أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - مجدي عطية موسى - القضية الفلسطينية















المزيد.....



القضية الفلسطينية


مجدي عطية موسى

الحوار المتمدن-العدد: 3493 - 2011 / 9 / 21 - 18:58
المحور: القضية الفلسطينية
    


القضية الفلسطينية بثوبها الجديد.. في الزمان الجديد
من المسلّـم به في القانون الطبيعي والمتفق عليه في كل القوانين والأعراف الشرعية والأخلاقية الدنيوية منها قبل الإلآهية، أن كل إنسان تتعـرّض كرامته للإنتقاص والمهانة، يحق له الردّ بكل ما أوتي من قوة يقدر عليها ويقتدر، ذلك ليستعيد ولو حتى الحد الأدنى من كرامته، حيثُ أنه "لا كرامة إلا بالثأر". أو أنه يصمد بثبات الحق فيه حتى الحتف وألا تهون عليه قيمه الإنسانية، ليتجلى ها هنا "الموت بكرامة".
على الأقل، قصدي هنا يشير للعقلاء الحكماء من بني البشر، من لم يصابوا بعد بوباء التبلّد الـ"ستوكهولم سندروم"، وهنا أنا لـن أتكلّم بلسان ذو رحيق ديني مثخن بالأخلاق ينطلق بمبادئه من أسس متينة تضمن الحقوق وتحفظ للإنسان أياً كان كرامته، لا بل سأنطلق بتحليلي هذا كـ"شاهد من أهله" لِئَلا يؤول المؤولون ما ليس لي به أيّ رابط وصلات أنا والقضية النقية صدقاً بغنىً عنها. فالتساؤل الذي يكبُر ليفـرض نفسه بعد طرح هذه الحروف المخاطبة كل ضمير حي على وجه البسيطة، يأبى إلا أن يكون شوكةً في ضمير المتخاذلين الرجعيين، هو: ما الحل، وماذا تنتظر البشرية من شعب قيمه بالدرجة الأولى "الدين والأرض والعرض"، فأصبح بدفاعه عنها مذنب - مـرتكب لجريمة لا تغتفر!! مقابل الشعب الآخر (الدخيل) الذي أصبح بدون أي مقدمات صاحب الحق في هذه البلاد، لينقلب المنطق فجأة وتصبح الضحية الجلاد والجلاد الضحية، مشوّهاً بذلك كل صور الشعب الفلسطيني الحقيقية بالأفكار المغلطة (السلبية) المدسوسة من العباقرة الصهيونيين، العنصريين، الحاقدين والمنتـفعين!؟ أما أحوال الإجابة على سؤالٍ كهذا وبهذه الحساسية البنفسجية بفلسطنتها، فـيتألق ميزان الذهب الفلسطيني "محمود درويش" ليجيب بتحدي الردّ، بقلمه المنثور على جزء من السؤال، فيقول: "إن الزمن ـ بشكل مطلق ـ قادر على تغيير معاني الحقوق، ولكن الزمن الصهيوني هو زمن العنف، والعنف لا يمنح حقاً. ولكنه قد يساعد على تكريس الإثم إلى أن تتغير موازين العنف في الصراع فتتعرى الظاهرة الصهيونية من دعواها ويسقط غبار الدعاية عن جوهرها السافر" . وكعادته، يترك جزء من النص (الإجابة) مفقود ليكمله شاعر أو ناثر أو فلسطينيٌّ آخر..
إن هذه الحروف بكل معناها ومعاناتها تصف حقاً ما حلّ بشعبنا العـربيّ الفلسطيني (البرئ من دمه ودم يعقوب)، ذو الجذور التاريخية التي تربطه بهذه الأرض المقدّسة، والتي لم ولـن يستطيع أحد إنكارُها حتى وإن جارت الدنيا هنيهة، بل إن أبواب الجرأة تـفتّحت حتى لدى الإسرائيليين أنفسهم، فها هو الأديب والمؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند يطرح الآن فكرة الحقيقة في كتاب، لـيربك ويـزلـزل بسطوره كيان عقود من "الكذب والافتراء"، وينصح الأول في نهاية كتابه بالاتجاه الفعلي نحو حل عادل لهذه القضية المنهكة، " فإذا كان ماضي الأمة اليهودية في أساسه وجوهره "حلم" يقول، فَلِمَ لا نبدأ بالحلم في مستقبلها الجديد، ولمَ لا نعمل بجد وحذَر كي لا يتحول هذا الحلم إلى كابوس مفزع في يوم من الأيام..؟" هـو الذي كـان قد طـرح في كـتابه الفكرة الكفـيلة بتـفنيد تلك الحكاية الخرافية عن ما يسمى بـِ" الشعب اليهودي" وأحقيته في أرض فلسطين الموعودة (وعداً دينياً تاريخياً) الذي أشبه ما يكون بكيد النساء في "الحمل الكذب"، ويؤكد على ذلك بالعديد من الأحداث الواقعية التاريخية والمعاصرة التي تتضح فيها الفكرة الرئيسية في كتابه ذاك.
بدأ مسلسل القضية "2" بالعرض، وبإعلانات من نوعٍ آخر..
ما كان مُـقَـدّراً لفلسطين القضية بشعبها وأرضها، هو أن تُـترك عليها ندبة ألم في الذاكرة والقلب معاً، فلم يكن أمامها إلا أن تتلقى ببراءة نتائج عقود ماضية من السيزون الصهيوني – الصهيوني الذي انتهى بعد أن كان على شفا حفر النسيان بتعبئة هذه الفصائل الصهيونية (تعبئة عسكرية ونفسية عنصرية بتنظيم وتدريب متفوق) في جيش واحد قاتل بحقد وشراسة في حرب إل48 وخرج بنصر كبير أخذهم في سماء العنصرية فوق العنصرية في دولة على 78% من أراضي فلسطين، بينما كان العرب قد أخذوا في غرغرات التراب تحت التراب. فـتخبّطنا إرهاصاً نعيشه حتى اللحظة لهذه المرحلة – ما قبلها - وما في ثناياها - وفيما بعد بها وبنتائجها، متمثل جزئياً بتقسيم العرب إلى قسمان: قسم تمّ زرعه بعد الحرب العالمية من قبل الغرب، والآخر لم يزرع، وإنما تمّ إلحاقه بالمعسكر الغربي لاحقاً باتفاقيات كـَ كامب ديفيد وأمثالها من الصفقات الغر_عربية، فـتخلخل لديهم بقايا الفكر وتكـرّست فيهم خربطة الثقافة بين الماضي البطولي والحاضر المجهول – الواقعي والمثالي– الصحيح والخاطئ..
