أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف حسين الحلبي - جلسة على شاطئ بنيدر















المزيد.....

جلسة على شاطئ بنيدر


نايف حسين الحلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3601 - 2012 / 1 / 8 - 00:59
المحور: الادب والفن
    


جلسة على شاطئ بنيدر



جميلة جدا طيور النورس عندما تحط رحالها على سطح المياه الشاسع الذي يخلُب الأنظار، وهي مترنحة مع موجات البحر، وتتماوج معها وكأنها جزء منها ومن ثم تعاود الإقلاع لتحط بمكان أخر.

الوقت شارف على الغروب، وطيور البط ما تزال تمخر عباب البحر وموجاته لتغوص بعكس تيار الأمواج فهي على دراية بأن الأسماك تسير مع التيار الجارف عبر طريقها للشط، فتأخذ نصيبها بعد غوص عميق.
نسمات عليلة تلف المكان، وسطح الماء المترقرق سويّ بطريقة مستوية عالية الدقة للناظر إليها.
والقمر بدأت سماته تبرُز عبر السماء ويتألق بريقه، الذي يلمع عبر الضباب ليكحل السماء بلوحة فنية.

طيور البط تصعد للأعلى بعد رحلة غوص دسمة، وتضرب الماء بأجنحتها الكبيرة لتطير بفرح للأعلى ، ثم تعاود الكرة وجسمها شبه ملامس للبحر وكأنها تفتش عن شيء ضاع منها، أو تبحث عن مكان أخر، ومحطة أخرى، وفريسة أخرى.

أنا وحدي هنا على شواطئ بنيدر، والمكان شبه مهجور، أعيش متعة الوحدة مع البحر، لا شيء يعكر صفو المكان، ولا شيء يكدر خاطري.... بدا هناك سيل من اللون الضبابي يعلن اقتراب انتهاء النهار...

العصافير التي بدأت تفتش عن مكان تأوي إليه، وزقزقتها تشق الصمت الذي بدأ يخيم على المكان وتتثاقل في تنقلاتها وكأن حركاتها بدأت تخف وتشحب ، وبعض العصافير بدأ يقترب مني لمسافات تجعلني أدرك أنها مستأنسة بي وغير خائفة...

وجه البحر اكتسى بلون ضبابي معلناً الرحلة الأخيرة من يومه الوضاء، وموجاته التي ما تزال تترنح عبر شواطئه الرملية النظيفة، وكأنها تقبل جباهه.
كل شيء من حولي يعلن السكون، حتى الأشجار بدت عليها سكينة المكان، والرياح الدافئة تلامس أوراقها وكأنها جزء من حناياها، بلغة غير مفهومة وبكل محبة.

ما زلتُ أرى الورقات التي اكتب عليها، والتمعن بما اكتبه، ولكن الحروف والكلمات لم تكن واضحة كما أريد، ولكن شيء ما يشدني للكتابة،
السكون وصوت تموجات البحر الرقراقة وصوت مسجل السيارة الذي تصدح من خلاله وردة الجزائرية يعبق في المكان بأغنية: " إن سألوك علي ما تقلش هجر وتشمتهم في"
ترى ما السر الكامن وراء هذا السكون وفي هذه الأعماق ؟؟

العصافير أعلنت نهاية نهارها، وغادرة المكان بزقزقة هنا وأخرى هناك، وكأنها تعلن الوداع، أو تريد أن تقول لي شيئاً ما لم استطع قراءته.

قطع السكينة علي شاب يعمل معي في مشروع الشاليهات، وجلس بجانبي على الطاولة، واخذ يحدثني ويسرد علي بعض قصصه المتكررة التي لا تنم عن وعي لديه، وأنا لم اكترث لما يقول لأنني مستغرقاً بالكتابة، ولا أريد لأحد أن يَقطعْ عليَّ خُلوتي بهذا الوقت، الذي خصصته لأجلس به مع نفسي وقلمي، ولكن ما أفكر به لم يعنِ بالنسبة له شيئاً، يريد فقط أن يملئ وقت فراغه ،

كان متطفلا بارعا من حيث لا يدري، أردت توصيل رسالة له بأن تواجده غير مرغوب فيه، وخاصة بهذا الوقت بالذات، إلا انه لم يفهم شيئاً مما قصدته ولم يدرك سر انغماسي في هذه اللحظات مع نفسي، ومع أنغام الطبيعة، أو ربما تكون هذه الأشياء غريبة عليه ولم يفكر بها، أو لم تكن قد خطرة على باله، أو جالس احد من قَبلْ يحب الكتابة، وتعود بأن يملي وقته مثل الكثيرين غيره.

كانت أسئلته تنم عن عدم إدراكه لما أقوم به ، وأراد منها أن يفتح باب للمحادثة، أو ليقل لي شيء ما إنني هنا، وإنا غير مبالي لما يقول، كل أسئلته كانت بغير محلها وغير مترابطة، ولكن كُنتُ أومئ في رأسي للتعبير عما أريد بنعم أو لا.

