أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - روني بن افرات - الانتفاضة الثانية اعادت القضية للوراء















المزيد.....


الانتفاضة الثانية اعادت القضية للوراء


روني بن افرات

الحوار المتمدن-العدد: 1035 - 2004 / 12 / 2 - 08:11
المحور: القضية الفلسطينية
    


وثيقة حزب دعم
الانتفاضة الثانية اعادت القضية للوراء
حالة الترقب والقلق لمرحلة ما بعد عرفات، تثير بحدة الحاجة لمراجعة فلسطينية شاملة للعقد الاخير الذي بدأ باوسلو ووصل للانتفاضة والفوضى، ولاقتراح اسرائيل خطة الانفصال. على ضوء الوضع الجديد، تزداد اهمية وثيقة حزب دعم التي أُقرّت في حزيران 2004 وتناولت الوضع السياسي والاقتصادي العالمي والمحلي. نورد فيما يلي مقتطفات رئيسية من الفصل المتعلق بالانتفاضة الفلسطينية.


روني بن افرات
الانتفاضة الفلسطينية الثانية هي النكبة الثانية التي يواجهها الشعب الفلسطيني. كما في تلك الفترة، كذلك اليوم هناك علامات استفهام حول مصير الشعب وامكانيته تحقيق سيادته على ارضه. الفارق انه عن النكبة الاولى انبثقت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادتها الثورية، ونشطت في اطار المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي. في السبعينات والثمانينات طرحت المنظمة شعارها النضال من اجل اقامة دولتين لشعبين، كاستراتيجية ملائمة لموازين القوى حينها. اما النكبة الثانية، فلم تنجح في افراز قيادة ثورية قادرة على قيادة الصراع مع اسرائيل، على نحو يفتح المجال لحل عادل للقضية الفلسطينية. وضع الشعب الفلسطيني سار من سيئ الى اسوأ، ليس فقط بسبب فقدانه مساحات من ارضه، بل لفقدانه عموده الفقري الاجتماعي.

الولاء لمن؟
المسيرة المدمرة التي وصلت ذروتها في الانتفاضة الثانية، بدأت في مدريد واوسلو مطلع التسعينات. منظمة التحرير بقيادة عرفات اوكلت مصير الشعب الفلسطيني للولايات المتحدة وحزب العمل. فقد رأت في عودة حزب العمل للسلطة بعد 15 عاما من حكم الليكود، فرصة ذهبية للانضمام للمحور الجديد الموالي لامريكا، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. لهفتها لايجاد شريك جديد في عالم القطب الواحد، جعلتها تتنازل عن "السيادة" - الغاية التي ناضل من اجلها الشعب الفلسطيني، وتكتفي بالحصول على "نظام" (REGIME) كالانظمة العربية.
ولكن حزب العمل اراد استغلال القيادة الفلسطينية لاهدافه هو. الشرعية والاسواق الجديدة كانت المقابل الذي حظيت به اسرائيل عن اتفاق سلام كثير المراحل وغير ملزم ضمن لها السيطرة على المناطق الفلسطينية، ولو من وراء الكواليس. علاوة على ذلك، كان امل حزب العمل ان يضمن له الاتفاق الحكم لسنوات طويلة.

رهان القيادة الفلسطينية كان خاسرا، فقد عجزت عن تكهن المنعطفات الخطيرة في الساحة الاسرائيلية. في عام 1995 اغتيل رئيس الحكومة، يتسحاق رابين، وعاد اليمين للحكم وافشل مخطط اوسلو. واستمر التوجه بعد فوز براك من حزب العمل عام 1999 في استعادة الحكم. فقد توخى الحذر من اغضاب اليمين، مما قاد لخيبة امل فلسطينية وعربية، وحتى امريكية.

مشكلة الفلسطينيين الداعمين لاوسلو، كانت بقاءهم بلا شركاء استراتيجيين. براك وكلينتون اختتما عهد اوسلو: عهد "الانسجام" في العلاقات الخارجية ومرحلة الازدهار الاقتصادي في عصر العولمة. المرحلة الجديدة انتقلت لقيادة شارون وبوش. بقاء عرفات، رغم الخراب الشامل، نابع من عدم استعداد اي طرف فلسطيني للتحدي وطرح نفسه كبديل للحكم، سواء من الجانب الاسلامي، او من الجانب القومي العلماني او اليساري.