هذا ما قُـدّر نعم، ولكنه بالطبع لن يلقي بكاهل المسؤولية عن الجيوش العربية وحكامها المهزلة – مهندسي سياسة المهزلة، ويقول مؤكداً في هذا السياق د. محمود عباس (أبو مازن) تحت عنوان الجهل.. والتجهيل: "منذ أن قامت دولة إسرائيل على أرضنا الفلسطينية والدول العربية تضع رأسها في الرمال مؤكدة أن دولة إسرائيل (دولة مزعومة) لا أساس لوجودها، وإن احتلت بعض العصابات شُـذّاذ الآفاق أرضنا، فإن دولنا العربية ستحاربها ولكن في الوقت المناسب. وإلى أن يحين هذا الوقت المناسب، فرضت الدول العربية تعتيمها على دولة إسرائيل وأغمضت العيون عما يجري أمامها، حتى جهلنا أبسط الحقائق عن العدو المتربص بنا. وهكذا تعرض شعبنا إلى حملة ضارية قوامها الجهل والتجهيل تفرض علينا.." . إذن، فهكذا بدأنا نبحث عن فلسطين.. وهكذا أيضاً، كانت القضية قد بدأت تتجلى في التطبيق المشهود والمشؤوم لسلسلة من هذه الجملة الجزئية بمفهومها "هوت القضية إلى مستوى التخاذل مقابل التخاذل قيادياً"، فالسؤال الذي ما فتئ يُـطرح على الساحة هو: ما بيـن الخير والشر في الفكر والعمل، هل يوجد مساحة كافية لإثبات النوايا الحسنة من نقيضها..؟ هذا التساؤل كفيل بإجابته أن يفسّر لنا حال رجال القضية (بالمفهوم المتعدد) منذ بلورتها كَـقَضيّة حتى اللحظة.
مـن بين ثنايا الاتجاه الصحيح لمسار القضية الفلسطينية نجد خطاب للسيد أحمد الشقيري، ألقاه في المؤتمر الأول للمجلس الوطني الفلسطيني في القدس بتاريخ 28/أيار/1964، ويقول فيه: "إن قضية فلسطين ليس لها حل سياسي أو دبلوماسي وليس لها حل في الأمم المتحدة ولا في المحافل الدولية الأخرى، إن قضية فلسطين لا تحل إلا في فلسطين ولا تحل في فلسطين إلا بالكفاح والسلاح، ولا تحل في فلسطين إلا بتعبئة الأمة حكومات وشعوباً، وفي مقدمتها شعب فلسطين" . هذا الخطاب بعناصره المحددة والأكثر خِـفية على أرض الواقع (عناصر القضية الفلسطينية منذ تبلورها كـقضية في خضمّ ميزات الفكر السياسي الوطني الفلسطيني الذي امتازت به في الفترة ما بين 1949 وبداية الخمسينات حتى 1967 وهي: 1- استقلالية القرار السياسي الفلسطيني عن القطرية العربية وحكوماتها الرجعية المعادية لتطلعات الشعب الفلسطيني، وغير العربية ممثلة بالمعسكرات المتصارعة على مصالحها، وتمثيل هذا القرار بـِ م. ت. ف كممثـل شرعي ووحيد له، على أن يبقى هذا الكيان ذو فكر سياسي ثوري مطالباً بتصفية الصهيونية بالكفاح المسلّح. 2- تعبئة الشارع العربي الفلسطيني ثقافياً قبل العسكرياً، كمعرفته للعدو معرفة علمية مبنية على البحث العلمي، ومتابعة شؤونه المجتمعية والسياسية واتجاهات التفكير لديه ومشاريعه التوسعية والعدوانية. 3- ضرورة التحالف مع حركات التحرر العربية والعالمية الأخرى بدلاً من الرضوخ لهيمنة قوى الاستعمار والإمبريالية)، فـهذا الخطاب الذي يلقيه أحد أبرز شخصيات النخبة الفلسطينية في فترة معينة من مراحل القضية الفلسطينية وأحدهم في فترات أخرى لاحقة في الفكر السياسي الفلسطيني، بغض النظر إن كان الشقيري يعبّر عن رؤيته الحقيقية أم رؤية غيره من الحركات أو الزعامات القومية حينها، أم أنها تطريته المعهودة لما يتعلق ببدء مرحلة جديدة في إدارة دفّات القضية بصراعها ذو المستقبل المجهول.. فإن ما يبرزه الخطاب وتحكم به الظروف المرحلية من واقعية في التفكير لدى القيادة الفلسـطينية قد كـان في مرحلة كانت، أو تكاد تكون فيها (حالياً) إمكانية دمج بعض العناصر المتداخلة في الخطاب بصورة متكاملة إيجابية "شبه مستحيلة"، لأسباب عديدة نذكر منها ما يوجع أكثر:
التفكك العربي - العربي المتمثل في القطرية العربية التي أنتجها الاستعمار ليضمن بقاء العالم العربي تبعياً إلى أبعد الحدود، تحكمه سلطة النفوذ بسبب جهله وخوفه بالتالي ضعفه، وبسبب فقدانه لوعيه النقديّ الضديّ من الناحية الثقافية وغيرها من النواحي التي يصفها إدوارد سعيد في كتابه الإستشراق، فيقول: "الإستشراق بلاغياً هو الاشتغال بتخصيص الأشياء الشرقية بدقة، وتقسيمها إلى أجزاء تسهل السيطرة عليها. والإستشراق نفسياً هو شكل من أشكال العصاب الوهمي (بارانويا)". فالعرب غير بعيدون إذن عن هذا الوصف الإدواردي الإستشراقي والدليل مجيء القطرية العـربية بدور الرجعية فيها لتطبق السياسة الغربية بنفس الأيادي العربية، كأنهم المقصود فيهم قول الله تعالى في محكم تنزيله القائل: "يهدمون بيوتهم بأيديهم"، متجاهلين بكل تبجح تلك المقولة التي تقول في الخوف: "المنطق لا يؤدي دائماً إلى الصواب" إن كان هذا المنطق من وجهة نظرهم هو الغرب، أو ربما لجهلهم المدقع بأسطورة القرود!!
بالإضافة إلى ما سبق من سبب، فإن دخول العرب بقـطريتهم في مرحلة التحرر وبناء الأوطان تعارض بشكل جارح مع أي محاولة جدية من الطرف المستتر لتحقيق المطلب الفلسطيني من مقاومة أو بناء قاعدة انطلاق فورية تهدف لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، هذا السبب ساهم بشكل أو بآخر في تقويض أهم الدعامات التي يقوم عليها صرح المقاومة الفدائية وتناقضها مع هذه المرحلة ترجم مثلها الأبرز على الأرض باسم لا ينسى "أيلول الأسود".
