أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد الرحمان النوضة - الثورات العربية : نقد -حركة 20 فبراير- بالمغرب















المزيد.....



الثورات العربية : نقد -حركة 20 فبراير- بالمغرب


عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)


الحوار المتمدن-العدد: 3595 - 2012 / 1 / 2 - 21:15
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


المقال الحالي هو عبارة عن حوار يدور بين مُنَاضِلَيْن، يتناقشان حول مستقبل حركة 20 فبراير بالمغرب. (ويتناول المقال على الخصوص تجربة حركة 20 فبراير بمدينة الدار البيضاء بالمغرب، مع العلم أن حركة 20 فبراير في المدن المغربية الأخرى مشابهة بدرجة أو بأخرى لما يجري في الدار البيضاء).
ويستعمل المقال الحالي أسلوب الحوار كأسلوب أدبي. والغاية من هذا الأسلوب هو تسهيل التعبير عن أفكار فلسفية أو سياسية. واسم أحد المناضلين المتحاورين هو "آدم"، واسم الثاني هو "إبراهيم". وهذه الأسماء هي اعتباطية، ولا ترمز إلى أي شيء محدد. والحوار يدور بين مُنَاضِلَيْن افتراضيين. المناضل "آدم" يقوم بدور إستعراض إيجابيات حركة 20 فبراير ، أو يبرز نقط قوتها. بينما المناضل الثاني "إبراهيم" يقوم بدور التّنبيه إلى نقائصها، أو ينتقد بعض أخطاءها.
وهذا هو الحوار :
إبراهيم : هناك خبر جديد !
آدم : وما هو ؟
إبراهيم : لكنه خبر يتعلق بالمستقبل، وليس بالماضي القريب.
آدم : المهم، ما هو هذا الخبر ؟
إبراهيم : على عكس بعض الآراء، وإذا استمرت حركة 20 فبراير بالمغرب على ما هي عليه، فإنها لن تستطيع إسقاط الاستبداد السياسي، لا بعد شهور، ولا بعد سنة، ولا حتى بعد عدة سنوات.
آدم : ولماذا ؟
إبراهيم : هذا السؤال يرجعنا إلى نقاش في الفلسفة، وفي علم المجتمع، ويرجعنا إلى نقاش الحاجة إلى التقييم، والنقد، والتقويم، والتطوير، والتّثْوِير.
آدم : هل هذا الحكم قطعي ؟
إبراهيم : نعم ! ما دامت حركة 20 فبراير على ما هي عليه، بأخطائها ونقائصها الحالية، فإنها لن تستطيع إسقاط الاستبداد والفساد بالمغرب !

نقد التفاؤل المفرط
آدم : لا أفهمك. في اعتقادي أنا، حركة 20 فبراير هي حركة عظيمة، والمناضلون المشاركون فيها يتحلّون بكثير من الشجاعة والعزم والإصرار والصمود. وهذا يؤهلهم لكي يكونوا قادرين على تحقيق إسقاط الفساد والاستبداد. فلماذا تدعي أنت أنهم لا يتوفرون على هذه القدرة ؟
إبراهيم : المُتتبّع لمظاهرات حركة 20 فبراير يمكن أن يلاحظ أن أغلبية المشاركين في هذه الحركة، وكذلك أغلبية المتعاطفين معها، يظنون أن حركتهم هذه هي أخت ، أو هي امتداد موضوعي، للحركة الثورية في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا. ويعتقدون أن حركة 20 فبراير ستؤدي هي أيضا، وفي مدة مماثلة، وفي ظروف مشابهة، إلى إسقاط الاستبداد والفساد بالمغرب. بل يَعتبرون هذا التنبؤ بديهيّا، أو شبه مُؤَكّد. إلى درجة أنهم يتصورون أن هذا التطور سوف يحدث بشكل شبه آلي. ويفترضون أن نفس الأسباب ستؤدي بالضرورة إلى نفس النتائج. فهل هذا التنبؤ حقا صحيح ؟ هل هو حقيقة، أم أنه لا يزال مجرد أمنية ؟ هل الظروف المجتمعية والسياسية التي كانت قائمة في تونس، أو في مصر، تشبه تماما الظروف القائمة حاليا في المغرب ؟ المُعضلة هي أن هذا التنبؤ متفائل جدا، أو أنه ليس بديهيا. بل هو مفرط في التفاؤل إلى حد الخطأ. لأن ما يتمناه المواطنون شيء، والتطور الموضوعي للمجتمع شيء آخر. حيث أن تطور المجتمع يخضع لقوانين موضوعية. وهذه القوانين تتجاوز إرادة مُكَوّنات المجتمع. ولا تخضع بالضرورة لرغبات الأفراد والفئات والجماعات أو الطبقات المجتمعية. تطور المجتمع يحدث بشكل مستقل عن وعي المواطنين، وعن أمانيهم. فإذا توفرت الشروط الضرورية لتطور مُجْتَمعي ما، يحدث هذا التطور. وإذا لم تتوفر شروطه، فإنه لا يحدث، ولو بلغت أماني الشعب أو مكنوناته قِمّتها. ومُجْمَل المؤشرات تدل على أن الشروط الضرورية لإسقاط الاستبداد بالمغرب لا تتوفر بعد بما فيه الكفاية.
آدم : لا أتفق معك ! حركة 20 فبراير هي حركة شبابية عظيمة، حققت ما لم تحققه كل الأحزاب السياسية القديمة !
إبراهيم : فعلا، الأحزاب القديمة لم تحقق شيئا ذي أهمية، في مجال تغيير المجتمع، أو في ميدان تغيير النظام السياسي. لكن، لنكن دقيقين. من بين ما حققته حركة 20 فبراير ، إلى حدّ الآن، هو أنها تُنَظّم مظاهرات جماهيرية في كل أسبوع، ويشارك في هذه المظاهرات مناضلون من المواطنين التقدميين، ومن قوى اليسار، ومن بعض التيارات الإسلامية. ومن بين ما حققته حركة 20 فبراير أيضا هو أنها تجاوزت المنطق الحزبي، وعوضته بمنطق النضال الجماهيري المشترك. لكن، أن تستطيع تنظيم مظاهرة دورية، لا يثبت أنك تستطيع تغيير المجتمع، أو إسقاط نظام سياسي، أو تغييره. وهذا الحكم السابق، لا يُقَلّل من أهمية، أو من عظمة، هذه المظاهرات الجماهيرية الحاشدة والاحتجاجية.
آدم : أثير انتباهك إلى أن حركة 20 فبراير استطاعت أن تجلب إلى التظاهر الاحتجاجي الأسبوعي عشرات آلاف من الجماهير، وفي قرابة 100 مدينة بالمغرب.
إبراهيم : هذا صحيح. لكنها لا زالت معزولة نسبيا عن المجتمع العميق. فمن الصعب أن ندعي أن الطبقة العاملة، أو جماهير الفلاحين، أو طبقة الذين لا يَستغِلون ولا يُستغَلون( )، تفهم حركة 20 فبراير ، وتتبنّى مطالبها، وتساندها، أو تشارك فيها.
آدم : لماذا تقول "معزولة نسبيا" ؟ حركة 20 فبراير أثبتت قوتها، وحَيَوِيّتها، وشجاعتها، وقُدُرَاتها. إنها تبتكر أساليب نضالية لم يسبق للأحزاب التقدمية القديمة أن مَارَسَتْها.
إبراهيم : إلى حد ما، أتفق معك. لكن علينا أن لا نُبالغ. التواضع أحسن من الكبرياء أو الغُرُور. يجب علينا أن نتذكر أن حركة 20 فبراير هي نفسها نتيجة موضوعية لكل الجهود الحزبية، والحركات السياسية، والنضالات الجماهيرية، والتجارب الثورية، التي سبقتها، سواء داخل المغرب، أم داخل العالم العربي، أم على الصعيد العالمي. كل الأشياء مترابطة في المجتمع. كل الأشياء تتفاعل باستمرار فيما بينها. لهذا يلزمنا بالضبط أن نظل مُنتبِهين ومُنفتّحين على كل الحركات والإنتاجات والمحاولات والتجارب، الماضية والحالية، لكي ندرسها، ونستفيد من دروسها، إلى أكبر قدر ممكن. فهل حقا كل مُناضلي حركة 20 فبراير درسوا التجارب النضالية الماضية ؟ هل استوعبوا دروسها ؟ لا أظن. بعبارة أخرى، فإن المناضلين الذين لم يدرسوا عددا من التجارب النضالية الماضية، يحتمل جدا أن يعيدوا إنتاج أخطائها السابقة.