انهيار السلطة الفلسطينية جعل من حماس العنصر الوحيد على الساحة، مع انها لا تقترح سوى العمليات الانتقامية. حماس تطالب لنفسها بحق الفيتو في القضايا السياسية، ولكنها لا تقترح اي خطة واقعية لانتشال الشعب الفلسطيني من المأزق.



كامب ديفيد – بذور الكارثة

مؤتمر كامب ديفيد الذي انعقد في 25-11 تموز 2000، تحول من قمة سلام الى قمة الفشل. محرر صحيفة الايام الفلسطينية، اكرم هنية، كتب: "ان المضيفين الامريكيين لم يفهموا، ان واقع الصراع في الشرق الاوسط كان اقوى من العالم الخيالي الذي خلقوه في كامب ديفيد"[1].

معارضة عرفات لكامب ديفيد جاءت بسبب افتقاره الدعم الشعبي لحسم النزاع. في الخيار بين التوقيع على اتفاق لا يحظى بشعبية وبين البقاء السياسي، اختار عرفات الامكانية الثانية.

عوامل عديدة افشلت مخططات براك، ولكن معظم من كتب حول فشل كامب ديفيد يصر على تجاهل نقطة هامة جدا: الحضيض الذي وصلته العلاقات بين عرفات وشعبه. طيلة ست سنوات من سيطرته على المناطق (1994-2000)، بنى عرفات جهازا سلطويا فاسدا، مؤسسا على الامتيازات والرشاوى. بدل بناء الاقتصاد، بنى جهازا ضخما غير مجدٍ. الاجهزة الامنية المتعددة الخاضعة لاملاءاته والمستفيدة من امتيازاته، استخدمت لملاحقة معارضيه.

في تشرين ثان 1999 صدر بيان ينتقد السلطة وقع عليه عشرون مثقفا فلسطينيا، بينهم نواب في المجلس التشريعي الفلسطيني. رد فعل السلطة كان ملاحقة واعتقال المبادرين للبيان. بالمقابل، تزايد استياء الكوادر المحلية في حركة فتح لعدم حصولها على نصيبها من السلطة، وزادت نقمتها على "جماعة تونس" التي احتكرت مواقع النفوذ.

عرفات لم يتوجه لكامب ديفيد للتوقيع على الاتفاق بل للتقليل من حجم الاضرار: "لقد اقتنع عرفات ان الاسرائيليين ينصبون له فخّا. وتبعا لذلك اصبح هدفه الاساسي "تقليص الخسائر" اكثر من "زيادة انجازاته".. المفاوضون الفلسطينيون، واعين للوضع في القمة ولما يحدث في البيت الفلسطيني، توجهوا لكامب ديفيد في شبه اعتذار، عازمون على ان يبدوا كمن لا يمكن خداعه"[2].


لماذا اندلعت الانتفاضة
فشل قمة كامب ديفيد دل على نضج الظروف لاندلاع هبة شعبية، نتيجة خيبة الامل من اتفاق السلام، من اسرائيل ومن السلطة الفلسطينية ايضا.

لقد اتخذ عرفات في حياته قرارين مصيريين: الاول في الستينات عندما اسس منظمة التحرير الفلسطينية واعلن النضال الوطني الفلسطيني. والمرة الثانية في صيف 1993 عندما قرر القضاء على هذا النضال، واستبدال الدولة ذات السيادة بنظام بلا دولة.

الانتفاضة الثانية فُرضت على عرفات فرضا، ولكنه عرف كيف يوجهها ضد اسرائيل، ليحفظ شعبيته ويبقى في الحكم. بهذا يكون قد منح اسرائيل الحجة لمواصلة الادعاء بان السلطة هي العنوان الذي يحكم المناطق الفلسطينية، كتبرير لتقويضها واشاعة الدمار بين الفلسطينيين. توقيع اتفاق اوسلو كان الخطوة الاخيرة التي قام بها عرفات بشكل مستقل.