وصولاً بأسباب القضية للقوة الفتاكة التي تمتّعت بها آلة السيطرة الصهيونية، خصوصاً وابتداءً من بعد النصر الكبير الذي حظيت به في حرب إل48، وهي التي لطالما كانت وما زالت تقف عائقاً أساسياً أمام المقاومة العربية – الفلسطينية بوجود هذا الكيان الوظيفي كما حدده المفكر العربي عبد الوهاب المسيري، وكما وصفه مفكر الصهيونية الأبرز ثيودور هـرتزل ومن بعده القائد القومي العربي عبد الناصر بـِ (agent بكيان مستقل ذو المصالح والخطط والإستراتيجيات المشتركة والمستقلة) وغيرهم ممن وصفها بـِ (الدولة الحاجزة) التي تكفل للقوى الغربية عملية بقاء العالم العربي رجعياً ذو أوصال متـفتـفتـة بنتيجة ذات حدين: الأمان للكيان الصهيوني، فـمن اللآخلاف عليه أن ضمان بقاء إسرائيل هو أن يكون ما حولها ضعيفاً وهو بذاته ضمان للكيان الغـربي، أما الحد الثاني للنتيجة فهو الضياع للوحدة العربية وللحلم الفلسطيني المأمول.. وهذا ما رمت إليه السياسة الغربية دائماً عن طريق تقوية وتقوية وحماية هذا البلدوزر الآدميّ.
إذن، فأحجار الدومينو الـرئيسية التي حددتها العقلية الوطنية قبل أن تحددها الظروف المرحلية في خطاب الشقيري، عهدناها تسقط واحد تلوَ الآخر، فتقـزّمت الأحلام وهبط سقف المطالب الوطنية الفلسطينية إلى حد غير متوقّع..
بدءاً ومن أول الحكاية بأوهام التحـرير المعتمدة بالأساس الأوليّ على الجيوش العربية الرجعية كعنصر أول، والتي أطلق عليها أفضل مثل عربي بهذا الخصوص "ماكو أوامر" ، وقد سقط هذا الوهم مرة أخرى على أرض الواقع (بوجود الأوامر هذه المرة) بعد حرب إل67 جراء الهزيمة النكراء التي منيَت بها هذه الجيوش. في هذه الفترة أيضاً، من الجدير بالذكر أنّ الرسمية التي كلّف بها السيد أحمد الشقيري كانت قد سقطت أيضاً وتخلخلت معها الثوابت لتتـقزم وتبدأ في المرحلة الأولى داخل سرداب سلام الظلام التي بدأ بها فكرياً محمود عباس بمفارقة الفكر الذي احتواه بين السطور، أما العنصر الثانوي الذي كان قد سقط تلقائياً بعد هـزيمة إل67 هو وهم التحرير للفدائيين العرب والفلسطينيين، فبعد أن انتقلت القومية العـربية إلى الوطنية الفلسطينية بقرارها الفلسطيني المنعزل والمستقل وباعتمادها على الذات فقط في تحرير فلسطين، كانت بذلك قد وقعت القيادة في شرك صهيوني غربي مزدوج هدفه الرئيسي تقويض متتالِ للقضية الفلسطينية وتغلغل متزايد في قلب الأمة العربية التي كانت يوماً ما واحدة ويوماً ما أمة. وقد تعزز سقوط هذا الوهم بالتحديد بعد الاجتياح الإسرائيلي للجنوب اللبناني في 1982 بهدف استئصال شأفة المقاومة فيها، وبالفعل خرجت المقاومة حينها من لبنان بعد حصارها الدامي في بيروت إلى اللآعودة.
ما أن نصل لأوهام السلام في الفكر والواقع والنقاش، إلا وسرعان ما نسمع همساً بالعتاب في كل أرجاء الضمير، ونشعر بالغصة توجع قلوبنا ونتوجع بها لنصبح لوامون شيعاً لفلسطين الضحية نقول لها: عذراً فلسطين، فالألم شيءٌ جيد. هذه المرحلة لم تثبت جدارتها من أول تجـربة عصفت بها، فسقطت كغيرها من الأوهام بفروعها المختلفة: وهم إسرائيل – وهم العرب – وهم العالم الذي سقط بدوره بالتحالف مع المعسكر الشرقيّ الخاسر، تكررت هذه التجارب المراهن عليها وكانت قد سقطت كمثيلتها السابقة، فشهدها العربي قبل الفلسطيني.. الأمرّ من هذا كله، أننا نظل ندور في نفس الدائرة بدون أدنى جهد منا للتحوّل في مسارنا نحو المركز، فلو تعلمنا من أخطائنا لما كنا حالياً وبعد عقود من سقوط هذه الأوهام ندور في نفس الدائرة تائهين فيها كمن ليس له ماضي يستند عليه فـيتعثّر بكل خطوة يتخذها للأمام. إذن، فنحن لسنا ببعيدين عن الواقع المرير الذي يبيّن كيف أن القضية الفلسطينية بشعبها الأعزل، كانت ولا زالت الضحية الأولى لهذه الآلة السياسية والعسكرية الصهيونية، ولتلك القطرية العربية الممزوجة بالسياسية الغربية الميكافيللية، وأخيراً ضحايا لأنفسنا نحن!!
هذا على الأقل مما تعلّمناه في التحاليل السياسية كطلاب مخلصين للحقيقة، باحثين عنها أينما كانت، نتطرق للجوهر بظروفه المحيطة في عملية كاملة متوازنة لا يطغى أحدهما على الآخر، ولا يستثنى طرف من دون آخر، تعتمد بالدرجة الأولى على العـقل بالتفكير وليس على مصلحة اللسان باللغو والتبرير، ولعل أبرز مثال تاريخي يثبت ذلك، ما شَهِدناه من عقول آمنت بالخلاف وليس بالإختلاف أثناء التطرّق لإشكاليات الإقرار على من بدأ الكفاح المسلّح؟ ومن هو أول شهيد، ولأي تكتـل يتبع؟ وأول أسير... إلخ الكثير من إرهاصات هذه الأسئلة التي جـرتنا إلى مفارقة خطيرة تمثـلت في التخوين والردح وما نحن والقضية صدقاً بغنىً عنه.. سندرك أيضاً جوهر الحقيقة في القضية الفلسطينية إذا ما تمعنا بين سطور الصفحات السابقة، لنرى الضحية بسبابتها الموّحدة والمتعجبة تـشير إلى تخاذل عربيّ لم يتعدى الوعود نفسها كل مرة، استمر منذ تبلور الكيان الفلسطيني حتى يومنا هذا، وبوجود الوجه الآخر للحقيقة الآن (ضياع فلسطين شيئاً فشيئاً) يمكن القول بأن فلسطين لا تحتاج إلا لقدر من القدر بحكمته الربانية في الإتيان بالحل المناسب لها، فلا أمم دولية، ولا أمم عربية، ولا حتى شعبها المشرذم في الضفة والقطاع استطاع أن يجلب لنفسه حتى تسوية الحد الأدنى من الصراع، فما نحن صدقاً بحاجةً له هو أن نحافظ على صمودنا قدر الإمكان لتبقى الهوية هي الهوية بالأصالة ذاتها، قبل أن نتبخّر بإشعاعات النسيان، فنصبح بدلاً من أن نبحث عن الحقيقة، نبحث عن ذواتنا أين هي؟















مما سبق وفيما سيلحق، نستطيع فهم القضية الفلسطينية بشكل علمي وموضوعي مختصر، معتمداً بالأساس في تحليلي للقضية على ثلاثة مناهج رئيسية: التاريخي الدقيق (Micro-history approach) والمنهج الأنثروبولوجي الشمولي (Anthropological holistic approach) والمنهج تحليل الفكر السياسي (Political-thought analysis approach). لأستطيع بعد ذلك التقدّم بالموقف العلمي الخاص بالرؤية الخاصة لحل القضية ضمن شروطها وتحت إطار التحليل السياسي بعنوان "النموذج الفلسطيني الجديد".
