Alain GRESH
"استخدم الاسلحة الكيميائية ضد شعبه وجيرانه"، "اجتاح
اراضي جيرانه" و"قتل الألوف من مواطنيه". هكذا تعدد السيدة كوندوليسا رايس، مستشارة
الامن القومي لدى الرئيس جورج والكر بوش، الحجج "التي لا تقاوم" والتي تدفع
بالولايات المتحدة الى التدخل من اجل إطاحة الرئيس صدام حسين(١). انها
ادعاءات لا يمكن دحضها: ففي ايلول/سبتمبر 1980، هاجم نظام بغداد ايران ليطلق احد
اكثر النزاعات دموية بعد الحرب العالمية الثانية، وبعدما واجه صعوبات في الحرب
استخدم الاسلحة الكيميائية قبل ان يقتل بالغاز في حلبجة في آذار/مارس 1985، خمسة
آلاف من الاكراد العراقيين. هل اطلقت عندها واشنطن حملة صليبية ضد هذا "الطاغية
الدموي"؟
وها
هي الصحافة الاميركية تؤكد كيف قام في تلك المرحلة نحو من ستين ضابطا اميركيا
بتزويد القيادة العسكرية العراقية سرا "المعلومات المفصلة حول انتشار القوات
الايرانية" وكيف كانوا يناقشون معهم الخطط القتالية. واذ علم هؤلاء المستشارون
باستخدام الغاز المحظور بموجب اتفاقية جنيف، فإنهم لم يبدوا اعتراضا "لاعتقادهم ان
العراق يدافع عن وجوده"(٢).
منذ العام 1984، استأنفت ادارة ريغان علاقاتها
الديبلوماسية مع بغداد بعد انقطاعها منذ حرب 1967 كما شطبت اسم العراق من قائمة
الدول المساندة للارهاب بعدما رفع الغرب هذا البلد الى مرتبة السور الواقي في وجه
"الثورة الاسلامية". وبعد وصوله الى سدة الرئاسة في كانون الثاني/يناير 1989، وقّع
بوش الاب تعميما يمتزج فيه الغباء بالصلافة: "ان من شأن العلاقات الطبيعية بين
الولايات المتحدة والعراق ان تخدم مصالحنا على المدى البعيد وتدفع في اتجاه
الاستقرار في الشرق الاوسط والخليج. علينا اقتراح الحوافز امام العراق ليعدل من
سلوكه ولنتوصل الى زيادة نفوذنا في هذا البلد".
خلال تلك الفترة صدّرت الشركات الاميركية
الى العراق وبموافقة وزارة الخارجية مواد يمكن استخدامها في انتاج الاسلحة
الجرثومية(٣). ندرك تالياً لماذا لم تقدم "المجموعة الدولية" التي تتابع
باهتمام بالغ برنامج تزود العراق اسلحة الدمار الشامل، على اجراء اي تحقيق حول
الشركات الاجنبية التي ساعدت بغداد في هذا البرنامج. فالعديد من الحكومات الغربية،
من الولايات المتحدة الى المانيا مرورا بفرنسا، كانت متورطة فيه.
ان النقاش مفتوح
اليوم في الولايات المتحدة حول إطاحة الرئيس صدام حسين عسكرياً. وهو نقاش حاد يدور
حول الوسائل وليس حول الهدف، فالسؤال ليس "هل علينا إطاحته" بل "كيف نطيحه؟". ان
تردد الحلفاء العرب ــ الذين يقلقهم افلات حكومة السيد ارييل شارون من اي عقاب ــ
والاوروبيين، سيؤدي فقط الى تأخير موعد "الحرب الوقائية الاولى" في القرن الحادي
والعشرين.
وتستهدف الحملة رسميا اسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها بغداد.
وللتذكير، فإن القرار 687 الصادر عن مجلس الامن الدولي في 3 نيسان/ابريل 1991 طلب
نزع اسلحة الدمار الشامل العراقية، ويوضح البند الرابع عشر منه ان هذه الاجراءات
"تندرج في مسار يهدف الى خلق منطقة منزوعة من اسلحة الدمار الشامل والصواريخ
الحاملة لها في الشرق الاوسط".
لم يبدأ ابدا العمل بهذه "المهمة" الاقليمية. فالانظار
كانت مسلطة على العراق الخاضع لحصار قاتل ادى الى تجويع سكانه وتفكيك المجتمع و...
تدعيم نظام السيد صدام حسين. وبين 1991 و1998، انجز مفتشو الامم المتحدة عملا
مشهودا على الارض بغية التأكد من تدمير البرنامج النووي وكامل ترسانة الصواريخ
تقريبا اضافة الى قسم كبير من الاسلحة الكيميائية. وقد تمت اقامة نظام رقابة طويل
المدى من خلال تثبيت كاميرات مراقبة في العشرات من المواقع. كانت عملية نزع الاسلحة
والانتهاء من الحصار قد وصلت الى خواتيمها لكن واشنطن كان لها في واقع الامر اهداف
اخرى.
وحديثاً، كشف رالف ايكيوس، مسؤول عمليات التفتيش التي قامت بها الامم
المتحدة في العراق بين 1991 و1997، ان الولايات المتحدة لم تكتف باستخدام المفتشين
في مهمات تجسسية بل مارست ضغوطا "كي يقدم هؤلاء على ممارسات يرفضها الجانب العراقي
من اجل خلق وضع يمكن ان يبرر التدخل العسكري المباشر"(٤). وهذا ما حدث في
كانون الثاني/يناير 1998 عندما قررت واشنطن قصف العراق من دون موافقة الامم
المتحدة، مرغمةً المفتشين على الرحيل ليبقى برنامج التسلح العراقي من دون اي
رقابة.
ومنذ
الامس القريب لم تعد الولايات المتحدة تسعى الى عودة المفتشين بل تبحث بالاحرى عن
مبرر لمغامرة عسكرية قد تعمق الهوة بين العالم الاسلامي والغرب. من يمكنه التكهن
بنتائج مشروع من هذا النوع في منطقة مضطربة بسبب الهجوم الذي تشنه الحكومة
الاسرائيلية ضد الفلسطينيين؟
اطلق السيد برانت سكوكروفت، المستشار السابق للرئيس بوش
الاب، تحذيرا جاء فيه: "ستكون اسرائيل اولى ضحايا الحرب كما في العام
١٩٩١ (...) وقد ينجح استخدام اسلحة الدمار الشامل في دفع
اسرائيل الى الرد هذه المرة، ربما من طريق الاسلحة النووية مما قد يطلق جحيم
ارغامدون في الشرق الاوسط"(5).
--------------------------------------------------------------------------------
1.. بي بي سي، لندن، 15
آب/اغسطس، 2002.
2.نيويورك تايمز، 18 آب/اغسطس،2002.
3.تقارير مجلس الشيوخ الاميركي عام 1994
الواردة لدى
William Blum, ?What the New York Times left out? Znet
Commentary, 20/8/2002
4.. فايننشال تايمز، لندن، 30 تموز/يوليو،
2002.
5..
وال ستريت جورنال (اوروبا)، 15 آب/اغسطس، 2002.
جميع الحقوق محفوظة 2001© , العالم
الدبلوماسي و مفهوم