أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سومه حساين - قصة قصيره- (وبقيت طفلاً)















المزيد.....

قصة قصيره- (وبقيت طفلاً)


سومه حساين

الحوار المتمدن-العدد: 3492 - 2011 / 9 / 20 - 19:59
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيره-( وبقيت طفلاً )
كنت أراها تقف منهمكة بغسل الأطباق وجدائلها تتقافز فوق خصرها النحيل ... كلما تحركت يميناً أو يسار ... ولمّا كانت تراني ، تُعرف أنَّ نيام البيت قد إستفاقوا ، فتترك ما بيدها من أعمال منزليه ، للإسراع في تجهيزنا أنا وإخوتي لإرسالنا إلى المدرسه ، فنتناول فطورنا على عجل مُسرعين إلى مدرسة القريه ... القريبة من البيت .

وفي الظهيرة عندما نعود مُنهكين مُتعبين ، كُنّا نجلس في ساحة المنزل الخلفيه ، نستريح قليلاً ونتناول طعام الغذاء ، ثم نقوم ببعض واجباتنا المدرسية المعتاده ، وما أن ننتهي حتى ننطلق مسرعين الى الحارة القريبة من المنزل ، والتي يتجمع بها بعض الأصدقاء وأبناء الجيران كل يوم ، فنُخرج كل ما عندنا من طاقه في القفز واللعب حتى يبدء الظلام بالتسلل ... حينها نعود أدراجنا إلى البيت ، وتكون أمي قد أنهت أعمالها المنزلية ، فنجلس قليلاً ثم لا نلبث أن نبدأ بالمناوشات والمشاكسات المعتاده .

وكان من عادة أمي عندما تكون مُتعبه بعد عناء نهار طويل مُكتظ بالأعمال المنزلية الشاقه ، أن تتحايل علينا لتُبعدنا عنها ولو لوقت قصير كي ترتاح من ضجيجنا وصياحنا قليلاً ، فتقول لنا :

- لقد إقترب موعد مجيء أبوكم ... سيأتي اليوم ومعه سمكةً كبيره .....هيّا إذهبوا وانتظروه على البحر.

فكنّا نُهرول مسرعين فرحين عبر الطرقات الضيقه المتعرجه التي توصلنا الى شارع البحر الرئيسي القريب من المنزل ، فنجتازه بحذر كما كانت توصينا أمي .

...............

عندما كُنّا نصل إلى الشاطئ ، ولا نجد أبي قد عاد من البحر ، كنَّا نجلس على الرمال الرطبة الدافئة ، نبني بيوتاً وقلاعاً من الطين ، وكان أخي عبدالله أمهرنا صُنعاً في بناء القلاع الرمليه ، ودائماً يبني أعلى قلعه ، وكنّا نفرح بها كثيراً ونمدحه لقدرته على عملها بهذه الدقه والمهاره المتميزه ، فنلتم حولها ونلّعب بها قليلاً ، ولكن لا تلبث أن تأتي موجة هوجاء هاربة من البحر ، فتضربها بقوة وعنف ، فنقف مُستنكرين عاجزين ... نرقبها بصمت كيف تنهار في لحظات .....

كُنت حينها لا زلت طفلاً في السابعة من عمري وكان أخي عبد الله يكبرني بحوالي أربع سنوات ، وكنت أحبه كثيراً وأحب مشاركته في كل شيء ، وتقليده في كل ما يفعل ، حتى في تجميعه للجُلاّت الزجاجيه واللعب بها في الحارة مع أولاد الجيران .

وأمّا أختي الكبيره حنان ذات الثلاثة عشر ربيعاً والتي بدت بعض المعالم الأنثويه بادية على جسدها النحيل ، فقد كانت تشعر دائماً أنها أمٌ صغيرة ومسؤولة عناّ ويجب علينا إطاعتها وسماع كلامها في كل ما تقول ، وتحاول دائماً تقليد أمي في كل ما تفعل ، وكانت لا تتردد في توبيخنا و ضربنا إذا لزم الأمر عندما لا يعجبها شيء من تصرفاتنا ، فقد كانت تعتبر نفسها الوصيةُ علينا بغياب أمي .

وكانت تُتقن معظم الأعمال المنزليه المعتاده ، المطلوبه من الفتاه الشرقيه إتقانها ، لتتهيئ لبيت الزوجيه ، وفي بعض الأحيان كانت تتنبّه الى أنّها لا زالت طفلةُ صغيرة .. وثمة وقت لديها للعب ، فتراها تلهو مع أختي نعمة التي تصغرها بأكثر من ثلاث سنوات ، والتي كانت لا تكف عن اللّعب في معظم الأوقات ، بالرغم من صراخ أمي المتواصل عليها وتوبيخها الدائم ، وكثيراً ما كانتا تتشاجران على بعض الأشياء الخاصه المشتركه بينهما ، ولا ينتهي شجارهما إلاّ بتدّخل أمي الحكيم .

