أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد محمود السيد - مفهوم الاصلاح السياسي















المزيد.....



مفهوم الاصلاح السياسي


محمد محمود السيد

الحوار المتمدن-العدد: 3555 - 2011 / 11 / 23 - 19:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مفهوم الإصلاح Reform

الإصلاح لغة من فعل أصلح يصلح إصلاحًا ، أي إزالة الفساد بين القوم، والتوفيق بينهم . وهو نقيض الفساد ، فالاصلاح هو التغير الى إستقامة الحال على ما تدعو إليه الحكمة ، ومن هذا التعريف يتبين أن كلمة إصلاح تطلق على ما هو مادي ، وعلى ما هو معنوي ، فالمقصود بالاصلاح من الناحية اللغوية ، الانتقال أو التغير من حال إلى حال أحسن ، أو التحول عن شيئ والانصراف عنه الى سواه . وقد ورد لفظ الاصلاح في القرآن الكريم في أكثر من سورة مثل قوله تعالى: ((والله يعلم المصلح من المفسد)) ، وقوله مخاطباً فرعون : ((إنْ تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض، وما تريد أن تكون من المصلحين)) .

أما إصطلاحًا فيعرفه قاموس "أكسفورد" الإصلاح بأنه" تغير أوتبديل نحو الأفضل في حالة الأشياء ذات النقائص ، وخاصة في المؤسسات و الممارسات السياسية الفاسدة أو الجائرة ، إزالة بعض التعسف أو الخطأ". الإصلاح يوازي فكرة التقدم ، وينطوي جوهريًاعلى فكرة التغيير نحوالأفضل، وخاصة التغير الأكثر ملائمة من أجل تحقيق الأهداف الموضوعية من قبل أصحاب القرار في حقل معين من حقول ( النشاط الإنساني ) .
ويعرف قاموس "وبستر" للمصطلحات السياسية ( 1988 ) الإصلاح السياسي بأنه "تحسين
النظام السياسي من أجل إزالة الفساد والاستبداد" . ويعتبر الإصلاح السياسي ركنًا أساسيًا مرسخًا للحكم الصالح ، ومن مظاهره سيادة القانون و الشفافية و المشاركة الشعبية في إتخاذ القرار والعدل وفعالية الإنجاز وكفاءة الإدارة و المحاسبة والمسائلة والرؤية الإستراتيجية ، وهو تجديد للحياة السياسية ، وتصحيح لمساراتها ، ولصيغها الدستورية ،والقانونية ، بما يضمن توافقًا عامًا للدستور ، وسيادة للقانون ، وفصلا ًللسلطات ، وتحديدًا للعلاقات فيما بينها "وهو التعريف الذي يتبناه برنامج الأمم المتحدة لإدارة الحكم في الدول العربية ".
وعرفته الموسوعة السياسية بأنه "تعديل أو تطوير غير جذري في شكل الحكم أو العلاقات
الإجتماعية دون المساس بأسسها ، وهو بخلاف الثورة ليس إلا تحسين في النظام السياسي و
الإجتماعي القائم دون المساس بأسس هذا النظام ،أنه أشبه ما يكون بإقامة الدعائم التي تساند
المبنى لكي لا ينهار وعادة ما يستعمل الإصلاح لمنع الثورة من القيام أو من أجل تأخيرها " .
أن كلمة الإصلاح ليست جديدة على الفكر السياسي العربي، فقد ورد ذكرها في القرآن الكريم عدة مرات كما أشرنا ، وبالتالي فان مفهوم الإصلاح ليس جديداً في العقل العربي – الإسلامي، بل هو مفهوم قديم لم يبدأ بظهور الأفكار والتيارات الإصلاحية في القرن الماضي أو المبادرات الإصلاحية في الوقت الراهن، فالدعوة إلى الإصلاح بدأت قديماً في الدولة الإسلامية.

ويمكن اعتبار الأفكار التي نادى بها ابن تيمية بداية الدعوات الإصلاحية في العالم الإسلامي، أو ما يمكن تسميته بالإصلاح الديني، ثم تطور ليصبح مطلباً نهضوياً طرحه المفكرون العرب قبل أكثر من قرن من الزمان «أي فترة ما يمكن أن نسميه عصر التنوير العربي« في سعيهم نحو تحقيق نهوض أو تقدم عربي في شتى مجالات الحياة.