نقد عدم كفاية النضج السياسي
آدم : أنا أزعم أن حركة 20 فبراير هي القوة الوحيدة القادرة على تغيير المجتمع. وهي في طريق تحقيق هذا التغيير.
إبراهيم : لا، هذا الكلام قد يحتوي على شيء من المبالغة، أو من الغرور. حركة 20 فبراير لا تستطيع وحدها أن تغيّر نظام الدولة، أو أن تغير المجتمع. لا يمكن أن يحدث تغيير النظام السياسي، أو تغيير المجتمع، إلا إذا ساهمت فيه مجمل مكونات الشعب. وهذه المكونات هي متعددة، ومتنوعة، وأحيانا متناقضة. إضافة إلى ذلك، يجب على حركة 20 فبراير أن تخلق تناقضات في صفوف القوى التي تساند عادة النظام القائم، وأن تجر بعضها إلى صفوف القوى المطالبة بالتغيير.
آدم : يظهر أنك تشك شيئا ما في قدرات هؤلاء المناضلين. حركة 20 فبراير هي حركة جماهيرية، تقدمية، مفتوحة، سلمية، ديمقراطية، ومستقلة عن الأحزاب. وقد أثبتت أنها تتوفر على قدر متقدم من وضوح الرؤية، ومن الوعي السياسي، ومن الجرأة النضالية. ومِمّا لا شك فيه أنها سوف تبتكر الحلول الملائمة لمعالجة كل المشاكل التي قد تصطدم بها في المستقبل.
إبراهيم : في نقطة قوة حركة 20 فبراير ، تكمن نقطة ضعفها. وكَوْنُها حركة شبابية في غالبيتها، هو بالضبط الذي يحدّد أهم نقط ضعفها. جل مُناضِلي حركة 20 فبراير هم شباب. فمن الطبيعي أن تكون، في البداية، درجة النضج السياسي غير كافية لدى عدد من مُناضِلي حركة 20 فبراير . وقوة الشباب تأتي من كونه أكثر قدرة على النضال، وعلى الحركة، وعلى الجرأة، وعلى التعلّم، وحتى على الابتكار، وذلك بالمقارنة مع كِبار السن. السبب ليس هو أن كبار السن ناقصون. ولكن السبب هو أن مسؤولياتهم الاجتماعية تَحُدّ من إمكانية تَحرّكهم. وهذه المسؤوليات هي التي تجعل أن كبار السن يكونون في غالب الحالات محافظين. وما ينقص الشباب هو بالضبط قلة التجربة، أو قلة الخبرة السياسية. لا يعقل أن تَدّعي أنك تريد تغيير المجتمع، وأن تظل في نفس الوقت جاهلا لقوانين تطور هذا المجتمع. كيف لمناضل يَمْتَلِك بعدُ، لا علم الاقتصاد، ولا علم التاريخ، ولا الفلسفة، ولا القانون، ولا علم الاجتماع، كيف يمكن له أن ينجح في محاولة تغيير المجتمع ؟ لابد إذن من إقامة تعاون وتكامل فيما بين كل مكونات الشعب، بين الشباب والمسنين، بين القرويين والمدنيين، بين العمال والأطر، بين الخبراء وغير الخبراء، بين المثقفين والأقل ثقافة, بين المتحزبين وغير المتحزبين، بين الفقراء والأغنياء، بين الأقوياء والضعفاء، إلى آخره. كل أفراد الشعب، الطامحين إلى الحرية، وإلى الكرامة، وإلى العدالة الاجتماعية، يلزمهم أن يتعاونوا، وأن يتكامالوا فيما بينهم.
آدم : في كلامك شيء من الاحتقار لشباب حركة 20 فبراير . فما هي الأشياء التي تَدّعي أن شباب حركة 20 فبراير يجهلونها ؟
إبراهيم : لا أحتقر أي شخص أو جماعة. أنا أتكلم عن ظواهر مجتمعية. الحماس النضالي، أو الاستعداد للتضحية، ضروري. لكنه لا يكفي وحده. المشكلة تَكْمُن في النقص الحاصل في المعرفة، أو في الخبرة، أو في النضج السياسي. تصور مثلا جماعة من المناضلين يطالبون ب "نزاهة الانتخابات"، أو ب "استقلال القضاء"، أو ب "مكافحة الفساد"، أو ب "خلق مناصب شغل"، إلى آخره. طَيّب. لكن، إذا لم تكن هذه الجماعة من المناضلين تتوفر على أفكار عملية، دقيقة، ومعمّقة، وواضحة، حول كيفية إنجاز هذه المطالب السابقة، وحول كيفية تمويلها، وحول سبل مراقبة تطبيقها، فإن مطالبها هذه يمكن أن تبقى مجرد كلام غير قابل للإنجاز.
آدم : كلامك يزعجني. كأنك تهتم بالسلبيات أكثر ممّا تهتم بالإيجابيات.
إبراهيم : يا أخي، لكي يكون مناضل ما فعالا في نضاله، يلزمه أن لا يقنع بأن يكون مناضلا مبتدئا، أو ضعيف الخبرة، أو هاويا، أو حرفيا. بل عليه أن يحاول أن يكون مُحترفا، بمعنى أن يحاول أن يكون عالِما في مجال تغيير المجتمع وتدبيره. قد يكون من الصعب تَوُفّر هذه الخبرة في كل المناضلين. لكن، ينبغي أن تتوفر هذه الخبرة، على الأقل، لدى حَدّ أدنى من المناضلين. ومع الأسف، فإن نسبة كبيرة من مناضلي حركة 20 فبراير ، (بل وحتى جزءا هاما من أعضاء الأحزاب السياسية الأخرى، بما فيها الأحزاب الثورية أو اليسارية)، بعفويتهم الشبابية، وباعتزازهم بأنفسهم، يعتقدون أنهم يعرفون كل شيء، وأنهم يُتْقِنون جميع الخبرات السياسية اللازمة. لكن النضج السياسي لا زال مبتدئا لدى الكثيرين منهم. وينفرون من قراءة الشهادات أو الكتب السياسية الجِدّية. ولا يحاولون الاستفادة من المناضلين القدامى الذين سبقوهم إلى ميدان النضال السياسي. سواء تعلق الأمر بتجارب نضالية وقعت داخل المغرب، أم خارجه. وأُكَرّر : يُستحسن أن يستفيد كل المناضلين من إيجابيات ومن أخطاء المناضلين القدامى، وَإِلاّ أصبح من المحتمل جدا أن يعيدوا إنتاج تجاربهم الماضية، بما فيها من أخطاء، أو نقائص، أو حماقات، وذلك سواء عن وعي، أم بدون وعي.