وأمّا آخر العنقود عبّود الذي تجاوز الأربع سنوات ، فقد كان ملتصق دائماً بأمي ، أو بالأحرى أمي دائماً ملتصقةٌ به ، فهي لم تدعه يوماً يذهب معنا ... حتى وإن بكى كثيراً وعلا صُراخه ، وكان هذا الحرص الزائد منها ... قد تفاقم بعدما فقدت وليدها الصغير الذي لم يُكّمل عامه الثاني ... بسبب حُمّى شديده أصابته ولم تُمهله طويلا ، مما ترك في نفسها وقلبها جرح عميق إمتد أثره إلى وجهها النحيل فأطفى عليه لمسة حزن كئيبه ، تركت في عيونها الرقيقة دموع ندية تتلألأَ ، متأهبة للنزول ، وكلما تذكرّت موت أخي أشفقت لحاله كثيراً ، انهمرت تلك الدموع كسيلين لا يتوقفان حتى يصلان إلى صدرها الصغير فيغسلانه مما ألّم به من حزن وألم ، ولم تنسى ألمها قليلاً إلاّ عندما عوضها الله بآخي آخر العنقود عبود .

جلسـنا على الشاطئ ننتظر عودة أبي من البحر ، ننظر الى البعيد ، الى قرص الشمس الذهبية وهي تنزل بطيئةً في الماء فتفرد جناحيها الكبيرين وتحتضن البحر لتهبط بهدوء وسلام ، فتمتزج زرقة الماء بخيوطها الذهبيه فينطفئ بريقها رويداً رويداً حتى يختفي ، وما هي إلا لحظات حتى لمحنا قارب أبي الخشبي المطلي بالخطوط الخضراء يشق طريقه عبر تلك اللوحة ... متجهاً نحو الشاطئ ، نهضنا مسرعين لمساعدته في سحب قاربه القديم المتهالك من البحر عبر الرمال الرطبه الثقيله ، وبعد تلك المعاناة الكبيره ، ربط أبي القارب جيداً ثم التفت الينا يرمقنا بنظرات حانيه عبر عيونٍ حوراء تُشع ذكاءً وحيويه .

نظر لنا وفمه ينشق عن ابتسامة ضعيفة تعبة وسط وجهه النحيل الذي لفحته حرارة الشمس فأعطته ذلك اللون الأسمر ، وقد تصبب عرقاً بعد معركة مضنية مع البحر خاضها منذ الصباح الباكر بحثاً عن رزقه ورزق عياله ، نظرتُ الى قسمات وجهه الرقيقه وقد بدت أثار التعب والإرهاق ظاهرة على جسده الفتي وعروقه القرمزيه البارزه الممتده فوق رقبته الطويله وسواعده القويه ، من كثرة ما يبذل من مجهود يومّي في تحريك ذلك المجذافين الثقيلين ، فبدى لنا سعيداً وكأنه خرج من معركته الصباحية مُنتصراً وغانماً غنيمه كبيره أنسته كل تعب ذلك النهار الطويل الحار .

وبعد أن جَلسَ على الشاطئ ليلتقط أنفاسه قليلاً ، فتح سواعده الكبيره وكفيه الغليظين ونظر لنا مبتسّماً ، وكان أبي عندما يفعل ذلك نعرف أنه راضٍ عنّا وسعيد ، ومشتاق لضمّنا ... وأحياناً عنده شيءٌ ما لنا ... فركضنا مُسرعين مُتسابقين الى حضنه ..... فتبسّم وقال ... لقد جلبت لكم اليوم الكثير الكثير من السمك .

وفي المساء وعندما انتهينا من طقوس العشاء ، جلس أبي وأمي يتحدثون ويلحقون ما فاتهم من أحاديث صباحيه ، وأما إخوتي فانهمكوا في كتبهم وأوراقهم المدرسيه ، يتبادلون أطراف الحديث عن زملائهم ومدرِّسيهم ومغامراتهم المثيره ، الى أن ينتهوا بالحديث عن ذكرياتهم الطفوليه وهفواتهم وحماقاتهم ويتضاحكون ، وكم كنت أحب الإستماع اليهم ومشاركتهم في كل ما يقولون ، وكان أحب شيء عندي هو إقتحام جلستهم الجميله ، فينهرونني لأبتعد عنهم ... ولكني لا ألبث أن أعود ثانيةً وثانية ، حتى يتركوني أجلس بينهم ، فقد كنت أحب الإستماع لأحاديثهم الشيّقه ، وكم كنت أحب الحديث عن ذكرياتي الطفوليه ... وهفواتي ... وحماقاتي ... ونسيت أنني لا زلت طفلاً ... في السابعة من عمري ...

كانت أمي تجلس معنا كل مساء وكنّا نلتف حولها كفراشات ملونه حول زهرة برية مُخمليه ، شقت طريقها نحو الفضاء ، إخترقت الصخر بقوة رغم رقتها وجمالها ، ووقفت شامخة ممشوقة القوام ، تنظر الى السماء لتستمد طاقتها من نور الشمس الساطع ، تقاوم الريح بصلابه كيفما هبت لا تنحني إلاّ لتعود للشموخ مرة ثانية .

