أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مايكل فارس - ملحَمة اللحَظات الأمهَات والأَسوَدُ الضِد















المزيد.....

ملحَمة اللحَظات الأمهَات والأَسوَدُ الضِد


مايكل فارس

الحوار المتمدن-العدد: 3522 - 2011 / 10 / 21 - 04:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حياتنا ما هي إلا لحظات فارقات في تاريخنا الوجداني والعقلي.. فأغلب العمر يمر مرور الكرام، ولكن ثِمة لحظات أمهات تغيِّر مجرى الحياة لأنها تُعيد ميلادنا من جديد.. هي ميلاد لأفكار وقناعات ونهج حياتي قد تكون إيجابية أو سلبية، ولكنها وٌلِدت من رحم إحدي تلك اللحظات الأُمهات.

عندما نتذكَّر الماضي.. لن نذكره بالترتيب من حيث لحظة الميلاد أو الدراسة أو العمل، مرورًا باللحظة التي نُفكر بها الآن، ولن نتذكِّر إيجابياتها من سلبياتها بمعايير معينة.. بل سنتذكَّر منها تلك اللحظات التي كان لها من العمق والأثر ما جعل وجدان الإنسان أو عقلة يثوران ويتمردان على حياته. قد تكون اللحظة الأم هنا هي وجدان الإنسان الذي كَُبِّـل عقله أو العكس، لتكون النتيجة هي تغير في نمط تفكير الإنسان ونظرته للحياة.

وحياتنا ما هي إلا صراع أبدي حتى الممات لن ينتهي.. صراع غير معلَن، لن يراه المجتمع، فهو في عقل الإنسان ووجدانه فقط، وكأن الإنسان أشبه بمياة المحيط تبدو من الظاهر هادئة ولكن أعماقها تحمل من تيارات ودوامات عميقة تجرف في النفس ما تجرف.. تيارات المحيط الغاضب عندما يثور بداخله.. فتلك الثورة لن يراها أحد على السطح، بل كامنة في أعماقه، وستظل حتى انقضاء الدهر.

يتجلَّى الصراع ويحتدم عندما تبدأ الحرب بين "اللحظة الأم" و"الأسود الضِد".. والأسود الضِدُ هو الحزن، اليأس، الكآبة، الوحدة، الاغتراب، ضيق النفس، الألم، الكراهية.. قل ما شئت، كلها جنود سوداء في مملكة "الأسود الضد" الذي يدخل بجيوشه على "لحظة أم إيجابية". واللحظات الأمهات الإيجابيات هي.. الحب كقيمة أو عاطفة، العطاء، السعادة، الأمل، الرجاء، الإرادة والعزيم... قل ما شئت.. فهذه جنود اللحظات الأمهات الإيجابيات التي تتصارع مع ذاك الأسود الضد منذ لحظة الميلاد حتى الممات!!.

أتذكَّر تلك المملكة التي كُنت ملكها!!!.. هي مملكتي وحدي، شيدتها في عقلي.. فبعدما مرت عقود من العمر كانت النفس أشبه ببخار ماء البحار في الشتاء المثلَّج.. هي نفس تلتمس النجاة وكان العقل أشبه بريشة في مهب الريح.. عقل يلتمس الطريق ولا يجده.. قرَّرت منذ ثلاث سنوات أن أضبط النفس وأحكم العقل.

قرابة ثلاث سنوات، وأنا أعِدَّها، وأبني أسوراها، وأُحصِّن قلاعها، أُدرب جنودي وفرساني من هؤلاء اللحظات الأمهات الإيجابيات لتكون حصن الأمان من الأسود الضد الذي يهاجمني من الحين لآخر.. أخذت قرار الحرب؛ قلت لن أنهزم مرة أخرى أمام ذلك الضد، فتكفي تلك السنون التي كان هو سيدًا وأنا العبد.. قرَّرت أن أنتفض انتفاضة جبار البأس، وأخذت أعُدُ في جيشي وأدرِّبه بنفسي.. ألتقي بكل فارسِ منهم على حدة وأعلِّمه فنون القتال.. أتذكَّر تلك اللحظة الأم في وجداني، عندما التقيت وفارس "العطاء"، وسردتُ له ما حدث معي منذ خمس سنوات، وكيف رفض مجتمعي إعطائي شيئًا، حتى الابتسامة كنت أتوسلها منهم.. فقررت أن أتمرَّد على قِـيَـمه، وأعطي من لا يعطيني شيئًا، وبعدها درَّبته كيف يعطي بلا مقابل بل يعطي بلا طلب.. درَّبته على العطاء عندما يشعر فقط بأن الآخر يحتاج لشئ ما.. علَّمته إن لم يجد شيئًا يعطيه للناس فليعطهم ابتسامة.