نموذج فلسطين الجديد
ليس ككـل أولئك المفكرين.. الغربيين منهم والشرقيين، المسيحيين منهم وغيرهم المسلمين، العلمانيين منهم والملحدين ومقابلهم الكثيرين.. وإلخ من المفكرين الذين لهم الفضل الكبير في تأسيس فكر سياسي جدير بالثقة والاحترام، وكذلك جدير بالقراءة والتـفـسير بكل ما فيه من معنىً واهتمام. إنما أنحصر بشعب لم يتقن إلا الهزائم على مر تاريخه المرير.. وإيمانا مني بجدارة هذا الشعب في سيره نحو الهاوية وتفننه في الإلقاء بنفسه إلى التهلكة..! خرجت بهذا الفكر المستهجن الذي أدعو ربي أن يوفّق هذا الشعب وكل من تهمه مصلحة القضية الفلسطينية بالوقوف وقفة جدية أمام هذه الحروف، والحكم عليها منطقيا. فمن واجبنا نحن كمتعلمين، يبقى الأمل فينا حيا مشتعلاً لحين الحصول على الفكر الراقي المناسب، وبلوغ اللحظة الكفيلة بإعلاء هاماتنا نحو نظام سياسي يضمن لفلسطين استقلالها، ويحقق أهدافها الإستراتيجية، ويصونها من الفتن الداخلية والخارجية التي تعصف بها بشتى أنواعها. ها أنا هنا بكل تواضع أقدم لكم نموذج فكري بسيط اقترحه عقلي، وأصبح لزاماً عليّ أن أعمل على سلسلة الأفكار بالشكل المطلوب لوضعها بين أيديكم كـَنظرية.
إني لأعلم وأعترف بأني كنت قد تركت الحل مسبقاً للعناية الربانية، وللقدر بخيره وشرّه، فما عايشناه من آلامٍ مستمرة وانتكاسات متكررة في زمن العنف والاضطهاد، كان كفيلاً بإغراقنا في فلسفة المؤامرة حتى الترقوة.. بهذه العوامل وغيرها (الضعف وتكريس الضعف بالضعف - خلاف و تشرذم و...) لجأت للعناية الإلآهية متكئاً على الإيمان، وهارباً من واقعية الزمان!! ولكن لإيماني المزدوج بالصبر والتخيير، ووصايا آباؤنا وشهدائنا وأسرانا ومغتربينا - أبناء فلسطين - الذين عاشوا لنا وللقضية وليس لأنفسهم، ولفلسطيـن قبل أن أنسى، جاهدت نفسي وزماني لمصلحة القضية والهوية والوطنية، وفي صف الحق بشعبه والحقيقة لأقول:
بداية أود أن أنوّه إلى أن الوضع الفلسطيني بشكل عام يقوم على ثقافة سياسية مفادها سلبي بكل ما يحمله التخلف من معنى، فما فينا من ثقافة سياسية ما هو إلا نديّة وصراع، وشك بالآخر وتحدي، بعيدا عن التقبل والإندماج السلس تحت راية أو عنوان أو حتى قومية وإن أشابها العصر..! وهذه خطيئة لنا كفلسطينيين يُفترض علينا أن نكون أكثر إتحادا من غيرنا، والسبب: تاريخ طويل من المعاناة كـفيل بفتح المآذن في مالطة، ولكن يبدو أننا لم نقدس تاريخنا!! فبرأيي من يقدس تاريخه يستحق امتلاكه، فالماضي لدينا أصبح عاراً!! تماماً كـما عاشه شعب اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وما أسفنا عليه منهم بتنحيهم الخالص عن تاريخهم (الأسوديّ.. والعنصري من رأي آخر، كالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً) غير لهم حياتهم بتاريخها وحاضرها ومستقبلها، وهو ما أسميته في أعماقي بـترويض الأسود. فالدستور تغيّـر، وبناءً على هذا فقد تغيرت العديد من جزئيات وعموميات حياتهم على الصعيدين الداخلي والخارجي، فـمُنِعوا من التسلح وفيما بعد، تم السماح لهم بإنشاء قوة دفاعية أمنية داخلية تتمثل بمراكز شرطة ذات أسلحة خفيفة لا تتعدى أفراد الشرطة وأحيانا هؤلاء نفسهم لا يستطيعوا امتلاكها، فلا يحتاج أمننا الوقائي مثلاً إلا للحظات قليلة فيكون قد اجتاح اليابان من أدناها لأقصاها..!! نحن بدَونا قد توازينا مع اليابان بهذه التجربة، ولكن بشكل أدهى منه على أنفسنا نحن، فمن عمل على ترويضنا ليس إلا أفعالنا بمساعدة السموم التي بثها فينا عدونا. قبلنا الاقتتال ولم نستعد لما هو أدهى منه "المصالحة". فهل يعقل وجود مصالحة في ظل هذه الثقافة السياسية المذكورة مسبقاً..!؟
إن الشعب الفلسطيني كان وما زال قلب الأمة النابض، وحصى العثرة التي وضعت له تحت أقدامه بالطبع لن تلقيه في شباك الضعف والهزيمة (المؤامرة). فـَ لطالما كان هذا الشعب من يتحمل مسؤولية ضعف الأمة العربية، لينهض كل مرة أقوى وأقدر على تحمل المسؤولية. هذه المرة تختلف بحالها، فإن كان على الشعب الفلسطيني أن يتحمل مسؤولية ضعف أحد، فهذا "الأحد" من أبنائه ممن جلسوا في زمن الوقوف، وبحثوا عن المناصب والشهرة مستغلين القضية، متجاهلين الشعب. لكنّ الشعب دائماً أقوى، والشعب هو من يقرر ليحسم الأمر، بالتحديد في مرحلة التحرر الوطني، ونحن في هذه المرحلة. فـَ بإستثناءاً جريئاً وصريحاً لكل تلك الشعارات التي لطالما أطلقت وإزدوجت كذباً ونفاقاً من تلك الفئة.. وإسقاطاً لكل النظريات والمزاودات التي يشنها الفلسطيني ضد الفلسطينيّ متيقناً بذلك كونه الوحيد والأفضل نظرة الـ"أنا" الداروينية من منظور ضيق بعين قرصان لا ترى الغير ولا تعترف إلا بذاتها، وهي غالباً ما تجهل ذاتها أصلاً. كما قلت: لا تعترف إلا بذاتها، متجاهلين بكل هذا وذاك قول شاعر الذات الفلسطينية "محمود درويش": "أنا لا أعرّف نفسي لئلا أضيعها". فالمقاوم لا يحتاج إلى صفة "المقاوم" حين يقاوم، على حد قول درويش.
