محمد عبد كريم
الحوار المتمدن-العدد: 3530 - 2011 / 10 / 29 - 19:01
المحور:
الادب والفن
في طريق هروبي من جزيرة النمطية والقوالب الصماء واجهتني جملة اتهامات لآ تغتفر في نقاط التفتيش الصارمة وأبرزها .... إني لا أحمل الهوية الأدبية والفكرية المقررة والمتعارف عليها ... وبينما كنت أتحاشى النظرات النارية المصوبة نحوي من قبل رئيس النقطة قلت مبرراً ... ((لقد بليت هذه الهوية بالتداول والاستلام والتسليم وأصبحت هشة تتمزق من نفحة ريح ولن تصمد أمام الآتي من الزمن الفظ )) فقابلوني بوجوه واجمة لم أقرأ عليها اثر للاقتناع ... أما الاتهام الثاني فهو إني تطاولت على الأطر اللفظية التي تهب النص بريقاً لايسغنى عنه في أدبنا العربي وأخذت اجري باتجاه الفكر مباشرة وعلى مذهب بحر من الفكر في صحراء من اللفظ وبذلك وكما يقول رئيس نقطة التفتيش بأني أسأت للتأريخ قبل الأدب ... فقلت لهم معتذراً: (( تأريخنا الذي تتكلم عنه بني على البهرج والعنتريات وانتزع الكلمات من ساحة الحرب قبل أن يلتمسها داخل الإنسان فأصبحت ألفاظنا كطبول المعركة صاخبة هادرة لكنها جوفاء خاوية ذهب الدري وبقي الخواء كما أن لغتنا ولاّدة استثنائية للمفردات الرنانة المبهرة وأرض خصبه للتزويق اللفظي الذي يظهر الخطيئة فضيلة والجدب ينبوع صافي والقتل والسلب شجاعة وبطولة
بشبــان يــرون القــتل مــجــداً وشيــبٍ فــي الحـــروب مجربيــــــــــــنا
وعندما أرانا الله سبحانه قدسية الفكر والمعتقد من خلال القرآن الكريم لم نأبه له لا لفترة وجيزة
جداً وبعدها تشبثنا بلفظه دون فكره وأحسنا تجويده دون تطبيقه وعدنا الى نقطة البداية التي لا مفر منها:
... كذي الضنى عاد إلى نكسه .... ورجعنا الى سجع الكهان ومعلقة التغلبي التي باركت الطعن
والقتل وأصبحت نشيدنا الوطني غير الرسمي )) ...
فمطّ مسوؤل النقطة شفتيه ممتعظا ونهرني .. ..( أراك تدين نفسك أكثر بخلق تبريرات واهية )
ثم أشاح بوجه وأغلق الطريق بالعارضة المرورية ثم ابتعد عني باحتقار مخاطباً زملائه :
( دعوه يهذي لوحدة ) ... ولا أخفيكم سرا فلقد بدأت بالهذيان وأخذت اصرخ ..
(كي أكون صادقا يجب أن ابتعد ولو خطوات عن المتعارف عليه الذي يؤطر الواقع بأطر لا تتناسب مع محتوى الذات الحقيقي أي الذات غير المكتسبة ابنة الواقع المحض ابنة الحرب والشظية والطلقة، ابنة الدم والأشلاء، ابنة الكفوف والرؤوس الصغيرة التي انفصلت عن أجسادها وعوالمها وبقيت ترسم علامة استفهام كبيرة .. لماذا وجدت ورحلت بهذه القسوة والسرعة ....؟ ومن المستفيد..؟ الكل يرفع شعار الحق والرحمة والغفران والحرية والأغلب يتاجر بالموت والجثث ونكبات العوائل ... الأغلب الذي يفتعل الحروب ويبني أمجادا على أشلاء وتضحيات الفقراء ثم ينظر الى بقايا حطامهم من فوق وباشمئزاز يأمر حاشيته أن ارفعوا هذه النفايات من أسفل صرحي ثم يختبأ في صومعة ذاته ليناجيها بوله ويصلي لها بحرارة ويلف ذراعيه حول جسده بحنان شفاف وحينما يأتي الآخرون وتقترب الكاميرات ترتفع نفس الذراعين الى أعلى لمخاطبة الرب في صلاة إعلاميه وبتمثيل رائع ومن يرى هذه المتناقضات بعين غير مشوشة سيكون صادقا لأنه سيكون مستفزا والمرء اصدق ما يكون عندما يستفز بل إذا أردت أن تتطلع على خبايا الأخر فما عليك إلا أن تستفزه ولكوني مستفزا سأكون مباشرا رغما عني و سأقول الفكرة و الإحساس ولن اخضع لقوالب تشل الفكر والروح المتمردة فاللبنة الأولى في شخصية الطفل هي التمرد وما عليك كمربي سوى أن تصنع من تمرده تمرد خلاق ولابد للأديب من أن يمر بمرحلة طفولة أدبية فهو سينمو حتما ولكن بتمرده سينمو ببصمات جديدة بعيدة عن النمطية والملل وأرجع لأقول إن سرعة الطلقة والشظية لم يمهلاني لأتدرج وعذرا لعدم الصبر فصرخة الألم رد فعل مباشر غير خاضع للأطر الحضارية المترفة فالثانية التي تعدها الساعة السويسرية هي ليست الثانية في بلدي لذالك بإمكاني الاستغناء عنها وأنا بعيد عن الحضارة واشعر أن نبضات قلبي هي إيقاع الزمن وهي مثلي محبطه لأنها ترسل دماء لجرح نازف وهي كعيون نفطنا وأنهره التي تصب في بحر لا يبعث إلينا غيثه ) .... هز مسؤول التفتيش رأسه يائسا وقال :
( أردت لك مركبا مريحا لكنك أبيت إلا أن تجهد نفسك )
محمد عبد الوائلي / المشخاب
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