نقد الأحزاب السياسية
آدم : أنت أيضا تبالغ في كلامك هذا. أظن أنك لا تحس بكل طاقات وقدرات حركة 20 فبراير . وقد يكون كلامك تعبيرا على غيرة المناضلين المسنين تجاه المناضلين الشباب. كل مراقب يحضر مظاهرة حركة 20 فبراير يحسّ بقوتها، ويشهد بزخمها، وبعظمتها. وكل ملاحظ يدرك أنها تؤثر على المشاعر العميقة للشعب. ويدرك أن هذه الحركة قادرة على تحقيق إنجازات لم تقدر أجيال المناضلين القدامى على تحقيقها.
إبراهيم : لا يوجد تنافس، أو تناقض، بين المناضلين الشباب والمناضلين المسنين.
آدم : لكن أنت تدعي أن حركة 20 فبراير فيها نقائص، أو أن مناضليها يرتكبون أخطاء سياسية. فما هي حُجَجُك على هذه الاتهامات ؟
إبراهيم : لا تنزعج في النقاش. أعطيك مثلا. الملاحظ يفترض أن مناضلي حركة 20 فبراير هم كلهم ثوريون, نزيهون، مخلصون، وديمقراطيون. وعندما ترى إتحادهم ونضالهم خلال المسيرات الشعبية، تحس فعلا بعظمة هذه الحركة الجماهيرية، وتلمس قدرتها على تعبئة جماهير الشعب. لكن عندما يحضر الملاحظ عدة مرات إلى الجمع العام الذي تعقده حركة 20 فبراير ، يلاحظ مظاهر سياسية سلبية مُعبّرة. تنظر إلى عدد من مناضلي حركة 20 فبراير ، وترى كيف يناقشون، وكيف يتصارعون فيما بينهم، فتلاحظ أن ما يحرك نسبة هامة من هؤلاء المناضلين هو الرغبة في أن يصبح مسئولا أو زعيما، أو هو الرغبة الجامحة في تغليب الحزب أو الجماعة أو التيار السياسي الذي ينتمي إليه.
آدم : هذا أمر طبيعي !
إبراهيم : لا، هذا انحراف سياسي ! هدف الحزب الثوري هو أن يحقق الثورة، لا أن يسيطر على كل شيء في المجتمع (مثلما حدث في تجربة يوسف اسطالين في الاتحاد السوفياتي السابق). وهدف الحزب الديمقراطي هو أن يساهم في تحقيق الديمقراطية للشعب، وليس أن يصبح حزبا مسيطرا على كل شيء في الساحة السياسية. وهدف كل جماعة تقدمية، هو أن تشارك في إنجاز تقدم المجتمع، وذلك لصالح الشعب، وليس أن تحقق هذه الجماعة مصالحها السياسية الخاصة. لكن مع الأسف، نلاحظ أن ما يهم بعض المناضلين ليس هو النضال ضد الفساد، أو ضد الاستبداد، أو ضد الاستغلال، أو ضد التمييز، أو ضد الظلم، أو ضد الجهل، أو ضد الانحراف. لكن ما يَهُمّ بعض المناضلين هو السيطرة على مجمل الحركة النضالية، أو هو السيطرة على الجماهير، أو هو الانفراد بدور القيادة، أو الانفراد بدور المسؤولية أو الزعامة أو الطليعة. وأدعوك إلى أن تلاحظ أنه، خلال الجمع العام لحركة 20 فبراير، عندما يحس بعض المناضلين المستقلين (أو غير المُتَحَزّبين) أن مناضلين آخرين من حزب أو جماعة مَا يحاولون السيطرة على حركة 20 فبراير ، فإنهم يرددون شعار : "لا أحزاب، لا جماعات، حركة أولاد الشعب" ! وهذا مُعبّر. وبعبارة موجزة، فإن ما يهم بعض المناضلين المُتَحَزّبين، أو غير المتحزبين، ليس هو محاربة الاستبداد والاستغلال، لكن ما يهمهم هو أن يَحُلّوا مَحَلّ المستبدين والمستغِلين الحاليين. فتراهم يستعملون أساليب في النقاش، أو في الصراع السياسي، تكون متناقضة مع مباديء الديمقراطية أو مع العدالة. وأُسَمّي هذا النوع من التصرف ب "الحَلَقِيّة السياسية" (le sectarisme). وهذه "الحلقية" تعيد إنتاج "العصبية القبلية"، لكن في المجال السياسي، وتُغَلّف "حَلَقِيّتها" هته بخطاب سياسي تقدمي أو دِيني.
آدم : أنت تنتقد عدة مرات قوى اليسار. فما هي الأحزاب التي تقصدها عبر كلمة اليسار ؟
إبراهيم : فئة الأحزاب التي تَأْتَمِر بأوامر الدولة لا نتكلم عنها هنا. أما الأحزاب التي تتوفر على حدّ أدنى من الاستقلالية تجاه الدولة، فنقسمها إلى ثلاثة أقسام : يمين، وسط، ويسار. "حزب العدالة والتنمية" حزب يميني ومحافظ. و "حزب الاستقلال"، و "حزب التقدم والاشتراكية" أصبح موقعهم في اليمين. و"حزب الاتحاد الاشتراكي" أصبح موقعه يتأرجح بين الوسط، ويسار الوسط. لكنه لم يعد حزبا يساريا. وموقع النقابات (مثل "الاتحاد المغربي للشغل"، و "الكنفدرالية الديمقراطية للشغل") يتقلب هو أيضا بين الوسط، ويسار الوسط. بينما تدخل في اليسار الأحزاب التالية : "حزب الاشتراكي الموحد"، و "حزب الطليعة"، و "حزب النهج"، و "حزب المؤتمر الاتحادي"، و كذلك تيارات، أو تنظيمات، أو جماعات أخرى متعددة، لها وجود، ولها تأثير. وقوى اليسار هي وحدها التي تساند أو تدعم حركة 20 فبراير . أما الجماعات الإسلامية، فحالتها معقدة أكثر. مثلا في ما يخص "جماعة العدل والإحسان"، يظهر أحيانا أن موضعها يوجد في يسار الوسط. لكن مواقفها، وممارستها السياسية، تتغير باستمرار. وقد شاركت بفعالية في حركة 20 فبراير ، ثم انسحبت منها (في 20 دسمبر 2011).
آدم : هل تنكر أن قوى اليسار تشارك وتتعاون داخل حركة 20 فبراير ؟
إبراهيم : مشاركة قوى اليسار في حركة 20 فبراير محدودة، ضعيفة، وغير مُمَنْهَجَة. قوى اليسار لا تحثّ كل مناضليها على النزول إلى الشارع، ولا تشجعهم على المشاركة في كل مظاهرات حركة 20 فبراير الدورية (التي تجرى خلال كل يوم أحد، يوم العطلة الأسبوعية). بينما كان على قوى اليسار أن تفعل العكس. زيادة على ذلك، تعاون أو تنسيق قوى اليسار داخل حركة 20 فبراير لا زال ضعيفا، ودون المستوى اللازم.
آدم : ألا تتناقض في كلامك ؟ من جهة تقول : أن الأحزاب تحاول احتواء حركة 20 فبراير . ومن جهة ثانية تقول : قوى اليسار لا تشارك بما فيه الكفاية في حركة 20 فبراير . هذا تناقض.
إبراهيم : نعم. هذا تناقض موضوعي موجود في الواقع. الظاهرة الأولى هي أن كل حزب يشارك في حركة 20 فبراير تجعله طبيعته الحزبية يميل إلى محاولة احتواء حركة 20 فبراير. والظاهرة الثانية هي أن قوى اليسار لا زالت – إلى حد الآن – لا تشارك بما فيه الكفاية في حركة 20 فبراير ، وذلك لأسباب متعددة ومعقدة. إنها لا تَحُثّ مجمل مناضليها على المشاركة في مسيرات حركة 20 فبراير .
آدم : هل تدعي أن قوى اليسار لا تخدم لصالح حركة 20 فبراير ؟
إبراهيم : لا، إنها تخدم لصالح هذه الحركة، لكن أتمنى أن تهتم قوى اليسار أكثر بالاستقطاب لصالح حركة 20 فبراير ، بدلا من أن تقتصر على الاهتمام بالاستقطاب لصالح تنظيماتها الخاصة. الظرفية السياسية الحالية استثنائية، ويفترض في كل قوى اليسار أن تركز جهودها على تقوية صفوف حركة 20 فبراير .
آدم : لكن قل لي صراحة، هل لك أمل ما في حركة 20 فبراير ؟
إبراهيم : بالتأكيد ! حركة 20 فبراير هي حركة نضالية من نوع جديد. إنها قادرة على إخراجنا من المنطق الحزبي الضيق القديم، والذي كَبّلَ طاقاتنا ومبادراتنا النضالية خلال عدة عقود متوالية. ما هو جوهري في حركة 20 فبراير هو أنها ترفض المنطق الحزبي الضيّق، وتعمل بمنطق النضال الجماهيري المشترك فيما بين كل مكونات الشعب التقدمية. لهذا يلزم أن نَصُون حركة 20 فبراير ، وأن نحميها، وأن نُدَعّمها، وأن نساهم في تقويتها.
آدم : وهل تعترف بقوة حركة 20 فبراير وقدراتها ؟
إبراهيم : قوة حركة 20 فبراير لا زالت محدودة. يمكن بالتأكيد أن تتعاظم أكثر في المستقبل. لكن إلى حدود الوقت الحاضر، يكفى الملاحظ أن ينظر إلى الأحزاب والجماعات والتيارات السياسية المشاركة في حركة 20 فبراير ، وإلى الطرق التي تتعامل بها فيما بينها، لكي يدرك بعض نقط ضعف هذه الحركة. الأحزاب والتنظيمات والتيارات المشاركة، أو المُدَعِّمة لحركة 20 فبراير، تتنافس فيما بينها أكثر مما تتعاون. مرض "الحلقية" (le sectarisme) أصاب مجمل الأحزاب والتنظيمات والتيارات والجماعات والأفراد المناضلين، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. "الحلقية" السياسية هي نوع من "العصبية القبلية" في الميدان السياسي. كل طرف يريد تَغْلِيب مصالحه السياسية الخاصة على المصالح العامة. غاية كل مناضل "حلقي" تصبح هي أن يتغلّب حزبه أو جماعته على الأحزاب وعلى الجماعات الأخرى التي تنافسه. وليست غايته الأولى هي تحقيق العدل أو الديمقراطية أو تغيير المجتمع. بعض الأحزاب أو التنظيمات أو التيارات أو الجماعات تحاول، من وقت لآخر، التَّحَكّم في حركة 20 فبراير ، أو السيطرة عليها، أو تَمَلّكَها، أو استغلالها، أو توظيفها لأغراض سياسية حلقية ضَيّقة. أو تحاول إقصاء أحزاب أو جماعات أو تيارات تقدمية أخرى منافسة لها. وما دامت هذه الانحرافات موجودة، فإن حركة 20 فبراير ستبقى ضعيفة.
آدم : لماذا تنتقد الجماعات والأحزاب المتواجدة داخل حركة 20 فبراير ؟ أُتْرُك كُلّ واحد منها يفعل ما يريد. كل مناضل، وكل حزب، وكل جماعة، كل منهم حُرّ في أن يرفع الشعارات التي يريد، وحُرّ في أن يقوم بالمبادرات التي يريد.
إبراهيم : هذه الإباحية خاطئة وخطيرة على حركة 20 فبراير . لا تنسى أن حركة 20 فبراير هي حركة نضال جماهيري مشترك. حركة 20 فبراير هي حركة مفتوحة، وجماهيرية، وديمقراطية، ومستقلة عن الأحزاب والتنظيمات. يشارك فيها المواطنون بصفتهم الفردية، وليس بصفتهم الحزبية أو الدينية. حركة 20 فبراير ليست تحالفا أو تعاونا فيما بين أحزاب أو جماعات أو تيارات. وإنما هي حركة جماهيرية مفتوحة لكل المواطنين الذين يلتزمون بالنضال ضد الفساد، وضد الاستبداد، ومن أجل الكرامة، والحرية، والعدالة الاجتماعية. و حركة 20 فبراير تتوفر على أرضيات مكتوبة، وعلى مبادئ، وأهداف، وقوانين، وقواعد، وضوابط، وتصويت، وهيئات. وإذا تجاهلنا هذه الضوابط، أو إذا سمحنا لأي فرد، أو لأي حزب، أو لأية جماعة، بأن يفعل ما يريد، فإن هذا سيؤدي حتما إلى الفوضى، وإلى العرقلة، وإلى الخلافات، وإلى المُصادمات، وإلى النزاعات، وإلى الانقسامات. وقد يؤدي في النهاية إلى موت حركة 20 فبراير . وهذا ما يريده نظام الاستبداد وأنصاره. لذا، فإن كل المشاركين في حركة 20 فبراير ملزمون بحد أدنى من الانضباط لضوابط حركة 20 فبراير وقرارات جمعها العام.
آدم : رغم ذلك، الأحزاب والتيارات التقدمية تتعاون إلى حَدّ ما داخل حركة 20 فبراير .
إبراهيم : توجد نقائص أخرى في حركة 20 فبراير . كثيرٌ من المناضلين يُبذرّون جزءا هاما من طاقاتهم في مجال التسابق نحو الزعامة. بينما الزعماء والزعامية يؤدون دائما إلى تقليص قدرات المناضلين القاعديين على المبادرة السياسية أو النضالية. والشّورى أو التنسيق أو التعاون أو التنظيم، فيما بين القوى السياسية الثورية (المشاركة في حركة 20 فبراير )، يبقى ضعيفا، أو غير كاف، أو حرفيا، أو مغشوشا. الانضباط مستبعد. البرنامج العملي المشترك على المدى المتوسّط غير موجود. الأهداف النضالية العملية القريبة غير واضحة، أو غير محدّدة أصلا. بل البعض يرفض مطلقا نقاشها. لأنه يظن أن كل نقاش سياسي يثير الخلافات، ويؤدي إلى تشتيت القوى. النوايا السياسية مزدوجة أحيانا، أو مُتذبذبة، أو غير ثابتة، أو غير صادقة.

