وفاء جمال وفاء جمال
الحوار المتمدن-العدد: 3605 - 2012 / 1 / 12 - 23:13
المحور:
حقوق الانسان
وحول تأثير الأنبياء ومظاهر أمر الله على تطوير ورقي الروح البشرية يقول حضرة بهاء الله:
"لقد علم وثبت من هذه الكلمات والإشارات بأنَّه لابد أنْ يظهر في عالم الملك والملكوت كينونة وحقيقة ويكون واسطة للفيض الكلي لمظهر اسم الألوهية والربوبية حتى يربي جميع الناس في ظل تربية هذه الشمس الحقيقية ويتشرفوا ويفوزوا بهذا المقام والرتبة المودعة في حقائق الأشياء. ولهذا ظهر الأنبياء والأولياء بين الناس في جميع العهود والأزمنة بكل قوة ربانية وقدرة صمدانية(1)".
طالما يوجد للدين أبعاد اجتماعية فإنَّ أهل البهاء يعتقدون بأنَّ التقشف والابتعاد عن الناس وعن الاتصال بالمجتمع ومعاشرة الإنسان يعد أمرًا غير ضروري ولا يساعد على النمو الروحي (على الرغم من أنَّ الانزواء بين الحين والآخر قد يكون أمرًا منطقيًا وصحيًّا). ونظرًا لأننا مخلوقات اجتماعية فإنَّ رقينا وتطورنا يعتمد على ارتباطنا بالآخرين. وفي الحقيقة فإنَّ ارتباطنا الوثيق ومعاشرتنا الحميمة مع الآخرين وبصورة علاقة ملؤها المحبة والخدمة والتعاون هو أمر ضروري لعملية النمو الروحي. وقد ربط حضرة بهاء الله بين هدف الله للبشرية وبين جانبّي الدين الروحاني والاجتماعي حيث قال:
"إنَّ هدف الله سبحانه وتعالى من إرساله للمرسلين هو أمران. الأمر الأول هو تحرير الناس من ظلمة الجهل وهدايتهم إلى نور العلم والمعرفة، والأمر الثاني إيجاد السلام وتحقيق الرفاهية للجنس البشري ووضع الطرق والأساليب للوصول إلى ذلك(1)".
وبعبارة أخرى فإذا ما سار التطور الاجتماعي في خطاه السليمة فإنَّه بالتأكيد تعبير جماعي عن تطورنا الروحي. يقول حضرة بهاء الله:
"خلق الجميع لإصلاح العالم، لعمر الله إنَّ شئون حيوانات الأرض لا تليق بالإنسان، إنَّ شأن الإنسان هو الرحمة والمحبة والشفقة والصبر مع جميع أهل العالم(2)".
أمَّا بالنسبة لروح الإنسان وعلاقته بالجسد فيقول حضرة بهاء الله:
"معلوم لديك أيها الجناب بأنَّ الروح في رتبته قائم ومستقر، وإنْ
شاهدنا ضعفًا في المريض فهو لأسباب مانعة وإلاّ فإنَّ الروح لا تضعف.. ولكن بعد خروج الروح من الجسم يظهر بقدرة وقوة وغلبة لا شبيه لها.. لاحظوا الشمس خلف السحاب فهي مضيئة ومشرقة ولكن وجود السحاب يجعل نورها ضعيفًا. يجب تشبيه روح الإنسان بهذه الشمس حيث جميع أشياء الأرض مثل جسمه تقوم بالاستفاضة والإشراق من ذلك النور ويستمر هذا ما لم توجد أسباب مانعة وحائلة تحجب نور الشمس وبعد الحجاب يلاحظ نور الشمس ضعيفًا.. إنَّ روح الإنسان بمثابة الشمس التي تنور الجسم ومنه يستمد الجسم قوته وعافيته(1)".