وقبل أن يصبح مفهوم الإصلاح، مفهوم متداول ومستقل في الأدبيات السياسية الحديثة، فان أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية متضمنة في الكثير من المفاهيم الشائعة مثل: التنمية السياسية Political Development، أو التحديث Modernization، أو التغيير السياسي، Political Change، أو التحول Transition، أو التغيير Change، وجميع هذه المفاهيم تقريباً مرتبطة بالعالم الثالث ومنه الوطن العربي، كما انه يوجد لديها تعريفات متعددة، دقيقة وواضحة إلا أن مفهوم الإصلاح لا يزال يكتنفه الغموض وذلك لتداخله مع العديد من المفاهيم السابقة، إلا انه ولغايات هذه الورقة يمكن استخدام التعريف التالي لمفهوم الإصلاح: «التغيير والتعديل نحو الأفضل لوضع شاذ أو سيء، ولا سيما في ممارسات وسلوكيات مؤسسات فاسدة، أو متسلطة، أو مجتمعات متخلفة، أو إزالة ظلم، أو تصحيح خطا أو تصويب اعوجاج»

والحقيقة أن هذا التعريف يثير تساؤلاً فيما إذا كان الإصلاح يقود بالضرورة إلى وضع أفضل من الوضع السابق؟ والحقيقة أن الإجابة على مثل هذا التساؤل تتأثر بالارتباط الإيديولوجي للمعنى بالإجابة، إذ يرى دعاة وأنصار الفكر الماركسي أن كل الإصلاحات والتغييرات التي يمكن أن تحدث في الفكر الرأسمالي لا جدوى أو قيمة لها لأنها عاجزة كلياً عن حل تناقضات النظام الرأسمالي البشع، وهي لا تهدف إلا إلى استمرار سيطرة الطبقة البرجوازية على الطبقة العاملة واستغلالها، وبالتالي فان وظيفتها الأساسية هي تأخير قيام ثورة الطبقة لكادحة على النظام الرأسمالي. فالثورة هي الحل الوحيد للمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها النظام الرأسمالي.

وكذلك يرى الكثير من الإسلاميين في العالم العربي أن كافة الإصلاحات والتغييرات التي تتبناها الأنظمة العربية العلمانية لن تفلح في حل المشكلات والأزمات المختلفة التي تعاني منها هذه الأنظمة لان الإسلام هو الحل فقط.

وثمة تساؤل آخر في هذا المجال هو: ما هو مدى أو الحجم الحقيقي للتغيرات المطلوبة بحيث يمكن أن تندرج تحت مفهوم الإصلاح؟ فأحياناً يمكن إحداث تغييرات رمزية أو صورية أو تجميلية في مؤسسة معينة أو سياسة ما، ذلك أن مثل هذه التغيرات الهامشية البسيطة أو الشكلية ذات قيمة ومغزى لمن يقف وراءها، فالإصلاحات الجزئية والشكلية الانتقائية التي تقوم بها بعض الأنظمة العربية، مثل إجراء انتخابات صورية أو إجراء حوار مع بعض جماعات المعارضة أو رفع شعارات مثل الشفافية والمساءلة أو التنمية السياسية، ....الخ هي إصلاحات مبتورة بلا جدوى أو مضمون، وبالتالي لا تندرج تحت مفهوم الإصلاح أو التغيير، أن أي تغيير حقيقي يعني الانتقال من وضع إلى وضع مغاير كلياً، وبالتالي فان التغييرات المحدودة أو الشكلية ذات الأثر المحدود لا يمكن أن تدخل نطاق مفهوم الإصلاح، لأنه يتطلب إحداث تغييرات جذرية عميقة شاملة ومستديمة.

والخلاصة أنه حتى يمكن اعتبار أي تغييرات في وضع ما إصلاحاً لابد من توافر الشروط أو الظروف التالية:
1- أن يكون هناك وضع شاذ يحتاج إلى إصلاح أو علة تحتاج إلى دواء. إذ أنه في ظل غياب الوضع الشاذ فإنه لا مبرر للإصلاح، لأنه يصبح اقرب إلى الترف. فالعلة قد تكون غياب العدالة أو الحرية أو انتشار الفقر أو المرض وعدم الاستقرار، فالعلة تساعد في تحديد موطن الخلل لكي يتم اختيار العلاج الشافي.