نقد التيارات الإسلامية
آدم : ربما تقصد التيارات الإسلامية ؟
إبراهيم : أقصد جميع الأحزاب، بما فيها الأحزاب اليسارية، والجماعات الدينية. لكن المشكل في التيارات الإسلامية هو أنها تدعي تبني الديمقراطية، لكن هدفها المستقبلي الأساسي هو فرض تّديُّن مُعَيّن على كل المجتمع. الشيء الذي سيؤدي إلى استبداد سياسي من نوع جديد. لأن بعض التيارات الإسلامية تعتقد أن أسباب مشاكل المجتمع تنبع من ابتعاد الناس عن تَدَيًّن صحيح مزعوم. ولا تُقِرّ هذه التيارات الإسلامية أن مشاكل المجتمع تنبع من نوعية تنظيم المجتمع، أو من شكل نظامه السياسي، أو من غياب التضامن المجتمعي، أو من غياب العدالة في اقتسام الإنتاج الداخلي الخام.
آدم : الحوار بين الإسلاميين من جهة، والحداثيين أو العقلانيين ليس سهلا. ويظهر أن غالبية المناضلين يرفضون حاليا فتح هذا الحوار، أو يخافون من دخوله، نظرا لصعوبته، أو تلافيا للخلافات التي قد يؤدي إليها.

