أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - نادية الشربيني - الثورة القادمة لن تأتي من التحرير















المزيد.....

الثورة القادمة لن تأتي من التحرير


نادية الشربيني

الحوار المتمدن-العدد: 3480 - 2011 / 9 / 8 - 10:40
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


تمكن المجلس العسكري من الحكم بعد "اقناع" مبارك بالتخلي عن صلاحياته كرئيس جمهورية، ولم ينس – بطبيعة الحال – "الانحياز" للثورة. ثم مد رجليه رويدا رويدا في وجه الجميع وبدأ يصدر تشريعات مفصلة بترزية قوانين جدد، وأخذ يطارد الثوار من تويتة لتويتة ومن تدوينة لتدوينة، لقناعته أن الخطر الأكبر يأتي من العالم الافتراضي فهو العقل المدبر لثورة الحرية والكرامة. ولأن الجماهير الغفيرة الخائفة على لقمة عيشها من الاسكندرية إلى أسوان يمكن التحكم بها بريموت كونترول الإعلام المأجور والموجه بل والمتعهر أحيانا. لذلك أتى المجلس باللواء هيكل كي يعيد للاعلام المصري شكله القديم البائس وليرمي به ثانية إلى أحضان الخطيئة، أحضان الأمن الوطني وليد أمن الدولة. ثم تحالف مع الداخلية، التي كان يوم الغضب أصلا هو يوم عيدها، وأعاد تدويرها بفسادها وظلمها وتسيدها وإجرامها ومكن لها من ميليشيات فنائها الخلفي المليء بالقتلة والسرّاق المأجورين وقال لها اهنأي فلن يتغير شيء، بكوا خالد سعيد وقالوا كلنا خالد سعيد والله لنجعلهن جميعا خالد سعيد، لذلك فتح المجلس زنازينه الحربية للأحرار والعابرين والفضوليين وفتح مطابخه وممراته الضيقة يعقد فيها قضاته، وما هم بقضاة، محاكمهم التي هي أشبه بمسرحيات اوجين يونسكو. وفجر قلب الثوار من الداخل متبعا الدروس المستفادة من لجنة أحزاب الشريف. وصار الثوار والمتثورين ومدعين الثورة كل ممسك بتلابيب الآخر متهما إياه بعدم الصلاحية الثورية. وبدأت الأضواء تنحسر عنهم، عن ثوار 25 يناير، وبدأ رجال الحكم البائد يتقدمون الصفوف، وأصبحنا نسمع أصواتهم وآراءهم وفتاويهم تحت بند "الرأي والرأي الآخر". وقد أمسكوا بالثورة وقلبوها وسخفوا قيمها وحولوها إلى سيرك منصوب لكن أيا من فقراته لا تضحك أحدا. وتحولت الثورة إلى ذكريات مريرة وأخرى جميلة حسب الموقع الذي احتله كل منا يوم موقعة الجمل.
هذه الحالة الهزلية لا أظن أن أي ثورة في التاريخ القديم أو الحديث أو المعاصر قد أصيبت بها. لقد تلاشت الثورة ولم يعد لها من أثر سوى أنات المظلومين في السجون، ودموع الأمهات والآباء الذين فقدوا فلذات أكبادهم، وخيبة أمل الأصحاب لما فشلوا في الوفاء بالوعد الذي قطعوه لشهدائهم، وحسرات الثوار أبناء الوطن البارين الذين خرجوا مع أحبابهم لنجدة مصر فكتب لهم أن يشهدوا نهاية حلمهم ولم يمض على تصور تحقيق الحلم سوى أشهر معدودة. الأثر الأكثر خطورة هو الواقع على السواد الأعظم من الشعب الذي دعم أكثره الثورة بدرجات متفاوتة، وحداهم الأمل بتحقيق حلمهم في حياة كريمة آمنة، لا يختفي فيها شاب في زنزانة تحت الأرض لأنه لم يكن معه بطاقة، ولا تخطف فيها أم لأن ابنها مطلوب القبض عليه، ولا يختفي أحدهم قسرا عشرين سنة لأنه يواظب على الصلاة في مسجد. حياة يركبون فيها وسائل النقل البحرية الرخيصة فيأمنون أن قواعد السلامة قد استوفيت، ويعمل الطالب الصعيدي "أبونيه" في قطار يأمن أنه لن يحترق داخله في غفلة من الزمن، ويستأجرون مسكنا يأمنون أنه لن يقع بهم بعد شهور من بنائه بسبب جشع مقاول أو فساد مهندس الحي، ويرسلون أولادهم إلى مدرسة يأمنون ألا يقتلوا فيها على يد سيكوباتي اخترق منظومة تعيين المدرسين غير المنضبطة، يقودون سياراتهم في شوارع لا يضطرون معها إلى نفح كل أمين شرطة جنيها كي يتركهم يمرون بسلام. هذا الشعب الصابر الكريم ليس شعبا مدللا، بل هو يطلب ألف باء إنسانية. وقد علق آماله على أكتاف هؤلاء الذين حطموا جدار الجهل والخوف والذل وخرجوا يوم 25 يناير.
