محمد ماجد دَيٌوب
الحوار المتمدن-العدد: 3480 - 2011 / 9 / 8 - 13:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من نافل القول أن الإنسان هو بتكوينه الإقتصادي ومنذ فجر التاريخ كائن جغرافي بعنى بسيط جداً أن هذا الكائن كان يلاحق مصادر رزقه في عمليات الصيد البدائية ومن ثم تطوره بإتجاه الرعي مع بدء عمليات التدجين لبعض الحيوانات وتالياً الإستيطان تبعاً لبدئه في القيام بزراعة بعض أنواع المزروعات وأنا هنا لاأريد الدخول في عملية عرض تاريخية للنشاط الإقتصادي للبشرية فهذه فوق طاقتي وليست من إهتماماتي ولكني أود الإشارة فقط إلى الدور الذي لعبته الجغرافية في تكوين المجتمعات البشرية كوحدات متجانسة مستقلة عن غيرها من الوحدات الأخرى وما زالت تلعبه حتى اليوم .
هذه الجغرافيا التي فرضت على الوحدات البشرية المخلتفة أنماطاً إقتصادية متشابهة كثيراً في الماضي من رعي وزراعة وتجارة إلى أن حدث الإفتراق النسبي مع بدء عصر العلم والصناعة .حيث بدأت خصائص المجتمعات بالتباين فيما بينها فنجد الغرب الذي قفز قفزات هائلة منذ فجر العصر الصناعي بإتجاه البحث عن المواد الأولية لصناعته وبدأ مع ذلك عصر الإستعمار الذي كان في بداياته بحثاً وكما قلنا عن مصادر المواد الأولية اللازمة للصناعة حتى تطورت بعض حالات الإستعمار الكولونيالي إلى إستعمار إستيطاني كالأمريكتين وأستراليا وبعض الجزر المتفرقة هنا وهناك في بحار العالم .
من الملاحظ في أدبيات هذه البلدان التي قامت على فكرة العنصر البديل عن العنصر الأصلي في البلاد التي إستيطانها أن مقولة التاريخ لا تعني شيئاً إلا بما هي أحداث قد حصلت وانتهى الأمر فلم أجد في أدبيات أمريكا وأستراليا أي بحث أصيل في التاريخ الأمريكي أوالأسترالي إلا من حيث كونه تاريخ شعوب الأرض التي تم الإستيلاء عليها وكنوع من المعرفة في التاريخ البشري عموما بما هو حالة علمية قابلة للدرس طلباً للمعرفة الصرفة بالتاريخ العام للبشرية كأنواع مختلفة وجدت على هذه الأرض .
إن أخلاقيات البشر هي إنعكاس بالضرورة لنمط الإنتاج الإقتصادي السائد فيها فنجد أن البدوي الذي لمجتمعه أخلاقيات محددة مازال يتمسك بها لايمكن لمثلها أن نجدها في المجتمع الزراعي .مثلاً كل ما له علاقة بأخلاقيات التمسك بالأرض التي نجدها عند المزارع هو غائب تماما عن أخلاقيات الراعي أليس من الغريب والعجيب في آن معاً أن نجد حكام إسرائيل الأوائل يرددون أن حدود إسرائيل هي حيث تستطيع قدم الجندي الإسرائيلي أن تقف
من الملاحظ وقد أكون مخطئاً بعض الشيء أن البلدان العربية أخذت بعد الخروج الأول من الجزيرة العربية تتشكل وفق أنماط مختلفة لها علاقة بطبيعة وتاريخ المناطق التي استوطنوها .فتشكلت وحدات إجتماعية مختلفة بعض الشيء عن بعضها البعض على هيئة تجمعات أربع هي :
بلاد المنشأ وأعني الجزيرة العربية
بلاد الشام والعراق (سوراقيا )
بلاد حوض النيل
بلاد المغرب العربي
حيث تجد أن هذه الوحدات تختلف بالمشاعر والإهتمامات عن بعضها البعض ورؤية المستقبل لكل من هذه الوحدات تختلف عن الأخرى
إن الذي نلاحظه الآن من خلال ما يجري على الساحة العربية عموما هو محاولة مستميتة من بلاد المنشأ لإعادة الوحدات الباقية إلى تحت خيمتهم بسبب ظهور العدو التاريخ لهم من جهة المشرق ( إيران )بقوة على ساحة العمل السياسي في منطقتهم لسبب وجود المشكلة الفلسطينية وظهورهم كقوة عسكرية جبارة متحالفة مع من يجدون في وجود إسرائيل تهديداً لوجودهم .
إن وجدود إسرائيل كقوة عسكرية هائلة وصعود إيران وأخيراً تركيا جعل العرب في حيص بيص كما يقولون .
فبدلاً من التفكير وبشكل منهجي في أن تكون العين على المستقبل تحول وجود هذه القوى الثلاث إلى كابوس مرعب يرزح على صدرالسياسي و المواطن العادي من خلال مهارة العرب في أن يكونوا أي شيء إلا أن يكونوا أناس يهمهم المستقبل ومن قبله الحاضر .
أخذ العرب وخصوصاً منهم الذين يدٌعون الثقافة بالعودة إلى التاريخ كل بمفرده وحسب الفئة التي ينتمي إليها لا لقراءته قراءة المحلل المستنتج المستنبط بل قراءة الباحث عن السند التاريخي لما يعزز موقفه السياسي في وجه الآخر .ولاأعتقد أنه يمكن وصف مثل هذا بالقراءة سوى الإنتقائية والغرائزية
عوضاً أن يكون الصراع مع القوى الثلاث الأنفة الذكر أخذ الصراع شكلاً داخليا مرعباً .صراع بين المسلم والمسيحي من جهة وصراع بين السني والشيعي من جهة أخرى كما سبق الصراعين صراع بين المسلم واليهودي وبدأ التراشق التاريخي بين هذه الفصائل الكل ضد الكل .
إن الذي دعاني لكتابة ما أكتب هو ما ألاحظه من حوارات على صفحات هذا الموقع المحترم فكل كتابة لاتهتم بالتاريخ أو بالصراع الدائر على الساحات العربية الذي في مجمله صراع لايتحرك بقوته الذاتيه وإنما بقوة المفاهيم التاريخية المسيطرة بشكل مخيف على العقول والمشاعر .هي كتابة لاتلقى أدنى إهتمام من القراء .
أما الكتابات التي تهتم بما ذكرنا فترى التدافع إلى الحوار والتمسك الأعمى بآراء لاتصلح ولاتليق بأن تتم عملية تبنيها.
إن ما يكتب اليوم وبكل أسف لاعلاقة له بأي دور توعوي بل له كل الدور التهديمي فكل كتابة في التاريخ لاتقوم على قاعدة التفكير المحايد هي كتابة منحازة نحو تأجيج المشاعر الضيقة والتي تسهم في عملية الإنقسام الحاد القائمة حالياً بين هؤلاء العربان على إمتداد الساحة من المحيط إلى الخليج والتي قد تودي إلى إشعال المنطقة برمتها على أساس إثني مقيت كما وللأسف ما حدث في لبنان سابقاً ويحدث في العراق الآن .
هل يجوزلنا كأدعياء ثقافة أن نساهم في جعل التاريخ يسحق وبلا شفقة أو رحمة الجغرافيا والمستقبل معاً ؟؟؟
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