أتذكَّر لقائي مع "فارس الحب"، وكيف لقَّنته مبادئي، وكيف يحارب "الكرهة الضد".. لن يسعفني الوقت لأتذكَّر كل تلك اللحظات الفارقات.. ولكن كل ما أتذكَّره خلال الثلاث سنوات، وهي سنوات "بناء مملكتي"، أنه عندما كان يجئ أحد فرسان "الضِد"، أرسل له أحد فرساني ليصرعه بعد عِدة جولات عديدة عنيفة تركت في نفسي أحيانًا الخوف على فرساني، لأسألها: هل دُرِّبتم جيدًا..؟ خاصةً وأن بعض الفرسان لازالوا ضعفاء يفوزون بالنهاية، ولكنهم ينتكسون كثيرًا قبل النصر.. فما أريده هو النصر دون انتكاسات.

وذات فَجرِ قاحل، وأنا بمملكتي أنعم بما صنعته من فرسان وقلاع وحصون، أسمع دقات طبول الحرب تخترق أذني.. أخرج لاهثًا وإذ أجد كل جيوش الأسود الضد تحاصر مملكتي من كل الجهات.. جيوش جبارة بأعداد غفيرة، وكأنها قطعت عهدًا على نفسها أن يكون اليوم نهايتي.. أخاطب نفسي والخوف دب أعماق قلبي.. كل الجبهات فُتحت في لحظة واحدة.. لقد كنت أحارب قديمًا فأنا رجل حرب، ولكن كانت المبارزة فارس لفارس في إحدي الجبهات.. وكثيرًا ما كنت أنتكس ولكني بعدها أنتصر. ولكني لم أعتد يومًا على مواجهة كل هؤلاء الأعداء الذين ظلوا متربصين وكأنهم ظلوا سنوات يدرِّبون أنفسهم ليومٍٍ كهذا.. كنت أحارب بإحدي الجبهات لأنتصر وأعود.. ولكن كل جبهات مملكتي فُتحت على مصراعيها في وقت واحد.

في تلك اللحظة، أيقظت كل فرساني، وقلت لهم: "هلموا نُحارب"، ولبوُا النداء. وما أن وقفوا مجتمعين حتى بدأت تتضح موازين القوى.. أعدائي كثروا عليًَ.. يمتطون الخيول الجامحة، ورماحهم وسيوفهم كانت لهيبًا من نار.. أظُنها نار الهاوية.

لتبدأ الحرب. ولحظات فارقات حتى رأيت بعيني الدامية فرساني الشجعان يتساقطون واحدًا تلو الآخر.. إنهم ينهزمون.. لا بل إنهم يهربون بدون سابق إنذار. قرَّر جيشي الهرب بعدما رأى الجيوش العاتية تضرب بقوته ضربًا.. لقد هرب فرساني لأرى بعيني لحظة سقوطي.. وإذ بقلاعي تُدك دكًا، وأعلام مملكتي قد نُكِّـسـت.. أتذكَّر يوم ذهبت بنفسي أضع تلك الأعلام على كل حصن، وكأني قطعت عهدًا ألا تُنَـكَّس طوال حياتي.. كٌنت حالمًا.. وإذ بكل الحصون انهارت من ضرب مجانيق الأعداء.

وإذ بخيولهم الجامحة ورماحهم النارية أمامي يعلنون سقوط مملكتي، ويأخذوني لسجونهم لأظل أسيرًا.. تُغلق الأبواب، ويحل الظلام المدقع واليأس الأبدي.. وأرى الليل الذي كنت أعشقه وأعيشه وأتنفسه كعاشق مجنون، ليتحوَّل في لحظة فارقة أخرى إلى خوفٍ وحزنٍ ويأسٍ. وها هو القمر الذي كنت أنظر إليه كعاشق للحياة يصبح قمرًا أسود يُذكرني بهزيمتي.. أعيش الليل وأنظر القمر، ولكن نظرتي لهم تغيَّرت.. كرهتهم.. أخشاهم.. وها هي الأقدار.. أعيشُ فيما أكرهه وأخشاه!!

وبعينٍ دامية في سجني أناجي فرساني.. أين أنتم يا شجعاني؟! فطالما خضنا الحروب سويًا.. أعلمُ جيدًا أن جيوشًا عاتية هاجمتنا، ولكني على ثقة أنكم ستحلوا أسرى.. وإذ بجندي من جنودي يلهث من وراء القضبان.. كان قد هرب من هول المعركة، وعلم بمكان سجني، يحمل رسالة لي من فرساني تقول: "فرسانك عائدون.. فرسانك قادمون.. فرسانك الآن يتدربون ويستعدون لتحرير مملكتك".. ليفارق الروح بعدها.

لقد دق الأمل بجذوره في أعماقي، وها هي نفسي تُبعث للحياة من جديد.. ولكني أعلم أن الحرب ضارية.. ومتى يكون جيشي علي أهبة الاستعداد للقتال من جديد؟.. لا أعلم. فقد يستغرق الإعداد سنواتِ طوال. ولكني أعلم أن حربًا قاتمة قادمة، وأخشى أن تُزهق روحي فيها للأبد.. فيا فرساني.. "ها أنا في انتظاركم..!!!!!!!"



#مايكل_فارس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مايكل فارس
- أماني الوشاحي المتحدثة الإعلامية باسم أمازيغ مصر في حوار جري ...


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مايكل فارس - ملحَمة اللحَظات الأمهَات والأَسوَدُ الضِد