارع بعض الحكومات إلى الالتفاف بها على مطالب التغيير,المعبر عنه بوضوح من لدن كل الحركات التي رفضت وصاية الأحزاب وقطعت مع فلسفة التسليم الأعمى التي اتبعتها أجيال متوالية ,بحكم ثقتها المفرطة حد التهور , بزعامات لم تكن في مستوى تطلعاتها وآمالها ,لا من حيث التزامها بالقيم ووفائها بما قطعته من عهود, ولا من حيث نوعية أداؤها فيما أسند إليها من مناصب ,ما جعلها تحس بالحرج والارتباك وبدل من أن تتراجع عن مواقفها المتعنتة وتعترف بفشلها في التغيير ,وهو الأمر الذي يهدد يفقدانها ثقة الناس ,ويزري بهيبتها أمامهم ويقضي على تطلعاتها الذاتية ومستقبلها السياسي. آثرت أن تخلع جلدها وتصطف إلى جبهة النظام هذا الذي لم يخطئ موعده مع هذه الفرصة إذ عمد إلى توظيف موهبتها في السجال في البحث عن شرعية يفتقرإليها لقاء بقائها في ما تبوأته من مناصب وشغلته من وظائف ,لكي تحتفظ وتكدس الأموال.وبعد أن انكشفت الخيانة انصرف الناس إلى ذواتهم يجترون مرارة الخيبة فاغتربوا عن واقعهم وتخلوا عن طموحاتهم وزهدوا فيها وتأففت أنفسهم من كل ما يمت إليها بصلة .
نادى منادي التغيير
ولكن لات حين مناص فما هي إلا صيحة حتى خرج الناس إلى الميادين من قواقعهم ينسلون,سعيا لاسترداد كرامتهم وإعادة التوازن للحياة ,خرجت دون تدبيرأو تخطيط دون تأمل أو تفكير خرجت مستجيبة لمنادي الكرامة , وداعي التغيير . خرجت دون أن تضع سقفا لمطالبها , العفوية باعثها والتلقائية أسلوبها وصيغتها . اعتمدت السقف المتحرك الذي يأخذ بعين الاعتبارقوة الشارع وضغطه فكلما كان الضغط أكبر كانت فرص التغيير أوفر وكان السقف يتحرك درجة فمن المطالبة بإصلاح النظام إلى المطالبة بإصلاح الدستور, ومن هذا إلى المطالبة بتغيير النظام ثم إلى إسقاط النظام لتنتهي مع تغيير الدستور. مراحل تتجد كل مرة ومع كل مواجهة جديدة لا تختلف المشاهد إلابقدر ما تختلف ردود أفعال الأنظمة بين التجاوب السلمي مع المطالب و توظيف السلاح وتحريك الآلة العسكرية ضد الشعوب لتأكيد حقيقة استخفافها بالشباب لأنها تجرب الفعل دون أن تثيره تنفعل دون أن تفعل بخلاف النظام الذي يمانع في أن يشاركه أحد في الفعل.
التغيير أم فحولة المستبد؟
كأني بالمستبد إذا أرسل أذنيه للإستماع أحس أنه يفقد عنفوانه يتخلى عن فحولته لكونه الذي يعمل من حقه أن ينفذ الفتك والطعن والقتل في الشعب بما يتضمنه من إيحاءات جنسية ,النظام فحل يمارس فحولته والشعب أنثى تستقبل و المطلوب أن يحس الشعب بنشوة الطعن وأن يدعو للفارس المغواروإن أظهر الشعب ما يشير للفحولة سارع النظام إلى ممارسة القمع ، يرد في كتاب القاضي التنوخي " الفرح والشدة "في موضوع التعذيب " التعذيب بالتعرض للعورة ويحصل بجب الذكر، أو أستئصال الخصية،أو طعن القبل أو الدبر، أو قطع الأشفار أو الخوزقة، أو النفخ في الدبر بالكير، أو نفخ النمل في الدبر، أو دهن الدبر بالعسل وتسليط النمل عليه، أو حبس السنانير في السراويل، فقطع أجزاء من لحم البدن... فالوطء"
يرفض النظام الديموقراطية لأنها تعبير حضاري يجافي طبع البداوة ذو النزوع الفحولي , الحضارة تنجذب صوب الأنوثة صوب الرقة صوب الحوارصوب المشاركة والتفاعل صوب التبادل, فيما تختار البداوة الفحولة وتختار معها المواجهة بإيحاءاتها المذكورة آنفا النظام الفحل ينتشي بالقتل ويستلذ بالتعذيب القتل بهدف الاستمتاع والتلذذ سادية تكشف عن هيمنة العقلية الذكورية فكل استبداد هو في النهاية نتيجة لعقلية ذكورية ترفض التواصل والإستماع لأن إيحاءات الإستماع والإصغاء تتساوق مع لذة التلقي بما أنها لذة أنثوية حضارية فالتعبير عن الاستقبال آلته الأذن بوصفها وعاء لهذا فهي مرتبطة بالوعي " وتعيها أذن واعية " الوعي قرين الاستماع لايستمع النظام خوفا من أن يفقد فحولته أو أن تنموفي أحشائه بنات أفكار غريبة عن شخصه يخشى أن" يحمل " يخشى الخصوبة يخصى الإنتاج البداوة والفحولة يغدوان رديفا العقم وحليفا التخلف ,إن حالة العقم وعدم الإنتاج يتحملها الفكر الذكوري ويسعى إلى ترسيخها باسم المحافظة على الوضع القائم ,على الموجود صيغة اسم المفعول الدالة الكينونة المنتهية رسما ومعنى في مقابل الوجود كاسم مصدر يدل على الفعل قبل أن يتشكل قبل أن تتبلور صورته حيث يكون ماانفك عجينا طيعا طائعا يستجيب لأنامل الصانع ويتجاوب مع تخيلاته وأوهامه وينقاد لرغائبه فيسفرعن صورغير مسبوقة ونماذج غير مطروقة ,ما يفتح الباب لتنوع الهياكل وتعدد التماثيل. المصدر آلة للإنتاج ورحم للتوليد ولكن لا صورة له ,مجرد خامة تتطلع لأن تصبح هوية منفتحة على المجهول, مجرد وعد ليس له أفق انتظار , لا عقدة له مع الغرابة ولا يزعجه الاغتراب ,يجافي كل ما يشده إلى النماذج المتكلسة التي لا ترى في الشكل الغريب احتمالا لوجود مختلف بقدر ما ترى فيه منافسا مزعجا يهدد بالمحو صورتها التي تعتبرها كاملة لا يعتريها النقص مطلقة لا يجري عليها التحول واحدة لا تقبل التعدد والتكوثر .
الفحولة ضد المروءة وهي المفردة التي تشي بنوع من المشاركة وتقبل بحالة من التخارج ,مساحة وسطى بين هويتين متناقضتين . فكلمة المرء تجمع بين المذكر والمؤنث وهو الشأن بالنسبة لكلمة الفتوة التي يشتق منها للمذكر فتى وللمؤنث فتاة قاعدة لتجاور الجنسين والكلمتان معا تتحملان معا قيما إنسانية تتجاوز الحد المطلوب فالمروءة عفة وعطاء ,خصوبة ونماء .والفتوة تضحية ونكران إيثار وعرفان ؛وهما صفات من صميم ما تقتضيه الحياة الاجتماعية وتفترضه لعبة الديموقراطية بتمظهراتها المزدوجة المتناقضة بنفيها للفرق بين الجنسين وبدعوتها لحالة من التوافق والمساواة.
فالنظام يتصور من موقعه كذكرأنه من يمنح ويهب هو إذن لسان ,صوت وخطاب هو كلمة , نص يرسم للكائنات مصائرها ويطلب منها أن تستجيب لدعوتهو أن تتلقى بخشوع منحته منته وأن تصلي شكرا له ,وأن لا تمتنع عن الاستقبال.