تنبيه إلى محاولات أجهزة القمع
إبراهيم : بالإضافة لكل ما سبق، قوى القمع تظل متربصة بكل حركة نضالية، وبكل مناضل. وعدد الأجهزة القمعية في المغرب، وعدد أجهزة المخابرات، كبير. لأن النظام السياسي لا يقبل بأن يضع ثقته كلها في جهاز قمعي واحد فقط. وكل واحد من هذه الأجهزة القمعية يرسل مصوريه إلى مسيرة حركة 20 فبراير ، ويبعث مخبريه إلى الجمع العام. هؤلاء المصورين لا يصورون المسيرة من الخلف (مثلما يحدث في تصوير مسيرات سوريا)، وإنما يركزون على تصوير وجوه المناضلين. والبعض من بين هذه العناصر (التي تبعثها الأجهزة القمعية إلى الجمع العام لحركة 20 فبراير ) يكتفي بجمع المعلومات عن المناضلين وعن الحركة، ويبحث عن أسماء المناضلين، ومِهَنِهم، وعناوينهم، ويُبَلّغ تقاريره، دون التدخل في أنشطة حركة 20 فبراير . بينما البعض الآخر (من هذه العناصر المُنْدَسّة في الجمع العام للحركة) يحاول التدخل في أنشطة حركة 20 فبراير ، ويسعى لعرقلة أعمالها، ويحاول خلق الأزمات داخلها، ويعمل كل ما في وسعه لإثارة الفوضى، والتفرقة، والمشاجرات، والعنف. وما دامت حركة 20 فبراير "جماهيرية" و"مفتوحة"، فإن تَسَرُّب هذه العناصر المُنْدَسّة سيبقى موجودا. وهدف هذه العناصر هو تفجير حركة 20 فبراير من الداخل. ومن السهل اكتشاف هذه العناصر المُنْدَسّة، لأنها تتميز بكونها لا تنضبط لمُسَيّر الجمع العام أو لقراراته، ولا تلتزم بأخلاق، ولا تحمل مباديء، ولا تدافع عن اقتراحات نضالية، وإنما تكتفي فقط بالقيام بأفعال ذات طبيعة بَلْطَجِيّة . ومعظم الأفعال المُعَرْقِلة أو المُشِينَة (التي تحدث داخل الجمع العام) تأتي من هذه العناصر المُنْدَسّة. وهذه العناصر المُنْدَسّة هي كلها مأجورة لدى الأجهزة القمعية، أي مرتزقة. وتبحث كل هذه الأجهزة القمعية عن المناسبة الملائمة لسحق كل المناضلين المخلصين. وهذا العامل القمعي يزيد في تعقيد الأمور. ويستلزم وحدة كل المناضلين الحقيقيين، ويتطلب منهم أن يواجهوا بحزم، وبصرامة، كل هذه العناصر البوليسية المُنْدَسّة، بهدف فضحها، وعزلها، وطردها. وسيظل النظام القائم يحاول تطبيق نهجه القديم : "فَرّق تَسُد". وسيحاول ضرب جماعات مناضلة بأخرى، للقضاء عليها جميعا.

