ممدوح عواد
الحوار المتمدن-العدد: 3520 - 2011 / 10 / 19 - 20:20
المحور:
الادب والفن
بائع الورد
جلس منهكاً علي حافة الميدان الحجرية الشمس تعانق الأرض بعيداً خلف البنايات الشاهقة والزحام والضجيج الكثيرمدوياً لكنه كالزبد في عينيه المجهدة التي لا ترى أحداً
مر النهار ولم يجمع الصبي قوته وعقود الفل حول عنقه تصرخ من العطش ومن الوجع.. هناك في المنتصف تحت الشجرة المورقة يري صبية تأتي تحمل بعض الماء كانت ترتدي السواد كأنها غروب يشي بقدوم الليل الحزين لكن الصبى يجئر في ملامحها فيبين يناعتها الحبيسة في الوجه الحزين ..الصبي يتفحصها وهي تجلس ممدده علي العشب كأنثي الأيل ناعمة ناهدة الصدر والعنق والوجه المستدير متلعان كأنهما منتظران بزوغ القمر.. يميل عليها يسألها سيدتي أراك هنا وحدك دائماً تروين تلك الشجرة وتغيبين كانت كأنها تنتظره أن يبادرها بالكلام قالت وأنت أراك دوما هنا تبيع نفس البضاعة للقادمين من الصحراء وأخشي عليك أن تبور مع بضاعتك اليانعة أن تتسرسب مفلساً كعمر بضاعتك القصير.. يرد علي تعجبها بسوال سيدتي لا أجيد سوي تلك الصنعة أين ذهب العاشقون ماعاد أحد هنا يشاطرني حب الورود ؟هنا علي جانب النهر كنت أبيع الفل والياسمين كل يوم فأملأ جعبتي بالزبد والخبز وأطعم أهلي الأن لم يبق لي سوي جوعي أوتعلمين كنت أعلم من سيشتري مني كنت أشاركهم حبهم كنت أضحك من خجلهم كنت أجمع الورد من خدود الصبايا وانثر الندي فوق شفاههن وهن يخفين أشواقهن في وصال المحبين كنت أستدفئ في الشتاء بالأقتراب من نار الحلقة الضيقة بين عاشقين أضرم الحب بينهما جحيم الهوي كنت سيدتي أشاركهم القبلات والأغاني والأشعار وأرقص حولهم وأزرع من ورودي بساتينا لمهجتهم فيحطون عليها كالفراش أزواجا كانو يعرفوني بعطري وأعرفهم برائحة الشبق العشقي الذي يعلو كالبخار من مراجل أجسادهم الفتيه ماذا تغير ماعدت أدرك قالت لو تعلمين قالت الصحراء أتت هنا تركت أينائها وتغلغلت في نفوس العابرين والصحراء لا تعرف الياسمين ولا تشتري الورود الصحراء يابائع الورد تجفف الماء من الزروع تيبس الرؤس علي الموروث لتنظر حولك هذا الأصفر القمئ حولنا يهاجم خضارنا يخنق غضارنا ويملأ أجوائنا اليانعة بالغبار وأبناء الصحراء فرسان الرمال لا يشترون سوي السيوف نشأو علي الغزو والسلب ولا يؤمنون بالمزارع والحقول أبناء الصحراء يتكاثرون كالفئران ويأكلون الأخضر واليابس من بقايا حقولنا النازفه يحبون اللحم والنساء ويجيدون الذبح والسلخ ويئدون البنات فإن شئت فشاركهم كي تعيش قال سيدتي مازال لدي أمل أن نهزمهم فكيف وأنت في هذا الصبا تحملين كل ذاك اليأس قالت أوتدري ماذا أروي هنا كل مساء ولما آتي هنا وتحت تلك الشجرة ؟آتي هنا لأقابل بعض أبي فقد روى دمه تلك الأرض في ليلة من ليالي الوطن قدم دمه راضيا ليفدينا من القهر مازلت أرى دمه في عروق تلك الشجرة وكأنه أبقي منه شيئاً قادراً علي البقاء أوتدري؟كثيراً ألومه وألوم نفسي لماذا غادرت حجره وتركته يخوض تلك المعركة النماء في مواجهة الذبول الأمل الأخضر في مواجهة الصحراء الغول الصحراء ياصديقي ماتركت لنا خيارا تحتل عشبنا كل يوم وتكسب أرضاً جديده واللذين تخلو عن الحياة وإختفو في خيامهم السماوية وتحت عماماتهم البيضاء والسوداء وتركو أبي يموت هنا يعودون الأن يحملون الجنازير يستضعفونا ويريدون كأجدادهم غزونا وسبي نسائنا وأستحلال خيرنا أولئك من لا يظهرون إلا علي المنهكين من القتال قراصنه الدماء والثورات والأوطان أوعلمت الآن يابائع الورد لماذا تجوع لماذا بارت بضاعتك لأن الصحراء لا تعرف الموسيقي ولا الغناء الصحراء تهاجمنا بضراوة الجراد وفرساننا جرحي أو شهداء يلتفت للمدي ويداعب العشب الأخضر بينهما ويقول صديقتي لا تخافي مازال هناك أمل لابد أن ينتصر الحلم صديقتي النهر بجانبك مازال يحمل الطمي للصحراء يهزمها كل صبح ومازالت الليالي قادرة علي العزف والعشاق والثوار والأحرار قادرون علي حرث الأرض وزرع الحقل وروي البساتين لا تبتأسي ياصبية الأرض السمراء فقدر حلمنا هو البقاء .والنصر في معركتنا هو خيارنا الوحيد يضع حول عنقها المشرئب عقدا من الياسمين فيزداد المساء أثيرا وتبسم عيناها تمد يدها في كيس نقودها لتعطيه مالاً. يسارع ويمد يده ليمنعها كلا صديقتي وهبت الياسمين الحياه وهبت الياسمين الري لما مس جيدك فلا تعطيني شيئاً تتلامس الراحتان في عفوية الغروب تترك يدها الوادعة بين كفيه كيمامة أتعبها الهروب من بنادق الصياد ينظر في عينيها العميقتين ويغني للهوي أغنية العاشقين يكاد يغيب من لذة السكر فتفيقه يدُ غليظة تدفعه بعيداً ينظر فيري قدمين متسختين في النعال وفوقهما ثياب قصيرة تحوي رجلاً سمينا تختفي رأسه تحت بطنه الكبيرة ينهره ويسبه ويقوم من سقوطه بعيدا ليرى الرجل بوجهه المكفهر بهدده ويعده بالويل والثبور ويبشره بالجحيم المستطير يصرخ فيهما أيها الفاسقون أني لكم الغناء الحرام يتحلق المارة حولهم يقذفونهم بالضلال ويخلع الرجل البدين خزامه الجلدي ويدعوهم للأمساك بهما لينفذ فيهما عقوبة الصحراء ... بين أرتعاش الصبية الهستيري تصرخ أخبرتك الصحراء تجلدنا الصحراء تنصب المقصلة للأحلام تذبح الحب وتقتل العشاق الصحراء لا تعرف الغناء يصرخ الصبي المربوط علي الشجرة أيها البلهاء لن تقتلو لحني يواصل الغناء رغم القيد وبينما يحاول المهووس بالحقد جلده يمسك شاب يده ويهم آخر بفك قيوده يدفعه خارج الحلقة التي تدور فيها معركة بين الأصفر الرملي والأخطر العشبي يصطحت الفتاة بعيدا نحو النهر يمد يده لها فتحتضن كفه براحتها يبتعدان وهما يتشاركان الغناء والورود والأمل العنيد...
ممدوح عواد
19/10/2011
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