|
نظرية الانعكاس في اساس نظرية المعرفة الماركسية
مهدي علوش
الحوار المتمدن-العدد: 3595 - 2012 / 1 / 2 - 19:35
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
اذْ نبدأ بعبارة لينين : " مفهوم المادة - من الناحية المعرفية - هي الواقع الموضوعي الموجود بصورة مستقلة عن وعي الانسان ، وينعكس فيه ." ، لابد ان نجيب عن سؤالين : الاول عن خواص هذا الواقع الموضوعي ؟ والثاني عن معنى انعكاسه في الوعي ؟ ، مما يعني حاجتنا للتعرض لبعض الملامح الاساسية لنظرية الانعكاس التي تقع في اساس نظرية المعرفة المادية الديالكتيكية . قبل كل شئ ، المادة هي ما يوجد موضوعياً ( مستقلاً عن وعينا ) ، وشكلا وجوده الاساسيان هما الامتداد في المكان والحركة . فالجسم المادي اذْ يتحرك في المكان والزمان ، ويتفاعل مع الاجسام الاخرى ، الا انه ينطوي ، بحد ذاته ، على نشاط وصيرورة بسبب تناقضاته الداخلية ، ينطوي على حركة ذاتية . ان تغير الحركة من شكل لآخر هو امر غير ممكن في الجسم المادي المعزول كلياً ، بل هو دائماً نتاج تفاعل بين جسمين على الاقل ، يفقد احدهما مقداراً معيناً من حركة ذات شكل محدد ( حرارة مثلاً ) ، بينما يكتسب الثاني نفس المقدار من شكل آخر من الحركة ( ميكانيكية ، كهربائية ..الخ ) . الا ان تغير حركة الجسم وفق هذا المبدأ ( اي بناءاً على تأثير العوامل الخارجية فقط ) لا يمكنه ان يؤدي الاّ الى تغيرات كمية في بعض خواصه . لأن القانون الاساسي لتطور المادة ، بمفهومها العام ، هو قانون تطورها وفق تناقضاتها الذاتية ( مما يعني صلاحيته ايضاً بالنسبة لكافة الظواهر الخاصة للمادة ) . وبالرغم من ذلك فانه لا يؤدي الى نكران دور التأثيرات الخارجية على تطور الظاهرة المادية الخاصة . بل يؤدي الى ( رفع ) هذه التأثيرات ، لتلعب دور تحديد شكل عملية التطور بتأثير المفاعيل الذاتية . فالبذرة تحمل مبدأ تطورها في داخلها ، لكنها تمد جذوراً في التربة ( في وسط معين ) ، بينما تطلق اغصاناً واوراقاً فوق التربة ( في وسط آخر ) . هذه الرؤية يمكنها ان تلعب دوراً منهجياً ليس في تفسير ظواهر الطبيعة فقط ، بل و فهم الظواهر الاجتماعية التاريخية ايضا . التطور اذاً تقف وراءه الحركة وسط عالم واحد من الاشياء المترابطة والمتفاعلة ، لكنه لايحصل بشكل انسيابي تماماً عبر تراكم كمي خالص ، بل عبر سلسلة من عمليات النفي المتتالية ، عبر سلسلة من القفزات النوعية المترابطة ، تقوم كل حلقة فيها بدور التمهيد ( عبر التراكم ) للحلقة اللاحقة . من هذا فأن ظهور الوعي في لحظة تأريخية لاحقة على وجود الطبيعة ( المادة ) وتطورها وصولاً الى خلقه ، ظهور الوعي كخاصية جديدة للمادة المتطورة ( العقل البشري ) ، لايمكن فهمه على انه محض صدفة ، او معجزة من اللاشئ . اذاً لابد من وجود خاصية معينة ، تلازم المادة في كل مراحل تطورها ، تدخل ضمن محتوى مفهومها ، هي من نفس جنس الاحساس ، لكنها تخلف عنه نوعاً . انها خاصية الانعكاس التي تطورت بسبب حركة المادة وتفاعلاتها ، عبر قفزات متتالية من اشكالها غير الواعية الى شكلها الواعي ، وذلك ارتباطاً بتطور حركة المادة نفسها ( اي تطورها من حركة ميكانيكية الى كيميائية الى بيولوجية الى نفسية ( تفكير )) . وبقدر ما يحتوي شكل الحركة الاعلى ( الفكر ) على كافة اشكال الحركة الادنى مُضمرة ( مرفوعة ) ، فأن الانعكاس الواعي يحتوي ضمناً على اشكال الانعكاس غير الواعي المنفية اثناء عملية التطور التاريخي . لهذه الفكرة اهمية منهجية بالنسبة لعلم النفس في تحليله لظواهر اللاوعي . ومنعاً