بعد هذه المقدمات التي تختصر الوضع الفلسطيني بتناقضاته القاتلة، سأجهد حروفي لكي يبدأ سيناريو مسلسل القضية "3" بالعرض، لكن هذه المرة بإخراجنا نحن وبالإعلانات التي نراها مناسبة لصحة القضية وليس لراحة مقدميها – أو بالأحرى مقدّمي صورهم على شاشات التلفاز.. لأستطيع بدوري البدء بالنموذج الجديد الذي يلائم هكذا شعب بهكذا ثقافة (عامة له وخاصة لتلك الفئات السلبية والمحدودة). هو القادر أيضاً، وبرأيي المتكـفل بتجاوز هذه العثرات الموضوعة في طريق الشعب الفلسطيني، صاحب الحق والأصالة في هذه البلاد. ألا وهو النظام الذي لا يقوم على شيء..!! فبرأيي، المخرج الوحيد للخروج من هذه الأزمة العصيبة والمتطورة بخطورتها التي ترجع أسبابها إلى الاحتلال والمؤامرة الصهيونية الإمبريالية بدرجة لا تقل عن الأهمية والأولوية هو أن يكمن الحل في حل النظام السياسي الفلسطيني المشوّه والعقيم المنتهية صلاحيته، وإبقاء الشعب الفلسطيني ثائراً بدون سلطة وقيادة (ذلك الشيء) تسيره نحو اللآطريق أو طريق الخطأ واللآعودة أو عودة الخطأ، وتجبره على البقاء مع حدود تلك الدائرة دون الانحراف الفعلي نحو المركز المتمثل بالوعي لصالح القضية. ولهذا، نحتاج جميعنا أولاً لـ"هبّة الجماهير الفلسطينية الحرّة" صغيراً وكبيراً، بصحوة الضمير وببلاغ الحروف موضعها للنهوض معاً يداً واحدة وقلباً واحداً بصوت واحد يردد: "الشعب يريد نيل الإرادة الحرة".
نتحدث مبدئياً عن ثورة جماهيرية محلية تهدف حل السلطة بحكومتيها في الضفة والقطاع، ثم استغلال الامتداد الجماهيري لهذا الشعب في البلدان العربية التي تشهد ثورات مماثـلة، خصوصاً المثقفين الواعين منه للمساعدة في تعبئة تلك الشعوب بنضالية الحر من أجل استرداد وعيه وكرامته اللتين سلبتا منه على مر عقود طويلة. وإنني هنا لا أتحدت بعبثية اللسان أو بتناغم الكلمات، إنما مستنداً بالفكرة على استطلاع تفاؤلي جديد أجرته مؤسسة فافو النرويجية يشير بأن نحو "50% من المستطلعين في فلسطين قدّموا أنفسهم كمستقلين، في حين أن نسبتهم هذه أيام الزعيم الراحل ياسر عرفات كانت لا تتجاوز 5%" ، ما يؤكد على مصداقية هذا الاستطلاع بنسبه المفاجئة تلك الرقعة المصغرة للمجتمع الفلسطيني (جامعة بيرزيت) التي كانت وما زالت مختبر الفحص الأولي لما تشهده البلد، فقد جاءت النتائج الأخيرة لانتخابات مجلس الطلبة فيها تعبيراً صارخاً عما يشهده المجتمع الفلسطيني من وعيٍ وثقافة، وبنتائجها القريبة جداً من نتائج استطلاع فافو النرويجية تمّ التأكيد على صحة ومصداقية هذه النسب في المجتمع الفلسطيني، فكانت نسبة التصويت تتراوح من 48-49% ولا تتعدى 50% من عدد الطلاب المسجلين في قوائم الإنتخابات. هذه النسب بالإضافة إلى الممتنعين عن الاستطلاع والتصويت تمثل الوعي الحقيقي لدى الشعب الفلسطيني الذي يجب عليه أن يستغلها وألّا يضيّع ثمارها هباءً منثورا، فهي القوة القادرة على حمل مسؤولية هذه الفكرة على كاهلها ومسؤولية نشر الوعي وتثقيف ما يمكن من الشريحة الباقية بتطويعها للحق والبحث عن الحقيقة.
هكذا نحن أبناء جيل هذا الزمان نقرأ مثل هذه الظروف بأسبابها وملامحها ونِسَبها وأرقامها وكل النواحي، آملين من الله إيجاد ذلك اللحن المفقود الذي بحث عنه الوطنيون الأحرار من أبناء هذه الأمة وذاك الجنس البشري، فإما وجدوه ولم ينالوه وإما نالوه ولم يفرحوا به! فإلى حين تحقيق الحلم العربي الفلسطيني (الوحدة والتحرير) ينبغي أن نبدأ بأنفسنا بانصهار الشعب بأكمله في بوتقة واحدة موجهة بشكل رئيسي نحو الهدف الأسمى، خالية من التعصب الفئوي والحزبي بكافة أشكاله، للتأكيد على نقاء هذه الثورة والتصدي لمن وقف ويقف خلف تلك الشعارات المغرضة والهادفة تقويض إرادة الشعب وإبقائه قزماً منعزلاً دائماً عن هموم وطنه حتى ولو ألقى بكرامته وراء ظهره ليبحث عن لقمة العيش أو غيرها. فـَ نكسة وضعنا الحالي كفلسطينيين على وجه الخصوص تكمن في المجاراة بعلم وبدون علم للخطة الصهيونية الرامية إلى تغييب الفرد الفلسطيني عن قضيته بهمومها، والمقاومة وشؤونها.. والانضواء تحت سياسة فردية ممثلة بشخص معين كأنه المخلّص الوحيد لهذه البلاد!! ومن رزايا مجتمعنا الحاضرة التي لا ينتهي ذكرها، عدم الانتباه لهذه المرحلة الخطيرة التي وصل إليها - من تغييب كامل وشامل عن الحقيقة (فلسطين القضية)، والترويج بجهل وتجهيل لسياسة سلطوية انحرفت عن مسارها، وأفل نجمها في سماء فلسطين. أما الأحزاب، فهي الأداة لهذه السياسة، وإن لم تكن الأداة فهي تائهة في البحث عن المناصب والمصالح والبقاء.. غافلين عن مهمتهم المفترض أن تكون التوعية وضمان الأمان للشعب الأعزل فكرياً وعسكرياً. إذن، فالشعب يجب أن يدرك هذه الطريق جيداً، وإلى ما ستوصله إليه.. فالمعاناة تمادت فيه كثيراً، وهو بهبّـته هذه يستطيع أن ينهي المعاناة.
