أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد القرافلي - سؤال الذات وحقيقة الهوية















المزيد.....

سؤال الذات وحقيقة الهوية


محمد القرافلي

الحوار المتمدن-العدد: 3520 - 2011 / 10 / 19 - 21:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يمثل الشريط* حوارا فلسفيا يتمحور حول مفهوم الهوية. ويتميز الفكر الفلسفي عموما بكونه فكرا حواريا ينفتح على الأخر الشبيه أو المختلف، الذي يقاسمنا أفكارنا أو المختلف المعارض. كما أن الحوار الفلسفي لا يهدف إلى نقل معلومات جاهزة أو تكرار أفكار متداولة أو إصدار أحكام مجانية وبدون سند نظري بل يتوخى إعادة النظر في مصادر تلك الأفكار وشروط تشكلها ويقصد النظر في بنية العقل الحامل لها وفي أبعادها ودلالاتها. لذلك يشترط في الحوار الفلسفي أن يكون تفاعلا نفسيا وفكريا وأخلاقيا وان تحكمه ضوابط فكرية منها التهيؤ الفكري للحوار والإلمام بموضوع الحوار ومجالاته والاهم من ذلك الالتزام بالأخلاق الفكرية من حسن إصغاء للآخر واحترام لموقفه ومن التزام بآداب الاعتراض. ولعل المشاهد للحوار المعروض يستشعر ويرى ويدرك قيمة الجهد المبذول من طرفي الحوار، المتحاور(اليزماغو Elise Marrou) والمحاور(رفائيل انتهوفن Raphael Enthoven)* بالخصوص الذي حرص على خلق فضاء يتلاءم وموضوع الحوار ويتجلى ذلك الجهد في إلمامه بأفكار محاوره وطروحاته وكذا إعداده لمختلف السندات والوسائط الممكن توظيفها قصد تعميق الحوار وتفعيله ، ويظهر ذلك العتاد من خلال الانطلاق من الحياة اليومية، وفي المتن الفلسفي الذي يتم استحضاره، وفي اللوحات الفنية والأشرطة الموظفة... مما أضفى على الحوار عناصر الإثارة والتشويق ونأى به عن التكرار والابتذال والسطحية والمشادات الصبيانية التي تعج بها البرامج الحوارية في القنوات العربية.
في حياتنا اليومية يحيل كل واحد منا في أحاديثه اليومية إلى ذاته باستمرار ويرد الكثير من أفعاله وتصرفاته إلى ذاته، فمثلا حينما يتكلم في الهاتف ويسأله مخاطبه من تكون يرد أنا، فما عساه يكون هذا الأنا؟ ومن عساه يكون هذا الأنا؟ وهل توجد هوية تابثة للشخص يمكن الإحالة إليها باستمرار؟ وهل هي واحدة أم متعددة؟ حينما يصفك البعض بأنك مدرس الفلسفة وصاحب سيارة نوع x وتحب كرة القدم هل يكفي ذلك لتحديد هوية الشخص المعني. هل يختزل الشخص في مجموع الخصوصيات المتعارف عليها والمتداولة أم أن الشخص يظل يحس بوجود قصور في تحديد هويته خاصة من قبل الأخر؟ تحمل هوية الشخص مفارقة عميقة وغريبة يمكن التعبير عنها في مقولة الفيلسوف الألماني فريدريك نتشه(1844-1900)" إني أشبه كل الأشخاص وأشبه البعض منهم ولا أشبه أحدا". عبر مراحل الحياة نراكم سلسلة من " الايتيكيتات بدءا من دفتر الحالة المدنية ومرور ببطاقة التلقيح والدفتر المدرسي وبطاقة الغياب وحسن السيرة وبطاقة الهوية وجواز السفر ورخصة السياقة وانتهاء بشهادة الوفاة فكيف يمكن العثور على الهوية الشخصية وسط هذا الكم وعبر مختلف مراحل العمر وهل بإمكاننا القول انه خلف هذه الكثرة ووراء ذلك التنوع يظل الشخص نفس الشخص؟ يظهر أن الهوية الشخصية هوية اجتماعية وان الشخص مرغم على الانطباع والتكيف مع الآلة الاجتماعية التي تجبره على تغيير الأقنعة وعلى تقمص مختلف الأدوار والتي تتغير بتغير الظروف والأحوال،وان الشخص مطالب في كل لحظة لا ضرورة التلاؤم مع الدور الموكل إليه فحسب بل التفنن والإخلاص في تأديته. لذات السبب ينتقد اغلب الفلاسفة هذه الهوية المصطنعة وينعتها المفكر الفرنسي ميشيل فوكو(192661984) ب"أخلاق الحالة المدنية" لأنها تؤدي إلى ضياع هوية الشخص وتفقده أصالته وتميزه وتطوق وجوده وتفرغه من طاقاته وإمكاناته الإبداعية . إذا كان اختزال الهوية في المعطيات الاجتماعية يؤدي إلى تفتيت الهوية وتشظيها فان المحاولات التي يتم الارتكاز عليها اليوم والتي هي نتاج الطفرات التي تحصل في مجال العلوم في البيولوجيا وعلوم الوراثة أو ما يمكن الاصطلاح عليه "بالبيومتريات "، تؤكد أن لكل فرد بصمته الخاصة وشفرته الجينية الفريدة والمتميزة والتي يستحيل نسخها أو مسخها أو التلاعب بها. والسؤال الذي يفرض ذاته ألا تؤدي البيومتريات إلى اختزال الهوية الشخصية في نزعة طبيعانية تجرده من كل مقوماته الإنسانية من مقومات نفسية وفكرية وأخلاقية وتحوله إلى مجرد رقم تائه في شبكة الحقول الرقمية والى رقم سري تتحكم فيه أجهزة الرصد وتخضعه للرقابة والوصاية مثلما يحصل اليوم في الطفرة الرقمية ومثلما يمارس اليوم في عالم السياسة وداخل اللعبة الانتخابية حيث تحول إلى صوت والى مجرد رقم !
الحقيقة أننا نتغير باستمرار ويشكل التغير جوهر هويتنا، يصيب أبنية أجسادنا وصورتها وشكلها ويطال بنى أحاسيسنا ومشاعرنا ويعيد صياغة منظوراتنا وأفاق أوهامنا وأحلامنا أو بلغة هايدغر(1976-1889) يطال علاقتنا بالعالم. وبالتالي فان كل محاولة للامساك بالذات وبالهوية الشخصية توقع تلك الذات في مآزق انطولوجية وميتافيزيقية، وتجسد أسطورة اونارسيس تلك العلاقة بوضوح، حيث يحاول اونارسيس أن يوقف الصيرورة والزمن ويتماهى مع تلك الذات العميقة والحقيقية والفناء في تلك الهوية وتأبيدها. يمثل هم انتشال الهوية الشخصية من كل ما يهددها سواء من داخل الذات من نزوعات بهيمية وانفعالات ورغبات جشعة أو من مصادر التزييف التي تخترقها من خارج الذات من المحيط والمجتمع ومن مختلف منابر الضبط والتوجيه والرقابة هما أرق الفلاسفة خاصة، ويجسد فيلم "المدينة المظلمة" dark city" ذلك بوضوح، وهو فيلم استرالي لمخرجه "الكس بروياس"Alex proyas" يحكي الفيلم قصة شخص يستيقظ فجأة ليلا ليجد نفسه قد فقد ذاكرته وليكتشف وحده حقيقة الوهم والخداع الذي يتخبط وسطه ساكنة المدينة والتي يمكن تشبيهها بلعبة الأقنعة حيث يتم تبادل الأدوار وان ثمة وراء ذلك السيرك أيادي خفية تتحكم في مصير الساكنة وقدرهم بحيث يبيت الواحد منهم فقيرا ويصبح غنيا ولا احد يدرك كيف تم ذلك ومتى حصل، أو يفطن للكيفيات التي يتم بواسطتها مسخ الذاكرة ومحوها وتزييف للتاريخ والحقيقة وطمس لمعالم الهوية. ووحده جون مردوك بطل الفيلم الفاقد للذاكرة سيتمكن من فك لغز التزييف الممارس من خلال إعادة بناء للهوية والذاكرة بتعقب بصماتها وأثارها وإعادة بناء علاقتها بالزمن. لقد سبق للفيلسوف الانجليزي جون لوك(1632-1704) أن ربط الهوية الشخصية بالوعي بالذات المقترن بالذاكرة، إلا أن هذه الأخيرة لا تكفي لتحديد الهوية بحكم أسباب القصور التي تصيب الذاكرة من تحريف ونسيان أو نتيجة المرض كفقدان الذاكرة بسبب الإصابة في الدماغ.
يتبين مما سلف أن سؤال الهوية يظل راهنيا ويحمل خلفه إرثا تاريخيا وثقافيا ويشكل عبئا فلسفيا لا يزال يجثم على كل ناظر ينشد الحقيقة منذ ان دفع سقراط ضريبة تقفي اثر تلك الهوية بقوله "يا أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك" والفكر الفلسفي ما يفتآ يعيد مساءلة تلك الهوية خاصة في ظل التحولات الاجتماعية والسياسية التي نعرفها اليوم وما يشهده عالمنا العربي من تصاعد لمختلف النعرات الطائفية والمذهبية والعصبيات العرقية والقبلية والدموية. وحده الوعي النقدي المسلح بالوعي التاريخي كفيل بإعادة بناء للهوية الشخصية فردية كانت أو جماعية او حضارية أو إنسانية.