2- أن يكون التغيير نحو الأفضل، فتسود الحرية محل الاستبداد، أو العدالة محل الظلم، أو الأمن محل الخوف والتعليم محل الأمية، أو الاستقرار محل الفوضى.

3- أن يكون التغيير له صفة الاستمرارية ولا يتم التراجع عنهIrreversible ، فالتغيرات المؤقتة التي يمكن التراجع عنها لا يمكن اعتبارها إصلاحاً بالمعنى الحقيقي للكلمة، فتحول نظام سلطوي إلى نظام ديمقراطي هش يمكن زواله بسرعة لا يعتبر إصلاحاً.

فعلى سبيل المثال تبدأ بعض الأنظمة السياسية بخطوات ديمقراطية تتمثل بالحريات الصحفية والسماح بتأليف منظمات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات، ثم يلي ذلك إجراء انتخابات ديمقراطية لمجالس بلدية أو برلمانات، ثم ما تلبث هذه الأنظمة أن تكتشف أن هذه المؤسسات تزعج السلطات الحاكمة وتحد من استبدادها فتتراجع عن هذه الخطوات.

أصل الإصلاح The Origin of Reform

إن فكرة الإصلاح فكرة قديمة قدم الإنسانية، إذ أننا نجد في كتابات قدماء المفكرين اليونان من أمثال أفلاطون وأرسطو الكثير من الأفكار الإصلاحية مثل العدالة والقوانين وتنظيم المجتمع والدولة والاستقرار السياسي والتوزيع العادل للثروة وغيرها، ويمكن القول إن فكرة الإصلاح كانت ولم ننزل الهدف الأسمى للعديد من الفلاسفة والقادة والحركات السياسية والاجتماعية في مختلف أرجاء العالم، فضلاً عن كونها موضوعاً رئيسياً في النظريات السياسية للفلاسفة والمفكرين منذ أيام مكيافللي في العصور الوسطى حتى كارل ماركس في القرن العشرين، فقد تحدث مكيافللي في كتابه الشهير «الأمير» عن أهمية الإصلاح وبنفس الوقت صعوبة وخطورة خلق واقع جديد. إلا أن حركة الإصلاح في العالم لم تتوقف وإن تعثرت أحياناً.

فتمرد اللورد كروميل في بريطانيا في منتصف القرن السابع عشر، والثورة الفرنسية 1789، وقبلها الثورة الأمريكية وغيرها من الحركات السياسية جاءت جميعاً لتحقيق إصلاحات سياسية في المقام الأول، فهذه الثورات الديمقراطية هي التي وضعت حدا للاستبداد السياسي، وأمنت الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين.