إن الإرادة دائماً وأبداً للشعب حتى ولو وقع من بعد إرادته في الخطأ، فالخطأ ليس نهاية التاريخ ولا يُـعَرّف في المعاجم اليابانية إلا بـ "الفرصة الجديدة"، ووقوع الشعب مرّة في الخطأ لا يبرر أن يقوده طاغية بحجة واهية كهذه يستخدمها بشكل رئيسي في سياساته الخاصة، فلو وقع الشعب ألف مرّة.. سينهض وسيكمل أقوى في سبيل الوعي متفادياً كل الطرق السابقة التي أوقعته في الخطأ، على هذا الحال نحن العرب نحتاج لأن نقع ونقع ونقع...
بموازاة هذه الأحداث، يجب أن أعود لنـؤكد سوياً على الفائدة التي ستجنيها الثورة الشعبية من حل السلطة، فهذه الأخيرة ولدت ومعها أسباب فناؤها، وما هي إلا نتاج سياسات عقود مضت سبق وأن أثبتت فشلها كثيراً، بدل المرة اثنتين وأكثر. فالسلطة هي فعلاً نتاج وهم آخر كـَ تلك الأوهام التي سـيقَت لها القيادة خلال تطور مراحل القضية الفلسطينية من ظرف لآخر، وما أوهام السلام إلا البداية الحقيقية لهذا الوهم الذي نراه مجسماً على أرض الواقع. فهي إذن وهم، وليست تحصيل نضال سياسي كان المفترض أن يعطينا نتاج حقنا وتفاعلنا الطبيعي في ومع هذه الأرض، خاصةً بعد انتفاضة عام 1987، هذا النقاش الذي دار بين الشاعر الفلسطيني "محمود درويش" والزعيم الراحل "ياسر عرفات" هو خيرُ دليلٍ على صحة هذا الكلام، فتحت عنوان "استقالة محمود درويش" كتبت صحيفة "فـلسطين. السفير" ما يلي: "يروي أمنون كابـليوك في كتابه «عرفات الذي لا يُقهر» (رام الله: وزارة الثـقافة، 2005) ما يلي: أخبـرني محمود درويش، حـين قرأ مشـروع اتفـاق أوسلو انه قال لعرفات إن ثمة أمورا كثيرة ظلت غامضة، وأن هذا الغموض يستفيد منه دائمـاً الطـرف الأقوى. ومنذ البـداية تـصرف المفاوضون بعكس المنطـق: ففي الـعادة، يتم التوصل الى اتـفاق على المبـادئ الكـبرى، ثم يجلس المتـفاوضون الى مـائدة المفاوضات للبحث في التفاصيل. والحـال، أن المتفاوضين أهمـلوا ـ أو أرجـأوا ـ الاتـفاق على المسائل الجوهرية: القدس، الحدود، مـسألة اللاجـئين، الخ. ولم تأتِ الاتفاقية على ذكر إقـامة دولة فلسـطينية في نـهاية العمـلية، وأضـاف درويش: «أنـا أريد كلـمة دولة». وشدد أيضاً على أن الاتفـاقية لا تتضمن عبارة «إنـهاء الاحـتلال»، أي احـتمال العودة الصـريحة الى حـدود 1967، وفي نظر الشاعر إن الـقيادة الـفلسطينية اعـترفت بدولة إسـرائيل، بينـما لم تعتـرف هذه الأخيرة إلا بمنظمة لا أكثر. وأشار درويش الى أن م. ت. ف اعتـرضت دائماً على وجود مراحل انتقالية، لخشيتها من أن يتحول هذا الانتقالي الى نهائي. وها هو الانتقالي يشكل جوهر الوثيقة، دون أن يتم تحديد المبادئ التي تقوم عليها الاتفاقية النهائية: إذا حدث وانتهت المفاوضات الى الفشل، سوف يجد الفلسطينيون أنفسهم أسرى هذا الوضع المؤقت. وختم درويش حديثه قائلاً: «إنك تدرك جيداً يا أبو عمار أنني لا أعترض على الاتفاق مع إسرائيل، ولكن كان يجب عقد اتفاقية مشرّفة، تمكننا من الحصول على أكثر مما حصلنا عليه ـ على الأقل تفكيك المستوطنات في قطاع غزة، التي تشكل شوكة في جسدنا. خاصة وأنت تعرف مدى توق إسرائيل الى الانسحاب من غزة. توقيعك على هذه الاتفاقية يا أبو عمار سيفتح أبواب البلدان العربية أمام إسرائيل، فهو يمنحها الشرعية التي طالما انتظرتها. إن الملك حسين ينتظر منذ سنوات طويلة جرة قلم منك في ذيل معاهدة سلام مع إسرائيل لكي يفعل الشيء ذاته. لقد كلفتنا هذه الاتفاقية غالياً، ولم نحصل على مقابل ذي شأن. هل ستحقق لنا مثل هذه الاتفاقية السلام المنشود؟ أشك في ذلك. هذه مغامرة يا أبو عمار!»".
هذا ما رآه درويش، وفي نفس سياق التأكيد المثقف الواعي لهذا الموضوع الشائك ما رآه رفيق قلمه إدوارد سعيد أيضاً، ولكن بحدة وتحديد أكبر لما نراه نحن فيما بعد هذه السطور. فيقول الأخير تحت عنوان "ما بعد أوسلو": "ويدرك الكثيرون منا، الذين نادوا سنين طويلة بإقامة الدولة الفلسطينية، أن دولة كهذه (المزدوجان هنا في مكانهما الصحيح!) إذا قُدّر لها أن تولد من كارثة أوسلو، سـتكون ضعيفة ومعتمدة اقتصادياً على إسرائيل ومفتقرة تماماً إلى أي قوة أو سيادة. فوق كل ذلك فإن خريطة الضفة الغربية حالياً تبين أن مناطق الحكم الذاتي منفصلة بعضها عن بعض (مساحتها الآن لا تتجاوز ثلاثة في المئة من مساحة الضفة الغربية، فيما تواصل حكومة نتنياهو رفض إعطائها 13 في المئة إضافية) وهي بذلك ستكون بمثابة بانتوستانات تسيطر عليها إسرائيل من الخارج. الحل المعقول الوحيد، إذن، هو أن يجدد الفلسطينيون ومساندوهم الصراع ضد المبادئ الإسرائيلية الأساسية التي تضع غير اليهود موضع الهوان في أرض فلسطين التاريخية".
