عماد تاوضروس بشرى
الحوار المتمدن-العدد: 3577 - 2011 / 12 / 15 - 12:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ماذا يحدث في مصر الآن؟
سأفترض فرضاً,ليس تعسفياً بالضرورة, و لكنني لن أقضى وقت طويل في إثبات هذا الفرض أو الدفاع عنه.
و هذا الفرض الأولى هو أن المجتمع المصري "متخلف" و ذلك بمعنى أنه تأخر (لأسباب عدة) عن ما يمكن أن نطلق عليه "التيار الفكري العالمي" و ليس المقصود سب المجتمع و لا الإقلال من شأن أفراده.و أنا أعتبر معظم المصريين (باستثناء نخبة قليلة تشعر بالاغتراب)يعيشون (فكرياً) فى أوائل القرن التاسع عشر.
و بناء على هذا الفرض تفسر كثير من الظواهر فى "مصر بعد الثورة" و خاصة تيار "الارتداد للخلف في الزمن" كاتجاه مجتمع يشعر بالأمان أكثر فى أحضان السلف (الذي لابد بالضرورة أن يكون صالحاً) و يهرب له بدلاً من مواجهة حاضره.
بعد هذه المقدمة سأناقش عدة أفكار يربطها,فقط, سكنانا في الماضي (فكرياً(
أولاً: السيـــــاسة و الدين
علينا أن ندرك أن الاثنين يمثلان نظماً لضبط علاقات أفراد المجتمع و يؤديان ذات الوظيفة و هي الحفاظ على التماسك الاجتماعي و لذلك لن يمكن فصلهما فصلاً كاملاً كما فى اليوتوبيا العلمانية. و لكن بما أن الدين بصفة عامة أسبق تاريخياً فيجوز أن نعتبره شكلاً من التنظيم السياسي فى المجتمعات البدائية التى تعتمد على ما هو مقدس و سماوي لضمان طاعة أفرادها و الحفاظ على تماسك القبيلة (الشيئ الهام جداً للبقاء). و لذلك حين يرتد المجتمع فى الزمن فسيجد حتماُ نفسه يرتد الى الدين على حساب النظم السياسية (المدنية) الأحدث و ليس بالضرورة عن وعى كامل فعادة يتم تفسير هذا الارتداد بالعودة "للعصر الذهبى للأمة" و هو عصر تحتفظ به جميع الشعوب فى ذاكرتها الجمعية و يمكن تفسيره فى اطار الحيلة النفسية الشهيرة (النكوص). و فى مصر لابد لهذا العصر أن يكون اسلامياً و هذا يفسر تنامى الحركة السلفية و نجاح الاخوان و السلفيين الأكيد فى الانتخابات و ان كان السلفيون يجدون أنفسهم فى صراع بين قيم النكوص لعهد مضى و بين استخدامهم لآلية سياسية حديثة و هى الانتخابات و التمثيل النيابى.و لعل مما يغذى التيار الارتدادى هو وجود مجتمعات تعتبر حفرية حية (اجتماعياً) و تبدو (فى ظاهرها) ناجحة جداً و انها تطبق شريعة الاسلام و هى المجتمعات الخليجية (و خاصةً السعودية). و بالطبع يتم غض البصر عن محاولات ارتدادية اخرى أقل نحاحاً(الصومال,السودان,أفغانستان) و يعزى الفشل دائماً للتدخل الشرير للقوى الخارجية.
و يجد هذا الارتداد الدينى من ينافسه فى استخدام نفس تكنيك الارتداد و استخدام عصور ذهبية أخرى و لكن بنجاح أقل كثيراً من السلفية الاسلامية . و من هذه الاتجاهات : ارتداد البعض لمصر الفرعونية أو بعض الأقباط للحقبة القبطية .......و من الملاحظ أن هذه الاتجاهات كلها تغذى بعضها البعض فى صورة تحديات و ردود أفعال.