وفي الوطن العربي فان فكرة الإصلاح بدأت في الدولة العثمانية في المجال العسكري بعد الهزيمة التي تعرضت لها أمام روسيا القيصرية عام 1774 وتوقيعها معاهدة كجك قنطارية. ثم امتدت لاحقاً إلى المجالات السياسية والإدارية والاجتماعية، ففي سنة 1839 اصدر السلطان عبد المجيد الأول مرسوماً عرف «بالتنظيمات الخيرية«، والتي أكدت على المساواة ما بين المسلمين وغير المسلمين في الدولة العثمانية ، ثم تبع ذلك تبني أول دستور في الدولة العثمانية سنة 1876 والذي تم بموجبه إنشاء برلمان مُثل فيه المسلمين والمسيحيون واليهود، وبذلك ظهر مفهوم المواطنة Citizenship لأول مرة في الدولة العثمانية ، واستمرت حركة الإصلاح حتى نهاية الدولة العثمانية. إن الجهود الإصلاحية كانت بطيئة، جزئية ومتأخرة، وبالتالي لم تفلح في إنقاذ الرجل المريض الذي توفي بانتهاء الحرب العالمية الأولى.
وفي الجزء العربي من الدولة العثمانية بدأت الأفكار الإصلاحية في عدد من الأقطار العربية على يد عدد من المفكرين العرب مثل: رفاعه الطهطاوي ومحمد عبده في مصر، ومحمد رشيد رضا وعبد الرحمن الكواكبي في سوريا، خير الدين التونسي في تونس وغيرهم، حيث رأى هؤلاء المفكرون أن الدولة العثمانية لم تعد دولة الإسلام التي تمثل طموحات العرب والمسلمين، وبالتالي لابد من إصلاحها أو التخلي عنها لافتقادها الشرعية وتمثل أفكار هذا الجيل نواة الفكر القومي العربي الذي بنى عليه الجيل الثاني من القوميين العرب أفكارهم، مثل نجيب عازوري وساطع الحصري وقسطنطين زريق وميشيل عفلق وغيرهم من النخبة المستنيرة الذين لعبوا دوراً بارزاً في نشوء الحركة القومية العربية التي أثمرت جهودها في انفصال العرب عن الدولة العثمانية بنهاية الحرب العالمية الأولى.
وبوقوع معظم الدول العربية تحت سيطرة الاستعمار الأوروبي، كانت الجهود منصبّة نحو تحقيق الاستقلال الذي تحقق أخيراً، ومنذ الاستقلال حتى نهاية القرن الماضي خضعت جميع الدول العربية لأنظمة تسلطية تعاني من سلسلة من الأزمات المختلفة، ولم يسجل لأي نظام عربي أي مبادرة في الإصلاح أو الانفتاح السياسي، حيث ركزت النخب الحاكمة في البلاد العربية على الاستمرار في الحكم، وبالتالي استمرار هيمنتهم على السلطة والدولة في آن واحد.
وأخيراً جاءت أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 لتكشف عن عمق الأزمة التي يعاني منها العالم العربي والتي تتمثل بغياب الحرية والعدالة، ونقص المعرفة، وعمق الهوة بين الأغنياء والفقراء وغيرها من الأمراض والتشوهات التي اعتبرت البيئة الخصبة لنمو الأفكار المتطرفة ونشوء الحركات الإرهابية، ولذلك أخذ الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية في ممارسة الضغوط على الأنظمة العربية للتوجه نحو الإصلاح وقد استجابت بعض الدول العربية على استحياء لإجراء إصلاحات جزئية أشبه بعمليات التجميل، وذلك لاحتواء الضغوط الخارجية الأمر الذي يعني أن العالم العربي لا زال أمامه طريق طويل، وبحاجة ماسة لإجراء إصلاحات جذرية لمواجهة الأخطار المحدقة به، ولخلق واقع جديد يليق بأبناء هذه الأمة. فالدولة القوية والناجحة والحريصة على امن وتقدم واستقرار وسعادة مواطنيها، هي التي تبادر بالإصلاح والتصدي للأخطار والتحديات الكبرى الوطنية والقومية.

عملية الإصلاح The process of Reform

إن عملية الإصلاح لا تحدث في فراغ ولا تنطلق لمجرد الرغبة في التغيير، إذ لابد من توافر بيئة مناسبة أو ظروف موضوعية تدفع باتجاه الإصلاح، وذلك لتجنب الآثار السلبية المترتبة على بقاء الوضع على ما هو عليه، من خمود وجمود ولاستعراض هذه الظروف والكيفية التي تتم فيها عملية الإصلاح وحجم أو درجة الإصلاح المطلوب، فانه لا بد من الإشارة إلى الحقائق التالية:
1- إن الإصلاح عادة ما يتم في ظروف الأزمة The Context of Crisis فنقطة الانطلاق هي الأزمة التي تمثل خطراً أو تحدياً للنظام القائم، وبالتالي لابد من التصدي لهذه الأزمة باتخاذ قرارات حاسمة وإجراء إصلاحات جذرية، وقد تكون الأزمة خارجية تهدد امن واستقرار أو كيان الدول، فالخطر الخارجي هو الذي دفع بالقادة العثمانيين إلى إجراء إصلاحات عسكرية، وذلك للدفاع عن سيادة وأمن الإمبراطورية في وجه التهديدات والأطماع الخارجية للدولة الأوروبية، وقد تكون الأزمة ناتجة عن عوامل داخلية مثل تردي الأوضاع الاقتصادية أو عدم الاستقرار السياسي أو فقدان الشرعية في نظام الحكم، أو هذه العوامل مجتمعة بحيث يكون الإصلاح هو الاستجابة العقلانية لمواجهة هذه الظروف الصعبة، وفي هذا السياق يمكن اعتبار سياسة الإصلاح أو إعادة البناء التي تبناها الزعيم السابق للاتحاد السوفيتي غورباتشوف في التحول نحو اقتصاد السوق وإنهاء حكم الحزب الواحد، مثال على تبني الإصلاح لمواجهة الظروف الاقتصادية والسياسية السيئة في نظام ما. فالأزمة هي لحظة تاريخية حاسمة لا تقبل التوفيق أو التلفيق أو الإبطاء من أجل التقدم والازدهار وتلافي المصاعب والأخطار الناجمة عن عدم الإمساك بتلك اللحظة واستثمارها.