ذلك إذن، ما رآه توأم روح الإبداع الفلسطيني الهادف (إدوارد ودرويش)، وهو ما نراه نحن كجمهور مريد لمن بحثوا عن هويتنا وكرسوها في نفوسنا بأقلامهم أسياد الكلام، فبما أننا لم نحصل حتى على الحد الأدنى من حقنا أثناء وبعد هذه الإتفاقية، ولم نحصّـل الدولة لا حالياً ولا مستقبلاً – لا بالمؤسسات ولا باعترافات العالم الدولي المغطى بكريما "الشرعية الدولة" الزائفة، فلمَ لا نسوّي أمورنا بأنفسنا ونتخلّص من وباء آفة أوسلو هذه، وندرك أن غيمتها وهم لا يدرك بالحواس!؟ من منطق لآخر نرى استطراد آخر للغرابة يكبُر فيقول: حتى لو لم تعد هذه السلطة تتجاوب مع سياسيات إسرائيل ومخططاتها الإسرائيلية، فهي تكبح جماح إرادة الجماهير الفلسطينية التي ملّت الإنتظار وخابت آمال المبدعين من مبدعيها حتى شحوا كالماء في الصحراء!
إن حل السلطة يعبّر بشكل صريح عن إرادة الجماهير الشعبية اليقظة لمصلحة فلسطين، وعن بداية مرحلة جديدة تبدأ من حيث بدأ يخطئ الأسبقـون، واستمروا بتكريس خطاياهم دون محاولة جديّة للتراجع والتكـفير متناقضين بذلك مع قواعد اللعبة على الساحة (حرب صهيونية شاملة تريد مقاومة شاملة) وغافلين عن وصايا الأحرار التي تقول: "خذوا أرض أمي بالسيف.. لكنني لن أوقع باسمي على بيع شبرٍ من الشوك حول حقول الذرة". فوجود السلطة والمناداة بدولتها المنقوصة هو أبرز الأمثلة على صرخة هذه الأرض، حتى وإن كانت أرض الشوك. يأتي أحد قيادات السلطة ليقول: "إن الخيارات المطروحة أمام القيادة الفلسطينية ليس حل السلطة من ثناياهم، أو أية حلول براغماتية أخرى منطلقة من تحليل سياسي عقيم (العاطفة)، فالحلول يمكن تلخيصها في إجراء انتخابات جديدة لتداول السلطة.. للمناورة، والمراوغة.." ، أما أنا فأقول: لماذا، للوقوع في نفس الخطأ وازدواج الخطيئة؟
نعم إنّ حل هذا الكيان ليس حل للرقاب كما يدافع البعض، بل هو عتقٌ لها من سطوة الجلاد الصهيوني تارة، والسلطوي تارةٌ أخرى. حتى أن الفراغ الذي سينتج عن حل السلطة ليس بفراغ، فالشعب يريد بناء مرحلته الجديدة والشروع في عيش زمانه لا زمن غيره ممن مضوا ومضت معهم أحلامهم بتوريثنا الكوابيس! هذا ليس من باب التعالي ولا حتى الانتفاع، بل لأن نتائج الزمان الماضي نعيشها اليوم إرهاصات كانت وما زالت سلبية علينا وعلى القضية بكل ما يحمله الضعف بمرادفه السلبي من معنىً.
إذن، فلنبدأ من جديد، لأن ما نحن فيه هو بحر من الخطايا الكبيرة التي أسقطت علينا جبراً، ولأننا في بحر آخر من السموم يستحيل تصفيته باسفـنجات السلطة، ولنستغل الفرصة الذهبية التي تمر بها الدول العربية المحيطة من ثورات بيضاء لا غبار عليها حتى الآن، بإمكاننا أن ننجز بعرقنا الفلسطيني الكثير وبوجود هذه الجاليات الفلسطينية في الدول العربية التي تشهد ساحاتها التغيير يمكننا أن نعطي لقضيتنا الحيوية اللازمة للوحدة قبل التحرير، عدونا واضح وشعبنا واضح فلنحلّق إذن مع النسر كي نستطيع مبارزته. هنا يبرز الواجب المفروض على مثقفي شعبنا في الوطن والغربة حول قدرته على تعبئة الشعوب العربية بنبل القضية الفلسطينية وجوهريتها في الصراع بين العالم العربي والإمبريالية لتكون قضيتنا من أولويات برامج هذه الشعوب في ثوراتهم المماثلة ولتكون الوحدة هي طريق التحرير كما حلمنا دائماً..
صدقاً وبدون قوائم مفتوحة، إن هذا الطرح الذي أمامكم ليس لغرض دنيوي أو مادي معين، ولا لمنصب أو شهرة أتمناها.. ولكن لندبةٍ في القلب والذاكرة، أبت أن تلتئم وجرح فلسطين ما زال منتثر. بهذا الحال الذي نحن عليه، لن نتزحزح خطوة نحو المركز لنبقى تائهين على حدود الوطن. أما إذا رفضنا الذل والخنوع، وبلغنا لغة الحق والحقيقة بعد طول انتظار، وآمنا بقدرة الإرادة على فعل المستحيل وبشعب كشعب فلسطين، حينها سيتكشف الواقع أمامنا وستضعف أقداره لنرى ذلك الحلم الطويل الذي لطالما كان بعيد المنال.. سنستردّ كرامتنا، وسنحصل بالضرورة على التحرير بعد توكيل كافة أمورنا إلى أنفسنا بعد الله، وسنبهر تاريخ وحاضر ومستقبل العالم بقوة الشعوب الحقيقة - فقوتنا المادية والمعنوية ممتزجات بالقلب والروح ومتمثلات بعلامة النصر والحنجرة. وحريٌ بيَ في نهاية المطاف على الورق أن أختم بضرورة الوصول إلى درجة المقاومة الشعبية بشتى وسائلها والانتفاضات واحدة تلو الأخرى التي ستشكّـل العبء الكبير جداً على العالم بأكمله، وستلهب نار الحماسة في كل إنسان حر وشريف على وجه البسيطة. ولنكن واقعيين لا نقع في شباك المنتقدين دعونا نقول بأن القيادة التي ستتشكل تلقائياً نظراً لأهميتها البالغة في التنظيم وإطالة الأمد لحين بلوغ الهدف وأهميتها أيضاً في توجيه الضربات الموجعة إن احتاج الأمر، ستكون هذه القيادة الشعبية المَرْضيّة هي مَن سيسيّـر إرادة الشعب إلى طريق الصواب بوجوده مطلعاً عليها أينما وأيما كانت، فهو إن أراد التحرير سيتجه نحو التحرير. وإن أراد أي شيء غير ذلك (شكل نظام الحكم، الحاكم، الدستور..إلخ) بالتالي سيتجه إليه بلا شك يصوبه..