و هذا يفسر العداء السلفى لما هو فرعونى
ثانياً: العلاقة المتوترة بين المسلمين و المسيحيين:
أول أسباب ذلك التوتر هو نكوص كل فئة لزمن مختلف تجد فيه راحتها
و أيضاً يمكن أن نرصد أن تشتتاً ما حدث فى المسار التطورى الدينى لكل من المجموعتين و ذلك فى بدايات و أواسط القرن التاسع عشر.
فقد وُجِهت الكنيسة المصرية بضغط المنافسة مع الكنائس الغربية المُصْلَحة التى بدأت عملها بين الاقباط و وقعت الكنيسة فى مأزق فقدان الأتباع و كان دفاعها هو نوع من الاصلاح الداخلى المضاد و لذلك اتخذ التطور الثقافى المسيحى اتجاهاً غربياً و الذى بالرغم من وجود أرضية مشتركة الا أن الكنيسة كانت دائمة الريبة فى الدوافع و النوايا الغربية.
و أما المجتمع الدينى الاسلامى فقد واجه نفس الضغوط الثقافية الغربية بتطوير و تنوير حقيقي نابع من داخل المؤسسة الدينية (الشيخ محمد عبدة) و لكن نجحت المؤسسة العريقة فى قمع هذا الاتجاه نجاحاً باهراً و استبدل هذا الاتجاه بارتداد للشرق الصحراوى و احتضان كثير من ملامح الفكر الوهابى.
و لهذا فان كل جماعة تقف الانن على أرضية مختلفة و تنظر فى اتجاه مختلف و هذا يفسر التوتر.
ثالثاً: أوضاع الأقليات فى مجتمع ارتد للخلف:
ان مفهوم الاقليان فى مصر لهو جد غامض و عجيب. فان المجتمع المرتد للخلف دينياً (السلفى ) لابد و أن يكون أحادياً و ذلك لطبيعة المطلق الدينى أولاً و ثانياً لأن العصر الذهبى الذى تتمنى استعادته لم يكن حقاً متسامحاً مع المختلف الا فى حقب قصيرة يغض البصر عنها بصفتها كبوات تاريخية. و لذلك يجب ,بشكل أو بأخر ,قمع المختلف و هذا يقودنا لمأزق وجودى تجاه الأقباط لانه لا توجد نية حقيقية لقمعهم فكان الحل العبقرى و هو ان جميع الاطراف اتفقت ضمناً أن الاقلية المسيحية (10-15%) ليست أقلية. و ليس فى هذا اى تناقض عند المنادين به من الطرفين فالاول (المسيحى) يدفع عن نفسه هذه الصفة حتى لا يقمع و الثانى(المسلم) يدفع عن القبطى هذه الصفة حتى يرفع عن نفسه عبء قمع هذه الاقلية التى ليست بأقلية و انما جزء من نسيج واحد.
و لكن ماذا يفعل المجتمع المرتد للخلف فلابد له من ايجاد أقليات يثبت بها صواب الاغلبية من ناحية و حتى تكون موضوع لقمع اجتماعى من ناحية أخرى و كان حل عبقرى اخر اذ تم اخذ اطراف التنوع الاجتماعى (و هى الاطراف النشطة الفاعلة عادة) و تم احاطتها يسياج مصطنع لصنع أقلية يصفها السلفى بأنه هى المتطرفة و كانت النتيجة الحتمية لذلك انكماش التنوع الاجتماعى و الثقافى حتى بدا الوسط مكتظاً و الاطراف شبه خاوية و ترهل الجسد الاجتماعى ليفقد القدرة على التقدم و لو لخطوات قصيرة و هذا بالطبع فى مصلحة أى نظام ارتدادى سلفى.
رابعاً: أوضاع المرأة:
أن الامر هنا واضح وضوح الشمس لانه يكفى ان ننقل أوضاع المرأة فى العصر الذهبى المزعوم لحاضرنا المشئوم. و لأن ارتداد المجتمع كان دينياً فى مجمله و لأن الدين يضع الرجل دائماً فى القيادة . و لو افترضنا جدلاً أن الارتداد كان للعصر الفرعونى مثلاً لكانت الصورة مختلفة
و أخيراً : يا عزيزى كلنا "متخلفون"
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