2- إن دعاة الإصلاح عادة ما يستندوا في دعواتهم الإصلاحية إلى عقيدة فكرية أو إيديولوجية Ideology تساعدهم في تبرير الأفكار الإصلاحية والدفاع عنها، فالدعوة الإصلاحية الني نادى بها الجيل الأول من القوميين العرب من أمثال: الكواكبي واليازجي ورشيد رضا ورفاعة الطهطاوي وغيرهم كانت نابعة من تأثرهم بالأفكار الغربية ولاسيما فكرة القومية Nationalism والإصلاحات الاقتصادية التي تبناها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كانت نتاج تأثره بالعقيدة الاشتراكية. فالخطاب الإصلاحي المستند إلى عقيدة أيدلوجية يتميز بوضوح الرؤية وقوة الحجة عند المبادرة أو المشاركة أو حتى عند النقاش، فالعلمانية والديمقراطية والعقلانية والمواطنة هي جميعاً إيديولوجيات يمكن لقادة الإصلاح الاستناد عليها في دفاعهم أو تبريرهم لتوجهاتهم الإصلاحية وإقناع الجماهير بضرورتها. إلا انه ليس من الضروري أن تكون كافة الدعوات الإصلاحية نتاج عقائد سياسية، لا بل إن بعض قادة الإصلاح قد يتبنون أفكاراً إصلاحية تتناقض وعقائدهم السياسية، فعلى سبيل المثال تبنت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارجرت تاتشر برنامجاً اقتصادياً إصلاحياً نادى ببيع القطاع العام إلى القطاع الخاص بالرغم من انتماء تاتشر إلى التيار المحافظ(10).

3- أن الإصلاح الذي يأتي بمبادرة من القائد ومن هم حوله «النخبة الحاكمة» Reform from Above لابد من أن يدفع نحو توسيع قاعدة المشاركة السياسية، وخلق عناصر وفئات تستفيد من عملية الإصلاح حتى يكتب له النجاح والاستمرارية، أي خلق جبهة للإصلاح، فكلما اتسعت قاعدة المشاركة في عملية الإصلاح كلما زادت شرعية الإصلاحات، فالإصلاح الذي يتم من أجل حريات الناس ومصالحهم ومن اجل مستقبلهم، لا شك سوف يدفعهم إلى التمسك به وحمايته مما يحاولون عرقلته أو الإساءة إليه، وبالتالي لابد من أن يؤدي الإصلاح إلى حراك اجتماعي وخلق إرادة مجتمعية، وبلغة أخرى يواكب المبادرات الإصلاحية من أعلى إصلاح تدريجي من الأسفل Reform from below، وبخلاف ذلك فإنه تبقى الإصلاحات جزئية وغير مؤثرة يسهل التراجع عنها، وذلك لغياب الجماهير التي يمكن أن تدافع عن هذه الإصلاحات وتتمسك فيها.

آثار ونتائج الإصلاح The Outcome of Reform

إن آثار ونتائج الإصلاحات تختلف باختلاف الظروف التي تتم في ظلها الإصلاحات، وكذلك باختلاف الأهداف والغايات التي تسعى الحركات والقادة الإصلاحيين إلى تحقيقها، كما انه من الصعوبة الإحاطة التامة بآثار ونتائج الإصلاح إذا كانت عملية الإصلاح لا تزال مستمرة In Process، وبالتالي من المبكر الحكم عليها، فقد يكون التاريخ هو صاحب السلطة في الحكم والتقييم.