ادعاء براك ان عرفات قرر استبدال استراتيجية المفاوضات بالسلاح، هو ادعاء كاذب. عرفات لم يستطع ولم يشأ الغاء الاتفاق فهو لم يتبنّ الانتفاضة كخيار، ولم يحاول وقفها في نفس الوقت.



انتفاضة دون برنامج

في الانتفاضة الثانية تشارك ثلاث قوى ذات اهداف متضاربة: عرفات، التنظيم وحماس. بعد عدة اسابيع من الاشتباكات الدموية بين الشباب والجنود في الحواجز، تهمّش الطابع الشعبي للانتفاضة التي تحولت لانتفاضة مسلحة.

عرفات وقف موقفا سلبيا، بين مطرقة اسرائيل وسندان الشارع الفلسطيني. اجهزة الامن التابعة له وقفت على هوامش الاحداث ولم تتدخل لا لدعم المنتفضين ولا لردعهم. سياسيا واصل عرفات الالتزام باطار اوسلو واتهم اسرائيل بخرق تعهداتها.

"التنظيم" شكّل القوة التنظيمية الرئيسية للانتفاضة، علما ان قادته قد دعموا في السابق اتفاق اوسلو بحجة "الواقعية السياسية".

الانتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني التي عقدت في كانون ثان 1996 بعد وصول عرفات من تونس للمناطق الفلسطينية، وضعت حدا للوهم. وتبين بشكل لا يقبل التأويل ان عرفات ينوي ان يفرض نظام حكم شبيه بالانظمة العربية. القيادات المحلية الكاريزماتية التي قادت الانتفاضة الاولى وقضت سنوات في السجون، ابعدت عن مراكز صنع القرار. وافسح المجال للمقربين من عرفات، ومعظمهم من منظمة التحرير.

قيادة التنظيم قدمت الانتفاضة الثانية كحركة شعبية، وعولت على ان تؤدي الى تحسين الوضع التفاوضي للسلطة الفلسطينية. مروان البرغوثي كان المتحدث الرئيسي لهذه المجموعة التي وعدت الشعب بالنضال حتى تحرير كل المناطق المحتلة عام 1967، ولكنها كانت في الواقع تهدف لتحسين موقعها هي في السلطة. ولم تجرِ هذه المجموعة ابدا مراجعة لمواقفها ولم تفسر للشعب الاسباب التي اضطرتها لقبول اتفاق اوسلو قبل سبع سنوات من اندلاع الانتفاضة، وما الذي تغير اليوم، وكيف سيكون بامكانها تحصيل ما اعتبرته غير واقعي في تلك الظروف.

العنصر الثالث في معادلة الانتفاضة كان حماس. وقد شخّصت حماس الخلاف بين التنظيم والسلطة، والذي كان احد محاور الصراع في الانتفاضة. في مستهل الانتفاضة فضلت حماس الانتظار وترقب الوجهة التي تسير اليها الامور. فقط بعدما تبين ان الانتفاضة لن تخمد بسرعة، وان غياب حماس عن الساحة سيضر بموقعها، قررت المشاركة. بعد عدة اشهر من اندلاع الانتفاضة اعلن رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، ان "الانتفاضة الحالية اهم من سابقتها". وقدرت حماس ان الفراغ القيادي الحالي سيمكنها من لعب دور مركزي اكثر من الذي لعبته في الانتفاضة الاولى. وكان هذا مثابة اللعب بالنار.

خلافا للتنظيم الذي اراد الانتفاضة بهدف "تحسين الموقع التفاوضي"، كانت مهمة حماس "طرد العدو الصهيوني من كل التراب الفلسطيني". ان كون حماس حركة بلا اجندة سياسية او دبلوماسية، دفعها لتصعيد النضال من خلال اللجوء للعمليات الانتحارية. وادى هذا الاسلوب الى رد فعل اسرائيلي عنيف، والتقليل من مكانة التنظيم والقضاء على مكانة عرفات السياسية.

