أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبله عبد الرحمن - ابي صورة على الجدار














المزيد.....

ابي صورة على الجدار


عبله عبد الرحمن

الحوار المتمدن-العدد: 3488 - 2011 / 9 / 16 - 20:49
المحور: الادب والفن
    


ابي صورة على الجدار

عبله عبد الرحمن

حدث ذات عيد أن كنا صغارا، أكبرُنا لا يتجاوز السابعة من العمر، وأصغرُنا كان جنينا يزدهي معنا فرحتنا بالعيد وبالثياب الجديدة، حين تحولنا من أطفال صغار ينشرون براءتهم في البيت أو أمامه على مصطبة تنفرد مسترخية، كانت تكفي لتضم ضحكاتهم وصراخهم وألعابهم التي ابتدعوها بأنفسهم، إلى أطفال لا يمارسون فرحة العيد بل يمارسون حزن الكبار، أطفال رؤوسهم أصبحت مشاعا يمسح عليها الكبار من الرجال والنساء بغية كسب الحسنات، أطفال دموعهم طغت على ابتسامتهم وبهجتهم بالعيد عندما راءوا بأذانهم قبل أعينهم هذا النفير الذي عم البيت متشحا بالسواد وبالصراخ.
ربما استجلب الآن ذكريات بعيدة مستقرة في عمق النفس، مرّ عليها ردح من الزمن، ذكريات لم تكن نائمة، ولكنها مخدرة استطلعها ما بين الحين والأخر كلما دعا الأمر وكأنني ما تركتها إلا بالأمس، ذكريات عن أب لا يأتي، عن أب لم يحملني بين ذراعيه، لم يشتري لي ثيابا للعيد، لم يعطيني مصروفا، لم أتشبث بذراعه وأسير إلى جانبه بغنج أتلهى بفستاني عنه، هل تراه كان سينتهرني أو حتى يضربني، هل كان سيتدخل في شؤوني ويمنعني عن صديقة لا يقنع بسلوكها، هل كان سيذهب معي في أول يوم دراسي إلى المدرسة في رحلة الحياة، ما يحيرني أنني اجهل حتى الساعة ماذا يمكن أن يفعل الآباء لأطفالهم، هل يضاحكونهم ، هل يلاطفونهم، وهل يكونون صدرا حنونا كما يشاع عنهم وكما قرأت في قصص كثيرة.
كبرت وانفي لا يعرف لمعجون الحلاقة رائحة، ولا لأي نوع من أنواع التدخين، أو الروائح التي يستخدمها الرجال، فلا صوت خشن يتمازج مع أصواتنا نحن الصغار أو مع صوت أمنا، ولا حتى نرى حذاء اسود كبير بالبيت.
حين كنت في صفوف المدرسة كم حاولت إخفاء حقيقة موت أبي، وكم كان يحزنني سؤالي عن ماهية عمله، فأجيب بضعف الحزين انه ميت!
عرفت بالفطنة أن الصورة المعلقة على الجدار هي لأبي، جميعنا كان يخشى السؤال عنه، ملامحه وأفعاله في الفترة القصيرة من عمره في هذه الحياة كانت تنم عن رجولة، بحسب من عرفه وبحسب صورة الجدار، كان له شعر اسود فاحم،و بياض جلي، الحواجب معقودة، ابتسامة خفيفة لم تسمح لنا حتى بتبين أسنانه، قميص مفتوح من أعلى وشعر اسود يعلو صدره.
لا ادري هل كان ينقصني أن أحبه وأحسه كيانا حقيقيا يسير بيننا، يكبر وتكبر ملامحه معه، يشيب شعره وتتجعد ملامحه، ما أصعب أن تكبر أنت وتتلون حياتك بشتى المراحل العمرية، وصورة الجدار، هي هي لا عمر ظهر على ملامحها ولا صوت خرج منها، ما أصعب أن يكون عدد سنوات الفراق بينك وبين أغلى الناس بعدد سنوات العمر، ما أصعب انك لا تستطيع أن تتخيله أو حتى تسمع صوته، كم تمنيت لو انه يعود يوما فابكي على صدره، وأناديه أبي! ولكن مهلا ربما هو أيضا لم يعتد على كلمة أبي، بالكاد جاء بنا إلى هذه الحياة، وبالكاد انتهى به العمر غريبا، في ارض لا تتكلم بالعربي، هل تراه كان يسعى للمال والحياة السهلة، أم انه كان يسعى إلى قبره الأخير، لكي نحيا بأمل انه لم يكن ميتا وبأنه سيعود محملا بالهدايا. كم كنت بريئة عندما تمنيت ذات عيد أن يكون لي أب ولو لمرة في الشهر أو حتى في العام، كم تمنيت التوجه إليه بتحية العيد، قدرنا أنا وإخوتي معه أن نحس به وحالنا يقول كل عام وهو ميت!



#عبله_عبد_الرحمن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبله عبد الرحمن - ابي صورة على الجدار