ومثلما تقابل عادة الأفكار الجديدة والتغييرات الإصلاحية بمقاومة في البداية من بعض فئات المجتمع، فإنها أيضاً تقابل بحماس وتأييد فئات أخرى في المجتمع، ولكن الإصلاحات التي يكتب لها النجاح والاستمرارية هي تلك التي تنجح في خلق فئات وأنصار مستفيدة من الإصلاح تتمسك بمنجزاته وتدافع عنه وتناضل في سبيل استمرارية الإصلاح وعدم التراجع عنه Irreversible Reform، فهذه القوى لديها مصلحة في الحفاظ على الإصلاح واستمراريته، فالإصلاحات المثمرة هي التي توسع قاعدة المشاركة الشعبية وتقوي وتفعل مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات وغيرها تمثل خط دفاع صلب أمام القوى المناوئة للتغير والإصلاح، وبخلاف ذلك فانه يمكن التراجع عن الإصلاح، فعلى سبيل المثال كانت الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تتبناها السلفادور الليندي في تشيلي سنة 1970 محل تأييد وترحيب فئات واسعة من الشعب التشيلي، إلا انه بعد فترة قصيرة تمت الإطاحة بالسلفادور اللندي، والتراجع عن الإصلاحات كافة التي تبناها وحل نظام تسلطي محل النظام الديمقراطي الذي بدأه اللندي .
وتقدم نيجيريا تجربة مشابهة في الفشل في بناء نظام ديمقراطي مستقر بعيداً عن هيمنة أو تدخل العسكر، فقد استقلت نيجيريا عن بريطانيا سنة 1960، ومنذ الاستقلال حتى الآن فان نيجيريا تتميز بتاريخ من الفوضى، وعدم الاستقرار، والانقلابات العسكرية، والحرب الأهلية، بالرغم من إمكاناتها البشرية الهائلة وثرواتها النفطية الضخمة التي تؤهلها للعب دور هام على المستويين الإفريقي والعالمي، وفي المقابل فان تجربة الاتحاد الأوروبي تمثل قصة نجاح باهرة في خلق فئات مستفيدة من الإصلاح تجعل التراجع عنه أمراً بالغ الصعوبة، حيث بدأت الفكرة بإنشاء منظمة الحديد والصلب عام 1956، ثم تطورت من المجال الاقتصادي إلى المجال السياسي الذي توج بإنشاء الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المختلفة من دستور وبرلمان ومحكمة وعملة موحدة ....الخ. بدأت المنظمة بـ ست دول ووصلت إلى حجمها الحالي إذ يزيد دور أعضاء الاتحاد الأوروبي الآن عن 25 دولة. إن تجربة الاتحاد الأوروبي هي خير مثال على الإصلاح الذي لا رجعة عنه لأنه يخلق فئات مستفيدة منه وبالتالي تتمسك بمنجزاته ولا تقبل التراجع عنه أو إجهاضه.