*انظرالحوارالفلسفي الذي حاولنا نقل مضمونه بتصرف على الرابط: http://www.arte.tv/fr/2235076,CmC=2544276.html
*يعتبر رفائيل انتهوفن احد منشطي القناة الفرنسية الألمانية arte حيث يسهر على إعداد البرنامج الحواري" فلسفة" الذي يعنى بتناول القضايا والمفاهيم الفلسفية الراهنة، والحلقة التي حاولنا الاقتراب منها مخصصة لمفهوم الهويةidentité " أما محاورته في هذه الحلقة فهي اليز ماغو فيلسوفة فرنسية مبرزة في الفلسفة وتهتم بفلسفة اللغة وبالفيلسوف النمساوي فتجنشطاين.



#محمد_القرافلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعاليم الموتى
- شذرات من حطام الكائن3-بين سياسة الاقتراض ومالات التفسخ والان ...
- شذرات من حطام الكائن 2- قصة الخليقة
- شذرات من حطام الكائن
- حول البؤس السياسي
- الفية المغرب الثالثة بين سياسة الصبار وسياسة الزيتون
- من وحي الربيع العربي تاملات في دلالة الحدث ورهاناته 2 رهانات ...
- من وحي الربيع العربي تاملات في دلالة الحدث ورمزيته


المزيد.....




- رئيسة جامعة كولومبيا توجه -رسالة- إلى الطلاب المعتصمين
- أردوغان يشعل جدلا بتدوينة عن بغداد وما وصفها به خلال زيارته ...
- البرازيل تعلن مقتل أو فقدان 4 من مواطنيها المرتزقة في أوكران ...
- مباشر: 200 يوم على حرب بلا هوادة بين إسرائيل وحماس في غزة
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بأغلبية ساحقة مشروع قانون مساعدات ل ...
- محكمة بريطانية تنظر في طعن يتعلق بتصدير الأسلحة لإسرائيل
- بعد 200 يوم.. تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إخراج حماس من غزة ...
- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد القرافلي - سؤال الذات وحقيقة الهوية