في غياب البرنامج السياسي والدعم الدولي، تحولت الانتفاضة بسرعة كبيرة الى انتفاضة عسكرية. اطلاق النار ليلا من بيت جالا باتجاه جيلو ومن بيت حانون باتجاه سديروت، كان عبارة عن محاكاة لصواريخ الكاتيوشا التي قصفها حزب الله من جنوب لبنان باتجاه كريات شمونا. النموذج اللبناني كان الالهام والحجة، كما لو كان السلاح وحده كفيلا بتحقيق الانجازات السياسية.

النضال ضد اسرائيل اصبح الاساس لوحدة وطنية بين التيارات الفلسطينية الثلاثة، وتم تمويه الخلافات الايديولوجية والسياسية بينها. من جهة اخرى ادى التنافس على قيادة الشارع لمغالاة كل تيار في استخدام طرقه النضالية، ومكّن حماس من فرض اجندة الانتحار والانتقام. التنظيم الذي بقي بلا برنامج سياسي مستقل، وصل الى طريق مسدود. البلبلة كانت نصيب حركات اليسار ايضا التي جعلت من شعار "الوحدة الوطنية" برنامجها الجديد والانجاز الاهم للانتفاضة.

غير ان الانتفاضة لم تنجح في التحول الى نضال شعبي عام. اما الشعب الفلسطيني فبالاضافة لكونه الضحية الرئيسية لاسرائيل، اصبح عرضة لمحاولات تياراته وفصائله التي سعت لتحسين موقعها على حسابه.

اصرار عرفات على مواصلة قيادة السلطة الفلسطينية، عرّضه لضغوطات غير محتملة، وفي نهاية المطاف جعله اسيرا في المقاطعة. اسرائيل وامريكا واوروبا تصر على ان شرعية عرفات يجب ان تكون مستمدة من قدرته على قمع الانتفاضة واعادة الفلسطينيين لطاولة المفاوضات. السلطة الفلسطينية برئاسة عرفات ظلت عنوانا للحوار الدبلوماسي، حتى قررت اسرائيل شن عملية "السور الواقي" في نيسان 2002.

حتى ذلك الحين كان المجتمع الدولي يسعى لصياغة مبادئ تقود لاتفاق. وكانت المشكلة ان اسرائيل رفضت تطبيق مبادرات التهدئة الى ان يثبت عرفات انه يسيطر على الشارع. الامتحان الذي وُضع امامه عرفات، اصبح الحجة الرئيسية لكل الاجراءات التي قامت بها اسرائيل التي توحدت في تلك الفترة وراء حكومة الوحدة.

ولا يعني هذا صحة الادعاء بان عرفات "يستطيع ولكنه لا يريد" السيطرة على الشارع. معنى "السيطرة" الذي قصدته اسرائيل، كان ينطوي على حرب اهلية ضد حماس والعناصر المتمردة في فتح، الثمن الذي لم يكن عرفات مستعدا لدفعه.



11/9: نقطة تحول وتصعيد

احداث 11/9 أثرت اثرا مزدوجا على فشل الانتفاضة: على المستوى الايديولوجي عبرت عن افول الحركة الوطنية في العالم العربي، وانتشار الاسلام الاصولي. على المستوى السياسي، ادت الاحداث بالبيت الابيض واوروبا لاطلاق العنان لسياسة العنف ضد كل ما يستشم منه الارهاب.

في هذه الاجواء فقدَ عرفات الانجاز الاهم الذي ضمنه له اتفاق اوسلو: الخط المباشر مع البيت الابيض. صحيح ان بوش امتنع عن دعوة عرفات للبيت الابيض قبل احداث 11/9، ولكن هجمات "القاعدة" على الولايات المتحدة فتحت عهدا من الدعم الامريكي اللامشروط لشارون وحربه الشخصية ضد عرفات. تقسيم العالم الى خير وشر، وضعت شارون في معسكر الاخيار وعرفات في معسكر الاشرار. النداءات المؤيدة لاسامة بن لادن في الشارع الفلسطيني، كشفت مدى افتقار الانتفاضة الفلسطينية الى اجندة تقدمية وواقعية، للنضال ضد اسرائيل والامبريالية الامريكية.