اتجاهات الإصلاح السياسي من منظور ما بعد الحداثة

كيف تراجع الحديث عن التنمية السياسية عالميا لصالح خطاب الإصلاح السياسي؟ للإجابة عن هذا السؤال لابد من التذكير بأن المفهوم الأول من إنتاج الحداثة السياسية الغربية، اما المفهوم الثاني فهو قادم من مناخات ما بعد الحداثة، حيث ضياع الثقة بمشروع الحداثة في الكثير من ملامحه.
إذ شهد العالم الموجة الجديدة من التحولات الديمقراطية في النظم السياسية، ومع ازدياد التعقيد والتطور الذي لحق بنظم السياسة والاتصال، أصبح العالم الجديد في العقد الأخير من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين يتسم بمجموعة من المحددات، أهمها التأثير العالمي المكثف المرتبط بالعولمة، والتي أثارت احتمالات كبرى بشأن أشكال من الائتلافات والاندماجات، أو النزاعات والتناقضات والتفكك. ويتزامن هذا التيار العالمي مع اتساع واسع لتيار ما بعد الحداثـة، الذي يواكبه اهتزاز الارتباط بالتقاليد والهويات، مما دفع المجتمعات إلى التمترس خلف خصوصياتها الثقافية في سلوك دفاعي. ومن الملامح الاخرى لتيار ما بعد الحداثة السياسية، ما نشهده من تغير في مفهوم العالم، وتعاظم دور وسائل الإعلام، والإحياء الديني والاثني، وتمازج الخطابات، وتعاظم الدور السياسي للعواصم. كل ذلك جعل من مشروع الحداثة الغربية موضع الشك وخيبة الأمل. وتأتي هذه المتغيرات في بيئة مشبعة معلوماتيا، مما يعني ضرورة التعامل مع المعلومات بآلية التصفية والتنقية المستمرة، وتقديم الاستجابة المطلوبة في الوقت الذي تتجه فيه الاستجابات لتصبح عالمية النطاق. هذه الاستجابات الفورية تؤثر في سلوك الأفراد والجماعات، وتحدد مواقفها من التحديث، بما فيه تنمية الحياة السياسية وتطويرها.
لقد ارتبطت ثورة المعلومات والاتصالات في العالم، إلى جانب التحولات التي أحدثتها في الإنتاج والعمل، بازدياد أشكال التنوع الثقافي والاجتماعي، وبالتالي المزيد من التعددية السياسية، في ضوء الاندماج العالمي وتزايد ضغوط التأثير، مما دعا الكثير من الباحثين إلى التساؤل عن الأهداف الجديدة للتنمية السياسية؟ وفي الوقت الذي اتجه فيه تيار التنمية السياسية نحو طرح سؤال الإصلاح السياسي للنظم التقليدية التي مازالت بعيدة عن التحول الديمقراطي في العالم النامي ولم تحدث تنمية سياسية حقيقية، طرحت أهداف أخرى للإطار النظري الجديد للتنمية السياسية على المستوى الإنساني، تتلخص بأربعة أهداف، هي: الأمن، والتوسع الإقليمي، وتقليل النزاعات والاحتكاكات الخارجية وتقليل الخلافات أو الإشكاليات الداخلية. وترتبط بهذه الأهداف ثلاثة أهداف أخرى فرعية، هي: العدالة والنظـام والحرية. وفي هذا الصدد، باتت اتجاهات البحث في التنمية والإصلاح السياسي في العقد الأخير تتجه نحو العودة إلى دراسة الدولة، في ضوء عوامل ومتغيرات أهمها أن الدولة لم تكتمل في الكثير من المجتمعات النامية، إلى جانب انهيار دول قائمة، كما حدث في الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا ودول شرق أوروبا الأخرى، مما طرح مسألة إعادة بناء دول أو دولة جديدة على آثار دولة منهارة أو متفككة. وتأتى العودة إلى دراسة الدولة بالتزامن مع دعوات أخرى إلى نهاية عصر(الدولة-الأمة) أو (الدولة القومية الحديثة)، التي يرجع ظهورها إلى الثورة الصناعية. وهو التراجع الذي يعزى إلى تأثيرات الاتصالات وثورة المعلومات والاقتصاد المعرفي، والتي تقود الحضارة الإنسانية نحو تشكيل قاعدة مجتمع مدني عالمي.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي، وعلى اثر التحولات العميقة في بيئة النظام الدولي والانفجار المعلوماتي والاتصالي، أخذت الأدبيات العلمية تنمو بالتدريج نحو مبحث الإصلاح السياسي، وتقدمه على التنمية السياسية في إطارها العام. وقد اخذ هذا التطور تأصيله العلمي من المناقشات الكبرى التي شهدتها الولايات المتحدة في هذه المرحلـة، وبالتحديد في ضوء انهيار الاتحاد السوفييتي؛ إذ ظهرت الفكرة المركزية حول الانتصار النهائي لليبرالية الديمقراطية والتي جاء بها "فوكوياما" تحت عنوان "نهايـة التاريخ"، بإعلانه نهاية الحراك الاجتماعي البشري بنموذج الليبرالية الديمقراطية، وأنه يجب على مجتمعات العالم إصلاح أنظمتها بما يتفق وهذا النموذج. ومن ثم، عاد البريق إلى مفهوم الإصلاح السياسي، الذي اخذ بعدا دعائيا في وسائل الاعلام اكثر من التأصيل العلمي؛ فالحراك البشري لم ينشأ -بحسب فوكوياما- عن بحث الإنسان عن الرضا والسعادة الفرديـة، كما قرر جون لوك وتوماس هويز في عصـر الأنوار، بل يعـود بهذا الحراك إلى التفسير الهيغلي، الذي يقول ان الدافع للحراك التاريخي كان وما زال توق الإنسان المحض إلى "تحقيق الذات".
يرى فوكوياما ان الديمقراطية الليبرالية لا يمكن ان تدخل من الباب الخلفي، بل يجب ان تأتي في لحظة ما من قرار سياسي واعٍ ومقصود، يعمل على تأسيس الديمقراطية. وفي الوقت الذي قد يعمل هذا القرار على إيجاد صدام وصراع بين أطراف مؤيدة وأخرى معارضة، إلا ان ربط التحول الديمقراطي يدل على ان التغيير الاجتماعي والسياسي لا يشترط دوماً صداماً أو عنفاً من اجل تحقيق الديمقراطية، بل ان التغيير الديمقراطي يأتي أيضاً من خلال إصلاح واع وجريء. ومن هنا، عادت الإزاحة الفكرية إلى الإصلاح السياسي، وفق محددات الليبرالية الديمقراطية، بقوة أكبر من أي وقت مضى.
ويعيد فوكوياما الإصلاح السياسي إلى قيم الليبرالية الديمقراطية، من خلال إدراك ان الرغبة الفعالة لدى الأفراد في علاج الفساد وإيجاد المجتمع الذي يحققون فيه ذواتهم بعدالة، هي واحدة من أهم عوامل إصلاح الأنظمة السياسية. وبذلك، فالأنظمة السائرة في التنمية السياسية، والراغبة في الإصلاح، أمامها مهمة إعادة تطوير مواردها البشريـة علمياً وإداريا، ومقاومة الفساد وتجفيف منابعه. ويتحقق إصلاح الدول بالانتباه إلى حاجة أساسية يسعى الفرد إليها، وهي ليست مجرد المكافأة المادية، بل التفرد والتميز والتقدير الذي يحصل عليه جراء ذلك، مما يتطلب إعادة النظر في القوانين والتشريعات من أجل تحقيق العدالة، وتوفير فرص متكافئة أمام الأفراد، وتقدير الإبداع والابتكار.
وهنا يصل تيار عودة الليبرالية الديمقراطية إلى ان إصلاح الدولة يجب ان يقود إلى ان الدولة ليست أهم من الفرد، وأن الأمة ليست أهم من مواطنيها، وأن التأسيس الحقيقي للإصلاح السياسي يبدو في منح الأفراد الحقوق السياسية والحريات المدنية الطبيعية. فالأنظمة التي تتعامل مع الجموع البشرية سوف تصطدم بالفروق الحاصلة بينهم، وإصلاح الحقوق السياسية يقوم على فكرة العدالة وليس المساواة .