للالتباس ، ربما بسبب طبيعة الكلمة المستخدمة ، لابد ان نقول هنا بان الانعكاس لا يشبه ، بأي حال ، انعكاس الاشياء في المرآة ، ولا هو توليد صورة طبق الاصل للمعكوس . وانما هو علاقة حية ، تتطور على الدوام بين العاكس والمعكوس ، اذْ يطور العاكس ، تحت تأثير المعكوس ، حالة داخلية فيها مشتركات مع خواص المعكوس . هي حالة تشابه فيما بينها مع الاختلاف ، واختلاف مع التشابه . هذه العلاقة ، طبعاً ، لاتخص مستوىً معيناً من مستويات تطور الطبيعة ( على تنوعها الهائل ) . فهي الحالة العامة للعلاقة بين الذات ( اي ذات من ذوات الطبيعة ) وموضوعها ( اي موضوع كان ) . الذات تخضع للقانون الاساسي للتطور الذاتي للطبيعة . واذْ تدخل في تفاعل مع الموضوع ، فان هذا التفاعل ( الخارجي ) يمكن ان يكون فقط شكل ظهور الداخلي . اما فيما يتعلق بالعلاقة بين النظرية والممارسة العملية ، فعلى سؤال : ما هو الفعل التاريخي الاول ، الذي يمكن ان يقوم به البشر ، بما يميّزهم عن الحيوانات ؟ اجاب ماركس : " ليس التفكير، وانما الشروع بانتاج مقومات وجودهم . " والمغزى هو ان البشر، في البداية ، يدخلون في علاقة مع اشياء العالم بدون تصور نظري مسبق . تماماً مثل الحيوانات يشرعون ، كمجموعات ، في البحث عن مصادر غذائهم ، يقومون بأفعال مختلفة ، بصيص نورهم الوحيد ملكة الانعكاس غير الواعي ، كائنات غير مفكرة ، لكنهم عبر العمل وبسببه يتقنون المهارات ، ويراكمون العادات ، مما يهئ لحصول القفزة نحو الانعكاس الواعي - أي الملكة التي ستأهلهم لصنع النظرية . نظرية الانعكاس ، التي تعرّضتُ بايجاز شديد لبعض ملامحها الاساسية ، والتي تقع في اساس نظرية المعرفة الماركسية ، لها اهمية منهجية كبيرة ، ليس بالنسبة للعلوم الطبيعية فقط ، وانما بالنسبة للعلوم الانسانية ايضاً . جلّها مؤسس على افكار وآراء آباء المادية الديالكتيكة ، طورها واغناها لينين فيما بعد في مؤلفاته الفلسفية : " المادية والمذهب النقدي التجريبي" " الدفاتر الفلسفية " " حول الديالكتيك " .
#مهدي_علوش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز
...
-
اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك
...
-
كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع
...
-
ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر
...
-
في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة
...
-
تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة
-
-الكوكب مقابل البلاستيك-.. العالم يحتفل بـ-يوم الأرض-
-
تظاهرات لعائلات الأسرى الإسرائيليين أمام منزل نتنياهو الخاص
...
-
جامعة كولومبيا تعلق المحاضرات والشرطة تعتقل متظاهرين في ييل
...
-
كيف اتفق صقور اليسار واليمين الأميركي على رفض دعم إسرائيل؟
المزيد.....
-
مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا
...
/ جيلاني الهمامي
-
كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع
...
/ شادي الشماوي
-
حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين
/ مالك ابوعليا
-
بيان الأممية الشيوعية الثورية
/ التيار الماركسي الأممي
-
بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا)
/ مرتضى العبيدي
-
من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا
...
/ غازي الصوراني
-
لينين، الشيوعية وتحرر النساء
/ ماري فريدريكسن
-
تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية
/ تشي-تشي شي
-
مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|