لقد استغل شارون جيدا اجواء ما بعد 11/9، وقرر ان عرفات اصبح "غير ذي شأن" وسجنه في المقاطعة منذ كانون اول 2001. اللغة الوحيدة التي سيطرت على الواقع الفلسطيني-الاسرائيلي هي حلقة مفرغة من العمليات الانتحارية والحملات الاسرائيلية من قصف جوي واغتيالات واغلاق.



عملية "السور الواقي"

في نيسان 2002 شنّت حكومة الوحدة برئاسة شارون عملية واسعة النطاق في المناطق الفلسطينية. عملية "السور الواقي" اعادت الاحتلال للضفة الغربية. بذلك فقد عرفات الدعم السياسي والاساس الجغرافي ايضا.

اهداف عملية السور الواقي كانت: 1. هزم الميلشيات الفلسطينية التي عجزت السلطة عن السيطرة عليها. 2. ترهيب المواطنين الفلسطينيين لحملهم على معارضة الانتفاضة والعمليات. 3. القضاء على السلطة كعنصر حاكم.

نجحت اسرائيل في تحقيق الهدف الثالث، القضاء على السلطة. بالمقابل، حاولت الحفاظ على علاقاتها مع شخصيات في حكومة عرفات. عوزي ديان، رئيس مجلس الامن القومي حينها، قال: "من الخطأ القضاء على السلطة كعنوان، لان العنوان عندها سيصبح ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة. ومن الخطأ الانتقال الى وضع نسيطر فيه على الشارع، وندير حياة الفلسطينيين"[3].

في نفس الفترة، اتخذت اسرائيل خطوتين تستوجبان التوقف عندهما:

1. اعتقال رئيس التنظيم، مروان البرغوثي. وكان هذا اعلانا للوهلة الاولى انها لا تريد اية بنية تحتية شعبية، حتى لو كان بمقدورها التحول لبديل للسلطة الفلسطينية.

2. القضاء على ما تبقى من جهاز الامن الوقائي بقيادة جبريل رجوب في بيتونيا. وكانت الرسالة عدم نيتها استئمان الفلسطينيين على امنها.

عملية "السور الواقي" كشفت الاخطاء الاستراتيجية لدى كافة التيارات الفلسطينية: السلطة نفضت عن نفسها المسؤولية، واكتفت اجهزتها الامنية بالتفرج على الشباب المشتبكين مع الجنود عند الحواجز. الى الفراغ السلطوي دخلت حركة حماس مع التنظيمات المختلفة. وكانت النتيجة هبوطا في اسهم السلطة في نظر الشعب والولايات المتحدة واوروبا.

لقد تصرف عرفات كمغامر، فمن جهة تقرر انه عنصر غير ذي شأن، ولكنه والمقربون منه توقفوا عن السؤال - هل سيواصل الشعب الفلسطيني الحياة؟ بل هل سيواصل عرفات الحياة؟

حركة فتح هي الاخرى لعبت بالنار: فمن جهة بدت وكأن لها موقفا مستقلا عن السلطة الفلسطينية، ولكن في نفس الوقت بقيت جزءا من جهاز السلطة وقبلت بقيادة عرفات. غياب اي استراتيجية وبرنامج لدى فتح قادها للانجرار من تصعيد لتصعيد. تنافسها مع حماس على الشعبية قادها لتأسيس "كتائب شهداء الاقصى" وتبني استراتيجية العمليات الانتحارية.

حماس التي تحركها مبادئ غيبية ومطالب غير واقعية، لا تأخذ في الاعتبار قدرة الشعب على تحمل رد الفعل الاسرائيلي. هذا ما يفسر تصعيدها الصراع، وادخالها الشعب الفلسطيني الى دوامة الدم والثأر.

القيادة الفلسطينية بكل تياراتها لم تقرأ الخريطة السياسية عشية عملية "السور الواقي". وبذلك، جلبت على نفسها دمارا محتما.