المراجع

1- طارق أحمد المنصوب، محددات الإصلاح السياسي، موقع جريدة الجمهورية، متوفر على : http://www.algomhoriah.net/articles.php?lng=arabic&id=8 ، (طبع في 3/4/2010) .
2- أميمة مصطفى عبود، مفهوم الاصلاح السياسي في بعض نصوص الخطاب العربي اليبرالي الجديد، موقع منتديات السعودية تحت المجهر، متوفر على : http://www.saudiinfocus.com/ar/forum/showthread.php?t=22857 ، (طبع في 1/4/2010) .
3- باسم الطويسي، اتجاهات الإصلاح السياسي من منظور ما بعد الحداثة، موقع الغد، متوفر على : http://www.alghad.com/?article=1747 ، (طبع في 5/4/2010) .
4- محمود العريان، الإصلاح في الوطن العربي: بحث في دلالة المفهوم ، موقع شبكة الصحافة غير المنحازة، متوفر على : http://www.voltairenet.org/article129812.html ، (طبع في 31/3/2010)
5- محمد تركي بني سلامة، الإصلاح السياسي دراسة نظرية، موقع شبكة دهشة، متوفر على : http://www.dahsha.com/viewarticle.php?id=30976 ، (طبع في 28/3/2010) .



#محمد_محمود_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المفهوم في التنظير السياسي
- دور الإعلام في التنمية
- حول تفسير ظاهرة الفقر
- العوامل الجغرافية والموقع الاستراتيجي كمحدد للسياسة الخارجية ...
- الهجرة غير الشرعية


المزيد.....




- ألمانيا: حكم قضائي غير مسبوق يقضي بسجن عنصر سابق في جهاز شتا ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي يبلغ نظيره الأمريكي طبيعة الرد على هج ...
- انتشار صورة مضللة لـ-مشاركة الطيران المصري- في حرب السودان.. ...
- سقوط صاروخ على مدينة كرمئيل في شمال إسرائيل
- تفاصيل جديدة عن التحقيق ف استهداف مسيّرة -حزب الله- لقاعدة - ...
- قديروف: نقدر عالي التقدير العلاقة الأخوية التي تربطنا بالممل ...
- مبعوث البابا إلى أوكرانيا الكاردينال دزوبي يصل إلى موسكو
- لبنان.. وصول طائرة تحمل مساعدات إنسانية من الأردن إلى بيروت ...
- صفارات الإنذار تدوي في وسط إسرائيل بعد إطلاق رشقة كبيرة جدا ...
- إطلاق النار العشوائي يودي بأرواح المدنيين في العراق


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد محمود السيد - مفهوم الاصلاح السياسي