اللسان يحتاج للأذن لكي يبث فيها توجيهاته وأقواله هويستمتع بالكلام ويقذف في روع الأذن بنزواته , يغتصبها بخطبه العصماء ويفض عذريتها بطعناته النجلاء . إن الحاكم مولع باحتقار الرعية لذا فهو يضفي عليها من الأوصاف ما يعكس هذا الإحساس فلا غرو أن نسمع عبارات من قبيل الجرذان استعارة توحي من جهة بالتكاثروالخصوبة المفرطة مما يهدد ميزانية فخامته كما أنها تعكس إنكاره لبنوة هذه الكائنات التي تواجهه بها الرعية تحد من تسلطه عليها ويعتبره هو من جهته خيانة ونوعا من التآمر النشوز الذي يسمح له بإنزال العقاب بالهجر والطلاق دون أن يتحمل أية مسؤولية لأنه سائل فاعل وليس مسؤول مفعول إذ يوقع الفعل و لا يقع عليه فعدم المسؤولية إذن تتناغم مع وظيفته,فمن حقه إذن أي يطلق رعيته ويفتح لها باب الخروج لأنه صاحب العصمة بحكم ذكورته.

ما لم يتغير النسق الثقافي للمجتمع ويكف عن النظر للحاكم ككائن مختلف وتكف النخب المثقفة عن تكريس هذه الصورة الميثولوجية عنه ويتراجع الفقهاء عن إحاطته بهالة من التقديس لا يمكن أن تنجح أي فعل للتغيير وبما أن التغيير قد بدأ فلعله يدرك أن مهمة التغيير تبدأ بالثورة على هذا النوع من التفكير وأن نجاحها رهين بتفكيك هذه التركيبة الثقافية وإفراغ هذه المنظومة العتيقة التي استنفذت شرعيتها لأنه يكون بذلك قد بدأ يقطع مع منظومة الأستبداد وبدأ يرسم لنفسه أفقا متميزا يسمح له بالتحلل من حمل ناء بحمله عدة قرون دون أن يستطيع مراجعته .



#محمد_بوجنان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا في العير ولا في النفير


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد بوجنان - عودة الروح