نقد ضعف التفاعل الثوري فيما بين المناضلين، وفيما بين الأحزاب
آدم : بعض ملاحظاتك معقولة، أو صحيحة، لكن بعض ملاحظاتك الأخرى لا أتفق عليها. يظهر أحيانا كأنك تريد تحطيم حركة 20 فبراير بدلا من تقويتها. مثلا، لماذا تبالغ في خطورة بعض المشاكل التي هي الآن ثانوية ؟ لماذا تبحث عن قضايا هي غير ضرورية الآن ؟ لماذا تريد أكثر أو أحسن مما هو موجود حاليا ؟ أخشى أن يكون نقدك لحركة 20 فبراير يخدم النظام القائم أكثر مما يخدم هذه الحركة.
إبراهيم : الضرر لا يأتي أبدا من النقد( ). ولو كان هذا النقد جارحا، أو مبالغا فيه، أو حتى خَاطِئا. وإنما الضرر يأتي دائما من الأخطاء المُرتكبة، ومن الانحرافات المنتقدة. فاستمرار الأخطاء أو الانحرافات، هو الذي يؤدي إلى سوء التفاهم فيما بين المناضلين، أو يؤدي إلى النقائص، أو إلى الضعف، أو إلى الرداءة، أو إلى الخسائر، أو إلى الضحايا، أو قد يؤدي إلى الفشل التام.
آدم : لا يعجبني نقدك ل حركة 20 فبراير . هذا النقد يمكن أن يساهم في تحطيم هذه الحركة الفتيّة، الناشئة. بدلا من تشجيع حركة 20 فبراير أو تعظيمها، أنت تُشكّك في قدراتها، أو تنقص من قيمتها، أو تبالغ في نقد نقط ضعفها.
إبراهيم : كَلاّ ! على عكس ظنك هذا، فإن تقوية حركة 20 فبراير تستلزم، من بين ما تستلزم، نقد نقائصها أو أخطائها. النقد الجيّد يقوي، ولا يُحطّم. أنظر مثلا إلى الأحزاب التي تنبذ النقد داخلها، أو تُحرّمه، أو تتهرب منه، أو ترفضه، فإنها تنتهي، في آخر المطاف، إلى الرداءة، ثم إلى الزوال.
آدم : أنت متشائم. يظهر أنك تشك في كل شيء، وأنك متذبذب في مواقفك، بل تظهر أنك أكثر قربا إلى المحافظين، أو إلى اليمين. وتقلل من قيمة حركة 20 فبراير . وتحتقر قدرات القوى المشاركة في هذه الحركة الجماهيرية. أنت تكثر الكلام، ولا تقترح بدائل عملية واضحة.
إبراهيم : لا تقلق من الجدل، ولا تنفعل أمام النقد. أنا لا أريد إثارة منافسات أو مزايدات لا فائدة منها. الموضوع أعمق وأكبر منا جميعا. أود إثارة مشكل سياسي، أو مُجتمعي، هو في العمق مشكل عِلْمِي. لنكن واضحين. بشكل مجرد، إسقاط الاستبداد والفساد بالمغرب ممكن. بل قد يحدث في ظرف يُفاجيء الجميع (مثلما حدث في تونس ومصر). لكن، لن يسقط الاستبداد إلا إذا توفرت الشروط المجتمعية الضرورية لسقوطه. وما يظهر إلى حد الآن، هو أن الحركات النضالية المكونة للمجتمع بالمغرب (بما فيها حركة 20 فبراير )، لم تبلغ بعد الحدود الدنيا الضرورية التي تجعل إسقاط الاستبداد ممكنا أو ناضجا. زيادة على ذلك، تجارب تونس ومصر في سنة 2011 تُبيّن أن سقوط رأس نظام سياسي ما، لا يعني، ولا يؤدي بالضرورة إلى تغيير حقيقي وجدري في هذا النظام السياسي. فما دامت الحركات المناضلة داخل مجتمع محدد ضعيفة في مجال النضج السياسي، أو في مجال التنظيم، أو في مجال القدرة على المبادرة، أو التكيّف، أو الإبداع السياسي المتواصل، فإن هذه الحركات لن تنجح في تحقيق طموحاتها النضالية أو السياسية.