انعكاسات الحرب على العراق

على مدار الفترة بين آب 2002 وحتى اغتيال زعيم حماس، الشيخ احمد ياسين، في 22 آذار 2004، سعت اسرائيل للانقلاب على عرفات. وكان امل اسرائيل ان يؤدي التحول الاقليمي في الشرق الاوسط في اعقاب الحرب على العراق، الى تغيير القيادة الفلسطينية واحداث اصلاحات في السلطة.

تحالف شارون-بوش بعد 11/9، توطّد ازاء دعم اسرائيل الحماسي للحرب في العراق. هزيمة صدام حسين اتاحت المجال للامريكيين والاسرائيليين للربط بين خريطة الطريق والاصلاحات في السلطة. في 30 نيسان 2003 فُرض ابو مازن على السلطة الفلسطينية وتم تعيينه كاول رئيس حكومة فلسطيني. وفي الاول من ايار انطلقت خريطة الطريق الى مسيرتها القصيرة.

كان امل الولايات المتحدة واسرائيل ان ينجح ابو مازن في استبدال عرفات. ولكن الامور لم تسر في الاتجاه المرسوم. عدم قدرة الولايات المتحدة على ترجمة انتصارها العسكري في العراق الى تغيير اقليمي سياسي، كان ضوءا اخضر لمعارضي ابو مازن الذي سقط عن الحكم بعد نحو اربعة اشهر. استقالته جاءت في 6 ايلول بعد ان بذل عرفات وحماس ما في وسعهما لاسقاطه.



انفصال وفوضى

لمنصب رئاسة الحكومة تعين ابو علاء، في 7 ايلول 2003. غير ان الاسرائيليين استهتروا به، لانه كان تعيينا من عرفات. حماستها لابو مازن كانت على اساس وظيفته في الانقلاب على السلطة وعرفات وكسر "الوحدة الوطنية" بين السلطة وحماس. ولكن، السلطة رفضت خوض الحرب الاهلية التي ارادتها اسرائيل، وحماس من جانبها لم تطرح نفسها كبديل للحكم.

التسوية المؤقتة بين حماس وعرفات مكّنت الاخير من البقاء في الحكم، ولكن الثمن كان غاليا. فقد اطلق العنان لحماس لتنفيذ عملياتها الانتحارية، وترسيخ نفوذها في الشارع. ابو علاء المقيّد تحول الى زعيم غير ذي شأن، تماما كعرفات. فشل ابو علاء في فرض قيادته على حماس، قاد اسرائيل لابتكار خطة الانفصال الاحادية الجانب.

الانفصال ليس خطة سياسية، وليس من شأنه حل مشاكل اسرائيل. من جانب آخر، تعبر الخطة عن اعتراف اسرائيلي بان القيادة الفلسطينية المتفككة عاجزة عن منحها اتفاقا يرضي املاءاتها. كما ان الواقع في المناطق تغير بشكل يعيق الوصول لاتفاق: فوضى شاملة داخل حركة فتح، ازدياد نفوذ حماس، وانتشار العصابات المحلية المستقلة او التابعة لفتح، والتي نفذت عملياتها بشكل مستقل ضد اسرائيل، وبثت الرعب بين سكان الضفة في نفس الوقت.

عماد شقور، احد القادة المهمين في منظمة التحرير الفلسطينية، قال عشية مؤتمر المجلس الوطني للمنظمة: "كثرة التنظيمات واستخدام السلاح بشكل غير خاضع للرقابة، كما يحدث في الساحة الفلسطينية، يعني الغاء دور السلطة كجهاز مركزي. في الوضع الراهن هناك تنظيمات وتيارات، جبهات وحركات، ولكل واحد منها "جيش" او "جهاز عسكري" او "وحدات" او كتائب" خاصة بها." (الشرق الاوسط، كانون ثان 2004). دعوة شقور وآخرين في فتح لتفكيك اسلحة التنظيمات العسكرية، جاءت متأخرة. الصنم قام على صانعه.