بدا المكان يتجلى به ضوء القمر لينثر نوره على صفحات الماء، وبدا البحر معه كبساط اخضر يتموج، راحت الموجات تضرب مكان جلوسي، معلنة الاقتراب أكثر.
وحالة المد البحري، كأنها أرادت أن تدفعني للتحرك قليلا بحياء، وأنا أتململ لا أريد نقل طاولتي ومتشبثاً بالمكان، وأرجل الكرسي التي اجلس عليها بدأ يغور بالرمل الرطب فأقوم برفعها ثانيةً، وكلمات ورده الجزائرية تصدح بالمكان بصوت مرتفع " والليل الغريب ومن طول انتظاري وأنت مش غريب"

ثم يقطع الضيف الثقيل خلوتي بسؤال : كم اليوم في الشهر ؟ بعدم اكتراث، وبعدم الالتفات إليه أقول: له بعد لحضات، والله لا اعلم.
أحسست إن ما أقوم به أهم بكثير من وجوده، ولا أريد أن يلزمني بتواجده وإنا غير مهيأ لذلك.
كل ما أقوم به هو رسائل مبطنة له عله يفهم مضمونها، ولكنه لم يفعل، واخذت اسأل نفسي عن سبب اتياني بكرسي اخر غير الذي اجلس عليه والذي كان السبب بأن يحط عندي ذلك الضيف

وكنت قد قطعت الطريق عليه وعلى ثقل دمه، ولكني لم أتوقع حلول ضيف ثقيل مثل هذا.... ولكن التذمر او الندم ألان لا يفيد، وقلت بداخلي علي أن أتأقلم مع الوضع والمستجدات التي لم أتوقعها، ربما هناك سر ما ورائها، ورحت متقبلا وجوده، وقلت عله يظفي على المكان شيئاً ما....

وهذا ما حدث فقد حرك شيء بداخلي وجعلني اكتب بأكثر مما لو كنت لوحدي، وكان عامل نشطاً للالتفات لموضوع أخر لم يكن بواردي، وهو التآلف مع الأوضاع التي لم أحسب لها حساب، والتعايش معها، ومع الأشخاص السمجين أمثال ضيفي هذا وذلك بعد أن عزمت على أن لا يكدر علي جلستي.


اخذ الكرسي واستدار نحوي ليكلمني... وفي هذه الأثناء شدتني كلمات وردة وشعرت إن كلماتها تتماوج مع لغة البحر وتتفاعل معها ومن خلالها. تصدر النغمات...

الكلمات لم اسمعها بلغة مفهومة، لأن أمواج البحر تصدر أصواتاً تختلط مع اللحن والكلمات، وتجعلني لا أدرك ما تقوله، ولكن كان يكفي أن اسمع بعض من كلماتها لأعرف الكلمات الأخرى، لأن أغنيتها كانت غنية عن التعريف ومتداولة لدي " وكفاية يا غالي لا تشمت عزالي بيّ وبللي جرالي"
وعند هذا الحد كان قد اكتفى صاحبي من الجلسة الممتعة، وفهم الرسالة، وقام بمغادرة المكان بحجة إن البرد بدء يضرب مفاصله، ولم يعرف بأنه افسد الجلسة علي، وبأنه جاء بوقت غير مناسب، ولكن قد فهم رسالتي حكماً، وما نخر عظامه هو عدم اهتمامي به، لا البرد الذي يتوهم وجوده.

كنت في الفترات السابقة من حياتي لم استطع التعامل بهذه الحدية مع ضيوف من هذه الشاكلة، وأزعج نفسي لإرضائهم والتعاطف معهم، ولكن ذلك كان يسبب لدي إرباكاً داخلياً، وتوقفت عندها، بأن لا اسمح لأحد بعد اليوم أن يدخل بوقت لم أكن أنا أريد له الدخول.

بدأت الكتابة غير واضحة على الورق، فرحت مسترخيا بعض الوقت ليكون ضوء القمر قد حل بالمكان، بشكل استطيع من خلاله رؤية ما أقوم بكتابته

صوت وردة ما زال يعج ويعبق بالمكان وكانت هذه المرة الثالثة في وقت قصير أتنقل بطاولتي والكرسي وبعض من الأدوات والمكسرات والشاي والقهوة التي اصطحبتها، والمرافقة لي وللبحر، واخذ المد مداه الأكبر ورحت مبتعدا، المكابرة هنا غير مجدية معه.

كنت أحب أن اجلس بجانب الموجات لأعيش معها، وعلى مقربة منها لدرجة كنت اجلس والمياه تعبث بالطاولة وبأقدامي، وأحيانا كثيرة أتربع على المياه واتركها تغمر المكان الذي اجلس به، ولكن خوفي من إتلاف ما اكتب قادني للابتعاد.

كان صديقي عماد مادة دسمة لتحريك الموضوع، والتنبه لأشياء لم تكن مفعلة لدي، ولكلمات وردة وقع خاص لم أكن أحسه من قبل، فبت أعيش مع كل كلمة تقولها..

بدا البحر موحشا في عتمة الليل والضباب بدء يلف المكان، ولكن ضوء القمر يبدد خوفي، ورحت مودعا لحظات عشق سامية التحم فيها العقل مع الروح بالكون العظيم...
بالإضافة إلى الأحاسيس المندمجة مع لحظه صفاء في أمواج البحر وضياء القمر، راحت ترسم معانٍ جميلة وتترك روحاً هائمة تنشر ظلالها عبر مسارات الزمن، لتطبع قبلة هنا وأخرى هناك على جباه الإنسانية وشفاه المحبين في هذا الكون الفسيح





#نايف_حسين_الحلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف حسين الحلبي - جلسة على شاطئ بنيدر