تغيير المجتمع تحكمه شروط وقوانين
آدم : منطقك مقلق. تزعجني كثيرا بكلامك عن الشروط الضرورية لتغيير المجتمع، وتقول الشروط، الشروط... فما هي هذه الشروط ؟
إبراهيم : لنحافظ على الهدوء في النقاش، التوتر أو الذاتية لا يُفيدان. قد أعجز عن توضيح هذه الشروط. لكن صعوبة توضيحها لا يثبت أنها غير موجودة، أو أنها غير ضرورية. قد يطول الكلام حول هذه الشروط. وقد لا يصلح هذا المقام الحالي للبحث أو لاستعراض كل هذه الشروط( ). أكتفي بإشارات، أو بأمثلة جزئية، للتلميح للفكرة. أما البَقِيّة، فعليك أن تجتهد أنت بنفسك لبلوغها. المجتمع يتكون من عدة مُكوّنات. وما دامت أغلبية هذه المكونات لا تَعِي، أو لا تريد، أو لا تتحرّك، لتغيير النظام الاقتصادي والسياسي والفكري الذي يحكمها، فإن هذا النظام لن يتغير من تِلْقاء نفسه.
آدم : وما الذي يمنع مكونات المجتمع من التحرك لتحقيق مصالحها، خاصة وأن تضررها من الوضع القائم واضح جدا ؟
إبراهيم : هذا هو المشكل الكبير ! الشعب يتضرر بالتأكيد من الأوضاع القائمة، ويعاني من ظلم وتخلف هذا النظام السياسي القائم، منذ عشرات السنين. لكن مكونات الشعب تظلّ مشغولة بقضايا فردانية، أو ثانوية، أو شكلية، أو مغلوطة. وذلك بالرغم من أن إمكانية تحسين ظروف عيش الشعب ممكنة. كيف نجعل مكونات الشعب تدرك مصادر معاناتها ؟ كيف نجعلها تتجرأ على التفكير الحر ؟ كيف نجعلها تتجرأ على النقد، وعلى النضال، وعلى الإقدام على تغيير واقعها المجتمعي، نحو التقويم، وبهدف التّثْوِير ؟ كيف نجعل مجمل مكونات الشعب تتضامن فيما بينها ؟ هذه القضايا تدخل كلها ضمن مهام القوى السياسية التقدمية.
آدم : هذا هو ما يُفترض أن تقوم به مجمل الأحزاب التقدمية.
إبراهيم : نعم. لكن قد يحدث أن حزبا تقدميا أو ثوريا أو يساريا لا يقوم بهذا الواجب بالقدر المطلوب، أو بالأسلوب الملائم. إذ ذاك، يكون من واجب مناضلي هذا الحزب أن يشاركوا في هذا الجهد، سواء في انسجام مع الحزب السياسي الذي ينتمون إليه، أو في حالة نقد وصراع مع هذا الحزب المعني.
آدم : هل هذه دعوة إلى عصيان المناضلين على أحزابهم ؟
إبراهيم : لا، ليس بالضرورة. المقصود هو أنه يلزم أن تشمل عملية التثوير كل مكونات المجتمع، بما فيها الأحزاب الثورية. لأن المربي ليس إلَاهًا، بل يحتاج هو نفسه إلى إعادة التربية. لِنَحْذَر من الانحراف الذي يجعل أن كل مناضل يميل إلى تقديس حزبه، أو تياره، أو جماعته. خاصة وأن المرحلة الحالية تستوجب الاستفادة من التجارب السابقة، وتتطلب تصحيح المفاهيم، والتصورات، والأساليب. بل وتحتاج حتى إلى تصحيح القيم السياسية أو النضالية. يجب أن تشمل عملية التقييم والتقويم والتّثْوٍير كل الميادين، وأن تتجاوز كل الحدود التي تعيق التقدم.
آدم : نتفق على ضرورة تَثْوِير كل شيء في المجتمع. وهذا هو ما يقوم به مُناضِلُو حركة 20 فبراير .
إبراهيم : لا، هذا الاعتقاد مبالغ فيه. كيف يعقل أن يكون بمستطاع كل مناضل أن يساهم فعلا في تثوير المجتمع ؟ هل بمجرد أن يشارك شخص ما في حركة 20 فبراير يصبح مؤهلا للمساهمة في تَثْوِير المجتمع ؟ هل بمجرد ما ينخرط أي شخص في حزب تقدمي يصبح فورا مؤهلا للمشاركة في تقويم أو تثوير المجتمع ؟ من أين ستاتي المعرفة، أو الخبرة، أو الأخلاق (اللاّزمة للمساهمة في ذلك التثوير) إلى ذلك الشخص ؟ إذا لم يكن الحزب يعيد تكوين، ويعيد تربية، المواطن الذي ينخرط في صفوفه، فإن هذا المواطن سيبقى حاملا لنفس الأفكار، ولنفس القيم الفاسدة، الموجودة في ذلك المجتمع. بل الأحزاب (بما فيها بعض الأحزاب الثورية) غالبا ما تكتفي بشحن "الحلقية" في أعضائها. وبعض المناضلين، وفي داخل أنفسهم، يعطون لمفهوم "السياسة" معنى "فن المناورة"، أو "فن التحايل" أو "الكيد". وحتى إذا إِفْتَرَضْنا أن الثورة قد نجحت، أو أن عملية بناء نظام سياسي جديد قد انطلقت، فإن الخطر المحتمل، في هذه الحالة، هو أن نسبة كبيرة من المناضلين الذين قد يتحملون مسؤوليات في الدولة الجديدة، يمكن أن يعيدوا إنتاج نفس الإنحرافات (السياسية والاقتصادية) القديمة المنبوذة. إذا أردتَ بناء مجتمع ديمقراطي، فلا بد لك من تعليم ونشر وإشاعة القِيَم الديمقراطية. وإذا أردت بناء مجتمع اشتراكي، فيلزمك أن تنشر قيم الاشتراكية، في صفوف حزبك، وفي سائر مجتمعك. أما أن تعتقد أن هذه الأفكار والقيم سوف تأتي لمجمل المناضلين والمواطنين بشكل تلقائي، فهو اعتقاد خاطيء.

