أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيمار سلوم - نواقيسٌ مكسورة














المزيد.....

نواقيسٌ مكسورة


إيمار سلوم

الحوار المتمدن-العدد: 3605 - 2012 / 1 / 12 - 18:56
المحور: الادب والفن
    


نواقيسٌ مكسورة


1
أشفقُ على نفسي، عليكَ أيُّها الآخرُ، عليكِ أيَّتُها اللعنة؛ فقد أصبحتِ أصغرَ مني بكثيرٍ!!

2
كلُّ قتيلٍ يسقطُ، يأخذُ معهُ شيئاً مني، لم يبقَ الكثير، أريدُ الهروبَ والهروبَ فقط!!

3
قلبي أسودٌ مثلُ الشامِ الثكلى على ذاتها. الشامُ لا تعرفُ البكاءَ على أبنائها، بل تعرفُ فقط كيفَ تأكلُهم!!

4
أبتعدُ عنكِ قليلاً... أُحمِّلُ عناءكِ للغيمِ الذي يتوالدُ من انفاسي المالحة... ها أنا وحيدٌ ومبتذلٌ كالأملِ بأنَّ القادمَ أجمل... ها أنا نثارُ حريةٍ على شفاهِ قاتلي... بلا أنا، أحفرُ في ترابِ المحنة ولا يخرجُ سوى القذارات...

5
أزعجني اليومَ تحليقُ عصفورٍ قربي، لا أعرفُ كيفَ تضاءلتُ بحجمٍ حجرٍ صغيرٍ وأرديتهُ ميتاً، وأكملتُ مسيري إلى الهاويةِ التي كانت تنتظرني في ربوعِ الوطن "الغالي"، فرحاً لأنني لا أسمعُ خفقَ جناحٍ ولا يجرحني تغريد!!!

6
سجِّيتُكِ قربي، باردةً كربيعنا العربيِّ، شاحبةً كلصوصيّةِ الوطن، جامدةً كظلِّيَ العالقِ بنعلِ الأزلِ، ولم أقوَ على حفرِ قبركِ، لأنَّكِ تذكرينني بمن أحببتهمُ يوماً يا صغيرتي، ربما عليَّ التمدُّدَ قربكِ، والغيابَ!!

7
أدقُّ ناقوسَ التاريخِ بقوةٍ، فيرنُّ الخرسُ ويكادُ يصمُّ أذنيَّ. ما لي لا أفقهُ كلامهُ، ما لي لا أبتغي أن أفهمَ ما يريد!...

8
أهربُ من نفسي إلى الخيال... أرى مدناً أخرى وبشراً آخرين... أتصوَّرُ حبيبةً تمشي قربي في غابةِ قريتي... أتخيَّلُ كيفَ تكونُ الابتسامةُ على شفتي... كيفَ يكونُ الحبُّ، كيفَ يكونُ السلامُ، وكيفَ يمكنُ أن أكونَ لو أنني لم أكنْ هنا الآنَ... أهربُ إلى الخيالِ الذي يوقظني دوماً قبل أن أعرفَ من أنا، قبل أن يألفني الغياب!...

9
ألمٌ في الرأسِ، جسدٌ منهكٌ، صدرٌ فارغٌ إلا من التبغِ، قدمانِ مُحنطتانِ، ورغبةٌ ذابلة في الشفتينِ الجافتين، وحلمٌ أخضرَ كالموت بأنني سأحيا في مكانٍ آخرَ يكونُ فيهِ الموتُ أقلَّ خضرةً وأكثرَ سوادا...

10
بالرغمِ من أنَّ الهولَ الذي ربما اعتدتُ عليهِ منذ زمن، يحضرُ الآن بكاملِ عريّهِ وقباحته، إلا أنني استطعتُ أنْ أنظرَ إليهِ، لكنني لم أعتدْ بعدُ عليه.

11
أطعمُ عصفوراً جميلاً بيدي، وفي الأخرى أحفرُ قبراً صغيراً لصوتيَ الشاذِّ... فقد قالوا لي إنني عبءٌ على الرصاصِ، فالكثيرون مني يسقطون ولا أموتُ!

12
أصفعُ خدكِ أيتها العافية، فقد أنهيتُ لتوي نهاراً كاملاً من الموتِ وبعضاً من الليل!!!..

13
ولأن حجابَ الضرورةِ يحجبني، ولأنّ الفاقةَ لم تعرفْ لها رداءً سوى أملي، كنتُ أختلسُ النظرَ دوماً إلى قبريَ الشهيِّ من شقٍّ في جدارِ الممكنِ... ودائماً ما كان حبي يورِّدُ ويكبرُ في شتائمَ وكراهيةِ من يعتبرونني عدواً... فأنا بدونِ الحبِّ احتمالُ موتٍ شنيعٍ على أهدابِ النقمةِ والحقد...

14
ما يحدث الآن كافٍ ليؤكد لي على المستوى الشخصي أنه لا خيرَ فينا. القتل والدم والوحشية والهمجية واللاإنسانية. أكاد أؤمن أنني لست أكثر من دميةٍ وُجدت لتُمزَّق!!.