استخلاصات

الاستنزاف المتبادل بعيد عن نهايته. المسؤولية الرئيسية عن جهنم المستعرة في المناطق الفلسطينية، تتحملها اسرائيل برفضها الوصول لتسوية عادلة مع الفلسطينيين الذين مدوا يدهم للسلام. ولكننا كثوريين لا يمكن ان نتسامح مع القيادة الفلسطينية، فقط لكونها الطرف الضعيف في المعادلة. عليها ان تحاسَب على فشلها، وان تفسر لشعبها كيف حولت منظمة ثورية كانت عنوانا لكل الشعب الفلسطيني الى جسم غير ذي اهمية.

في اتفاق اوسلو فضلت السلطة الفلسطينية مصالحها الانانية والآنية على النضال المعادي للامبريالية الذي يحتاج نفسا طويلا. خلال عقد واحد، منذ دخولها المناطق الفلسطينية في 1994 وحتى 2004، اصبح وضع الشعب الفلسطيني اكثر سوءا وتعقيدا من حاله قبل اتفاق اوسلو.

الاستقامة السياسية كانت تستوجب استقالة عرفات بعد عودته من كامب ديفيد، والاعلان ان نهاية مغامرة اوسلو التي قاد شعبه اليها قد انتهت، وان دولة اسرائيل غير جاهزة لاتفاق يمكن للفلسطينيين قبوله. تمسك عرفات بالسلطة قاد الى امرين: الاول تمكين اسرائيل من ضرب الفلسطينيين دون تحمل اية مسؤولية مدنية عنهم بوصفها قوة محتلة، والثاني تحويل النضال من اجل التحرر والسيادة الى حرب عصابات على تقسيم الغنائم.

الحرب ضد الاحتلال يمكن ويجب ان تتم بطريقة لا تستنفذ طاقات الشعب، ولا تبعث بخيرة ابنائه للعالم الآخر، بحثا وراء اغراءات غيبية. الطريق لتحرير فلسطين طويلة جدا، غير متعلقة فقط بالفلسطينيين او بالقوى التقدمية، بل مرتبطة بعوامل موضوعية وعلى رأسها مكانة الولايات المتحدة.

طالما تحكم الولايات المتحدة العالم، ستبقى القضية الفلسطينية حلقة في سلسلة طويلة من القضايا الصعبة التي تواجهها الانسانية مثل بطالة الملايين، الفقر، الامراض، الايدز والحروب. القوى الاجتماعية الجديدة المناهضة لامريكا هي الاطار العالمي الذي يجب ان ينشط داخله انصار القضية الفلسطينية، سعيا لتغيير موازين القوى العالمية. انه شرط اساسي للتخلص من نير الاحتلال الاسرائيلي وتحقيق الحرية والاستقلال.



#روني_بن_افرات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسرائيل، امريكا والحرب القادمة
- الانتفاضة الاولى والثانية: الثورة والمأساة
- اليسار الاسرائيلي رؤية محدودة


المزيد.....




- -قناع بلون السماء- للروائي الفلسطيني السجين باسم خندقجي تفوز ...
- شاهد.. آلاف الطائرات المسيرة تضيء سماء سيول بعرض مذهل
- نائب وزير الدفاع البولندي سابقا يدعو إلى انشاء حقول ألغام عل ...
- قطر ترد على اتهامها بدعم المظاهرات المناهضة لإسرائيل في الجا ...
- الجيش الجزائري يعلن القضاء على -أبو ضحى- (صور)
- الولايات المتحدة.. مؤيدون لإسرائيل يحاولون الاشتباك مع الطلب ...
- زيلينسكي يكشف أسس اتفاقية أمنية ثنائية تتم صياغتها مع واشنطن ...
- فيديو جديد لاغتنام الجيش الروسي أسلحة غربية بينها كاسحة -أبر ...
- قلق غربي يتصاعد.. توسع رقعة الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين
- لقطات جوية لآثار أعاصير مدمرة سوت أحياء مدينة أمريكية بالأرض ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - روني بن افرات - الانتفاضة الثانية اعادت القضية للوراء