جلسنا على المراتب الأرضية المصفوفة فوق حصير الغرفة الصغيره ، وكانت أمي كعادتها تروي لنا الحكايا الظريفة المليئة بالمواعظ والعبر ... علّها تمرّر لنا نصيحة أو تحذير ... تنفعنا بهم في مستقبلنا ، وبعد أن تنتهي من الحكايه ، تُحدثنا عن طفولتنا ونحن صغار وعن هفواتنا وحماقاتنا ... فنضحك ... نضحك من جهلنا وبرائتنا ، أو ربما من خوفنا من المواقف الصعبة التي مررنا بها بسلام ... وتظل تحدثنا وتحدثنا الى أن ننام .

وكان من عادتنا صباح كل جمعة تناول طعام الإفطار في ساحة الدار الخلفيه تحت مُعرّش الدالية الذي غطّى أكثر من نصف الساحة ، تاركاً مساحة قليلة لبعض الشجيرات المثمرة التي زرعها أبي لتفي بمُتطلبات المنزل الضروريه ، وكنّا نصطف على الأريكة الكبيرة القديمه التي وُضعت في جانب الساحة بالقرب من الليمونة الشهرية التي يُحيط بها النعنع وبعض النباتات البرية الممتدة حتى حوض الزهور الذي تفننت أمي بتنويعه ... فهي امرأة عاشقةٌ للزهور والورود مُنذ وعيتها ... ولا تدع أحد يعبث بها ، لتُعطي للساحة ذلك المنظر الجميل الخلاّب الذي تهواه العين وتسعد برؤياه ... وتشرُ تلك الرائحه العطره التي تُريح النفس وتنشي الفؤاد ... وأمام الأريكة امتدت طاولة خشبية قصيرة لا تعلو عن المقعد كثيراً ، وأمامها كرسيان من القش فوقهما وسادتين رقيقتن امتدتا من الظهر حتى أسفل المقعد ، اعتادا أبي وأمي أن يجلسا عليهما ، ومن فوقنا غطّى مُعرش الدالية بظلّه مُعظم الساحه ، ولم يسمح إلاّ لبعض من شعاع الشمس أن يتسلل الى المكان فيُدفئه قليلاً ... ليعبّق الجو برائحة الياسمين العطره التي تبخّرت من الأزهار الصغيرة البيضاء المتناثرة فوق الياسمينة الموضوعة في زاوية الساحه وبجانبها اصطفت بعض قواوير الصفيح الصدئه المزروعه بشتى أنواع الورود النادرة بأشكالها وألوانها ورائحتها ، والتي حرصت أمي على العناية الدائمة بها .

ومضت سـنين حياتنا سعيدةٌ رغيده ... ألحب والأمان يملآنها... إلى أن جاء يوم ، وإعصارٌ كبير هبَّ على البلدة ... فاجتاح بيوتها الصغيره ...وكَنسَها بلا رحمة ... نزع منها الدفئ والحنان ... وتركها أطلالاً باردة شاحبة بلا حياة ، تنوح على أصحابها اللذين في يومِ من الأيام مروا بها .

وذات مساء دخل أبي مصدوماً مذعوراً يصرخ وعيناه مفتوحتان ، جاحظتان باستنكار وكأنهما رأيتا منظر مرعب لم يألفه من قبل ، أو مشهد أليم لم يرضى عنه ، دخل يصرخ صراخ متواصلاً مُلقياً بكل ما في يديه ، ومسرعاً نحو الخزانة يُلملم أوراقه الخاصّة ... ودون أن يكف عن الصراخ ... قال :

- هيا بنا ... أسرعوا سنرحل الآن ... إنهم يتهجمون على القرى المجاوره ... يدمّرون كل شيء ... يقتّلون الناس دون شفقة أو رحمه ... هيا بسرعه سوف نرحل الآن قبل أن يصلوا إلينا ...

وكأن هزة أرضيةٌ رجّت المكان ... فزلزلته ... وأربكته ... وأربكتنا جميعاً معه ... فصرنا نتحرك بعشوائيه ... خائفينن غير مُصدّقين ، لا ندري ماذا نفعل ولا نعرف كيف نتصرف ... صرخت أمي بخوف :

- من هؤلاء يا أبا عبد الله ؟ ؟

فرد أبي دون أن يلتفت إليها وهو لا زال مُنهمك .. يُلملم الكواشين وأوراقه الهامة ، وأشيائه الخصوصه ...

- إنهم عصابات الهاجانا الشريره ، إقتحموا البيوت في القرى المجاورة لنا ، دمّروا كل شيء وقتّلوا الناس بلا رحمه حتى النساء والأطفال ... هيا أسرعوا ... نريد أن نرحل من هنا بسرعة قبل أن يصلوا إلينا ويذبحونا ........ للقصه بقيه - (سومه حساين)




#سومه_حساين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سومه حساين - قصة قصيره- (وبقيت طفلاً)