إنَّ الروح الإنساني يستمر في الحياة بعد موت الإنسان جسديًا، وهو في الحقيقة أبدي وخالد. يقول حضرة بهاء الله:
"فاعلم أنَّه يصعد حين ارتقائه إلى أن يحضر بين يدي الله في هيكل لا تغيّره القرون والأعصار ولا حوادث العالم وما يظهر فيه ويكون باقيًا بدوام ملكوت الله وسلطانه وجبروته واقتداره(2)".
وحول موضوع بقاء وخلود الروح شرح لنا حضرة عبد البهاء بأنَّ جميع الموجودات المحتوية على عناصر مختلفة هي عرضة للانحلال والتفكك حيث قال حضرته:
"ليس للروح مجموعة عناصر أو ذرات، إنَّما هو جوهر قائم بذاته لا يتجزأ، ولذلك فإنَّه أبدي ولا يخضع للقانون المادي في الوجود(3)".
(مترجم عن الإنجليزية)
أشار حضرة بهاء الله بأنَّ الإنسان لم يكن له وجود قبل بدء حياتنا على هذه المعمورة. ولا يحل روح الإنسان في نفوس متعددة بل إنَّ روح الإنسان دائم الترقي في الملكوت الإﻟﻬﻲ بعيدًا عن العالم المادي. يقضي الجنين تسعة أشهر في رحم الأم ويعد نفسه لدخول هذا العالم. ويكون الجنين خلال تلك الفترة قد اكتسب أجزاءه العضوية مثل العيون والأطراف الأخرى اللازمة له للعيش في هذا العالم. وبالمثل تعتبر حياتنا المادية هذه مثل الرحم للدخول في العالم الروحاني. وعلى ذلك تعتبر حياتنا مرحلة إعداد من خلالها نحصل على القدرات والطاقات الروحية والفكرية اللازمة للعيش في العالم الآخر.
الفرق في الحالتين أنَّ نمو الجنين في رحم الأم هو أمر ليس اختياريًا ولكن النمو الفكري والروحي للإنسان في هذا العالم يعتمد بشكل أساسي على جهود وفعاليات الفرد. يقول حضرة بهاء الله:
"إنَّ الخالق الواحد الأحد قد خلق البشر جميعًا متساوين ومّيز الإنسان على جميع الكائنات. وعلى هذا فإنَّ النجاح والفشل والكسب والخسارة يعتمد على جهود الإنسان وكلّما زاد كفاحه ازداد تطوره(1)".
غالبًا ما تتحدث الآثار البهائية عن الألطاف والعنايات الإﻟﻬﻴﺔ لبني البشر وتبيّن بأنَّ التجاوب اللائق للإنسان حيالها هو أمر ضروري دائمًا لجذب هذه الألطاف والبركات لأرواحنا وإحداث أي تغيير جـذري داخل نفوسنا. قال حضرة شوقي أفندي بأنَّه "على الرغم من عظمة
وشموخ البركات الإﻟﻬﻴﺔ ولكنها يجب أن تدعم بجهود فردية ومستمرة وإلاّ لا يمكن لها أنْ تكون مؤثرة أو ذات ميزة حقيقة". وعليه، فإنَّه طبقًا للمفهوم البهائي لا يعتبر مفهوم النجاة والخلاص عطية إﻟﻬﻴﺔ لنا وإنَّما هو عبارة عن حوار متبادل استهلّه الحق تبارك وتعالى ولكنه بحاجة إلى مشاركة إنسانية نشطة وفطنة.
ونظرًا لأنَّ الطبيعة الإنسانية هي روحية في جوهرها فإنَّ أساس قدراتنا ينبع من الطاقات الكامنة في أرواحنا. بعبارة أخرى فإنَّ شخصية الإنسان وقدراته الفكرية والروحية تكمن في الروح حتى لو تم التعبير عنها بواسطة الحواس الخمس خلال فترة حياته القصيرة على الأرض. من القرائح التي أشار إليها بهاء الله أولاً: العقل الذي يمثل القدرة على التفكير السديد والبحث والتحري. ثانيًا: الإرادة وهي تمثل القدرة على العمل بإرادة شخصية.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