وأخيراً، ما كان على الورق فهو على الورق بمصيره المقدّر، لا تحتاج هذه السطور للتغني بها عبثياً فتضيع الفكرة على الورق كما سبق وأن ضاعت على أرض الواقع. لذلك نحتاج صدقاً لتلك العقول الحية بأياديها التكنوقـراطية في الوطنية، فلها وللشعب بين الماضي والحاضر ولفلسطين القضية كذلك أهدي فأقول ببضع وجعٍ من الكلمات:
من بين تلك الخيوط التي بُـحث عنها دائماً في رحلة المؤامرة، وضحايا الجلاد المجهول.. قـلمٌ وُجـدَ فـي زاوية الحق والصفحة.. يشكو ويتذمر، يأسف ولا تسأله عن مـبرر!! بدمـع الحبر روى حروفه، وأعلن بشراسة: تـمـرّدٌ ليس بسرابٍ في سـبـيـل القضية، فهل من مجيب للسؤال الذي طرح به وجع الكلمات..!؟
أين أبحث عنكـَ يا شعبي..!؟
فلا زالت البوصلة، تَهذي وتـدور، من حُـمى الغدر على ضمير القضية
ولا زالت الطريق وعـرة، تتـعـثـّرُ بها الخطى نحو حُـلُـمُ الشبيبة
هناكـَ لحنٌ مفقودٌ بين أوتارِ الحقيقة، فأين هم العازفون لحنَـكـِ فَـِلسطينُ القصيدة..؟
ها هم هنا، في الضفة والـقطاع، يتسمّرون الموقف، وكلٌ، موهوم بامتلاك جعبة الحقيقة
أهي لكم، أم لنا، أم للضائعين خلف حدود الزمان..؟
ربما، هي لجنودِها تحت التراب
للأصفر هي، أم للأخضر؟ وكلٌ ألوانٌ تتبجح في زمان الهذيان
أيّ هذيان..؟
الحق، القضية، الهوية، الوطنية
بربكم: أيُّ هذيانٍ هذا، لا بل طغيان. ففلسطين أصبحت، في إحدى قواميس المصطلحات التالفة!!
عــلى إحدى الرفوف، ستجدوا وطنكم المغبّـر، وربـّـما لا
ربما رفعها الله في علاه، كي لا تنجسوها، تماماً كما حُـدثنا عن سيدنا المسيح
فـيبدو، أنكم انحدرتم من عرقٍ غابرٍ، يقول الله في أهله: "قتلة الأنبياء"
رَبـآه، أهيَ سخريةُ الأقدارِ منا، أم طرف خيطٍ نستـدل به على الحقيقة..؟
ما الحقيقة..!؟
صرخَت فلسطين، والصوت لا يخفى
هُـزَّت قلوبٌ، وزَئَرَت حناجر، ومشوا بخطىً واثقةٍ نحو الحلم
إنهم حوارّيـوكِ فِـلَسطين.. أبناء الحق والقضية والهوية والوطنية، هم أبناؤكـِ فـلـسطين
هاهم يمشـون، يزحفون، لا بل يطوقون بالغضب ساحةَ المنارة تارة، والكتيبةَ تارةً أخرى
إنهم ثانيةً!! ولدتهم فلسطين، كلّ فلسطين، وكبروا في حضنٍ أبيضَ المبدأ
ثورةٌ بهذا المعنى، وبهذا المبدأ.. لا تظلم، ولن ترحم
فيا شعبي المعثورَ عليه بين ثغـرات أخطاءِ التاريخ: أكمل أنـت هنا.. ولكن عذراً، لتأخذ مني الفضيلة:
تعلم من أخطائك، كي تـنسف عدوك
لا تقف على أخطاء ماضيك باكياً عاتباً ، بل قف مؤمناً معتبراً
فحياةٌ عِـشناها بجنونها، حتماً ستعيشنا كما نحن
لا تكن مثلهم لحنٌ مفقود!! انهض وأكمل القصيدة
أنت الجُـرحُ المنتـثر، لملم جرحـكَ ولقّـنه درساً للدنيا، فكيف تجور!!
أنت الـدمُ المنهـمرُ، فأروِ بـدمكَ جـفاف تاريـــخٍ حتّمه القدر!!
يا شعبي أنا منك، ونحن منها.. فلنتكلم إذن بلغة الرجال، ولنمشِ معاً، واثقيـنَ بخطى العـُـنوان المقدس "الشعب يريد إنهاء الإنقسام"
فـ يوماً ما
سننهض يا أمي، وسنعلوا شـموخاً مصافحين عنانَ السماء، ورزايا التاريخُ تَـرزَحُ تحت أقدامنا، وترسف في أغلالنا
كفكفي الدمع يا أمي، سننهض، وسنجاري بجبهاتنا سحابَ السماء، فأصالةُ الدمـعِ تـليـقُ طبعاً بالنصر
نستمحيكـِ عذراً يا أمـي، دعـي قَـلبَـكِ ليقول همساً بالدموع.. "وفّـقـكـم اللهُ أبناء فلسطين العروبة"
جُنون قَـلَمـ 2011..



#مجدي_عطية_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -ضربه بالشاكوش حتى الموت في العراق-.. مقطع فيديو لجريمة مروع ...
- آلاف الأردنيين يواصلون احتجاجاتهم قرب سفارة إسرائيل في عمان ...
- نتانياهو يوافق على إرسال وفدين إلى مصر وقطر لإجراء محادثات ح ...
- الإسباني تشابي ألونسو يعلن استمراره في تدريب نادي ليفركوزن
- لأول مرة.. غضب كبير في مصر لعدم بث قرآن يوم الجمعة
- القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير 4 مسيّرات للحوثيين فوق ...
- صاحب شركة روسية مصنعة لنظام التشغيل Astra Linux OS يدخل قائم ...
- رئيسا الموساد والشاباك يتوجهان إلى الدوحة والقاهرة لاستكمال ...
- مصر.. فتاة تنتحر بعد مقتل خطيبها بطريقة مروعة
- علاء مبارك يسخر من مجلس الأمن


المزيد.....

- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ
- أهم الأحداث في تاريخ البشرية عموماً والأحداث التي تخص فلسطين ... / غازي الصوراني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - مجدي عطية موسى - القضية الفلسطينية