15
يلوذُ بي الصمتُ وألوذُ بالحلمِ.. وبلا أملٍ، وبلا رائحةٍ لي أتناثرُ قربَ لاعنفيَ الدموي، هل سأقتلُ من يحاول قتلي؟! أخافُ أن أسألني هذا السؤال!!.

16
أستعيرُ من الليلِ خوفاً جديداً له سوءةُ الأمل، أذوقُ خيرَ الملل بعيداً عن صياحِ ديوكِ الطُغاةِ، الآنَ أشقُّ بحرَ المأساةِ بعصايَ بلا إلهٍ وبلا أتباع, الآنَ أشتهيكِ كغدٍ آخر، كصباحٍ يسيلُ دافئاً على عيوني، أشتهيكِ رعشةً تشي بالغرابةِ والدهشةِ. الآنَ أنامُ قريرَ الغبطةِ مليئاً بصمتِ المجازر، وأرجو أن تفيقَ فيَّ الحياةُ!!!

17
الشامُ ترتدي سوادَها
الوجوهُ بقايا انفجارٍ أعمى قُتِلَ فيهِ الوطن!!!

18
أشعلتُ شمعةَ ذكراكِ...
في منتصف كلِّ شهرٍ أطفئُ الأنوارَ، أُغلِقُ ستائري، أربطُ الليلَ البهيمَ بحديدِ النافذةِ وأجمع صلواتي كلّها في إناءٍ خزفيٍّ ثم أكسرهُ وأبدأُ رحلتي من جديدٍ في لملمةِ الصلواتِ!!

19
أراجيحٌ وأطفالٌ ودمٌ.هذا المكانُ لعنةٌ.
حيثُ يسقطُ الشموخُ دوماً قرب ثكنةٍ عسكرية، أو تحتَ حذاءٍ وطني.
أراجيحٌ وأطفالٌ وأحشاءٌ. هنا النهارُ مُعلَّقٌ بأهدابي الحديدية. أستعيرُ من الطفولةٍ قاتلٌ ثمَ أقتلني...

أراجيحٌ وأطفالٌ وامرأةٌ تقصُّ المكانَ، تخيطُ رداءً لموتٍ عارٍ يقيمُ بيننا منذ وقتٍ طويل!!

20
وغير بعيدٍ عن أزهارِ الفاقةِ كنتُ أمشِّطُ شعركِ أيتُها الغالية، والموتُ حولي يفوحُ والجوعُ. أهمسُ في أذنِ المحنة: أنا هنا!!!

21
أنظفُ الوطنَ من قمامته، أملأُ بها رأسي، ثم أدعو الآخرينَ ليروا كم هو نظيف!!!
ولهذا كانَ الوطنُ، ربما، ومازالَ وسوفَ يظلُّ إلى أمدٍ بعيدٍ، للآخرينَ وليس لي.

22
أنهي يومي كعجوزٍ يهابُ الموتَ، لأنه ضيَّعهُ كثيراً سابقاً...

23
امتلئُ بهم حتى أنني لا أتسعُ لنفسي!!
هل أنا مخطئٌ إذنْ؟!!

24
أرتقُ أصابعي الممزقة، أرتقُ شفتيّ وأجفاني، أرتقُ أملاً بيأسٍ، ويأساً بنومٍ، ثم أقرأُ تاريخَكَ أيها الوطن الصغير، كغدٍ يخرجُ من تحتِ إبطكَ...
هل يدُ البؤسِ طويلة؟!!
أعتقدُ أن لسانه طويلٌ أيضاً!!!...

25
وتراني أفكرُ في غدي القتيلِ
أينَ أدفنُهُ؟
وأيُّ كفنٍ سوى وجهيَ يليقُ بهِ؟!!






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيلم -في عز الضهر-.. هل ينجح مينا مسعود في مصر بعد نجاحه في ...
- نتيجة الدبلومات الفنية برقم الجلوس في ثواني على بوابة التعلي ...
- صدر حديثا ؛ عندما يغضب المحيط - قصة للأطفال
- -ابتدينا-..عمرو دياب يطلق ألبومه الجديد ويتعاون فيه مع ابنه ...
- وثائقي -غزة: أطباء تحت النار-.. القناة 4 تكسر احتكار الرواية ...
- منتصر الحمد: كيف نعيد تموضع اللغة العربية كفاعل ثقافي عالمي؟ ...
- “برقم الجلوس والاسم فقط” رابط نتيجة شهادة الدبلومات الفنية 2 ...
- أقنعة وألسنة لهب: باراغواي تحتفل بمهرجان كامبا رانغا على طري ...
- الأميرة ريم علي: -نرفض أن نموت ثقافيًا-..انطلاقة الدورة الـ ...
- معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب يحتفي بالمغربي محمد بن ع ...


المزيد.....

- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيمار سلوم - نواقيسٌ مكسورة