لكنه وجد نفسه أمام حارة سد. ممنوع المرور، ارجع من حيث أتيت. الرجوع أصبح عسيرا إن لم يكن مستحيلا. والشعب لم يعد يرى في غبش الضباب ما يجري من تناحر وتواثب بين قوى تسمي نفسها وطنية تتنافس على فرص تبدو ذهبية وما هي من الذهب في شيء. لم يعد يرى ما يطمأنه في مسلك حكومة عاجزة متواطئة مترددة وغير كفؤة. لم يعد يعرف مسارا واضحا ليومه وليس لغده، فقد أسلموه إلى عصابات الشوارع تبدع قانونا جديدا، هو قانون الشوارع، حيث يتفتت المجتمع إلى كيانات صغيرة ضعيفة لا تضمن أمنا ولا سلامة ولا تتجانس فيما بينها فيما يتعلق بالحقوق والواجبات، ويتوه فيها مفهوم المواطنة، ويبحث كل شخص عن "كبير" يحتمي خلفه. فنجد أصحاب ألوية سوداء يعلنون إمارة أسلامية "صغنونة كدة على قدهم" على حدود الوطن الشرقية، ونجد آخرين يقررون قيادة القانون بأيديهم والضرب على يد السرّاق واللصوص، وفريق ثالث يجد ملاذه في دعم المحاكمات العسكرية للمدنيين وكأنها محلول مطهر قاتل للجراثيم سوف يريحه من الخوف الذي يعيش فيه، وفريق رابع يعلن دولة طائفية في المهجر ويطالب بحصص طائفية في الوطن. كل هؤلاء كانوا قد اجتمعوا على الولاء للثورة في لحظة واحدة، هي لحظة التنحي، لحظة الخلاص والعتق من نظام جائر استمر ستين سنة ووصل إلى ذروة الانحطاط عند بداية ثورة 25 يناير. كل هؤلاء الفرقاء المختلفين الخائفين الوجلين القلقين على مصيرهم ومصير وطنهم، ولهم كل الحق، كانوا صفا واحدا يوم التنحي. لقد أتوا من شتات الماضي وتجمعوا كل بطريقته ولأسبابه الخاصة وتلاقوا عند النقطة التي تعتبر ذروة نجاح الثورة يوم 11 فبراير. وقد فرقهم الانقضاض على الثورة ونجاح الثورة المضادة في التهام ما بقي من الأمل الذي فجرته ثورة يناير في القلوب. فوجد هؤلاء أنفسهم ثانية في العراء، هذه المرة بجعبة خالية من الأمل. وهم يبحثون عن طرق البقاء، أيضا كل بطريقته. والأمر لا يتعلق فقط بوجود أو غياب الدولة، لكنه يتعلق بالطريقة التي تدير بها الدولة شؤونها.
إن غضبا جديدا يولد في الصدور، هذه المرة لن يتعلق كثيرا بحب الوطن والرغبة في إصلاح شأن دولة لها قدر رفيع في التاريخ مثل مصر، ولن يتعلق كذلك بالعدالة الاجتماعية وإن كان سيأخذ بعض صورها، بل هو غضب صاف منقى لا شائبة فيه. غضب لن يفجر نورا، ولن يعمر خرابا ولن يمد يدا للبناء. سيغضب الغاضبون لأن طاقة الوضع وصلت إلى مرحلة حرجة وستتحول إلى طاقة حركة، لأن الإعصار قد تجمعت نذره وحان وقت هبوبه. الثورة القادمة لن تكون من التحرير، ولن يدعو لها نشطاء الحرية وحقوق الإنسان. قد لا تحدث غدا، لكنها آتية بشكل أو بآخر وستحدد مصيرنا جميعا. والتاريخ المعاصر يحمل لنا صورا مأساوية لشعوب دفعت ثمن حمق حاكميها غاليا. مصر تستصرخنا الآن، فلا تتوانوا عن تلبية النداء.



#نادية_الشربيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - نادية الشربيني - الثورة القادمة لن تأتي من التحرير