خاتمة
إنتهى الحوار السابق. قد يستمر الجدل بين المناضل "آدم" والمناضل "إبراهيم". لأن المشاكل المجتمعية تتطلب أكثر من حوار، وأكثر من قراءة، وأكثر من مقاربة، وأكثر من دراسة. والآراء المتبادلة تستوجب آراء أخرى. وكل ملاحظة تستدعي ملاحظات مُكَمّلة كثيرة. وكل مشكل أقدمنا على معالجته، يفتح المجال لظهور مشاكل أكثر تعددا وتنوعا وتعقيدا. المهم هو أن لا نخشى الجدل، والبحث، والنقاش، والنقد، بل وحتى النقد الذاتي المُنْشِرح. فما لم نراجع معتقداتنا، أو ما لم نشك في بعض يَقِينِيّاتنا (من كلمة يَقِين) القديمة، أو ما لم نتجرأ على فحص ونقد أخطاءنا، فإننا لن نتقدم. في كل الميادين، التقدم مشروط بالتقييم، والنقد، والتقويم، والتَثْوِير.

(1) أنظر كتاب عبد الرحمان النوضة : "طبقات المجتمع"، نشر نصفه على شكل حلقات على صفحات جريدتي "المسار"، ثم "الطريق"، بين غشت 1985 وشتنبر 1989. سيعرض في المستقبل هذا الكتاب للتنزيل بالمجان على موقع http://livreschauds.wordpress.com.
(2) أنظر معاني النقد وفوائده في فصل : "النقد"، في كتاب "Le Politique". ويمكن تنزيل هذا الكتاب بالمجان من موقع : "http://livreschauds.wordpress.com".
(3) الكتب الثلاثة : "Le Sociétal"، و "Le Politique"، و "L’Éthique politique"، تستكشف المجتمع، وتحاول إبراز القوانين المتحكمة في تطوره. كما تبحث في شروط تغيير المجتمع. ويمكن تنزيل هذه الكتب من الموقع الالكتروني التالي : " http://livreschauds.wordpress.com ".
(4) عبد الرحمان النوضة : مهندس، كاتب، معتقل سياسي سابق، محكوم بالسجن المؤبد، قضى 18 سنة في الاعتقال في عهد الملك الحسن الثاني.



#عبد_الرحمان_النوضة (هاشتاغ)       Rahman_Nouda#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لا تقدر بَعْدُ حركة 20 فبراير بالمغرب على إسقاط الاستب ...
- علاقة الدين بالدولة وبالسياسة


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد الرحمان النوضة - الثورات العربية : نقد -حركة 20 فبراير- بالمغرب